Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة الزيادة السكانية... القضية الخاسرة للسينما المصرية

دقت أعمال فنية عديدة ناقوس الخطر من تلك المشكلة منذ الستينيات لكن مع مطلع الألفية غابت عن الشاشة ما فاقم ظواهر أطفال الشوارع والحقد الطبقي

كان فيلم "السبع بنات" سباقاً لتناول أزمة كثرة الإنجاب قبل أن تطلق المؤسسات الرسمية المصرية حملات التوعية (موقع يوتيوب)

ملخص

شهدت فترتا السبعينيات والثمانينيات تقديم عدد كبير من الأفلام #المصرية التي ناقشت خطورة #الزيادة_السكانية

مغريات كثيرة وحملات توعية وجدت طريقها إلى وسائل الإعلام الرسمية والخاصة في ما يتعلق بضرورة تنظيم الأسرة في مصر، تلك النغمة التي عاش معها المصريون منذ عقود طويلة، وكانت تتراوح بين الضغط والإلحاح والخفوت، لدرجة أنها كانت تلاحق المواطن في السينما والتلفزيون والملصقات بالشوارع، إضافة إلى المقابلات المباشرة مع الجمهور.

لكن مع مطلع الألفية، تلاشت نبرة الخطاب الملح المتعلق بضرورة الحد من الزيادة السكنية، بالتالي تراجع التأثير، لا سيما في ظل الاختفاء شبه التام لما يعرف بالحملات الشعبية، التي كانت في الفترة الممتدة من السبعينيات إلى التسعينيات في أشدها، وكانت بالفعل حاضرة في الحديث اليومي للمواطن، وبالطبع أثرت في كثيرين، لكن مع تلاشيها زاد سكان مصر بمعدل يتجاوز الضعف منذ الثمانينيات، حيث كانوا أقل من 50 مليون نسمة، ووصلوا إلى أكثر من 100 مليون أخيراً.

الملاحظ أخيراً أن الاهتمام الرسمي بتلك القضية عاد مجدداً بقوة من خلال وسائل توعوية تحفيزية، مثل صرف مبلغ مالي للأسرة الملتزمة إنجاب طفلين فقط، حيث باتت تلك الرسائل تجد مكاناً لها على الخريطة الإعلامية، وكذلك بالأسلوب المباشر، فهل ستسير الأعمال الفنية الإبداعية وراء هذا التوجه مرة أخرى بعد أن شهدت السينما على مدار عقود تقديم مجموعة كبيرة من الأعمال ذائعة الصيت والراسخة في الوجدان حول أزمة التضخم السكاني، التي كانت تناقش الملف بواقعية وجرأة؟

السينما تسبق الحملات

اللافت أن الدراما سبقت التوجه السياسي في ما يتعلق بالانتباه لمشكلة الأسر ذات عدد الأفراد الكبير، وكان السينمائيون يقدمون أعمالهم المستقاة من مشكلات المجتمع الواقعية تماماً دون انتظار الحملات الرسمية، وهو ما بدا واضحاً في أعمال عدة ذات جودة فنية عالية قدمت تلك الأزمة بذكاء ولا تزال تتمتع بشعبية كبيرة، وبينها "السبع بنات" في عام 1961 للمخرج عاطف سالم، حيث يربي الأب بناته السبعة بمفرده بعد رحيل الأم.

ولا يتعرض فيلم "السبع بنات" بشكل مباشر للمشكلات المادية بقدر ما يتحدث عن عبء الاضطلاع بمهام أسرة كبيرة، حيث إن لكل فتاة مشكلاتها وأزماتها، بخاصة أن بينهن المراهقات والشابات واللاتي لا يزلن في عمر الطفولة.

وفي السنة نفسها، قدم المخرج حسين حلمي المهندس فيلماً شبيهاً هو "أنا وبناتي"، فالأب هنا يخسر أمواله بعد تعرضه للنصب ويندم أشد الندم بسبب تربيته المنغلقة لبناته الأربعة، حيث كان يمنعهن من الخروج والاختلاط، ولكنهن في النهاية ينزلن إلى سوق العمل لمحاولة إعانة الأب المتقاعد، ثم يعود المخرج عاطف سالم مرة أخرى بفيلم "أم العروسة" في عام 1963 لعماد حمدي وتحية كاريوكا، وهما أبوان لسبعة أبناء، يفشلان في تدبير معيشتهم، ويضيق بهما الحال، بسبب عدم قدرتهما على دفع كلفة زواج الابنة فيضطر الأب للاختلاس.

الوعي بتفاقم المشكلة كان واضحاً للغاية، رغم أنه حتى ذلك الوقت لم يكن مصطلح تنظيم الأسرة قد عرف طريقه إلى الشارع المصري، بخاصة أنه تم إنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة في البلاد منتصف ستينيات القرن الماضي.

وتدريجياً بدأت عمليات التوعية تتوغل في جميع المنابر، وهنا لفتت نظر عدد أكبر من صناع الأعمال الفنية، حيث شهدت السبعينيات والثمانينيات ذروة تلك الأعمال، وقد عرض فيلم "الحفيد" في عام 1974 الذي هو استكمال لفيلم "أم العروسة"، ولكن بأبطال جدد، وبدت فيه مشكلة كثرة الإنجاب وتداعياتها على جودة المعيشة أكثر بروزاً.


خطاب سينمائي أكثر مأسوية

لكن شهد عام 1977 عرض الفيلم الأكثر شهرة في هذا الصدد، وهو "أفواه وأرانب" بعنوانه المعبر وقصته المحكمة وأداء أبطاله المقنع، حيث يجسد العمل الذي أخرجه هنري بركات حالة الهلع من فكرة كثرة الإنجاب بصورة دقيقة للغاية، بل تبدو مرعبة للبعض، فالأطفال التسعة، أبناء شقيقة البطلة، يعانون الجوع طوال الوقت.

كما كشف "أفواه وأرانب" عن ارتباط الجهل وعدم التعلم بفكرة كثرة الإنجاب، فرغم فقر العائلة وسوء سلوك الأب، تستمر الزوجة في تكرار الحمل. وتؤدي فاتن حمامة دور شقيقة الزوجة التي هي بمثابة طوق نجاة للعائلة لانتشالها من وضعها البائس.

سيدة الشاشة العربية أيضاً كانت بطلة "إمبراطورية ميم" في عام 1972 للمخرج حسين كمال، وفيه قدمت دور أم لسبعة أبناء بأعمار مختلفة. ورغم أن الأسرة كانت لا تواجه عقبات مادية، فإن عدم قدرتها على متابعة مشكلات كل ابن من أبنائها وشعورها بالذنب والتقصير كانا يسيطران عليها، كذلك لم تكن هناك مشكلة مادية في فيلم "عالم عيال عيال" بطولة سميرة أحمد في عام 1976، لكن الضغوط العصبية الكبيرة بسبب وجود هذا الكم من الأطفال في منزل واحد كان يؤثر في طريقة تربيتهم والاهتمام بهم.

وكانت القصص أكثر مأسوية في أعمال سينمائية أخرى، وبينها "لا تسألني من أنا" في عام 1984، بطولة شادية ويسرا، و"الصبر في الملاحات" في عام 1986، بطولة ميدحة يسري ونبيلة عبيد، وكانت الحبكة الرئيسة هنا تدور حول العائلة التي تضطر نظراً إلى ضيق الحال إلى التنازل عن إحدى بناتها لأسرة ثرية تتكفل بها وتساعد باقي الأشقاء بالمال، بالطبع مع اختلاف تفاصيل القصتين.

فيما كانت قصة فيلم "انتحار مدرس ثانوي" في عام 1989 لحسين فهمي وعفاف شعيب، حول أب محدود الدخل يرزق بعدد كبير من الأطفال بعد زواجه من امرأتين، وتفشل كل محاولاته لزيادة دخله وفي النهاية لا يتحمل الضغوط فيقرر الانتحار.

إعلانات ناجحة موقتة

ومع انتشار أجهزة التلفزيون بصورة أكبر في منازل المصريين، كان لا بد أن تحاول الجهات الرسمية الاستفادة من هذا الجهاز لمساعدتها في إيصال رسالتها الخاصة بتحديد النسل بصورة أكبر، ومن هنا بدأت حملات التوعية الإعلانية المتكررة التي تبث في أفضل الأوقات قبيل الفقرات والمسلسلات التي تحظى بشعبية وجماهيرية، حيث كانت هذه هي الوسيلة هي الأكثر مباشرة والأسرع وصولاً، وربما تأثيراً.

وقدمت ذروة الإعلانات الناجحة في هذا الصدد بتلك الفترة، وكانت الفنانة كريمة مختار الوجه الأكثر حضوراً في هذا الجانب، لكن تدريجياً دخل مشاهير آخرون إلى تلك الحملات وبينهم سناء يونس وفاطمة عيد وأحمد ماهر، ومعظمها توجهت إلى المجتمعات الريفية لمحاولة توعية المواطنين بأنواع وسائل منع الحمل، وكذلك لتأكيد عدم تحريمها دينياً كما كان يردد البعض آنذاك، وحثهم على عدم تفضيل جنس مولود على آخر.

كما اشتهر شعار "حسنين ومحمدين" الذي كان متضمناً في عدة إعلانات تنبه من مخاطر كثرة الإنجاب صحياً ومادياً واجتماعاً، وقبل سنوات قليلة شارك كذلك الفنان أكرم حسني في عدة إعلانات تدعو للحد من الإنجاب، لكن الحملة لم تشهد استمرارية. ومن أبرز المسلسلات التلفزيونية التي تناولت هذه الظاهرة نجد "ما زال النيل يجري"، و"أهلاً بالسكان" اللذين عرضا ما بين منتصف الثمانينيات وأوائل التسعينيات.

صناعة أطفال الشوارع

منذ أواخر التسعينيات بدأت نبرة الاهتمام تفتر بعض الشيء مع استمرار الحملات الإعلانية في التلفزيون والإذاعة، لكن دون إلحاح مثلما كان في السابق، والسينما من جهتها كانت ترصد تأثيرات تلك الظاهرة في القرارات الإنسانية وعلى المحيط المجتمعي، وتم تناول أزمة الزيادة السكانية وأحوال الأسر الفقيرة التي تصر على إنجاب مزيد من الأطفال باعتبارهم سند على أمل أن يسهموا بعملهم عندما يكبرون في مساعدة الأسرة مادياً، وهي الظاهرة التي قدمت بشكل مأسوي في أفلام مثل "الجراج" في عام 1995، و"حين ميسرة" في عام 2007، و"الغابة" في عام 2008، وتم ربط هذا التوجه بتنامي مشكلة أطفال الشوارع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشير المحامية دعاء عباس، رئيسة الجمعية القانونية لحقوق الطفل والأسرة، إلى أنه "لا غنى عن الوسيط الإعلامي والفني في التوعية بالزيادة السكانية، وفي ما يخص بمشكلة أطفال الشوارع بالتحديد، فهي نتاج مباشر وطبيعي للمفاهيم المغلوطة في ما يتعلق بالهدف من الإنجاب، حيث تلجأ عائلات فقيرة للغاية للإنجاب بكثرة رغم عدم إعطاء هؤلاء الأبناء حقوقهم النفسية أو المادية أو أي نوع من أنواع الرعاية"، مشيرة ببساطة إلى أن "إهمال الأطفال بهذا الشكل يعتبر ضد تعاليم الأديان وضد القوانين".

وهذا بالضبط ما جرى تناوله في أعمال فنية عدة، منها مسلسل يحمل بشكل مباشر اسم "أولاد الشوارع" شاركت حنان ترك في بطولته مع عمرو وأكد في عام 2006.

وتشيد الناشطة في مؤسسات المجتمع المدني، دعاء عباس علي، بفكرة تقارب الدراما مع الواقع، ولكنها كانت تتمنى أن تبقى الأعمال تناقش تلك الأزمة الضخمة بغض عن النظر عن الحملات القومية، لافتة إلى أن "الدولة مهما أقامت مشروعات تنموية فزيادة عدد السكان ستأكل الأخضر واليابس، ولن يلمس الشعب الآثار الإيجابية للمشروعات التنموية كما ينبغي"، مشددة على أنه بحكم اختلاطها بحالات كثيرة على أرض الواقع، فإن "كثرة عدد الأطفال مرتبطة عادة في المناطق الأكثر فقراً والأقل تعليماً، حيث يعتمدون على صغارهم في الإنفاق عليهم باعتبارهم مجرد عمالة دون الاهتمام بصحتهم ولا تربيتهم".

وأضافت أن "كل هذا ينتج عنه ظاهرة الطفولة العاملة وبحكم عملي فقد تحدث مع المئات وتابعت آلاف الحالات واكتشفت أن الأطفال الذين يطلقهم أهاليهم في الشوارع يحملون حقداً طبقياً ضد المجتمع وناسه، بل وجدت أن عدداً كبيراً منهم يتجولون ليلاً ويخربون السيارات المصطفة بجوار بيوت مالكيها عن عمد، وذلك لعدم رضاهم عن معيشتهم وغضبهم من حياة غيرهم المرفهة، وبالطبع تلك أمور تولد العنف وتجعل الشارع غير آمن، فاللافت أن ميسوري الحال عادة يكتفون بطفلين أو ثلاثة على الأكثر، بينما المتعثرون مادياً لديهم خمسة أبناء في الأقل على رغم أن الأكثر ثراءً قادرون على الإنفاق والدعم والرعاية لعدد أكبر، وفي النهاية تجد طبقة معينة نفسها تدفع الضرائب، بينما تعاقبها فئة أخرى ممن يبعثون أبناءهم من دون رعاية إلى التسول والسرقة ليؤذوا غيرهم".

تراجع ملحوظ في ملف غير قابل للإغلاق

من الملاحظ أنه منذ 15 عاماً تقريباً توارت الأعمال الكبيرة التي تأخذ على عاتقها تناول أزمة الزيادة السكانية، ربما لأن خطاب الهيئات المعنية بهذا الشأن لم يعد شديد الاهتمام بها مثلما كان سابقاً. وكانت هناك حملات مجتمعية أخرى يتم التركيز عليها مثل مواجهة ختان الإناث وزواج القاصرات، فعدم الاستمرارية في طرح القضية أثر بشكل كبير في ظهورها فنياً وإعلامياً.

لكن أخيراً ومع عودة موجة الحديث مرة أخرى عن ضرورة مجابهة كثرة الإنجاب، تزامناً مع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد تأثراً بما يجري في العالم، وضعت البرامج على أجندتها فقرات مخصصة للتوعية والتعريف بالمبادرات والحوافز التي تحصل عليها الأسر إذا ما اكتفت بإنجاب طفلين فقط، لكن رغم أن الجهات الرسمية تبدو جادة للغاية في هذا الشأن، يبدو أن ثقافة الإنجاب والعزوة والعائلة الكبيرة لا تزال مترسخة في مجتمعات ومناطق متعددة بمصر وليس فقط بالصعيد والأرياف.

وعلقت نهى طلعت عبد القوي، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، بتأكيد التراجع الذي تشهده حملات التوعية بضرورة تنظيم الأسرة من وقت لآخر، مشيرة إلى أن "ذلك عائد لأسباب كثيرة ولعل أبرزها أن منظمات المجتمع المادي لا تجد متبرعين متحمسين لتلك الأنشطة"، لافتة إلى أنه "نشاط لا يلقى دعماً جماهيرياً، بالتالي لا يجدون متطوعين كثر ينخرطون في المساهمة بتلك الحملات نظراً إلى عدم اقتناعهم بها ولترسخ أفكار وعادات معينة لديهم"، كما نبهت أيضاً إلى "الخلل في طريقة إيصال الرسالة الخاصة بمدى خطورة الانفجار السكاني"، لافتة إلى أنه "لم يعد هناك بد من تكاتف المجتمع الأهلي مع القطاعات الحكومية لتنفيذ أهداف المشروع القومي لتنظيم الأسرة".


الغرامة المالية حل رادع

وتشرح ذات الفكرة بصورة أكثر توسعاً الحقوقية دعاء عباس، مشيرة إلى أن "دور مراكز تنظيم الأسرة التي تتلقى دعماً من وزارة الصحة ومن المؤسسات الدولية لم يعد ملموساً في ملف تقنين الإنجاب. وتلفت النظر إلى أنه يجب أن يكون العاملون بهذا الملف مؤمنين برسالتهم تماماً ومقتنعين بالهدف لينجحوا في مهمتهم"، فالدولة برأيها لن تعمل بمفردها، بالتالي يجب دعم أنشطة جمعيات المجتمع المدني التي تعمل على تلك القضية.

وختمت رئيس الجمعية القانونية لحقوق الطفل والأسرة حديثها، بالتذكير بأن "ملف تنظيم الأسرة يجب أن تعمل عليه وزارتا الصحة والتضامن بشكل دائم وغير موسمي، إضافة إلى المجالس القومية بالطبع"، مؤكدة أنه "ملف غير قابل للإغلاق نظراً إلى مدى خطورته".

كما نادت بضرورة التشاور مع المؤسسات الدينية لتبني خطاب يطالب بسن قوانين تعاقب الأسرة المخالفة في ما يتعلق بتجاوز عدد الأطفال المسموح به، مقترحة أن تكون هناك غرامة مالية تدفعها العائلة التي تتخطى الحدود المناسبة من منطلق أن إنجاب مزيد من الأطفال يعني أن العائلة لديها فائض مالي، بالتالي لن تجد أزمة في دفع المبلغ الذي يقره القانون، ضاربة المثل بالتقدم الذي حدث في ملف ختان الإناث، فإلى جانب الإلحاح في التوعية عبر وسائل الإعلام كانت هناك عقوبات رادعة، جعلت الظاهرة تنحسر كثيراً على رغم أنها كانت مستشرية في المجتمع.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير