Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الديش بارتي"... بديل عزومة رمضان في مصر

البعض يجده حلاً مثالياً يوفر المال والمجهود ويحافظ على طقس "اللمة" وآخرون يصفونه بالمحرج ويتعاملون معه بارتباك

عزومة رمضان من أكثر العادات الرمضانية التي يحرص عليها المصريون (أ ف ب)

ملخص

هل فكرة الديش بارتي مقبولة اجتماعياً لدى #المصريين في ما يتعلق بعزائم شهر #رمضان أم لا تزال تمثل حرجاً لكنهم يضطرون إليها بسبب الظرف الاقتصادي؟

إذا كانت الظروف الاقتصادية في مصر قد جعلت كثيرين يتخلون عن بنود من الرفاهية وحتى ما هو أقل من الرفاهية في سبيل التكيف، بخاصة في ظل عدم مجاراة الرواتب لتصاعدات الأسعار، وكي يحافظ الفرد على أسلوب معيشته متوازناً من دون أن يلجأ إلى الاستدانة، فإن في شهر رمضان تصبح فكرة "الاستغناءات" أكثر صعوبة، سواء مجتمعياً أو اقتصادياً أو حتى نفسياً، فالشعور بالحرمان مثلاً من طقس "العزومة" الذي هو رفيق أيام وليالي رمضان في الإفطار والسحور بالنسبة إلى المصريين يبدو ثقيلاً للغاية على البعض، وغير متقبل بالمرة بالنسبة إليهم.

لكن في أول رمضان بعد موجات تعويم الجنيه المصري المتتالية التي انطلقت تقريباً منذ صيف 2022، حين كان سعر الدولار الأميركي الواحد يساوي 15 جنيهاً ونصف الجنيه، وصل حالياً إلى ما يزيد على الثلاثين جنيهاً، مما أفقد العملة غالبية قيمتها، وأثر بشكل مباشر وفوري في أسعار السلع في المتاجر، بل وبشكل يفوق نسبة ارتفاع سعر الدولار نفسه، مما جعل بعض السلع الغذائية تختفي أو ينخفض المعروض منها مع ارتفاع ثمنها بشكل يفوق ميزانية كثيرين، لا سيما المواد الأساسية التي هي قوام أية طاولة في العزائم، فهل يستغنى المصريون عن اللمة تحت ضغط ارتفاع الأسعار أم أن شهر الخير والبركة، كما يسميه الصائمون، سيجعلهم يبتكرون حلولاً لضمان الاستمتاع بطقوسهم الاجتماعية المعتادة التي ينتظرون تلك المناسبة لأجل إحيائها؟


"لمة رمضان" وكراهية "قطع العادة"

ومنذ الأيام الأولى لشهر الصيام وحتى قبل انطلاقه بدأت الاستفسارات وطلبات المساعدة تتوالى على المجموعات النسائية المغلقة، سواء عبر "واتساب" أو "فيسبوك"، وبدلاً من الشكوى من الأزمة التي طاولت كل الطبقات حتى تلك التي كانت تعتبر نفسها ميسورة، كانت التعليقات والمناقشات تتمحور حول كيفية التدبير من أجل عدم قطع "العادة"، ولقاء المعارف والأهل والأصدقاء والاجتماع معهم على مائدة الطعام، وهي المهمة التي اعتادت كل أسرة أن تقوم باستضافة الأحبة بالمنزل، وتقدم الطعام والحلويات والمشروبات، لتكون الطاولة عامرة بكل ما لذ وطاب من أصناف مختلفة للدلالة على الكرم، وبراعة الطهو، وكل عائلة هنا تتنافس في إظهار قدراتها على تقديم الأفضل والأكثر جودة، بالطبع كان يجري تبادل العزومات بانتظام خلال الشهر، سواء كانت على الإفطار أو السحور، فيما الشباب من الأصدقاء يفضلون تناول الأكل في المطاعم.

من أبرز الحلول التي اتفقت عليها السيدات هو أن فكرة "الديش بارتي" باتت هي المسيطرة على طريقة عزائم هذا الموسم الرمضاني، فبدلاً من أن تضطلع كل أسرة بمفردها بإعداد مائدة مكلفة للغاية، لا سيما أن تلك التجمعات لا تقتصر عادة على دعوة فرد أو فردين لتناول الطعام، إنما في الأقل خمسة أشخاص إضافيين بخلاف أهل البيت نفسه.

وفي ظل وصول سعر كيلو اللحم إلى ما يعادل عشرة دولارات في المتوسط، والدجاج إلى ثلاثة دولارات صعوداً وهبوطاً، بينما تصل أسعار بعض مشتقاته إلى ستة دولارات أو أكثر، فمن الطبيعي أن تكون كلفة أي عزومة متوسطة باهظة بالنسبة إلى الأسر العادية، نظراً إلى تعدد الأطباق التي تكون بكميات كبيرة عادة، إذاً فتقسيم الأصناف بالتالي الكلفة على عدد أكبر من المشاركين يعتبر حلاً يسيراً ومجدياً ومقبولاً اجتماعياً بالنسبة إلى بعض الفئات.

إعادة إحياء فكرة قديمة لتناسب رمضان

فكرة "الديش بارتي" ليست جديدة الطبع، لكن ارتباطها بشهر رمضان أمر لم يكن معتاداً، فهي تعتبر طقساً لطيفاً يقوم به الأطفال في المدارس أو بعض الأصدقاء في ما بينهم، وتتكون عادة من أطباق خفيفة، يحضر كل شخص من المشاركين البعض منها لتتكون في النهاية وليمة بأبسط كلفة، وقد وجدتها ربات البيوت هذا العام بديلاً ملائماً للغاية، بل حلاً مثالياً يقلل العبء عن العائلات، وكذلك يقلص من المجهود الذي يقوم به أفراد البيت المضيف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب هدى ياسر، أم لطفلين، واعتادت سنوياً أن تقيم بمنزلها أكثر من وليمة رمضانية، واحدة للأقارب وأخرى للأصدقاء وثالثة لمعارف زوجها في العمل، وتتبادل معهم أيضاً العزائم، فإنها اتفقت مع النساء والفتيات من حاضرات التجمع على أن تحضر كل منهن صنفين، أحدهما يمثل طبقاً رئيساً والآخر نوع من نوع الحلويات، وكذلك جرى توزيع شراء المشروبات في ما بين الأسر.

تحكي هدى "نفذنا الفكرة في ثاني أيام رمضان، وشهدت المائدة تنوعاً في المأكولات، وكل واحدة تسابقت في تقديم أفضل ما لديها. والحقيقة أن المجهود أصبح أقل بكثير جداً، فأنا توليت ترتيب الطاولة بمشتملاتها وإعداد صنفين، وباقي الوليمة جاء بها الضيوف، والأجواء كانت مبهجة للغاية، والأهم أننا حققنا مبدأ اللمة والتسامر والأطفال لعبوا معاً، ولم يشعروا بالحرمان، كما حرصنا على عدم الإهدار إذ كانت الكميات معقولة".

ماذا عن "الحرج الاجتماعي"؟!

تتكرر كلمات مثل "على القد، كميات قليلة، أصناف محدودة" في كثير من التعليقات على استبدال بالعزومة التقليدية تلك التي يجري فيها مشاركة الأطباق من قبل عائلات متعددة، وبينهم خديجة محمود، وهي جدة في الخمسين من عمرها، إذ قالت إن لديها بعض الصديقات القدامى وقررن جميعاً أن يكون تجمع هذا العام منزلياً، وليس في أحد المطاعم مثلما كن يفعلن في السابق توفيراً للنفقات، وسيكون في منزل إحداهن باعتباره الأكبر من حيث المساحة.

ولم تجد خديجة غضاضة في تلك الفكرة، كما أنه كان هناك شرط أساسي وهو تقليل كميات اللحوم والأسماك لتكون "على القد" كي لا يكون هناك فاقد، ولتقليل الميزانية التي هي موزعة بالأساس على أفراد عدة، لكنها تواصل "قد يكون هذا الوضع متقبلاً مع الأصدقاء، لكن في ما يتعلق بالأهل فأجدها فكرة محرجة، بالتالي سأحاول تدبير أموري المالية كي أحافظ على العادة السنوية من دون تغيير مع أقاربي، بخاصة أن كراهية قطع العادات أمر متأصل في جذورنا".

ومثلها أيضاً "س خ" التي قالت إنها وقعت في حيرة من أمرها، واستغربت بشدة فكرة أن تطلب من ضيوفها أن يحضروا أطباقهم معهم، بخاصة أنها تقيم أربع عزائم رمضانية كل عام، وليس كل المدعوين علاقتها بهم تسمح بأن تخبرهم بهذا التغيير، لكنها فوجئت بأن البعض منهم فاتحها في الموضوع أولاً، نظراً إلى أن الفكرة انتشرت على مجموعات كثيرة، وبات معمولاً بها هذا العام، ومن خلال التجارب وصفها البعض بأنها ممتعة واقتصادية وموفرة للوقت والمجهود، بل إنها تزيد من مبدأ المشاركة واللمة، وتجعل كل شخص يخرج براعته في الطبق الذي يعده من دون أن يشعر بإرهاق وضغط".

تقسيط الكنافة يشعل الجدل ودار الإفتاء تدلي بالنصائح

الارتفاع الكبير بأسعار متطلبات مائدة رمضان المصرية طال أغلب السلع، بالتالي فكل عائلة أصبحت تفكر كثيراً قبل قرار تبادل العزائم، إضافة إلى زيادة أثمان المواد الغذائية الرئيسة، هناك أيضاً الحلويات، وهو ما بدا واضحاً في محاولة الاستفادة من الحالة الاقتصادية والظروف التي تعصف بالعائلات من قبل بعض منافذ البيع.

ولعل من أبرز ما جرى ملاحظته هو طرح أحد التطبيقات صنف حلويات ليباع على نظام التقسيط الشهري، وذلك بالتعاون مع أحد محال الحلويات الشهيرة، وعلى رغم أن الأمر أثار ضجة وسخرية وبعض الاستهجان، فإنه أيضاً يكمل سلسلة "التقسيط" التي باتت تعتمد عليها كثير من العلامات التجارية في مصر، إذ تطرح تسهيلات في نظام التقسيط في ما يتعلق بسلع لم تكن مدرجة ضمن هذا النظام من قبل وأبرزها مواد البقالة وسلع بسيطة أخرى كان تباع وتشترى من دون وسيط.

لكن طبق الكنافة الذي أثار الجدل تسبب أيضاً في الرواج للمتجر، إذ إن متوسط سعره جاء بما يعادل 15 دولاراً أميركياً تسدد على ثلاث دفعات، وهو مبلغ لا يستحق التقسيط في نظر الأكثرية، فيما تندر جانب من المعلقين على هذا الطرح بأنهم يمكنهم شراء طبق كنافة رمضاني والتهامه في ساعتين على سبيل المثال، لكن تسديد ثمنه مع موسم عيد الأضحى.

التريند بشكل عام أثار كثيراً من التعليقات التي تتهم المحال بالمتاجرة في الأزمة بغرض الدعاية، بخاصة أن أسعار بعض السلع التي تطرح لنظام التقسيط لا تكون في كثير منها باهظة لتلك الدرجة، لكن وجد بعض المعلقين كذلك أنه في حال شراء أكثر من صنف فإن الحاجة إلى التقسيط ستكون ضرورية بالنسبة إليهم.

على جانب آخر، تواصل دار الإفتاء المصرية نشر تدوينات عبر منصاتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي من شأنها أن تسهم في رفع الوعي المجتمعي بضرورة الترشيد خلال رمضان، وتساعد المتسائلين في كيفية تدبير أمورهم. ومن منشورات المؤسسة التي لاقت تفاعلاً على مدى الأيام الماضية "حسن التدبير يذهب الفقر ويجلب الرزق، وتحصل معه البركة"، كما نشرت كذلك تغريدة حثت من خلالها الصائمين على إخراج زكاة الفطر "مالاً" وليس سلعاً عينية، وجاء في التبرير أن هذا أرفق بمصالح الخلق في هذا العصر، وهي كلها تدوينات تتواءم بشكل مباشر مع الظرف الاقتصادي الحالي الذي لم يفرق بين الطبقات.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات