Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حديث القوة" يزيد الهوة بين فرقاء كردستان العراق

طالباني خرج غاضباً من اجتماع لتشكيل قائمة كردية موحدة ومراقبون يحذرون من اتخاذ الثقل النيابي معياراً للمعادلة السياسية

حزب بارزاني يسعى إلى وضع صيغة جديدة للمعادلة السياسية الكردية (أ ف ب)

ملخص

الحديث عن القوة يأتي في ظل واقع يؤكد أن الجميع ضعفاء نتيجة فقدان الشارع الكردي ثقته بالنخبة الحاكمة، والإقليم من الداخل يتعرض لشبه انحلال.

دخلت الأزمة السياسية في إقليم كردستان العراق منعطفاً جديداً مع إخفاق الحزبين التقليديين الحاكمين في التوصل إلى تفاهمات تنهي خلافاتهما المزمنة في إطار مساع لإعادة توحيد الصف الكردي، تمهيداً للدخول في استحقاقات انتخابية محلياً واتحادياً، فيما يتجه أحد القطبين نحو تبني صيغة جديدة للمعادلة السياسية وفق المتغيرات التي طرأت على ميزان القوى، مما يثير تساؤلات عن تداعيات ذلك على الإقليم في حال فرض معادلة جديدة من طرف واحد.

وشهد اجتماع الحزبين الأحد الماضي المكمل لمحادثات كانت بدأت قبل عيد الأضحى للتفاهم حول تشكيل قائمة انتخابية كردية موحدة لخوض انتخابات مجالس المحافظات العراقية غير المنتظمة في إقليم وإجراء الانتخابات التشريعية الكردية، توتراً عندما خرج زعيم "الاتحاد" بافل طالباني غاضباً بعد انسحابه اعتراضاً على تصريحات صدرت عن مسؤولين في الحزب "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني تفيد بعدم "الدخول مع خونة في قائمة مشتركة" وأن "ثقل ونفوذ حزب الاتحاد لم يعد كالسابق بسبب الانشقاقات في صفوفه".

كما تجنب بارزاني حضور الاجتماع وفضل عليه لقاء في مكان قريب دام 80 دقيقة مع باحث أكاديمي كردي بارز، في موقف فسر بأنه ينم عن عدم رغبته في اللقاء بطالباني.

الاحتكام إلى الواقع

هذا التطور أعطى انطباعاً لدى بعض المراقبين والسياسيين بأنه انعكاس لخيار بدأ ينتهجه حزب بارزاني في الأعوام الماضية نحو وضع صيغة جديدة للمعادلة السياسية الكردية من خلال إعادة النظر في الاتفاق الاستراتيجي بين الحزبين الذي كان وقع في ظروف مختلفة فرضت اتباع نهج إداري متوازن وتوافقي لإدارة الحكم، وذلك بناء على متغيرات أفرزتها دورتان إلى ثلاث دورات انتخابية، تفوق خلالها حزب بارزاني وحصد مقاعد مضاعفة عن حزب طالباني، وعليه فإن "الديمقراطيين" يحاولون الأخذ بنتائج الانتخابات لتكون معياراً لميزان القوة والنفوذ.

إلا أن هذه الرغبة تتعارض ربما مع العناصر التي نشأت على أساسها العملية السياسية في الإقليم على صعيد النفوذ العسكري والمالي، وفق ما يراه السياسي أبو بكر كارواني الذي يؤكد أن "الثقل النيابي لا يمكن أن يكون معياراً في إقليم أصبح واقعاً شبه منحل تحكمه قوتان منقسمتان سياسياً وعسكرياً وإدارياً ومناطقياً كما في علاقاتهما الخارجية". ولا تتفق رؤية كارواني مع فكرة التقليل من قوة حزب "الاتحاد" بالقول إنه "يمتلك عشرات آلاف المسلحين، ويتحكم بمنطقة خاضعة لنفوذه في إقليم له عاصمتان، وله مصادر مالية وعلاقات مستقلة"، واستدل بـ"إقرار رئيس الحكومة مسرور بارزاني عندما أبدى قبل أيام استعداده لتطوير السليمانية إذا ما سمح له، مما يعني أن الاتحاد يمكنه منع رئيسي الحكومة والإقليم من دخول منطقته، وتالياً تعطيل ما يصبو إليه الديمقراطي كما فعل بالنسبة إلى مشروع الاستفتاء على الاستقلال والصراع على منصب رئاسة الجمهورية وقانون الموازنة الاتحادية، لذا فإن محاولته عزله (الاتحاد) والتقليل من قوته بغض النظر عن نهجه الآني، يمكنه أن يضع الإقليم في موقف تاريخي صعب وستكون عواقبه وخيمة".

وكان طالباني صرح بعد خروجه من الاجتماع بأن حزبه "ما زال قوياً كما كان ولن يبقى صامتاً بعد الآن وسيرد بالمثل لأنه صاحب تاريخ طويل من التضحيات"، قبل أن يرد القيادي البارز في "الديمقراطي" فاضل ميراني بأن "ما صدر عن مسؤولين في حزبه من تصريحات لا تمثل الخطاب الرسمي"، وقال "نحن لم نتعامل قط بمنطق القوة فلا أبواب مغلقة في السياسة".

أخطار غير محسوبة

ويذهب كارواني وهو قيادي سابق في حزب "الاتحاد الإسلامي" المعارض إلى أبعد من عقبات التوتر الآني والدخول في مرحلة أشد خطورة "إذا ما شعر الاتحاد بالضعف، وهو الآن كذلك إلى حد ما، والعكس صحيح في حال التعامل معه كطرف قوي، ولا ننسى في الخلاصة أن تجربة الصراع الممتد بين الحزبين إلى نحو سبعة عقود تثبت أن أياً من الطرفين قد يلجأ إلى الشيطان ولن يرفع الراية البيضاء".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وختم بالقول إن "الحديث عن القوة يأتي في ظل واقع يؤكد أن الجميع ضعفاء نتيجة فقدان الشارع الكردي ثقته بالنخبة الحاكمة، والإقليم من الداخل يتعرض لشبه انحلال وبات مصيره في بعض النواحي محكوماً بقرارات اتحادية"، معرباً عن اعتقاده بأن الحل "في تغيير قواعد اللعبة والمعايير وإعادة بناء النظام مع وضع حلول جذرية ودائمة".

وقبل يوم من عقد اجتماع الحزبين، كان طالباني أشرف على استعراض عسكري مفاجئ هو الأول من نوعه لجهاز مكافحة الإرهاب التابع للحزب بحضور قائده وهاب هلبجي الذي صدر ضده أخيراً حكم قضائي بالإعدام من محكمة في أربيل الخاضعة لنفوذ بارزاني، بتهمة التورط في اغتيال ضابط منشق عن الجهاز، في إجراء حمل إشارة تحد لـ"الديمقراطي".

الخشية من الخصوم

وتأتي رغبة "الاتحاد" في الدخول بقائمة موحدة مع نظيره "الديمقراطي" لخوض انتخابات مجالس المحافظات خشية فقدانه لآلاف الأصوات في حال دخول الرئيس المشترك السابق للاتحاد لاهور شيخ جنكي المنافسة، والذي طرح أخيراً مشروعاً على القوى الكردية لتشكيل قائمة موحدة، أو أنه سيضطر إلى خوضها منفرداً باسم "قائمة الشعب"، في وقت تتوقع أوساط سياسية بأنه يواجه خسائر إضافية في الانتخابات نتيجة لصراعاته الداخلية وإخفاقاته في إدارة خلافه مع "الديمقراطي".    

ويقول المحلل عثمان كولبي إن "جنكي على رغم انعزاله، لكنه ما زال يشكل التهديد الأبرز على ثقل الاتحاد الانتخابي لأسباب عدة منها عدم تنفيذه وعوده لأعضائه ومناصريه خلال أزمة إبعاد جنكي، والتفرد بمركز قرار الحزب، بدلاً من تقسيم السلطات والمهمات والانشغال بأمور ثانوية وجزئية من دون اتباع استراتيجية تلبي تطلعات أعضائه حين قام بعملية إعادة تنظيم تركزت على إبعاد المقربين من جنكي أو المشتبه في ولائهم له، وهذا الأسلوب ربما زاد من مناصريه حتى لو كان في الخفاء".

واستدرك "صحيح أن جنكي على رغم مواقفه الثابتة من إقالته، إلا أنه بدا ضعيفاً، وما يحسب له فقط كان إصراره على البقاء في السليمانية وعدم المغادرة على رغم الأخطار التي كانت تحيط به، لكنه ما زال يمثل تهديداً جديداً لحزب الاتحاد في الانتخابات نظراً إلى ما يحظى به من شعبية لا يستهان بها".

غياب للإرادة

وبالتزامن صدرت تصريحات تحذر من تبعات تماهي الحزبين في الخلافات على الإقليم الذي فقد مكاسب كان حققها بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، إذ أكد القيادي السابق في الاتحاد شيخ محمد شاكلي "عدم امتلاك الحزبين إرادة للتوصل إلى اتفاق نتيجة تقيد كل على حدة بأطراف إقليمية ودولية، بخاصة أن بعض الدول تنظر إلى أي استقرار في الإقليم على أنه ضربة لمصالحها، وتأثير ذلك واضح".

وشدد على أن "هذه الدول لا تريد أن يخوض الإقليم الانتخابات، فصحيح أن عدم إجرائها قد لا يؤثر كثيراً في كيانه بحكم توازن تفرضه المعادلة الدولية، لكنه أصبح ضعيفاً أكثر من أي وقت".

أما القيادي البارز في "الديمقراطي" وزير الخارجية في الحكومة الاتحادية فؤاد حسين، فقد حذر في لقاء متلفز من أن "وضع الإقليم سيزداد سوءاً إذا لم تجر الانتخابات البرلمانية" وأقر بأن "التهديد الذي يواجهه الإقليم أسبابه داخلية أكثر من خارجية".

وتبذل الإدارة الأميركية وحلفاؤها الرئيسون منذ أشهر جهوداً دبلوماسية مكثفة للتقريب بين الحزبين في لقاءات حذر خلالها المسؤولون من عواقب استمرار انشطار الموقف السياسي الكردي على ثقل وكيان الإقليم ومن التمادي في تأجيل الانتخابات البرلمانية مع التشديد على أن الدعم الأميركي قد لا يستمر إلى ما لا نهاية، بخاصة أن واشنطن تقدم منذ أعوام دعماً مادياً ولوجستياً لتوحيد القوة العسكرية المنقسمة بين الحزبين.

ويعطي المحلل السياسي سامان نوح رؤية متشائمة حيال الأزمة السياسية بالقول إن "التصريحات التي صدرت عن مسؤول في الديمقراطي حول تراجع ثقل الاتحاد كان لها أثر بالغ في إخراج أجندة الاجتماع عن مسارها"، وأردف أن "الأزمات في الإقليم هي أكبر من أن تحسمها اجتماعات حزبية سطحية، أو أن تختصر في انتخابات مجالس المحافظات أو الانتخابات المؤجلة في ظل غياب البرلمان الكردي بعد حله بقرار اتحادي وإدارتين متنافستين في الإقليم، هناك جملة من الأزمات تحتاج إلى حسم عبر تغيير شامل في سياسة القوى الحاكمة، وهنا لا مؤشر على السير بهذا الاتجاه".

المزيد من تقارير