ملخص
أوصت لجنة الشؤون القانونية والحريات بالبرلمان، بتسريع وتيرة التعبئة العامة بمختلف أبعادها المادية والبشرية والمعنوية، من خلال إعداد الوسائل اللوجيستية ومنشآت الحماية، على غرار الملاجئ، مع تكييفها بما يتماشى مع المتطلبات وظروف الأزمات، وكذلك تكييف المنشآت القاعدية، لا سيما الطرقات لتلائم سياق التعبئة العامة وحاجاتها في أوقات الحرب والطوارئ، إلى جانب إشراك المحبوسين.
لا يزال موضوع التعبئة العامة يصنع الحدث في الجزائر بعد نزول مشروع القانون إلى قبة البرلمان من أجل المناقشة والإثراء، لا سيما بعد الملاحظات التي قدمها نواب لتسريع تجهيز الملاجئ وتعزيز الأمن السيبراني وغيرها، وهو ما جعل الشارع يطرح تساؤلات حول الأسباب والأهداف على اعتبار أنه مصطلح سياسي عسكري مرتبط بالأزمات والكوارث والحروب.
لماذا الاهتمام والانشغال؟
وعلى رغم أن إدراج التعبئة العامة ضمن قائمة الملفات التي تناولها مجس الوزراء، جاء بغرض تحديد الإطار التنفيذي للقانون المنصوص عليه أصلاً في الدستور، فإن المقترحات والتوصيات التي طرحها ممثلو الشعب بالبرلمان والمتعلقة بمشروع القانون أثارت مزيداً من الاهتمام والانشغال، خصوصاً أن صعوده إلى السطح رافق التطورات السياسية والأمنية في المنطقة المحيطة بالجزائر وحتى دولياً.
وبالعودة إلى معنى التعبئة العامة، فإنه قرار سياسي تتخذه الدولة بحشد جميع القوات المسلحة التي تتوفر عليها من أجل الانتظام في عمل عسكري أو لمواجهة كارثة كبرى تتعرض لها البلاد، ويشمل الإجراء الجنود العاملين في الجيش وأجهزة الأمن الأخرى، كما يُستدعى بموجبه جنود الاحتياط أيضاً.
ولا تخص التعبئة العامة أفراد الجيش والأجهزة الأمنية وحدهم، بل تشمل جميع شرائح المجتمع في كل القطاعات والهيئات الاجتماعية والاقتصادية، حيث توجه كل أجهزة الدولة ومصالحها إلى هدف واحد هو الاستعداد للتعامل مع الخطر.
وفي هذه الحال الاستثنائية، تعتمد الحكومة اقتصاد الحرب الذي يقتضي التكيف مع الظروف الخاصة التي تمر بها البلاد، فتسخر جميع الموارد الاستراتيجية مثل الطاقة والتكنولوجيا والمواصلات والصناعة للمجهود العسكري.
توصيات تخفي وراءها تحديات؟
وأوصت لجنة الشؤون القانونية والحريات بالبرلمان، بتسريع وتيرة التعبئة العامة بمختلف أبعادها المادية والبشرية والمعنوية، من خلال إعداد الوسائل اللوجيستية ومنشآت الحماية، على غرار الملاجئ، مع تكييفها بما يتماشى مع المتطلبات وظروف الأزمات، وكذلك تكييف المنشآت القاعدية، لا سيما الطرقات لتلائم سياق التعبئة العامة وحاجاتها في أوقات الحرب والطوارئ، إلى جانب إشراك المحبوسين. وشددت اللجنة على أهمية دعم وتشجيع الباحثين والمبتكرين الجزائريين داخل الوطن وخارجه على إنتاج محتويات معلوماتية وطنية توظف لمجابهة تغلغل وسائل التواصل الاجتماعي الأجنبية، مع تأكيد تعزيز القدرات التكنولوجية للبلاد من أجل تحقيق الأمن السيبراني الوطني. ودعت اللجنة البرلمانية كافة الجزائريين بمختلف أطيافهم ومكوناتهم، إلى الالتفاف حول القيادة السياسية للبلاد، بقيادة الرئيس تبون، والجيش الوطني الشعبي، والقوى الأمنية، والمؤسسات الدستورية، معتبرة أن هذا الالتفاف يندرج في سياق مواجهة الأخطار المحدقة بالجزائر، وتعزيز اللحمة الوطنية والانسجام الاجتماعي، بما يضمن تجسيد أهداف مشروع القانون، ومساهمة الجميع في حماية الوطن والدفاع عنه.
حرب وشيكة
ويحقق إعلان التعبئة العامة عدة أهداف، منها ما هو سياسي نفسي، ومنها ما هو استراتيجي عسكري، حيث تسعى الدولة إلى تأكيد الوحدة الوطنية، وعلى التفاف جميع القوى السياسية والاجتماعية في البلاد حولها، وهي بذلك تهيئ المجتمع نفسياً للتعامل من التطورات السياسية والأمنية الخطرة، بهدوء وثقة وبأقل قدر من القلق والاضطراب، وتطمئن الناس في الداخل بأن الدولة تمسك بزمام الأمور كلها، وبأنها قادرة على حمايتهم من أي خطر، داخلي أو خارجي، يهددهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرسل إعلان التعبئة العامة، في الوقت نفسه إشارة إلى القوى الخارجية بأن البلاد مستعدة وجاهزة للتحرك عسكرياً، إذا تطلب الأمر، وبأنها ستدافع عن سيادتها ومصالحها الاستراتيجية.
وإقرار قانون التعبئة العامة في الجزائر لا يعني بالضرورة أن البلاد ستعلنه قريباً، ولكنه دليل على الحاجة إليه في الوقت الراهن، ولا يعني إعلانه أن البلاد مقبلة على حرب وشيكة، ولكنه مؤشر واضح إلى حال قصوى من التوتر في المنطقة.
قانون تنظيمي
وفي السياق رأى البرلماني علي محمد ربيج أن هذا القانون كان مفترضاً أن يناقشه البرلمان في 2021 تماشياً مع دستور 2020، ولكن تأخر إلى اليوم، مضيفاً أنه ينظم حال مؤسسات الدولة وتعبئة الموارد البشرية والطبيعية وكل الإمكانات لخدمة مشروع الحرب ولخدمة قرار الحرب. وأوضح ربيج أن مناقشة قانون التعبئة لا يعني بالضرورة أن الجزائر تستعد لدخول الحرب، مشيراً إلى أن كل الدول مستعدة للحرب، على اعتبار أنها استمرار للسياسة بالوسائل العنيفة، وهي قرار يمكن أن يتخذ من قبل الدول الأعداء في أية لحظة.
"الجزائر في حال استعداد وفي حال سلم وفي طيبة مع كل الدول"، هذا ما قاله ربيج، متابعاً "لكن الاستراتيجية الوطنية تفرض علينا أن نكون مستعدين للظروف الاستثنائية سواء كانت حرباً أو كوارث طبيعية أو أزمات صحية أو تهديدات غير تناظرية أو غير تماثلية". وأضاف أن بناء الملاجئ وتشييد الجسور وتقوية الجبهة الداخلية، ووضع استراتيجية اقتصادية وغذائية وأمن مائي وصحي وغيرها، كلها تخدم الاستراتيجية الحربية، ولكن هذا لا يعني أن الجزائر تسقط من حساباتها التحولات الإقليمية وحال الصدام والحروب التي تحدث اليوم في العالم. وختم ربيج "لا يمكن أن نكون بعيدين من كل هذه التقلبات والمتغيرات التي تحدث"، بل من الضروري ومن الأجدر أن تكون الجزائر مستعدة على جميع المستويات.
انعكاسات على الأمن القومي
إلى ذلك قال البرلماني السابق عدة فلاحي، "يجب أن نستعد للحرب لأننا إذا لم نقم بذلك فلا نحقق لأنفسنا السلم والأمان، والجيوش التي لا تخوض حروباً لفترة طويلة تصاب بالجمود والتراخي". وأكد أن "الحرب الإعلامية والسيبرانية ضدنا تشتغل منذ فترة طويلة، وبعض الأنظمة في الساحل انقلبت علينا، وإسرائيل وحلفاؤها يسعون إلى ضرب استقرار البلاد بسبب وقوفنا مع القضية الفلسطينية من دون تحفظ، كما هي الحال مع قضية الشعب الصحراوي أيضاً، وكذلك الفوضى التي تسود الشقيقة ليبيا، كلها تحديات لها انعكاسات على أمننا القومي، تستدعي الاستعداد للحرب". ولفت فلاحي إلى أن الحروب المعلنة وغير المعلنة ضد الجزائر مردها التحول الذي تشهده البلاد على مستوى استقلالية القرار السياسي والإقلاع الاقتصادي الذي يريد أن يتجاوز الاستثمار في الطاقة التي عادت تتصدر الأهمية على مستوى المسرح الدولي بعد اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، مشيراً إلى أطراف تحرك آلة الإرهاب بالجزائر تحت تسميات وعناوين معينة، وهذه بطبيعة الحال مدعاة لليقظة والاستعداد لكل الاحتمالات من دون تردد، وفق قوله.