Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يشهد العالم "هولودومور" أخرى في غزة؟

تتفق الأعراف الدولية والقوانين الإنسانية على تجريم استخدام "التجويع" كسلاح حرب

قطاع غزة يئن تحت ثقل المجاعة (أ ب)

ملخص

قال المرصد الرئيس للأمن الغذائي في العالم إن "أسوأ سيناريو مجاعة يحدث الآن في قطاع غزة"، وطالب بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية بصورة "فورية ومن دون عقبات"، مشدداً على أنها الوسيلة الوحيدة لوقف "الجوع والموت" اللذين يتصاعدان بسرعة.

في عام 1933، خاض الصحافي الويلزي غاريث ريتشارد فوغان جونز واحدة من أخطر المغامرات الصحافية في تاريخ الحروب الأوروبية، حين تسلل إلى أوكرانيا السوفياتية متحدياً القيود المفروضة على الصحافيين الأجانب في تلك الفترة، ليكشف للعالم حقيقة المجاعة التي حاقت بلداً عُرف بـ"سلة خبز أوروبا".

وعُرفت تلك الكارثة لاحقاً باسم "هولودومور"، وهي الكلمة التي تُترجم أحياناً إلى وباء الجوع أو القتل بالتجويع، لوصف المجاعة المفتعلة التي ارتكبها النظام السوفياتي بحق ملايين الأوكرانيين. وكتب جونز حينها "رأيت جثثاً على الطرقات، سمعت بكاء الأطفال الجائعين، ورأيت قرى بلا طعام.


وكما استخدم ستالين "الجوع" كأداة لإخضاع الأوكرانيين في ثلاثينيات القرن الماضي، تبدو غزة اليوم مسرحاً لمأساة مشابهة، إذ تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن ربع سكان القطاع يعانون من "جوع كارثي"، في ظل الحصار الإسرائيلي الخانق وانقطاع المساعدات.

وتعيش الأرض التي كانت تُعرف بـ"سلة غذاء فلسطين" لما تنتجه من خضروات وفواكه، واقعاً أليماً قالت عنه منظمة الصحة العالمية إنه وصل إلى "مستويات سوء تغذية تنذر بالخطر"، وتشرحه الصور والمقاطع المصورة من دون حاجة إلى "جونز" جديد ليكشفها.

على عتبة المجاعة

تحوّلت غزة، التي وصفها بعض الرحّالة الأوروبيين يوماً بـ"جنة المزارعين"، إلى أرض يواجه سكانها خيارين قاسيين إما الموت جوعاً أو مرارة التهجير القسري من أرضهم، وبلغ الوضع الغذائي في القطاع، المرحلة الخامسة (كارثية) بحسب تصنيف "آي بي سي" العالمي لانعدام الأمن الغذائي، وهي أعلى درجات التصنيف التي تشير إلى خطر وشيك بحدوث مجاعة.

وقال المرصد الرئيس للأمن الغذائي في العالم إن "أسوأ سيناريو مجاعة يحدث الآن في قطاع غزة"، وطالب بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية بصورة "فورية ومن دون عقبات"، مشدداً على أنها الوسيلة الوحيدة لوقف "الجوع والموت" اللذين يتصاعدان بسرعة.

وحذر المرصد من أن عمليات إلقاء المساعدات فوق القطاع غير كافية لوقف الكارثة الإنسانية، مشيراً إلى أن عمليات إدخال المساعدات براً أكثر فاعلية وأماناً وسرعةً.

وذكر التصنيف استناداً إلى بياناته الأخيرة أنه تم بلوغ "عتبة المجاعة" في "معظم أنحاء قطاع غزة"، مشيراً إلى تزايد الوفيات بين الأطفال. وجاء في التقرير أنه "تم نقل ما يزيد على 20 ألف طفل لتلقي العلاج جراء إصابتهم بسوء تغذية حاد بين أبريل (نيسان) ومنتصف يوليو (تموز) 2025، وأكثر من ثلاثة آلاف منهم يعانون سوء تغذية وخيماً".

وبحسب إحصاءات حديثة لوزارة الصحة في غزة، بلغ عدد الوفيات نتيجة سوء التغذية منذ بداية الحرب، 154 حالة وفاة من بينهم 89 طفلاً، 100 حالة منها سُجلت خلال العام الحالي.


"كارثة" من صنع الإنسان

وفي الوقت الذي وصف فيه المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الوضع في غزة بأنه "تجويع جماعي من صنع الإنسان"، اعتبر أكاديميون في دراسات الإبادة الجماعية أن التجويع في القطاع يُستخدم كأداة ممنهجة للإبادة.

وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن ما يجري في القطاع يتجاوز حدود المجاعة إلى جريمة إبادة جماعية كاملة الأركان، تُمارَس باستخدام التجويع الجماعي كأسلوب مباشر للتدمير الممنهج لسكان القطاع.

ويذهب الباحث في شؤون الإبادة الجماعية بجامعة براون، أومير بارتوف إلى أن العقاب الجماعي والتدمير الشامل للبنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات والمتاحف والجامعات، يكشف مسعى متعمداً لجعل الحياة في غزة مستحيلةً بعد الحرب.

بينما حذرت ميلاني أوبراين، رئيسة الجمعية الدولية لعلماء الإبادة، من أن "ما يحدث في غزة يندرج قانوناً ضمن تعريف الإبادة الجماعية"، وفقاً لاتفاقية الإبادة لعام 1948 ونظام روما الأساسي.

ويؤكد الباحث الإسرائيلي راز سيغال، أحد أوائل مستخدمي تعبير "حالة نموذجية للإبادة"، أن لا جدل علمياً معتبراً اليوم حول وصف ما يحدث. وأضاف أنه "لا يوجد باحث احترم عمله يرى ما يجري في غزة اليوم من دون أن يسميه إبادة جماعية".

وقالت منظمتان إسرائيليتان في تقارير مستقلة، إن سلوك الجيش الإسرائيلي خلال الحرب، مقروناً بخطاب القادة السياسيين والعسكريين، يُظهر "نية متعمدة لاستهداف السكان كجماعة، وليس فقط كأطراف في نزاع مسلح"، عبر سياسات شملت حرمان المدنيين من الغذاء والماء، وتدمير مقومات الحياة الأساسية.

اعتبرت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية أن ما يحدث في غزة يتجاوز حدود الأزمة الإنسانية، مؤكدةً أن التجويع يُستخدم كسلاح "إبادة ممنهجة"، لتفكيك المجتمع الفلسطيني، وأنه يُنفَّذ بصورة "مدروسة وتدريجية" أمام أنظار العالم.

وفي السياق حذر الباحث الانتروبولوجي السياسي، ألكس دي وال، المتخصص في تاريخ المجاعات، في مقابلة أجراها مع الإذاعة الوطنية الأميركية، من أنه لم يشهد أي مجاعة منذ الحرب العالمية الثانية كالتي نشاهدها (الآن) في غزة، فهذه المجاعة لم تسببها الكوارث الطبيعية أو غيرها من الظروف التي يصعب تجنبها أو التحكم بها، بل هي مجاعة مصنعة، مصممة بدقة، ومراقبة عن كثب، ومُنفذة بوعي تام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التجويع كسلاح حرب

وبينما يُستخدم "التجويع" كسلاح حرب لا يقل فتكاً عن القنابل، تجمع الأعراف الدولية في إطارها القانوني على تجريمه وتحذر من تبعاته الكارثية في ساحات النزاع، وتجلى ذلك في عدد من الاتفاقيات الدولية التي أرست هذا المبدأ عبر عقود.

ففي عام 1949، نصّت اتفاقيات جنيف، إلى جانب البروتوكول الإضافي الأول الصادر عام 1977، على حظر استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، لا سيما ضد المدنيين، باعتباره انتهاكاً صارخاً للقانون الإنساني الدولي.

وصنف "نظام روما" الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في عام 1998 "تجويع السكان المدنيين عمداً"، من خلال منع الإمدادات الضرورية لبقائهم، كجريمة حرب تستوجب المحاسبة.

وتعزز هذا الإطار القانوني في عام 2018، حين تبنى مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2417، الذي أدان بوضوح استخدام الجوع كسلاح، ودعا إلى كسر الحلقة المفرغة بين الصراع المسلح وانعدام الأمن الغذائي، مؤكداً على ضرورة ملاحقة ومحاسبة الأطراف التي تستغل الجوع كأداة لتحقيق أهدافها.


مراحل الجوع

وبحسب الدراسات والتقارير الطبية فإن المجاعة تمر بثلاث مراحل، تختلف آثارها على جسم الإنسان بحسب المدة ونوع الغذاء المخزن داخله.

ففي الساعات الأولى (6 إلى 10 ساعات)، يستخدم الجسم الغلوكوز كمصدر سريع للطاقة، ثم يتحول لتحطيم الغليكوجين المخزن في الكبد، وهو مخزون لا يكفي سوى لساعات.

بعد 12 إلى 16 ساعة، يبدأ الجسم بالاعتماد على الدهون، محوّلاً الأحماض الدهنية إلى أجسام كيتونية لتغذية الدماغ، ما قد يؤدي إلى ضعف المناعة والشعور بالبرد واضطرابات مزاجية. وفي حدود 18 ساعة، تنشط عملية "الالتهام الذاتي"، إذ تعيد الخلايا تدوير مكوناتها للبقاء.

وبين 24 و72 ساعة، يعتمد الجسم كلياً على الدهون ويفرز هرمون النمو لحماية العضلات، لكن مع استمرار الجوع، يبدأ بتكسير البروتينات، ما يؤدي إلى فقدان الكتلة العضلية ونقص الفيتامينات والمعادن، وتظهر أعراض مثل الخمول والارتباك الذهني.

بعد أسبوع، تنفد الدهون، ويبدأ الجسم باستهلاك البروتين كمصدر طاقة رئيس، ما يؤدي إلى انهيار العضلات، وضعف القلب والكلى، وظهور أمراض خطيرة قد تنتهي الحالة بفشل عضوي أو الوفاة.

وللمفارقة فإن محاولة إنقاذ الشخص المجوّع بإطعامه بسرعة قد تودي بحياته، إذ يمكن أن تحدث "متلازمة إعادة التغذية"، وهي حالة خطيرة ناجمة عن انخفاض حاد في معادن الفوسفات والبوتاسيوم والمغنيسيوم، مسببة تشنجات عضلية، نوبات، أو توقف القلب.

وللوقاية من ذلك، يشدد الخبراء على أهمية اتباع تغذية بطيئة ومدروسة، لا تتجاوز 10 إلى 20 سعرة حرارية لكل كيلوغرام من وزن الجسم يومياً، مع تجنب السكريات السريعة، وتقديم الفيتامينات الضرورية، إلى جانب شرب كميات معتدلة من الماء.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير