ملخص
منذ الصباح الباكر تجلب كل أسرة في مناطق تجمعات النازحين ما تيسر، قليلاً من الدقيق والعدس والزيوت، تتجمع في قدور واحدة ليخرج منها طعام يكفي الجميع، ويجد النازحون في تجمعات الطعام شعوراً بالانتماء وسط واقع قاسٍ يثقل كاهل الفارين من جحيم القتال.
داخل مطبخ صغير في منطقة طويلة (تبعد 64 كيلومتراً عن الفاشر)، يتجمع عشرات الأطفال والمسنين حول القدور الضخمة في انتظار الحصول على الوجبات، إذ يسد الآلاف الفجوة في الغذاء الجماعي وتشارك الوجبات، كل بحسب ما يملك من كمية طعام، نساء يقطعن الخضروات، شباب يشعلون الحطب، وشيوخ يوزعون المهام بابتسامة تحمل مزيجاً من التعب والأمل. منذ الصباح الباكر تجلب كل أسرة في مناطق تجمعات النازحين ما تيسر، قليلاً من الدقيق والعدس والزيوت، تتجمع في قدور واحدة ليخرج منها طعام يكفي الجميع، ويجد النازحون في تجمعات الطعام شعوراً بالانتماء وسط واقع قاسٍ يثقل كاهل الفارين من جحيم القتال.
سد الفجوة
قال المواطن السوداني صديق الغالي إن "مبادرة الغذاء الجماعي ساهمت في سد الفجوة ومكافحة الجوع بخاصة في ظل أزمة نقص الغذاء بمناطق تجمعات النازحين، وكذلك عدم وجود المنظمات الدولية والإقليمية لتقديم المساعدات الإنسانية"، وأضاف أن "المبادرة نجحت في السيطرة على الوضع حتى الآن من خلال تأمين وجبات بسيطة مثل الفول والعدس والبليلة لسكان معسكرات الإيواء وتقديم وجبتين باليوم خصوصاً في ظل وجود مئات الأطفال والمسنين"، وأوضح الغالي أن "إعداد الطعام يتم من خلال فرق يومية تضم الرجال والنساء على مدار الأسبوع، إذ تجهز الوجبات من المواد الغذائية التي توفرها الأسر، إضافة إلى المساعدات التي توزعها المنظمات المحلية".
تكية الأطفال
في غرفة صغيرة داخل منزلها بمنطقة مليط (شمال دارفور) أنشأت زينب زكريا مطبخاً خيرياً، خصصته لإعداد الوجبات للآتين من الفاشر والمناطق المحيطة، تعمل بشكل يومي لطهي أصناف عدة من الطعام توزعها مجاناً على الأطفال النازحين. وأشارت زكريا إلى أن "التكية تؤمن الطعام لنحو 100 طفل يومياً، ولا تستطيع تقديم أكثر من ذلك، فهي تعمل بموازنة محدودة، وتستهدف اليافعين، إذ تحصل كل أسرة على إناء صغير من الطعام"، ونوهت إلى أن "الوجبات الجماعية ساهمت في الحد من حالات سوء التغذية بخاصة بين الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات، ومن ثم فإن التحدي الأكبر ليس فقط توفير الطعام بل ضمان استمرار تقديم الوجبات المجانية، لا سيما في ظل انقطاع الدعم والتمويل".
إقبال كبير
في سياق متصل، أوضح المتطوع بمعسكر منطقة طويلة المركزي عمر خميس أنه "في معظم أيام الأسبوع يقتصر الأمر على تقديم صنف واحد فقط من الوجبات في وقت يتزايد فيه الإقبال وترتفع نسبة الاعتماد على خدمات الغذاء الجماعي وسط الأسر النازحة"، وأشار إلى أن "الأسر باتت تشارك في طهي الطعام، كل بحسب ما يملك من مواد غذائية، لحل الأزمة في الوقت الحالي خصوصاً بعد ضعف الاستجابة من السلطات المحلية وعدم وصول المنظمات الدولية إلى ولاية شمال دارفور"، ودعا خميس سكان الأحياء إلى "بذل الجهود لتقديم المساعدة نظراً إلى وصول آلاف النازحين إلى المحلية والمناطق المتاخمة، ما يتطلب عملاً دؤوباً وجماعياً ومضاعفة التضحيات التي قام بها المواطنون وأصحاب المبادرات خلال الفترة الأخيرة".
تضامن مجتمعي
على الصعيد نفسه، قال الناشط في مبادرات المطابخ المجانية بمنطقة جبل مرة عوض بشارة إن "الشباب في معسكرات الإيواء يصنعون الخبز بواسطة أفران الحطب التقليدية، ما ساهم في ضمان توفير وجبتين يومياً، على رغم تزايد أعداد النازحين"، وأضاف أن "مبادرات الطعام الجماعية المجانية أثبتت أن التضامن الشعبي قادر على تخطي الصعوبات، فهي لا توفر الغذاء فقط بل تمنح النازحين شعوراً بالكرامة والأمان، وتعيد إليهم إحساسهم بالإنسانية وسط ظروف صعبة"، ونوه بشارة إلى أن "هذه المبادرات تعكس قدرة المجتمعات المحلية على إيجاد حلول مبتكرة، وتعزز روح التعاون والعمل الجماعي لكي يكون خط الدفاع الأول ضد الجوع قبل أي تدخل رسمي"، وتابع الناشط المجتمعي "في ظل شح الموارد تبقى تجمعات الغذاء الجماعي علامة مضيئة على قدرة المجتمع لمواجهة الأزمات لتبقى وجبة واحدة كافية لتغيير حياة مئات الأسر يومياً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حلول موقتة
على نحو متصل، أشارت المتطوعة في مشروع الغذاء الجماعي بمحلية طويلة ناهد يوسف إلى أنها "تعمل مع مجموعة من النساء على توزيع الطعام على سكان معسكرات الإيواء بتقديم وجبتين في اليوم"، وأضافت "لدينا موازنة من تبرعات الخيرين لشراء مواد تموينية تشمل السكر والزيت والدقيق والحليب وغيرها لتوزيعها على الأسر التي لديها أطفال ومسنين"، ولفتت إلى أنه على "رغم تدفق موجات النزوح بشكل يومي وغياب المساعدات الإنسانية، لا تزال مبادرات الغذاء الجماعي تشكل أحد الحلول الموقتة لمكافحة الجوع في مناطق تجمعات النازحين"، وتابعت "المبادرات المجتمعية استطاعت تغطية جزء من العجز إلا أن الدعم لم يكن كافياً لتغطية الحاجات الفعلية للنازحين وسط تفاقم الأزمة وتداعياتها".
أوضاع متدهورة
بحسب المتحدث باسم منسقية النازحين واللاجئين في إقليم دارفور آدم رجال فإن 193 أسرة جديدة وصلت من مدينة الفاشر إلى معسكر "كساب" بمحلية طويلة في ولاية شمال دارفور، وقال رجال في بيان "هذه الأسر فرت من ويلات الحرب التي تشهدها الفاشر، في وقت يعيش النازحون الجدد ظروفاً بالغة الصعوبة، ويعانون نقصاً حاداً في أبسط مقومات الحياة، بما في ذلك الغذاء والمأوى والرعاية الصحية"، وأشار إلى أن عدد الناجين من الفاشر الذين وصلوا إلى منطقة طويلة يزيد على 15 ألف شخص، "بعضهم يعاني أوضاعاً صحية سيئة جراء الإصابات والعنف".
نزوح مستمر
وسط هذه الأجواء، أفاد المجلس النرويجي للاجئين بوصول ما لا يقل عن 400 طفل فارين من مدينة الفاشر إلى منطقة طويلة من دون ذويهم منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مرجحاً أن يكون العدد الحقيقي أكبر بكثير. وأوضح المجلس أن أكثر من 100 ألف شخص نزحوا من الفاشر والقرى المجاورة منذ سقوطها، بينما ما زال عشرات الآلاف في عداد المفقودين. في وقت سجّل المجلس أكثر من 15 ألف نازح جديد في منطقة طويلة بعد شهر من بدء الهجمات على المدينة، مشيراً إلى أن ما يزيد على 200 طفل يسجلون يومياً في برامج التعليم الطارئ في موقعين. ونوه المجلس إلى أن الأطفال يصلون إلى طويلة منهكين ومصدومين بعد أيام من السير عبر الصحراء، ومذعورين من الجماعات المسلحة التي فروا منها أو واجهوها على الطريق.