Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الهوية الأمازيغية... سرديات أسطورية وتحديات واقعية

رغم التقدم الكبير في الجزائر والمغرب فإن الملف أمامه مزيد من الصعوبات أولها تفكيك ألغام الأنظمة

تحيي اليوم الخميس شعوب منطقة شمال أفريقيا رأس السنة الأمازيغية الجديدة 2973، وإن كان المتعارف عليه أن الأمر يخص الأمازيغ، فإن الطقوس الاحتفالية باتت تشمل نسبة كبيرة من سكان ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، ليس بسبب أمازيغيتهم، وإنما حفاظاً على تقاليد وتراث وتاريخ المنطقة، بما يكشف عن التمسك بالجذور ورفض "النكران" حماية للتماسك والاستقرار.

يحتفل الأمازيغ، في 12 يناير (كانون الثاني) من كل سنة ميلادية، برأس السنة الأمازيغية الجديدة المعروف بـ"إيض إيناير"، ويسبق التقويم الميلادي بـ950 عاماً.

ويطبع المشهد طقوساً شعبية ذات دلالات رمزية تعكس ارتباط السكان الأمازيغ بأرضهم واحتفاءهم بهويتهم الممتدة عبر التاريخ من خلال إعداد أطباق ووجبات خاصة وتنظيم كرنفالات وتجمعات بين العائلات والجيران على أهازيج الأغاني والأناشيد الأمازيغية.

وإن كان الأمر مشتركاً شعبياً بين دول منطقة شمال أفريقيا يبقى الوضع مختلفاً على المستوى الرسمي، إذ إن هناك تعاطياً رسمياً في دول وتجاهلاً في أخرى.

وبخلاف التقويمين الميلادي والهجري، لا علاقة للسنة الأمازيغية بتأريخ ديني، بل يعود إلى وصول الملك شيشناق الأول إلى هرم السلطة بمصر القديمة وتأسيسه الأسرة الـ22 من السلالة الفرعونية.

سرديات أسطورية

يرتبط الاحتفال بهذا العيد بمجموعة من السرديات الأسطورية بين الأمازيغ وغيرهم، ويطلق عليه "العجوزة" و"عام العرب"، لكن المتفق حوله الذي يبقى مرجعياً شعبياً بين الأجيال فهو ما يتم نسبه إلى حكاية راعية أغنام عجوز تأففت من حلول يناير، فغضب منها هذا الشهر واستعار أياماً من فبراير (شباط) ليمدد ساعات برده حتى قضى على كل قطيعها، لذا يعتبر بعض الأمازيغ القدامى أن هذا يوم احتفال بالطبيعة والأرض لإطفاء غضب "يناير" وجلب الخير والازدهار.

بالمقابل يرجع مؤرخون أصول الاحتفال بالسنة الأمازيغية في الشهر الأول من بداية السنة الفلاحية الأمازيغية "يناير"، بالتالي يكون الاحتفال في أول يوم منها تفاؤلاً بالخير والسعادة والرخاء ووفرة المحاصيل وازدهار القطعان.

مزيد من التحديات

السياسي أحمد بن عبدالسلام يعتبر في حديث مقتضب لـ"اندبندنت عربية" أن الهوية الأمازيغية منذ قرون، وهي تتعرض للاستئصال من طرف جهات عدة، بداية من الرومان إلى أصحاب نظرية ومشروع "صفر قبائلي".

وقال عبدالسلام "لكن لم تمح ولم تندثر ولم تزل الأمازيغية، بل بالعكس كل يوم تكسب انتصارات لغوية ثقافية واجتماعية وقانونية، والآن تكرست في كل دول شمال أفريقيا كبعد من أبعاد هوية هذه المنطقة"، مشيراً إلى أنها ستكسب مواقع جديدة علمية خصوصاً في المستقبل.

من جانبه يعتبر الإعلامي المهتم بالشؤون الثقافية حكيم مسعودي في تصريح خاص أن الهوية الأمازيغية نتاج حضاري للإنسان الأول الذي استقر في شمال أفريقيا، وتشمل المنطقة الواقعة من غرب النيل شرقاً إلى جزر المحيط الأطلسي غرباً، ومن البحر المتوسط شمالاً إلى منطقة الساحل الأفريقي جنوباً، بالتالي تشكل المناطق التي تقوم فيها هذه الهوية اليوم على الأقل كل من مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب الأقصى والصحراء الغربية وموريتانيا ومالي والنيجر وبوركينافاسو.

وأوضح مسعودي أن مطالب الأمازيغ طبيعية ومنطقية تتلخص في الاعتراف بهويتهم ولغتهم وحضارتهم ووضعها في مكانها الطبيعي وإيلائها الأهمية التي تستحقها، على اعتبار أنهم السكان الأصليون لشمال أفريقيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبخصوص استجابة الحكومات، أضاف أنه على رغم التقدم الكبير الذي سجلته "القضية الأمازيغية" في كل من الجزائر والمغرب، فإن الملف أمامه مزيد من التحديات، أولها تفكيك الألغام التي يتم توظيفها من قبل الأنظمة لضرب المناضلين الأمازيغ الذين هم نفسهم مناضلو الديمقراطية والحريات.

وأشار إلى الاعتقالات التي طاولت حاملي الراية الأمازيغية في الجزائر خلال المسيرات قبل عامين، والاعتقالات التي طاولت منطقة الريف في المغرب، وعلى رأسهم ناصر الزفزافي، في حين نشهد نهضة في النضال الأمازيغي في ليبيا وبشكل أقل في البلدان الأخرى، لكنها في تقدم ملحوظ على العموم.

وقال مسعودي "أما في ما يتعلق بالتنظيمات التمثيلية، فهناك ديناميكية شعبية ونخبوية تسير في اتجاه تعزيز مكاسب القضية ليس فقط على الصعيد السياسي، لكن أيضاً على الصعيد الإعلامي والفني والثقافي والأدبي والتاريخي".

وأشار إلى أن القضية خرجت من دائرة الحركات والتنظيمات السياسية إلى مختلف مجالات النضال الحيوية في المجتمع والدولة.

توافق شعبي وتباين رسمي

يختلف وضع الأمازيغ من دولة إلى أخرى، ففي الجزائر اعتمدت السلطات 12 يناير من كل عام عطلة رسمية احتفالاً برأس السنة الأمازيغية الجديدة، لتبقى أبرز مظاهر الاحتفالات إعداد أطباق ومأكولات تعد خصيصاً خلال هذا العيد، أبرزها "الكسكسي" و"الشخشوخة" و"الشرشم"، يتناولها أفراد الأسرة مجتمعين ليلة رأس السنة، إضافة إلى تنظيم كرنفالات وعروض مسرحية واحتفاليات خاصة بالأطفال.

وفي المغرب يحيي الأمازيغ رأس السنة الأمازيغية في 13 يناير بمظاهر وأشكال احتفالية بارزة، وأشهر الأطباق المقدمة هي "تاككلا" و"الكسكس" بسبع خضار و"الحكوزة" و"البسيس"، غير أن اليوم غير معتمد بشكل رسمي على رغم المطالب المتكررة بإقراره، التي لا تلقى الصدى المأمول من طرف السلطات المعنية، وآخرها مراسلة 45 منظمة حقوقية، الأسبوع الماضي، العاهل المغربي الملك محمد السادس، للمطالبة بإقرار رأس السنة الأمازيغية عيداً وطنياً رسمياً وعطلة مدفوعة الأجر.

بينما يبقى إحياء السنة الأمازيغية الجديدة 2973 في تونس وليبيا خافتاً لأسباب عدة، أهمها الوضع الداخلي وتجاهل الجهات الرسمية والشعبية.

تخوفات من استغلال

إلى ذلك يرى الباحث في كلية العلوم الاجتماعية بن مصطفى دحو في تصريح خاص، أنه تاريخياً كان هناك انصهار اجتماعي من دون تمييز عرقي أو لغوي أو ثقافي، غير أنه مع ظهور حزب الشعب القبائلي عام 1949، وعدم إدانته لسيطرة إسرائيل على فلسطين بدأ يظهر انشقاق استغله الاستعمار الفرنسي بناء على دراسات أنثروبولوجية لبث التفرقة.

وأضاف أنه مع استقلال الجزائر في 1962، ظهر خلاف سياسي حول الحكم سرعان ما تحول إلى صراع جهوي، وقد استثمرت جهات أجنبية في هذا الخلاف لإعطائه بعداً ثقافياً ترتب عنه حق سياسي فظهرت الأكاديمية البربرية كقاطرة لتأسيس هوية ثقافية لأمة متمايزة.

وأوضح أن "رد الفعل العنيف للسلطة التي قرأت في مطالب الحق الثقافي حقاً سيادياً وسياسياً، عمق الشرخ الاجتماعي الذي تم استغلاله ويتم الانتقال من مصطلح الحركة واللغة البربرية إلى الأمازيغية، لأسباب ترتبط بإشكالية تاريخية وأنثروبولوجية ومقاربة استراتيجية".

ولفت دحو أن دستور 1996 أقر الحق في الهوية ضمن النسيج الاجتماعي الكلي، ثم ظهور قانون 1998 حول التراث المادي واللامادي والشروع في إصلاح المنظومة التربوية، ثم التوسع في الاعتراف بالهوية الأمازيغية إلى اللغة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية في دستور 2016 و2020 مع الاعتراف بالحق المتساوي في الثقافة.

وقال إنه بعيداً من احتمال الاستغلال السياسي لقضية الهوية هناك حقيقة تاريخية وديموغرافية يجب الإقرار بها والاعتراف بوجودها مع وجوب التعامل الموضوعي معها.

وأضاف أن الواقع يكشف عن اختلاف الوضع بين الجزائر ودول شمال أفريقيا، فالجزائر حريصة على الاعتراف بالوجود الاجتماعي والثقافي للأمازيغية مع رفض أن تتحول إلى كيان سياسي.

وأشار إلى أنه في هذا السياق يندرج قانون محاربة خطاب الكراهية والتمييز الصادر في أبريل (نيسان) 2020، غير أن هناك حاجة إلى تعديل قوانين التربية والإعلام والتراث الثقافي المادي واللامادي، وكثير من القوانين لتحصين الوحدة الوطنية سياسياً وفق مقاربة تقوم على احترام التنوع.

المزيد من تقارير