Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف نفهم رغبة إيلون ماسك توسيع نفوذه خارج أميركا؟

عملاق التكنولوجيا في الولايات المتحدة أثار الجدل بتدخله في الشؤون السياسية للدول الحلفاء وأنباء تواصله مع "بوتين وإيران" عززت مخاوفهم ومستقبل الرجل "معلق" مع اتساع شريحة الرافضين سياساته

خلال الفترة الأخيرة كشفت نتائج عدد من استطلاعات الرأي تراجع شعبية ماسك في الداخل الأميركي (أ ف ب)

ملخص

أمام تصدر ماسك عناوين الأخبار بصورة شبه يومية بآرائه المثيرة وتصريحاته الجريئة ومواصلة تحركاته المؤثرة عالمياً، تكثر الأسئلة حول كيفية فهم نفوذ الرجل خارج الولايات المتحدة، وقراءة طموحه الذي تجاوز حدود الصناعة والتكنولوجيا إلى ميادين السياسة، وإلى أي مدى يمكن أن يتوارى بدوره على وقع الخلاف الراهن حوله داخل أروقة السياسة الأميركية؟

منذ اليوم الأول لانخراطه المكثف في تمويل ودعم حملة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الانتخابية قبل نحو عام بدا أن طموح أغنى رجل في العالم، إيلون ماسك، يتجاوز إمبراطورتيه التجارية إلى ما هو أبعد حتى من السياسة الداخلية للولايات المتحدة.

فالرجل الذي أسند إليه بجانب رجل الأعمال والمرشح الجمهوري السابق للرئاسة فيفيك رامسوامي "وزارة الكفاءة الحكومية"، في ولاية ترمب الثانية، تجاوز الجدل حول أدواره وطموحاته، السياسية الأميركية، إذ على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، من عمر إدارة الرئيس الأميركي، سعى ماسك إلى دعم أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، مثيراً غضب حلفاء بلاده التقليديين، وذلك في وقت تكشفت فيها اتصالات سابقة له مع موسكو وإيران، مستغلاً امتلاكه بعض أشهر شركات التكنولوجيا في العالم بما فيها منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، وشركة تصنيع السيارات "تيسلا" وشركة الفضاء "سبيس إكس"، ليصبح تدخله في السياسة العالمية أكثر حضوراً، مما فتح باب التأويل في شأن طموحات الرجل السياسية.

وأمام تصدر ماسك عناوين الأخبار بصورة شبه يومية بآرائه المثيرة وتصريحاته الجريئة ومواصلة تحركاته المؤثرة عالمياً، تكثر الأسئلة حول كيفية فهم نفوذ الرجل خارج الولايات المتحدة، وقراءة طموحه الذي تجاوز حدود الصناعة والتكنولوجيا إلى ميادين السياسة، وإلى أي مدى يمكن أن يتوارى بدوره على وقع الخلاف الراهن حوله داخل أروقة السياسة الأميركية؟

من الاقتصاد إلى السياسة

وفق تتبع مسيرة إيلون ماسك الاقتصادية، فقد تمكن الأخير في ظرف نحو ثلاثة عقود فقط، منذ تأسيس أول شركة له بمبلغ 15 ألف دولار، وحملت اسم "زيب 2" (تخصصت في تقديم الخرائط والأدلة التجارية للصحف الإلكترونية) عام 1955، من إنشاء مجموعة من الشركات الناجحة وأصبح أحد عمالقة التكنولوجيا حول العالم، ممتلكاً ثروة تقدر بأكثر من 243 مليار دولار أميركي.

في أحد تقاريرها حول سيرة ماسك، تقول صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية إن موهبة رجل الأعمال الأميركي ظهرت خلال أعوام انخراطه التكنولوجي الأولى، لا سيما في ما يتعلق بقدرته على تحويل الشركات الناشئة إلى شركات تكنولوجية رائدة عالمياً، التي سرعان ما جعلته يسيطر على البنية التحتية الرقمية الرئيسة لتسهم لاحقاً في زيادة نفوذه السياسي، موضحة أنه بعد شركته الأولى "زيب 2" التي باعها لشركة "كومباك كمبيوتر" مقابل 307 ملايين دولار عام 1999، أسس شركة الخدمات المالية الإلكترونية وتمويل الشركات "إكس دوت كوم"، ودمجت في ما بعد مع شركة تحويل الأموال "كونفينتي"، وعرفت الشركة الجديدة باسم "باي بال" واختصت في تحويل الأموال عبر الإنترنت، وأعلنت شركة "إي باي" شراءها عام 2002 مقابل 1.5 مليار دولار.

وقال إيلون ماسك، المولود في مدينة بريتوريا بجنوب أفريقيا عام 1971 ، خلال أحد لقاءاته الصحافية، إنه في سن مراهقته شعر بـ"التزام شخصي" تجاه مصير البشرية، مما ألهمه الدخول في طريق "تكنولوجيا الطاقة النظيفة"، كذلك حرص على توفير بديل للبشر للعيش في كواكب أخرى، مما ألهمه إنشاء شركة "سبيس إكس" الفضائية عام 2002 بمبلغ نحو 100 مليون دولار، وذلك قبل نحو عامين فقط من تأسيسه شركة "تيسلا" لصناعة المركبات الكهربائية والأنظمة الشمسية والبطاريات عام 2004، التي سرعان ما غزت عالم السيارات ووصلت مبيعاتها عام 2023 إلى نحو 1.8 مليون سيارة.

ومع قدرة ماسك على تأسيس شركات تكنولوجية عملاقة، بزغ نجم الرجل في عالم التكنولوجيا خلال الأعوام الأولى من الألفية الجديدة، لا سيما بعدما حصلت شركته "سبيس إكس"، عام 2008 على عقد من إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) بقيمة 1.6 مليار دولار أميركي، نص على تنظيم 12 رحلة إلى محطة الفضاء الدولية  وإيصال الحمولة إلى محطة الفضاء الدولية، بدلاً من مكوك "ناسا" الفضائي المتقاعد عام 2011. وكانت "سبيس إكس" مدخل إيلون ماسك إلى مجال الاتصالات والإنترنت، ففي عام 2015 أعلن عن إطلاق شركة "ستارلينك" بهدف نشر شبكة من الأقمار الاصطناعية بغية بث الإنترنت الفضائي إلى جميع البلدان، كذلك ساعد على تأسيس شركة "أوبن أي آي" (تشات جي بي تي) البحثية غير الربحية في العام ذاته، التي هدفت إلى تطوير الذكاء الاصطناعي، ومما وسع نفوذه التكنولوجي شراؤه منصة "إكس" (تويتر) سابقاً عام 2022، التي كان أحد مستثمريها منذ عام 2009، وعام 2023 أعلن ماسك عن إطلاق شركته الخاصة بالذكاء الاصطناعي "إكس أي آي".

 

وبموازاة توسع الرجل التكنولوجي بدأ ظهور حضور ماسك السياسي، الذي وإن لم يكن جديداً إلا أنه كان طاغياً خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية العام الماضي ودعمه الكبير الرئيس دونالد ترمب وحتى الوقت الحالي، ليتصدر منذ ذلك الوقت وبصورة شبه يومية عناوين الأخبار العالمية، مما أثار كثيراً من التساؤلات حول مدى النفوذ الذي يتمتع به الملياردير في اتخاذ القرار السياسي، والعلاقة بينه وبين الرئيس الأميركي، وانعكاسات هذا التحالف على السياسات الخارجية للولايات المتحدة، لا سيما مع انخراط الرجل في قضايا وملفات عدة حول العالم.

وبينما قيمت مجلة "أتلانتيك" الأميركية نفوذ ماسك السياسي انطلاقاً من تراكم ثروته في عالم التكنولوجيا، قبل أن يتوسع ليصبح فاعلاً سياسياً مؤثراً في الساحة العالمية، ومتحالفاً مع التيارات اليمينية المتطرفة، فضلاً عن استخدامه نفوذه وأدواته للتأثير في مسار الانتخابات والسياسات، اعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في أحد تحليلاتها عن الرجل، أن نفوذه السياسي أصبح أكثر من أي وقت مضى مع الانتخابات الأميركية الأخيرة، إذ تضاعفت ثروته، وبات يُتعامل معه باعتباره "اليد اليمنى" لترمب، بعدما شارك في اختيار أعضاء الإدارة الأميركية الجديدة، كذلك انضم إليه في محادثات ترمب مع قادة العالم، معتبرة أن "ماسك يستعرض عضلاته السياسية على المسرح العالمي منذ بدء العام الجديد"، لا سيما وأنه ينتهج مساراً مشابهاً لذلك الذي استخدمه للتأثير في السياسة الأميركية، حين يدعم سياسيين محافظين في حكومات كبار حلفاء الولايات المتحدة.

دعم اليمين المتطرف أينما وجد

من بين ملفات النفوذ الخارجية للملياردير الأميركي، التي أحدثت جدلاً واسعاً خلال الأشهر الأربعة الماضية، كانت انتهاج ماسك سياسة دعم اليمين، ليس فقط داخل الولايات المتحدة وإنما حتى بين حلفاء واشنطن التقليديين في الخارج.

وعلى رغم أن انتهاج ماسك مثل هذه السياسة بدأ قبل انخراطه الواسع في حملة ترمب الانتخابية، حين دعم اليمين في كل من الهند والبرازيل وحتى الأرجنتين، فإن ما أثار الضجة حول هذا الأمر، جاء حين أعلن تأييده الأحزاب اليمينية في الأسابيع الأولى من العام الحالي في كل من ألمانيا وكندا وبريطانيا وحتى إيطاليا، إذ بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، فقد سعى الملياردير الأميركي إلى تعزيز نفوذ كثير من شخصيات اليمين المتطرف في بريطانيا وألمانيا وكندا عبر سيل من المنشورات على حسابه على منصة "إكس"، موضحة أن ماسك تدخل في الأيام الثلاثة الأولى من عام 2025 في شؤون السياسة العالمية من خلال عشرات المنشورات المتتالية، والمثيرة للجدل التي وجهها لمتابعيه الذين يزيد عددهم على 210 ملايين على منصة "إكس".

ففي أوائل عام 2025 استضاف إيلون ماسك زعيمة حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، أليس فايدل، في بث مباشر على منصة "إكس"، وخلال المحادثة أعلن ماسك تأييده الحزب، قائلاً "فقط حزب البديل من أجل ألمانيا يمكنه إنقاذ ألمانيا"، وأثار هذا التصريح جدلاً واسعاً، لا سيما وأن الحزب معروف بعلاقاته المثيرة للجدل مع الجماعات المتطرفة والنازيين الجدد. ولم يكتف ماسك بهذا الحد، بل كتب مقالاً في صحيفة ألمانية يؤيد فيها الحزب الشعبوي، واصفاً إياه بأنه "آخر بصيص أمل لهذا البلد"، وأشاد بنهجه في التنظيم والضرائب وتحرير السوق، ليتحدى بذلك المعارضة التي يواجهها الحزب داخل ألمانيا، ومع أن الحزب حاول نفي ارتباطه بالجماعات المتطرفة، إلا أن كثيراً من السياسيين الأوروبيين والنقاد يرون أن دعم ماسك له يمنحه شرعية جديدة ويعزز مكانته السياسية.

ورداً على ذلك اتهمت الحكومة الألمانية ماسك بمحاولة التأثير في انتخاباتها التي أُجريت في فبراير (شباط) الماضي، بدعمه حزباً تصنفه الاستخبارات الألمانية كـ"منظمة متطرفة مُشتبه فيها"، وأُسس حزب البديل من أجل ألمانيا عام 2013 كحزب مناهض للاتحاد الأوروبي، وفي الآونة الأخيرة اتخذ موقفاً متشدداً في شأن الهجرة، مما أكسبه صفة اليمين المتطرف في بعض القضايا السياسية.

 

ولم يكتف ماسك بهذا الحد، بل طاولت سهام نقده في ألمانيا، خلال موسم الانتخابات بها، المستشار الألماني، أولاف شولتز، حين وصفه بأنه "أحمق غير كفء"، ليرد عليه الأخير، قائلاً في تصريحات نشرتها الصحافة الألمانية حينها إنه "لا يوجد شيء جديد" في شأن انتقادات "أصحاب المشاريع الإعلامية الأثرياء (ماسك) الذين لا يقدّرون السياسة الديمقراطية الاجتماعية ولا يخفون آراءهم"، معتبراً أن هناك "كثيراً من الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي يريدون جذب الانتباه بشعارات قوية".

وفي لندن أيضاً بدا السجال وتبادل النقض جلياً بينه وبين رئيس الوزراء البريطاني وزعيم حزب العمال كير ستارمر، حين اتهمه ماسك بـ"التقصير في معالجة قضايا الاعتداء الجنسي أثناء توليه منصب رئيس خدمات الادعاء العام (في الفترة ما بين 2008/2013) ضد أطفال في شمال إنجلترا"، التي أثارت سابقاً دعوات إلى إجراء تحقيق شامل من قبل حزب "المحافظين" البريطاني، ونشر ماسك صوراً ساخرة في حقه، كذلك نشر استطلاع رأي يسأل فيه مستخدمي منصته عما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة "تحرير شعب بريطانيا من حكومتهم الاستبدادية"، وذلك مع مطالبته ملك بريطانيا، الملك تشارلز الثالث، في إحدى تغريداته، بحل البرلمان والدعوة إلى إجراء انتخابات عامة جديدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل رد عليه ستارمر منتقداً هؤلاء "الذين ينشرون أكاذيب ومعلومات مضلّلة" ورداً على أسئلة وسائل الإعلام عن هذه المسألة، شدد ستارمر على أنه "لن يخصص وقتاً (للرد على) إيلون ماسك"، ولكنه أضاف أن "خطاً أحمر قد تُجووز" من خلال بعض الانتقادات عبر الإنترنت.

ورفض ستارمر دعوات حزب المحافظين المعارض الرئيس وحزب إصلاح المملكة المتحدة اليميني المتطرف، إلى إجراء تحقيق عام جديد حول تهم "الاعتداء الجنسي"، مؤكداً أن التحقيق المستقل السابق كان "شاملاً"، وقال إنه تعامل مع المشكلة "بشكل مباشر" بصفته مدعياً عاماً، وأشرف على "أكبر عدد من قضايا الاعتداء الجنسي على الأطفال التي عُرضت أمام المحاكم على الإطلاق".

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل دعم الملياردير الأميركي، الناشط السياسي اليميني المتطرف، الزعيم السابق لـ"رابطة الدفاع" الإنجليزية، تومي روبنسون، الذي نظَّم احتجاجات مناهضة للإسلام على مدى أعوام في جميع أنحاء بريطانيا، والذي يقضي عقوبة في السجن، لمدة 18 شهراً لقيامه بإعادة نشر ادعاء كاذب بأن تلميذاً سورياً لاجئاً قد هاجم فتيات إنجليزيات، وعلى رغم انتقاده من قبل نايجل فاراج، زعيم حزب الإصلاح البريطاني، لدعمه روبنسون، رد ماسك قائلاً إن الأخير "غير مؤهل للقيادة"، وهو ما عدته وسائل الإعلام الأميركي محاولة من ماسك للتأثير في السياسة الأوروبية.

 

وفي كندا أيضاً تدخل ماسك، في سياساتها حين أشاد بمقابلة أُجريت مع زعيم حزب المحافظين الكندي، بيير بواليفير، كذلك دعم رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني (يمينية)، واصفاً إياها بـ"العبقرية الرائعة" التي كانت "أجمل من الداخل مما هي عليه في الخارج".

وحول هذا الدعم لليمين، تقول "واشنطن بوست"، إن "ماسك يستعرض عضلاته السياسية على المسرح العالمي منذ بدء عام 2025"، مشيرة إلى أنه يطبق نهجاً مشابهاً لذلك الذي استخدمه للتأثير في السياسة الأميركية، حين يدعم سياسيين محافظين في حكومات كبار حلفاء الولايات المتحدة، واعتبرت أن تجاهل ماسك مدى دقة منشوراته على "إكس"، وإشادته بشخصيات من اليمين المتطرف أثارت قلق القادة الليبراليين (التيار اليساري) في جميع أنحاء العالم.

ووفق الصحيفة ذاتها فإن تحركات عملاق التكنولوجيا الأميركي أثارت تكهنات بأنه قد يسعى إلى دعم السياسيين المحافظين في الخارج مالياً، بعدما أصبح أكبر مانح سياسي في الولايات المتحدة، إذ أنفق 277 مليون دولار على الانتخابات الأميركية العام الماضي.

وأثار "تدخل" ماسك في السياسة الأوروبية انتقادات من قادة أوروبيين آخرين من بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي قال إن ماسك "يتدخل بشكل مباشر في الانتخابات"، بما في ذلك في ألمانيا، كذلك قال رئيس الحكومة النرويجية يوناس غار ستور إنه يجد "من المثير للقلق" أن يتدخل شخص لديه كل هذه الثروة والنفوذ في السياسة في الدول الأوروبية.

جدل التواصل مع موسكو وطهران

لم يقتصر الجدل الذي أحدثه ماسك على صعيد حلفاء واشنطن التقليديين، فخلال الأشهر الأخيرة أفادت وسائل إعلام أميركية أن الملياردير الأميركي كان على اتصال بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ نهاية عام 2022، فضلاً عن أنه التقى السفير الإيراني في الأمم المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي.

وفي الحالة الروسية، وبحسب ما أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، فإن عملاق التكنولوجيا الأميركي كان على اتصال منتظم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ أواخر عام 2022 ، وجاء في التقرير، نقلاً عن مسؤولين عدة من الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا، أن المحادثات كانت تُغطي مسائل شخصية ومصالح تجارية وتوترات جيوسياسية ،مشيرة إلى أن بوتين طلب من ماسك عدم تفعيل خدمة الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية "ستار لينك" فوق تايوان خدمة للرئيس الصيني تشي جينبينغ، الذي تربطه اتصالات وثيقة بفلاديمير بوتين، ولم يرد ماسك حتى الآن حول هذا الشأن.

وبحسب الصحيفة ذاتها، فإن وجود قناة اتصال سرية بين ماسك وبوتين له تداعيات كبيرة على الأمن الغربي، إذ إن ماسك يعتبر شخصية أساسية في برنامج الفضاء الأميركي ويحمل تصريح أمان عالي المستوى.

 

وعلى رغم أن ماسك كان قد دعم القوات الأوكرانية بتزويدها بخدمة "ستارلينك" بعدما طلبتها منه لتسهيل التواصل بين القوات على الجبهات الأمامية، مما ساعد الجيش الأوكراني في حربه مع روسيا المستمرة منذ فبراير 2022، فإن ماسك ما لبث أن غير موقفه من هذه الحرب، وبدأ يغازل الرئيس بوتين، ويدعو إلى عقد مفاوضات للسلام، بل نشر تغريدة عن مقترحاته لهذا السلام، من بينها تنازل أوكرانيا للروس عن مناطق مثل "إقليم القرم"، مما أثار غضب كييف. ولاحقاً هدد ماسك بقطع الإنترنت عن القوات الأوكرانية، متذرعاً بأن ذلك يكلفه مئات الملايين من الدولارات سنوياً، لكن "البنتاغون" تدخل على الفور، وقرر تحمل كلف هذه الشبكة.

كذلك، في نوفمبر 2024 أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن ماسك التقى أمير سعيد إيرواني سفير إيران لدى الأمم المتحدة في نيويورك، وذلك لمناقشة كيفية نزع فتيل التوتر بين إيران والولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترمب، مشيرة إلى أن اللقاء استمر أكثر من ساعة وعقد في موقع سري، وعززت مثل تلك التقارير المخاوف الأوروبية في شأن الانفتاح الأميركي على البلدين على حساب المصالح الغربية.

وقالت الصحيفة إن السفير الإيراني حض ماسك في اجتماعهما على السعي إلى الحصول على إعفاءات من العقوبات الأميركية، والقيام بأعمال تجارية في طهران، حسبما نقلت عن مسؤول بوزارة الخارجية الإيرانية، وعليه عد مراقبون اللقاء "انفراجة" في العلاقات بعد محاولات أميركية للضغط على إيران لتخفيف التوتر الإقليمي في الشرق الأوسط، وبعد الاتهام الذي وجهته واشنطن إلى طهران بالتحضير لمخطط لاغتيال ترمب.

هيمنة تكنولوجية "ومصير مجهول"

أتاحت هيمنة ماسك على كل من منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، فضلاً عن امتلاكه خدمة "ستارلينك" للإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية، من توسيع نفوذه السياسي وبدا بحسب كثر أن طموحات الملياردير الأميركي السياسية لن تتوقف عند حدود الولايات المتحدة أو أوروبا، مستغلاً ثروته الهائلة ونفوذه الإعلامي، لا سيما بعدما توغل في كثير من المجالات الحساسة والإستراتيجية، مثل الاستحواذ على أكثر من 60 في المئة من صناعة شواحن السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة من خلال شركة "تيسلا"، كذلك تحتكر شركته "سبيس إكس" تشغيل الصواريخ الأميركية التي تحمل المركبات والرواد إلى الفضاء، ومن خلال "تيسلا" و"سبيس إكس"، حصل ماسك على عقود بمليارات الدولارات من الحكومة الأميركية.

ومن خلال سيطرته على منصة "إكس" عام 2022، التي تعد واحدة من منصات التواصل الاجتماعي الأكثر تأثيراً في عصرنا، وقبلها بأعوام إطلاق مشروع "ستارلينك" عام 2015، أصبح رجل الأعمال ماسك، الذي كان يصف نفسه في السابق بأنه "معتدل"، يقف وبشكل متزايد إلى جانب المحافظين، وبات يُبدي معارضته للحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الأميركية والأفكار الليبرالية بصورة عامة التي يعتبرها ضارة بالمجتمع.

وفي 2015 أعلنت شركة "سبيس إكس" (أُسست في 2002)، المتخصصة في خدمات استكشاف ورحلات الفضاء، إنشاء "ستارلينك"، بهدف توفير خدمات إنترنت عالية السرعة من الفضاء، تصل إلى المناطق النائية على الأرض، بالاعتماد على الأقمار الاصطناعية المحلقة في المدار المنخفض حول الأرض (تدور على بعد نحو 550كم من سطح الأرض)، وبعد سلسلة من المحاولات والتجارب تمكنت "ستارلينك" من إطلاق أول أقمارها التجريبية إلى الفضاء في 2018، لتتجاوز تدرجاً الآن أكثر من 3 آلاف قمر اصطناعي.

ووفق الموقع الإلكتروني لـ"سبيس إكس"، تقوم فكرة "ستارلينك" في الأساس على توفير خدمات الإنترنت إلى البشر جميعاً، بخاصة في الأماكن النائية التي لا تتوفر فيها بنية تحتية تسمح لسكانها بالحصول على الإنترنت الأرضي، المعتمد على الكابلات الأرضية، وكذلك غير المتوفر بها تغطية جيدة لشبكات المحمول اللاسلكية، كذلك العمل على توفير الاتصال بالإنترنت في أوقات الأزمات والكوارث الطبيعية، وذلك بسرعات تراوح ما بين 50 و250 ميغابيت في الثانية الواحدة، على مستوى الاستخدام المنزلي، بينما السرعات تصل إلى 350 ميغابيت في الثانية بالنسبة إلى الشركات المشتركة في الخدمة ذاتها.

وعلى رغم الكلفة العالية للخدمة مقارنة بنظيرتها المتاحة حالياً من مزودي الإنترنت التقليديين، فإنه ووفق أحدث الإحصاءات، تمكنت "ستارلينك"، من توسيع نطاق انتشار تقديم خدماتها تدرجاً على مدى العامين الماضيين، إذ وصل عدد منصات الاستقبال المبيعة إلى 500 ألف شخص على مستوى العالم، بحسب ما نقل موقع "زدنت" المتخصص، موضحاً أن "ستارلينك" تحقق إيراداتها من خلال عمليات شراء الهوائيات وأجهزة المودم والاشتراكات بأسعار تتباين بحسب الدول.

 

لكن يبقى السؤال، حول مدى استمرار ماسك في توسيع نفوذه، وهو ما بات يثير جدلاً واسعاً في أروقة السياسة الأميركية، مما دفع عدداً من نواب الحزب الديمقراطي إلى قيادة حملة لإجبار ماسك على الخروج من إدارة الرئيس ترمب بحلول الـ30 من مايو (أيار( المقبل، مستندين في ذلك إلى متطلب قانوني يقضي بألا يخدم الموظفون الحكوميون الخاصون (وهو اللقب الممنوح لماسك وهو يقود وزارة كفاءة الحكومة "دوجي") أكثر من 130 يوماً، بحسب ما ذكر موقع "أكسيوس".

ومقابل ذلك، ووفق ما قالت مجلة "ناشيونال إنترست"، فإن طموح ماسك داخل إدارة الرئيس ترمب أصبح يزعج حلفاءه في واشنطن، مشيرة إلى أن فريق الرئيس الأميركي "يحاول السيطرة على تداعيات الظهور المبالغ فيه للملياردير الأميركي، لا سيما "بعد قيامه بمفرده تقريباً بإفشال مشروع قانون إنفاق موقت كان سيضمن تمويل الحكومة الفيدرالية حتى الـ14 من مارس )آذار( الماضي، مما أعطى انطباعاً بأن نفوذ ماسك بدأ يتفوق على ترمب نفسه".

وأخيراً كان تقرير نشرته صحيفة "بوليتيكو" كشف عن أن ترمب أبلغ عدداً من أعضاء حكومته ومستشاريه أن ماسك يعتزم مغادرة منصبه خلال الأسابيع المقبلة، وعلى رغم ما وصفته الصحيفة بعلاقة "إيجابية ومستمرة" بين الرجلين، فإن كليهما توصل إلى قناعة بأن الوقت قد حان لكي يتراجع ماسك عن الدور الحكومي ويعود للتركيز على مشاريعه الاقتصادية، ورداً على ما أوردته "بوليتيكو" وصف البيت الأبيض التقرير بأنه "هراء"، مؤكداً أن ماسك لا يزال يؤدي مهماته، وسيبقى في موقعه حتى يُنجز المهمة الموكلة إليه كموظف خاص.

وخلال الفترة الأخيرة كشفت نتائج عدد من استطلاعات الرأي تراجع شعبية ماسك في الداخل الأميركي، وبحسب استطلاع أجرته شبكة "سي أن أن" في الفترة ما بين السادس والتاسع من مارس الماضي فإن 53 في المئة من الأميركيين يحملون انطباعاً سلباً عن ماسك، بينما يرى 35 في المئة منهم أنه يمتلك تأثيراً إيجاباً، كذلك كشفت نتائج استطلاع أجراه مركز "كوينيبياك" الشهر الماضي أن 54 في المئة من الناخبين يعتقدون أن ماسك وإدارته يؤثران سلباً في البلاد، بينما عارض 60 في المئة من المشاركين سياساته تجاه القوى العاملة الفيدرالية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير