ملخص
تحتضن واحة سيوة أمازيغ مصر، حيث ثقافتهم وتراثهم الممتد على مدى آلاف السنين، فماذا تعرف عنهم؟
في قلب الصحراء الغربية وعلى مسافة تزيد على 700 كيلومتر من القاهرة، تقع واحة سيوة التي تعد مركزاً للأمازيغ في مصر وجزءاً من ثقافات عدة تضمها البلاد من شمالها وحتى أقصى الجنوب.
وتعد واحة سيوة من المواقع المهمة في مصر، إذ إنها المكان الذي توّج فيه الإسكندر الأكبر ابناً للإله آمون عام 331 قبل الميلاد في معبدها الشهير الذي لا يزال قائماً حتى اليوم، وكذلك تصنف الواحة بأنها من أهم المزارات السياحية.
وتحتضن واحة سيوة أمازيغ مصر، حيث ثقافتهم وتراثهم الممتد على مدى آلاف السنين والتي تجسدت في عمل درامي عن رواية الكاتب المصري الراحل بهاء طاهر "واحة الغروب" الصادرة عام 2008، والتي تحولت إلى مسلسل تلفزيوني عام 2017، وتتحدث عن قصة ضابط بوليس مصري ينقل إلى الواحة عقاباً له، ويصطحب معه زوجته الإيرلندية الشغوفة بالآثار والتي تسعى إلى اكتشاف مقبرة الإسكندر الأكبر لتكشف أحداث العمل تقاليد وعادات وثقافة العالم الجديد الذي انتقلوا إليه، ويتعرف المشاهد على تفاصيل حياة الأمازيغ مثل اللهجة والملابس والعادات الاجتماعية المختلفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الباحث في تراث سيوة والمشرف على متحف البيت السيوي محمد عمران جيري يقول لـ "اندبندنت عربية" إن "الأمازيغ في سيوة يمثلون نحو 40 ألف نسمة يعيشون في منطقة مكونة من خمس قرى ويمثلون 11 قبيلة، وكل قبيلة لها شيخ يعاونه مجلس حكماء، ومنذ أقدم العصور تركز الأمازيغ في هذه المنطقة باعتبارها نقطة مهمة في طرق التجارة القادمة من شمال أفريقيا والتي كانت تمر عليها في ترحالها نحو وسط أفريقيا، ومن هنا استوطن فيها جزء من هؤلاء الرحالة وتوالت عليهم العصور والحضارات، فالواحة امتداد لحضارات عدة بدءاً من الحضارة المصرية القديمة مروراً باليونانية الرومانية والحضارة الإسلامية".
البيت السيوي
وفي قلب الواحة يقع متحف البيت السيوي الذي افتتح خلال تسعينيات القرن الماضي ليمثل نموذجاً لمنزل تقليدي، ويعرض ملامح من الثقافة الأمازيغية ليتعرف عليها زوار الواحة بشكل مجمع في مكان واحد وعنه يقول جيري، "متحف البيت السيوي يعرض كل الجوانب التراثية المرتبطة بالمنزل التقليدي لأهل المنطقة والحرف اليدوية مثل أزياء العروس والحلي الفضية وصناعات الفخار، وهو مبني بالكامل من الخامات المحلية مثل جذوع النخيل وحجر الكرشيف الذي تتميز به المنطقة، وهو خليط ما بين الرمال والملح، ويعتبر مزاراً للقادمين إلى الواحة للتعرف على العادات والتقاليد ونمط العمارة، وبشكل عام فعاداتنا وتقاليدنا بها تشابه كبير مع عادات سكان شمال أفريقيا من حيث العادات الاجتماعية أو حتى الطرق الصوفية التي يتبعها الأمازيغ، مثل الطريقة السنوسية والطريقة المدنية الشاذلية والطريقة العروسية، وقد بدأ دخول الإسلام إلى سيوة من شمال أفريقيا".
ويضيف، "الأمازيغ في مصر لا تمثلهم أية جهة رسمية أو أهلية، ويعتمدون على أنفسهم بشكل كامل في الحفاظ على تراثهم من طريق جهات، مثل مركز سيوة لتوثيق التراث الثقافي والطبيعي وبعض الجمعيات الأهلية، وما نحتاجه هو أن يلقى الضوء على ثقافة الأمازيغ في مصر في المناهج التعليمية أو وسائل الإعلام المختلفة، باعتبارها جزءاً من المجتمع المصري، فحتى وإن كان هذا يحدث بشكل أكبر نسبياً أخيراً فإنه يرتكز على الحديث عن سيوه باعتبارها منطقة سياحية وليس بشكل متكامل من طريق التعريف بكامل تراثها وبالثقافة الأمازيغية لأهلها".
انفتاح على العالم
وخلال الأعوام الأخيرة لم تعد منطقة سيوة معزولة ومغلقة على نفسها مثلما كانت، وإنما أصبحت واحدة من الوجهات السياحية تنظم لها كثير من الرحلات سواء من المصريين أو الأجانب على السواء، مما جعل طابع الحياة يختلف نسبياً مع التواصل الدائم بين أبناء المنطقة والقادمين إليها من كل مكان، مما كان له بعض الأثر في طبيعة الحياة، بخاصة بالنسبة إلى الأجيال الجديدة من الأمازيغ التي أصبحت تتعامل مع العالم بصورة أكبر وأكثر انفتاحاً.
ويقول الفنان السيوي إدريس حبون "قديماً كان أهل سيوه متركزين في منطقة شالي، وكانوا يغلقون أبوابها عليهم بعد الغروب، لكن الآن هناك انفتاح كبير وسيوة أصبحت على خريطة السياحة في مصر ويفد إليها كثير من أهل القاهرة والأجانب على السواء، وبالطبع فإن هذا الانفتاح له مميزات مثل أن الطرق إلى الواحة جرى تمهيدها وأصبح هناك اهتمام بها، لكن على الجانب الآخر هناك أشياء خاصة بتراث الواحة بدأت تقل تدريجياً مع تواصل الأجيال الجديدة مع العالم، مثل عادات الزواج وطقوس الأفراح التقليدية وكثير من الآلات والحرف اليدوية التي حلت الآلة مكانها".
ويضيف حبون، "الاحتفالات بالزواج على سبيل المثال كانت تمتد إلى أربعة أيام متواصلة لكل منها طقوس وملابس تراثية، وتقام الشوادر وتنحر الذبائح، لكن هذا الوضع حالياً اختلف كثيراً عن السابق وكثير لا يزالون يحافظون على بعض ملامح التراث، وكثير من أبناء سيوة يحاولون الحفاظ على التراث الأمازيغي بوسائل مختلفة لإبقاء الفنون والتراث حيين وتعريف العالم بهما".
اللهجة السيوية
وكانت منظمة "يونيسكو" أعلنت في إصدارها الأخير من أطلس اللغات المهددة بالاندثار عن أن اللغة الأمازيغية المنتشرة في مناطق من شمال أفريقيا بلهجات عدة ضمن هذه اللغات، ويعتمد أمازيغ مصر واحدة من هذه اللهجات المنبثقة من اللغة الأمازيغية تعرف باللهجة السيوية ولا تزال تستخدم في تعاملاتهم حتى اليوم.
وعنها يقول حبون إن "من بين الأشياء التي يسعى الأمازيغ إلى الحفاظ عليها بشكل كبير اللهجة السيوية الخاصة بسكان المنطقة، إذ لا يجيدها غيرهم ويتعلمها الطفل الصغير من المجتمع المحيط به بشكل تلقائي، فالأطفال لا يتعلمون العربية إلا مع دخولهم المدرسة، ويستخدمها أهل سيوة في حديثهم مع بعضهم بشكل دائم، ولا يتحدثون العربية إلا مع الغرباء عن المنطقة الذين أصبحوا موجودين بشكل أساس بسبب الحركة السياحية حالياً وتوافد الزوار على الواحة".
ويضيف، "اللهجة السيوية شفوية وتتوارثها الأجيال وتتعلمها بالممارسة مما يجعلها من أهم مظاهر التراث الشفهي للمنطقة الذي يحرص أهل الواحة على الحفاظ عليه واستمراره باعتباره جزءاً من هويتهم المميزة".
ومنذ أقدم العصور ومنطقة سيوة لها قيمة وأهمية تاريخية كبيرة وبها مواقع أثرية تعود لعصور مختلفة ومن بينها معبد وحي أمون الذي يعد واحداً من أهم مواقعها الأثرية وشهد مراسم تتويج الإسكندر الأكبر في مصر، وتضم المنطقة أيضاً جبل الموتى وهو على جبل عال في مدخل سيوة اكتشفه أهل المنطقة إبان الحرب العالمية عندما صعدوا للاحتماء من الهجوم داخل كهوفه، فاكتشفوا هذه المقابر الملونة التي تعود لعصور مختلفة، وهناك أيضاً منطقة شالي، وهو حصن بناه أهل سيوه في القرن الـ 12 الميلادي، وكلمة شالي تعنى البلدة بلغة أهل سيوة، وهناك المسجد العتيق الذي يعود لعام 500 للهجرة".
كما تنتشر الزراعة في سيوة وتتميز بزراعات متنوعة يأتي على رأسها النخيل ويقام فيها مهرجان سنوي للتمور يعد احتفالاً كبيراً تشتهر به، ويعمل كثير من سكانها في أعمال تتعلق بالزراعة والحرف التراثية.