Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما جوهر الجدل الدائر في بريطانيا حول الذبح الحلال؟

كثيراً ما نظر إلى الممارسات الإسلامية بريبة من منظور ليبرالي، لكن هل يدور النقاش حقاً حول أكثر من مجرد رفاهية الحيوان؟

الشريعة الإسلامية واليهودية تقوم على ذبح الحيوانات من دون تخدير (صور أنسبلاش)

ملخص

يثير الجدل البريطاني حول حظر الذبح من دون تخدير تساؤلات أعمق عن التوفيق بين رفاهية الحيوان وحرية المعتقد، وسط اتهامات باستخدامه ستاراً ثقافياً لاستهداف الأقليات المسلمة واليهودية وتمحيص ممارساتها الدينية بصورة غير متكافئة مع المعايير السائدة.

عندما وصل والدي إلى المملكة المتحدة في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي للعمل في أحواض السفن في شرق لندن، ضمن الموجة الأولى من الرجال القادمين من بنغلاديش الذين قدموا بعد الحرب العالمية الثانية، لم يكن هناك لحم حلال متاح، لذلك ظل لسنوات طويلة من دونه.

يقصد باللحم الحلال اللحوم التي تعد وفقاً للشريعة الإسلامية، التي تتطلب الذبح السريع من العنق مع ذكر اسم الله كجزء من الشعائر الدينية.

استقر في البداية في حي تاور هامليتس، وهو حي من المدرجات المتهالكة والعمالة الكادحة ذات الأجور المنخفضة، حيث كان هو ورجال آخرون من مدينة سيلهيت (بنغلاديش) يشترون الدجاج من حين لآخر لذبحه بأنفسهم، وفقاً لمبادئ الشريعة. في تلك الشقق الصغيرة والمكتظة، كانوا يطبخون ويأكلون معاً – لا من أجل القوت فقط، بل للحفاظ على كرامتهم وإيمانهم وإحساسهم الهش بالوطن في أرض غير مألوفة.

وناقش البرلمان يوم الإثنين الماضي عريضة عامة لحظر الذبح من دون تخدير، وعلى رغم أنها تعرض كمسألة تتعلق برفاهية الحيوان، إلا أن العريضة تثير قضية أعمق تتعلق بتغريب أو تهميش المجتمعات المسلمة واليهودية ثقافياً في بريطانيا. فالشريعة اليهودية، أو ما يعرف بالكشروت، تتضمن الشحيطة – وهي طريقة ذبح تحظر فيها عملية التخدير أيضاً. استخدام العريضة لكلمات مثل "همجية" ودعوتها للالتزام بـ"القيم البريطانية الحديثة" يوحي بأن بعض الأقليات غير متوافقة مع الهوية الوطنية، ويتحدى فعلياً ممارسات الحلال والكوشر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد تعلمنا في الإسلام أن نعامل الحيوانات برحمة ورعاية، وتحدد الشريعة الإسلامية مبادئ توجيهية واضحة لضمان عدم تعريض الحيوانات لمعاناة لا داعي لها، حتى في مرحلة الذبح.

على مدى قرون، وعبر الثقافات والأديان، وفرت الحيوانات الطعام والملبس ووسائل النقل والحماية والرفقة العاطفية، وينطوي هذا التاريخ المشترك على مسؤولية مشتركة.

ومع ذلك، في فبراير (شباط) 2024، أيدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حظراً على الذبح الديني من دون تخدير في بلجيكا، وخلصت إلى أنه لا ينتهك المادة التاسعة من الاتفاق، وجادلت المحكمة بأن "الأخلاق العامة" تشمل الاهتمام بنوعية بيئة الحياة الخاصة بالأفراد وأيضاً الحيوانات.

ولكن أخلاق من يجري الدفاع عنها هنا؟ وبأي ثمن على الحرية الدينية؟

لا يعكس هذا القرار الحياد الأخلاقي، بل يعكس تراتبية في القيم، وتراتبية في القيم تقرر فيها الغالبية الثقافية ما هو مقبول، ويطلب من الأقليات التكيف معه.

تتجاهل رواية الإقصاء هذه كيف أن المعايير البريطانية حول الطعام والتقاليد والضرورة تشكلت أيضاً من خلال التاريخ والظروف.

في الثمانينيات، عندما طلبنا – أنا وإخوتي – من والدنا أن نقتني أرنباً كحيوان أليف، ضحك. وقال: "هل سنأكله أيضاً؟"، كانت نصف مزحة ونصف ذكرى. بالنسبة إليه، كان الأرنب رمزاً للحاجة، لا للعاطفة.

أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها، كان لحم الأرانب عنصراً أساسياً في النظام الغذائي البريطاني. في أماكن مثل شرق لندن، لم تكن أكواخ الفناء الخلفي لتربية الأرانب كحيوانات أليفة، بل كانت مخصصة لطبخها في القدور. كان الأمر عادياً وعملياً - بريطانياً بلا شك. لم تكن مثل هذه الممارسات مشينة، بل كان ينظر إليها على أنها ممارسات منطقية.

تراقب هيئة معايير الأغذية Food Standards Agency (FSA)، وهي الجهة المنظمة لسلامة الأغذية والنظافة الصحية في المملكة المتحدة، الامتثال في جميع المسالخ، الحلال وغير الحلال على حد سواء. في تقريرها للفترة 2023-2024، سجلت الهيئة 362 انتهاكاً للوائح رعاية الحيوانات، لكنها لم تحدد ما إذا كانت هذه الانتهاكات حدثت في المنشآت المعتمدة من الحلال أو المنشآت العادية. وبالنظر إلى أن ما يقرب من 88 في المئة من الحيوانات المذبوحة للاستهلاك الحلال في المملكة المتحدة تخدر أولاً – ارتفاعاً من 80 في المئة عام 2015 - وأن عدد المسالخ التي لا تستخدم التخدير في الذبح الحلال أو الكوشر قليل جداً، فمن المرجح إحصائياً أن غالبية هذه الانتهاكات حدثت في المسالخ التقليدية التي تستخدم التخدير.

ومع ذلك، لا تزال ممارسات الذبح الحلال تواجه تمحيصاً غير متناسب، على رغم أن "بروتوكول إثبات الحياة" Demonstration of Life المدعوم من الحكومة أظهر أن الذبح الحلال من دون تخدير يمكن أن يفي بمعايير الرعاية المعمول بها. وأنشئ البروتوكول عام 2021 بدعم من المجموعة البرلمانية لجميع الأحزاب المعنية برفاهية الحيوان، وهو مخطط يقوده القطاع وتدعمه الحكومة ويؤكد للمستهلكين المسلمين، سواء في المملكة المتحدة أم في الخارج، أن التخدير الكهربائي للرأس فقط للأغنام والماعز يتوافق مع مبادئ الذبح الحلال.

ويعكس اقتراح حظر الذبح من دون تخدير، الذي تجري مناقشته من خلال هذه العريضة، اتجاهاً أوسع نطاقاً للتمحيص الذي يستهدف حياة المسلمين في بريطانيا. كثيراً ما عوملت الممارسات الإسلامية بريبة تحت ستار القلق الليبرالي، سواء في المناقشات في شأن اللحم الحلال أو البرقع أو الشريعة الإسلامية. ومن الأمثلة الأخيرة على ذلك ما حدث الأربعاء الماضي، عندما تحدت النائبة حزب "ريفورم" البريطانية سارة بوشين السير كير ستارمر لتوضيح ما إذا كان سيدعم حظر غطاء الوجه والجسد الذي ترتديه بعض النساء المسلمات، وهي سياسة معمول بها بالفعل في دول مثل فرنسا والدنمارك وبلجيكا.

وهو ما يثير سؤالاً ملحاً: قيم أية مجموعة تحمى، ولماذا يطلب من الأقليات دوماً تبرير قيمها؟

في نهاية المطاف، لا يكمن السؤال في حظر الذبح من دون تخدير من عدمه، بل كيفية التوفيق بين رفاهية الحيوان وحرية المعتقد من دون أن نحمل الأقليات المسؤولية أو نجعلها كبش فداء.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير