Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

10 أعوام من الصراع... أحلام الشباب الضائعة في ليبيا

الاقتتال غير مصير جيل كامل وجعل حمل السلاح أولوية وإن منح فرصاً ضئيلة لبعضهم

الشباب الليبي أكثر من تحمل فاتورة الفوضى في بلاده (أ ف ب)

كان طالباً جامعياً يافعاً بكلية الهندسة في منتصف العشرينيات من عمره لديه طموحات واسعة وأحلام كبيرة عندما اندلعت الانتفاضة الشعبية بليبيا في 17 فبراير (شباط) 2011 قبل أن تتغير خريطة حياته ومخططاته المستقبلية في الأعوام التالية رأساً على عقب ليرمي القلم ويمتشق السلاح، ويذهب في اتجاه لم يكن في حسبانه يوماً من الأيام.

هذه حكاية الشاب الليبي خليل محمد التي رواها لنا شارحاً كيف تبدلت حياته، وهي ليست سوى حكاية واحدة من عشرات آلاف الحكايات المتشابهة المضمون، وإن اختلفت تفاصيلها لشباب ليبيين غيرت أحداث العشرية الأخيرة حياتهم إلى الأبد وحولت مسيرتهم تماماً، وبعضهم داهمته الأعوام وغادره قطار الشباب حاملاً معه حقيبة الأحلام بما فيها.

تغيير شامل للمسار

يشرح خليل محمد التفاصيل التي أسهمت في تغيير حياته ومساره عقب الأحداث التي شهدتها ليبيا بعد الثورة، قائلاً "أخذتني الحماسة وتأثرت بالشعارات البراقة في بداية الثورة الليبية فخرجت مع الجموع المنتفضة وكلي أمل أن يغير سقوط النظام الواقع الصعب الذي كان عليه الشباب وأنا واحد منهم والبلاد بصفة عامة، ولأن دراستي الجامعية في كلية الهندسة كانت معطلة دخلت أحد مراكز التدريب عندما تسلحت الثورة وتعلمت الرماية واستخدام السلاح وكانت هذه الخطوة حاسمة في تغيير مسار حياتي إلى الأبد".

وأضاف، "رغم أنني لم أشارك فعلياً في الحرب، إذ تم تكليفي بمهمات داخل مدينة بنغازي لتأمينها، إلا أنني تحصّلت على مرتب، ثم مكافآت مالية من المجلس الوطني الانتقالي، وبدأت أفكر جدياً عندها في الاستمرار بمهنتي الجديدة كمجند بسبب الأموال التي جنيتها والظروف الاقتصادية الخاصة بي".

الانحياز في خضم الصراع

ورغم أن خليل فكر في مرحلة ما بالعودة إلى مقاعد الكلية بعد سقوط نظام القذافي واستقرار الأوضاع لفترة، إلا أن الظروف السياسية والأمنية التي شهدتها البلاد بعد ذلك قادته من جديد إلى امتشاق السلاح، يقول "ما بين عامي 2013 و2014 شهدت بنغازي أحداثاً دامية جديدة مع بداية سلسلة من الاغتيالات والتفجيرات في المدينة نفذها تنظيم داعش، اشتعلت نفسي غضباً مثل بقية السكان، وعندما تدخل الجيش انضممت إليه متطوعاً ثم مجنداً بعد فترة تدريب وحالياً أصبحت المهنة العسكرية مصيري، ومع تقدم السن باتت الدراسة في كلية الهندسة شبحاً جميلاً من ماضي بعيد وذكرى فقط لا أكثر ولا أقل".

ويخلص إلى أنه "مع الحسرة على تفويت فرصة الحصول على الشهادة الجامعية إلا أنني راض بقدري وما قسم لي، وأعتقد بأني أقدم الخدمة لوطني من المكان المناسب في الظروف الحالية وبحسب ما يحتاج إليه في الوضع الراهن".

دخول مضمار السياسة

ليست كل الحالات من الشباب الذين تبدلت حياتهم تبدلاً جذرياً تبعاً للتغيرات التي شهدتها البلاد، كانت خياراتهم الجديدة خاطئة أو سلبية، بل إن بعضهم حصل على فرص جديدة وثمينة لم تكن لتتاح له في ظل نظام شمولي منغلق مثل نظام معمر القذافي، بحسب الإعلامي والسياسي محمد كمال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى كمال الذي كان عند اندلاع الثورة يدرس في مجال تقنية المعلومات أن الأبواب التي فتحت له ليظهر قدراته وينجح في مجال الإعلام قبل دخول مضمار السياسة كان من المستحيل أن تفتح له في العهد السابق، "بالتالي أرفض الحكم على مرحلة تاريخية كاملة من خلال خيارات شخصية لبعضهم لم يجبرهم عليها أحد ويعتقدون ويعتقد غيرهم بأنها خاطئة"، وتابع "صحيح أن كثيراً من الشباب تضرروا جسدياً ونفسياً واقتصادياً من الأحداث التي مرت بها بلادهم، لكنني أرفض فكرة تضرر جيل كامل وإحباطه عبر زرع هذه الفكرة في رأسه".

ويستشهد كمال بالأمثلة الشهيرة لتأكيد فكرته "بعض الشباب جعل من الظروف الصعبة مطية للوصول إلى مرحلة غير مسبوقة من النجاح في الأعوام الماضية، مثل لاعب كرة الصالات الشهير أحمد بو رقبة، المحترف حالياً في ألمانيا، الذي تحول إلى اسم دعائي شهير لبعض الشركات العالمية تملأ صوره جدران عاصمة كبيرة مثل برلين، والروائي محمد النعاس الذي حاز جائزة البوكر العربية العام الماضي ويعتبر ثاني أصغر فائز بها بعمر 31 سنة فقط".

فاتورة باهظة

في المقابل وعلى غرار كل البلدان حيث تشتعل حروب ونزاعات مسلحة بسبب هزات سياسية واجتماعية مثل التي وقعت في ليبيا، تظهر الأرقام أن الشباب الليبي أكثر من تحمل فاتورة الفوضى وربما تم استغلاله من كل الأطراف وقوداً للحرب وجسوراً تقود تضحياتهم إلى السلطة.

وتؤكد آخر الإحصاءات الرسمية والموثقة الصادرة عام 2020 انخفاضاً ملحوظاً بنسبة الشباب في بداية العشرينيات خلال العقد الماضي، بحيث بلغت نسبة الشباب دون الـ24 سنة حوالى 44 في المئة من السكان عام 2020 مقارنة بنسبة 49 في المئة لعام 2010.

وتربط الباحثة الاجتماعية حنان الترهوني بين تراجع أعداد الشباب في هذه الفئة العمرية والحروب التي شهدتها البلاد طوال العقد الماضي، "الشباب في هذه السن الأكثر اندفاعاً وحماسة لحمل السلاح وخوض الحروب بسبب قلة الخبرة في اتخاذ القرارات وسهولة تعبئتهم وإقناعهم بالشعارات والقضايا التي يتم خوض الصراعات على أساسها".

وأشارت الترهوني إلى أنه "رغم عدم وجود إحصاءات رسمية تؤكد هذا الرابط بين تناقض أعداد هذه الفئة العمرية في المجتمع والحروب، فإن المشاهدة والملاحظة تؤكد ذلك، فصور القتلى التي نراها على مواقع التواصل وتلك التي تعلق في الشوارع لتكريمهم، وحتى بعض من فقدناهم خلال هذه الأعوام من أقارب في الحروب، جلهم من هذه الفئة الصغيرة في السن".

خطر البطالة

وتعتبر البطالة والظروف الاقتصادية، بحسب الترهوني، العاملين الأكثر تأثيراً في تغيير مسار الشباب وتحديد خياراتهم المستقبلية. وتعتقد بأن "تضارب تقديرات نسب البطالة في ليبيا أسهم بشكل كبير في عدم معالجة هذه المشكلة عبر سياسات حكومية سليمة ومنهجية، ففي حين أشار تقرير لمركز المعلومات والتوثيق الحكومي إلى أنها لم تتجاوز ستة في المئة بنهاية 2018، قال وزير العمل والتأهيل في حكومة الوفاق الوطني السابقة المهدي الأمين إنها وصلت إلى 15 في المئة عام 2019".

بينما يؤكد "التقرير المشترك للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية ومنظمة العمل الدولية الصادر في نهاية عام 2020 أن البطالة في ليبيا ظلت مستقرة نسبياً ما بين 18 إلى 19 في المئة خلال السنوات العشر الماضية".

وكان وزير العمل والتأهيل بحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس علي العابد رفض وجود أزمة بطالة بليبيا، قائلاً إن "عدد الباحثين عن العمل المسجلين بالمنظومة تقلص من 340 ألفاً إلى 220 ألف باحث". مشيراً إلى أن "عدد الموظفين في الدولة يفوق مليونين و400 ألف".

وأكد العابد عبر مقابلة بثت على موقع الحكومة قبل أشهر قليلة "عدم وجود رقم دقيق لمعدل البطالة في ليبيا، كما لا توجد بيانات للعاملين بالقطاع الخاص غير أن البطالة في البلاد مقننة بحيث لا توجد لدينا بطالة حقيقية ومعظم الشباب لديهم وظائف، سواء في القطاع الخاص أو في الدولة".

تهميش سياسي

وفي أغسطس (آب) الماضي، مناسبة الاحتفال باليوم العالمي للشباب، أكدت الأمم المتحدة أن الشباب الليبي هم الفئة الأكثر تضرراً من الصراعات السياسية والعسكرية، ومع ذلك يتم تهميشهم بشكل ممنهج ومنعهم من ممارسة حقوقهم السياسية.

وحثت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا "القادة السياسيين على وضع آليات عملية لإشراك الشباب في عملية صناعة القرار والاستجابة لمطالبهم في شأن الانتخابات والنمو الاقتصادي"، مشددة على أنهم "الفئة الأكثر تضرراً من الأزمة التي طال أمدها".

وقالت البعثة إن "شباب ليبيا يقعون في قلب الأزمة التي طال أمدها وهم من بين أكثر الفئات تضرراً منها، على رغم إعرابهم عن اهتمام غير مسبوق بالشؤون العامة والسياسية في ظل التهميش المزمن للشباب في الحياة السياسية".

وشددت البعثة على أن "الشباب يسهمون بجدية في بناء مجتمع يتمتع بحرية أكثر وعدالة اجتماعية وديمقراطية"، مشيرة إلى "أن أكثر من نصف الذين تسجلوا للتصويت عام 2021 تتراوح أعمارهم بين 18 و30 سنة، علاوة على أن عدداً من الشباب أنفسهم تقدموا كمرشحين للانتخابات البرلمانية والرئاسية التي كان من المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر (كانون الأول) من ذلك العام".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي