Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بروموهات دراما رمضان... دعاية أم "مصنع نكات"؟

اقتباسات وحكم وأقوال مأثورة تثير شغف المتابعين وسخريتهم واتهامات بالتصنع والمبالغة ومجاراة "السوشيال ميديا"

يتحدث البشر في حياتهم العادية بطريقة أكثر بساطة ولا يفكرون في سك عبارات مقفاة مع كل تعليق أو حادثة (مواقع التواصل)

ملخص

أصبح الشغل الشاغل للقائمين على تنفيذ الإعلانات الترويجية لـ #مسلسلات_رمضان على ما يبدو هو تكديس أكبر قدر من المصطلحات الغريبة والجمل المقفاة للتعبير عن تميز البطل

لعبة الإعلانات التمهيدية لمسلسلات الموسم الرمضاني أصبحت بحد ذاتها فناً مستقلاً تماماً عن الدراما، وصناعة لها روادها الذين يتنافسون في ما بينهم، حيث يكون هدفها الأول جذب المتابعين حتى لو حملت بعض "التضليل" المقبول عن محتوى العمل وقصته وأجوائه، وهي أمور متبعة ومعروفة، فمبدأ التشويق هو الذي يحرك تلك الفيديوهات القصيرة المبتورة بطبيعة الحال.

أخيراً أصبحت هناك سمة تحرك اختيار اللقطات والعبارات التي تسيطر على أغلب "البروموهات" الدعائية للمسلسلات المصرية عادة، وقد بدت واضحة بصورة أكبر في ما يتعلق بمسلسلات موسم رمضان 2023، وهي أن تلك الإعلانات تحولت إلى ما يشبه السباق المحموم لحشد أكبر قدر من الجمل التي تبدو وكأنها نكات وحكم ومواعظ وخلاصة تجارب حياتية تخص الأبطال، لتصلح فقط كاقتباسات تزين صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الباحثة عن التصفيق والإشادة، فيما تراجع الحوار التقليدي بصورة ملحوظة.

في هذا الصدد انقسم المتلقون إلى نصفين، فبعضهم تلقف الجمل المقفاة والمليئة بالسجع ووضع عليها صوراً معبرة مأخوذة من الإعلان لتأكيد أن الشخصية مؤثرة وتقطر حكمة، فيما تعامل آخرون بطريقة عكسية، إذ اتخذوها مدعاة للسخرية، فمن في حياته اليومية يتحدث بالسجع والقافية والجناس؟ مشيرين إلى أن الإصرار على تلك الطريقة يفقد الشخصيات الدرامية مصداقيتها، ويجعلها تبدو مصطنعة وبعيدة من أرض الواقع.

ما فعلته السوشيال ميديا

الهوس بتحقيق الشهرة من خلال "اللازمات" التي يقولها البطل في حواره هو الذي جعل الصناع يمشون وراء "السوشيال ميديا" ويحاولون تقديم مادة تلائم هوى روادها ممن يقتطعون الاقتباسات التي تتميز ببلاغة شعبية، إن جاز التعبير، ويحولونها إلى "كوميكس"، أو يرونها مدعاة للإشادة بالعمق والحكمة، ليخرج الأمر من إطار الصدقية والعفوية وما يخدم النص الدرامي إلى منافسة في ابتكار تلك الجمل والعبارات التي تعرف في مصر بأنها تزين سيارات الأجرة.

لكن واقعياً لا أحد يتحدث بهذا الشكل على طول الخط، وكأن لسانه مبرمج على النطق بهذه الطريقة، أو كأن البديهة تسعفه دوماً ليرد بحكمة مبتكرة وسديدة تلائم كل موقف، إذاً فالأمر يحمل كثيراً من المبالغة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قبل سنوات حقق النجم السوري تيم حسن انتشاراً واسعاً من خلال مصطلحات معينة كان يقولها في مسلسل "الهيبة" بأجزائه، وقد كانت ألفاظاً تناسب بيئة وطبيعة دور الخارج عن القانون، ومن بينها "يا صبر الله"، ولم تكن هذه العبارات مقحمة أبداً على الدور، لكن ساحة الاقتباسات الدرامية الآن أصبحت تطاول جميع الشخصيات الرئيسة تقريباً مهما كانت طبيعتها، فالجمل التي تقال على أنها خلاصة تجارب حياتية ما لم يفرضها الموقف، لكنها تقال بسبب ومن دون سبب، على رغم أن الطبيعي هو أن البشر يتحدثون في يومهم العادي بطريقة أكثر بساطة وتلقائية، ولا يفكرون في سك مقولات تحذيرية أو ترحيبية أو حتى تحمل بعض النصائح بهذا الكم، فما الذي تغير؟

 

 

الناقد الفني أندرو محسن يؤكد أن تلك الظاهرة باتت منتشرة للغاية، مشيراً إلى أن الأمر تحول إلى البحث عن جمل ذات مغزى بشكل منفرد بصرف النظر عن ملاءمتها لتيمة العمل، ومتابعاً "الأغرب أنه في بعض الأوقات أصبح الصناع يبحثون عن تلك العبارات ذات الطبيعة المقفاة لجذب الجمهور خلال الحلقات، حتى لو كانت خارج سياق المشهد، لتصبح كل حلقة مستقلة بأقوالها المأثورة واقتباساتها، وليس مهماً أن تكون في صلب الموضوع محل النقاش بين الأبطال".

دعاية مقبولة أم ملفقة؟

"في كارنا مافيش مقارنة"، "أخوك على قده بس مافيش (لا يوجد) حد قده"، "لو الكلام ده لينا يبقى إنت من أعادينا". هذه نماذج قليلة من الأقوال التي جاءت على لسان أبطال مسلسل "بابا المجال" لمصطفى شعبان، التي تم تكديسها في إعلان ترويجي قصير، حين تم الاكتفاء باستعراض إنتاجات فريق الكتابة من تلك العبارات من دون الاهتمام بالتركيز على تيمة العمل لتكون أكثر وضوحاً، كما يحمل "بوستر" العمل عبارة أخرى من النوعية نفسها، وهي "اللي ياكل الحرام الحرام ياكله".

الأمر تكرر في بروموهات مسلسلات أخرى من المقرر عرضها في الموسم الرمضاني 2023 ومن بينها "ضرب نار" و"جعفر العمدة" و"سره الباتع"، لكن أليست مهمة الإعلان المبدئي الترويجي من الأساس جذب الجمهور وإثارة الجدل ليصعد العمل في قائمة الأكثر بحثاً ولا مانع من بعض الغموض والغرابة إذا تطلب الأمر؟ وعلى هذا الأساس من الطبيعي أن يلجأ القائمون عليه إلى طرق مختلفة للفت النظر وتحقيق أبسط مبادئ الدعاية.

 

 

يعلق أندرو محسن على هذه النقطة بالتأكيد على أن توجهات الإعلانات الدعائية بشكل عام هدفها أن تخطف الاهتمام لتحقق الانتشار، لكنه ينبه كذلك إلى أن ما يحدث هو أن الغالبية العظمى من الإعلانات الأولية للمسلسلات تعتمد التيمة شبه الموحدة ذاتها، بحشد عدد الحكم والمواعظ والنصائح التي يلتزم بعضها وزناً وقافية لتبدو وكأنها أمثال شعبية وأقوال مأثورة.

وأضاف "نظرياً لا توجد أزمة في اختيار أكثر المقاطع إثارة للجدل لضمان تداول اسم العمل، لكن فعلياً يجب أن يكون المحتوى متعلق بموضوع القصة لينتظره الجمهور، فالجمل المنتقاة قد لا تكون عادة عاكسة للمحتوى بل بعيدة كل البعد من الفكرة أو السياق فقط من أجل المشاركة في التريند وضمان التسويق عبر (الكوميكس)".

هذا بالضبط ما يراه أيضاً الناقد الفني طارق الشناوي، الذي يقول إن "المضمون قد لا يتوافق بالضرورة مع اسم العمل ولا مع الإعلان الترويجي، وهو أمر متكرر"، لافتاً إلى أن الحملة الترويجية لا تكون معبرة عادة عن حقيقة الدراما، فما توحي به الإعلانات قد تكذبه الحلقات تماماً.

اتجاهات مختلفة

على جانب آخر، التزم صناع عدد من الأعمال الدرامية المنتظر عرضها في الموسم الرمضاني المقبل بالهدف الأساسي من "البرومو" أو الإعلان الدعائي القصير، من خلال تحقيق قاعدة التشويق مع إظهار طبيعة الحوار بين الأطراف، وإيضاح نوعية الصراع والعقدة في القصة، وهي أمور أساسية بالنسبة إلى المشاهد الذي يتخذ قراره بالمتابعة بناءً على فكرة المسلسل وتيمته الرئيسة، ومن بينها "كامل العدد" لدينا الشربيني وشريف سلامة، و"الهرشة السابعة" لأمينة خليل ومحمد شاهين، و"تحت الوصاية" لمنى زكي، إذ جاءت تلك البروموهات لتدخل المشاهد في الأجواء العامة للمسلسل من دون حرق للأحداث، بل إن بعضها جاء مربكاً ومحيراً بعض الشيء، لكن صناعه حرصوا تماماً على الابتعاد من ظاهرة إعلانات الحكم والأمثال، واختاروا طرقاً معتادة في التسويق للدراما، وهي مع ذلك لم تخل من الابتكار، وبدا المجهود في اختيار اللقطات محسوساً.

على رغم أن المنافسة في عالم "الكوميكس" والاقتباسات بدأت بالفعل تزامناً مع مقاطع الإعلانات الترويجية، لكن بحسب الآراء المتداولة، سواء من قبل المتخصصين أو الجمهور العادي المهتم بالدراما، فإن التشابه في تيمة البروموهات قد يكون مضراً بعض الشيء، سواء من ناحية التكرار الذي يسبب مللاً للجمهور أو من ناحية عدم المصداقية في ابتعاد لغة الدراما من طريقة أحاديث المشاهدين الطبيعية ورجل الشارع العادي، أو حتى من جهة أن بعض اللقطات المختارة قد تكون خادعة تماماً، وتعد الجمهور بقصة أو حكاية بعيدة كثيراً من محتوى الحلقات.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة