حكايات معمري الجزائر الذين عايشوا مختلف الحروب والمراحل

نعلم جميعاً أن الأعمار بيد الله، لكن تبقى قصص عيش بعض المعمرين طويلاً في الجزائر تجذب الناس إليها، ويتساءلون إن كان لدى هؤلاء "وصفة سرية" مددت سنوات حياتهم إلى ما بعد الـ 100 عام، من دون أمراض ولا علاج.

ويحظى الشيخ أو الفرد المسن في الجزائر بتقدير محيطه، فهو رمز للبركة والحكمة والرزانة في أسرته وفي المحيط الخارجي في المفهوم الشعبي الجزائري، وهي المكانة التي اكتسبها من تجاربه وخبرته الطويلة في الحياة.

لم يزر المستشفى يوماً

في منطقة الرباح بولاية الوادي (700 كيلومتر جنوب شرقي العاصمة الجزائر)، عاش مبارك رحماني المولود سنة 1884 حياة مليئة بالمغامرات، لم يغير خلالها قط من عاداته وطباعه التي عرف بها، من نشاط وحيوية، إضافة إلى محافظته على نظام غذائي خاص أسهم في تقوية جسمه من الأمراض التي تصيب عادة من هم في مثل سنه.

مبارك الذي عايش حروباً شهدها العالم خلال القرن الماضي، بداية من الحربين العالميتين الأولى والثانية والثورة الجزائرية، والأزمة الاقتصادية العالمية سنة 1929، ونكسة الـ 48، وفرحة الاستقلال، فقد عاش مختلف أوقات الرخاء والشدة، ولم يدخل المستشفى إلا مرة واحدة في حياته فارق على أثرها الحياة، كان ذلك عام 2014، عن عمر ناهز 140 سنة.

ويستحضر كثير من أبناء الحي الذي ترعرع فيه مبارك، طريقة عيشه ونمط حياته، إذ كانت مختلفة تماماً عن أقرانه ومن هم في سنه، فكان الرجل المتزوج من ثلاث نساء، والجد لـ 100 حفيد، مداوماً على شرب حليب الإبل والماعز، إذ لا تخلو مائدة فطوره من هذه المواد التي يعتبرها مفيدة صحياً لجسمه، كما أنه يتجنب شرب القهوة ويفضل شرب الشاي وأكل التمر.

وعلى رغم أن مبارك يسكن في بيئة صحراوية معروفة بنسبة حرارتها المرتفعة في فصل الصيف، لم يستعمل طيلة حياته التي قضاها المكيف الهوائي على الإطلاق، فبالنسبة إليه هذا الاختراع يجعل من مستخدمه فرداً خاملاً كسولاً، حسب الروايات المتداولة في منطقته.

بركة البيت

لا يبدو نمط حياة مبارك بعيداً من حياة الحاجة فاطمة معزوز التي قطنت في ضواحي بلدية تلعصة بولاية الشلف (200 كيلومتر من العاصمة)، أكبر معمرة في العالم، التي فارقت الحياة عن عمر فاق 121 سنة (مولودة في الثاني من أبريل (نيسان) 1902).

ومن الطبيعي أن يجذب "المعمرون" كثيراً من الاهتمام، وهو ما حصل مع الحاجة فاطمة التي صنعت الحدث على وسائل الإعلام الجزائرية بسبب نشاطها المنقطع النظير.

سنها لم يمنعها من المواظبة على أداء نشاطها اليومي من دون كلل أو ملل، كانت تقوم بزيارة أبنائها والبحث عن لم شمل أحفادها في جميع المناسبات الدينية والعائلية، كما أن شهرتها ازدادت وسط أبناء قريتها، حيث كان يتم دعوتها لإحياء مناسبات سكان الحي وأعراسهم، وتسهم في خلق الفرحة دائماً بين أفراد العائلة.

لم يمر نشاط أكبر معمرة في الجزائر، وحركتها الدؤوبة مرور الكرام على كل من عرف الحاجة فاطمة عن قرب، إذ ظلت حديث العام والخاص. وبالنسبة لكثيرين تعد مثالاً حياً عن الصمود وتحدي حاجز السن، فقد ظلت متمسكة بأداء فرائضها الدينية ولم شمل العائلة الكبيرة وساكنة المنطقة، إلى أن لازمت الفراش بعد أن اشتد عليها المرض خلال الأيام الأخيرة، ونزل خبر وفاتها كالصاعقة على محبيها، وترك جرحاً غائراً لكونها أماً حنونة وصديقة حكيمة.

عالم يصنع الاستثناء

الحديث عن المعمرين، يجعل الجزائريين يستحضرون اسم الشيخ محمد الطاهر آيت علجت، البالغ من العمر 106 سنوات، فكثيراً ما انتشرت أنباء تعلن وفاته ليتبين أنها مجرد إشاعات تكذبها عائلته.

ويعد آيت علجت من مواليد عام 1917 عندما كانت الجزائر تحت وطأة الاحتلال الفرنسي، وعلى رغم الظروف الصعبة، إلا أنه تفوق في التحصيل العلمي، فأصبح عالماً متكاملاً أهلاً لأن يتبوأ مقعد الأساتذة ويعتلي كرسي المشيخة للتدريس، ففاضت شهرته العلمية وحسنت سمعته، فأقبل عليه الطلبة ليس من أهل المنطقة في قرية ثاموقرة بني عيدل شرق الجزائر فحسب، بل من المناطق المجاورة.

بعد السمعة الطيبة التي تركها الشيخ في نفسية الطلبة، تحولت زاوية جده أين كان يدرس، إلى ملاذ لكثير ممن تبحث عنهم السلطات الاستعمارية، حيث كانوا يتوافدون إلى الزاوية التي أضحت مؤسسة دينية واجتماعية وخيرية مفتوحة لكل الطلبة والزوار.

وعرف الشيخ آيت علجت، بنشاطه وحركيته وحبه للتعلم والاستطلاع، وتخرج على يديه جملة من الطلبة، له مؤلفات كثيرة، كما هو الآن بصدد كتابة مذكرات تروي تاريخه وتاريخ الثورة الجزائرية، وتقييمه للأحداث ومواقفه عبر مسيرته الرائدة.

عودة لحياة صحية

قصص الأشخاص الذين يعيشون طويلاً تبدو ملهمة بالنسبة إلى محبي الحياة، وإن كانت دراسات العلماء والأطباء تذهب إلى أن الجينات تلعب دوراً كبيراً في طول العمر.

والملفت أن بعض الشباب في السنوات الأخيرة باتت تعتريهم رغبة في تحسين جودة حياتهم، من خلال ممارسة الرياضة أكثر، إضافة إلى مساع لتنبي نظام غذائي يرتكز على أكل الخضر والفواكه وشرب كثير من الماء، لا سيما ذلك الذي يصب من المنبع، وتفادي الأغذية المعلبة أو الوجبات السريعة.

 كما بات الأطباء والمتخصصون ينصحون بممارسة المشي أكثر والتأمل في البحر والمساحات الخضراء والتنفس العميق، إضافة إلى التقليل من استعمال التكنولوجيا التي غزت حياتنا وضاعفت الضغوطات النفسية التي لها دور بارز في قصر العمر.

ارتفاع معدل العمر

وحديثاً، توقعت إحصائية حكومية في الجزائر ارتفاع معدل عمر الجزائريين إلى 82.5 عام بحلول 2040، مع بلوغ عدد الذين سيتجاوزن 70 سنة خمسة ملايين نسمة، مقابل 1.6 مليون نسمة في الوقت الحالي.

وحسب الأرقام، فإن متوسط أعمار الجزائريين ارتفع بين عامي 1962، وهو تاريخ استقلال الجزائر عن الاحتلال الفرنسي، و2020، بحيث انتقل متوسط العمر من 47 سنة خلال السنوات الأولى للاستقلال في ستينيات القرن الماضي، إلى أكثر من 76 سنة خلال 2022.