Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشباب الليبي نحو "فوهة الانتحار" بـ347 حالة سنويا

فزع رسمي وشعبي من تنامي الظاهرة ومراقبون: الحرب والفقر وانتشار السلاح أبرز الأسباب

تواتر حالات الانتحار في مدن ليبية عدة أمر لم يعد خافياً على أحد بعد انتشار أخبارها على مواقع التواصل (أ ف ب)

بمنشور عبر مواقع التواصل يتضمن دعوات بالمغفرة وطلباً للصفح من كل المعارف قبل الإقدام على الانتحار، هكذا هانت حياة العديد من الشباب الليبيين خلال السنوات الماضية، مما أثار جدلاً واسعاً في شأن أسباب انتشار ظاهرة الانتحار، وهل يمكن وصفها فعلاً بالظاهرة نظراً إلى ارتفاع أعداد الذين قرروا إنهاء حياتهم بأياديهم؟

تحرك حكومي

تواتر حالات الانتحار في مدن ليبية عدة أمر لم يعد خافياً على أحد بعد انتشار أخبارها على مواقع التواصل الاجتماعي، مما دفع الجهات الرسمية إلى التحرك من أجل درس الظاهرة وأسبابها تمهيداً لمواجهتها، إذ كلفت وزيرة الشؤون الاجتماعية في حكومة الوحدة وفاء الكيلاني "مركز الدراسات الاجتماعية" وفريق الدعم النفسي بالعمل فوراً على درس تنامي الانتحار في ليبيا والوقوف على أسبابه وسبل الحد منه.

وتعطي الأرقام الصادرة عن منظمة الصحة العالمية بخصوص حالات الانتحار على مستوى العالم صورة واضحة عن الزيادة الكبيرة في أعداد الذين أقدموا على الانتحار في ليبيا خلال السنوات الأخيرة، فبعد أن صنفت في المرتبة التاسعة عربياً والرابعة مغاربياً في معدلات الانتحار عام 2014 بمعدل 1.8 لكل 100 ألف شخص، حلت في المرتبة الثانية بين دول المغرب العربي بعد موريتانيا عام 2019، إذ سجلت 8.7 حالة انتحار بين الذكور ضمن كل 100 ألف شخص سنوياً، و2.3 حالة للإناث، بمعدل ست حالات أسبوعياً، وضعتها المنظمة في المركز الـ129 ضمن 183 دولة شملها التقرير، بواقع 347 حالة انتحار سنوياً، وهو آخر إحصاء صادر عن المنظمة بخصوص هذه الظاهرة.

وتشير المنظمة إلى أن العالم يشهد انتحار شخص واحد كل 40 ثانية، وأن عدد البلدان التي لديها استراتيجيات وطنية لمنع الانتحار لم يتجاوز 38 بلداً، مبينة أن أكثر من 79 في المئة من حالات الانتحار العالمية خلال العام 2019 حدثت في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل مثل ليبيا.

ناقوس خطر

واعتبر الصحافي الليبي محمد خليفة أنه "على الرغم من الغياب التام للبيانات الرسمية فإن الارتفاع الملاحظ في عدد حالات الانتحار يدق ناقوس الخطر".

وأضاف، "أرى أن ما تمر به البلاد من أزمات وهزات عنيفة خلقت ظروفاً اقتصادية واجتماعية صعبة، إضافة إلى الآثار النفسية للحرب وانتشار السلاح بكثرة مع سهولة الوصول إليه، وكلها أسباب أدت إلى زيادة حالات الانتحار في ليبيا".

وعلى الرغم من تنامي الظاهرة عاماً بعد عام فإنه لا توجد دراسات وأبحاث أو حتى إحصاءات رسمية ترصدها وتحللها، إلا دراسة وحيدة نشرتها "وحدة البحوث الاجتماعية" بمديرية أمن طرابلس عام 2020 في شأن أسباب الانتحار بالعاصمة.

وربطت الدراسة بين الانتحار وعوامل وأسباب متداخلة قد تكون نفسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وتوصلت إلى أن معظم ضحايا الانتحار هم من فئة الذكور بنسبة 58.8 في المئة، ومنهم 41.1 في المئة تتراوح أعمارهم بين 21 و30 سنة، ومعظمهم عزاب بنسبة 73.52 في المئة، كما بلغت نسبة من كان مستواهم التعليمي متوسطاً فأقل 52.94 في المئة، والعاطلين 61.76 في المئة، ومن يقطنون الأحياء الشعبية الفقيرة 70.58 في المئة، وجميعهم استخدم طريقة الشنق في تنفيذ الانتحار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابعت الدراسة أن نسبة الضحايا الذين لديهم ملفات متابعة بمستشفيات الأمراض النفسية والعصبية 32.35 في المئة، ومن أكثر الأسباب الدافعة إلى الانتحار الاضطرابات النفسية والاكتئاب بنسبة 35.25 في المئة، والعزلة والاستسلام لليأس 26.47 في المئة، بينما تسببت الضغوط النفسية والاجتماعية بانتحار 17.64 في المئة من العدد الإجمالي للمبحوثين، وتعاطي الكحول والمخدرات أسهم في قتل 11.76 في المئة لأنفسهم، بينما تسببت البطالة والفراغ بإقدام 8.82 في المئة من هذه الحالات على إنهاء حياتهم.

وحذرت الدراسة من خطورة هذه الظاهرة وتطورها الملاحظ، وأوصت بـ "إنشاء مراكز علاجية وتأهيلية للأفراد الذين حاولوا الانتحار أو لديهم ميول إليه، ونشر الحقائق عن هذه الظاهرة وخطرها، وعقد الندوات والمؤتمرات التي من شأنها التوعية بعواقبها على الفرد والمجتمع".

ودعت إلى "معالجة مشكلة البطالة من خلال فتح مشاريع اقتصادية لمكافحة الفقر الذي يعد عاملاً رئيساً في ازدياد حالات الانتحار بين فئة الشباب، وتفعيل ودعم الطب النفسي من خلال إنشاء مراكز تخصصية للعلاج النفسي، ونشر ثقافة العلاج للذين يعانون الاكتئاب والاضطرابات النفسية".

لغز البيضاء

أشهر حالات الانتحار التي شكلت لغزاً غامضاً في ليبيا حتى اليوم تلك التي وقعت في مدينة البيضاء شرق بنغازي عام 2017، حيث شهدت أكثر من ثماني حالات خلال أبريل (نيسان) من ذلك العام، في ظاهرة استعصت على التفسير حتى الآن.

وبدأت القصة حينما أقدم شاب بالمدينة يبلغ من العمر 18 سنة على شنق نفسه، وبعدها بأيام أقدمت فتاة أخرى على الفعل ذاته، قبل أن تتوالى بعدها حالات الانتحار بشكل غريب من أشخاص في مراحل عمرية مختلفة، وهم على التوالي شاب (18 سنة) وفتاة (14 سنة) وسيدة (40 سنة) وشاب (24 سنة) وشابة (17 سنة) وطفل (ثماني سنوات) وشابة (19 سنة)، وسيدة متزوجة ولديها أطفال (58 سنة).

ووقتها اختلفت التفسيرات حول هذه الظاهرة الغريبة بين من يربطها بالظروف الاجتماعية والاقتصادية ومن ينسبها إلى أعمال الشعوذة، لكن أكثر الروايات ربطتها بلعبة انتشرت على الهواتف المحمولة واشتهرت على مستوى العالم حينها تسمى "تشارلي"، واتهمت بالتسبب في انتحار كثيرين في دول أخرى غير ليبيا.

والغريب أن من بين الروايات واحدة رسمية، إذ أرسلت وزارة الداخلية في الحكومة الموقتة تعميماً إلى جهات تابعة لها قالت فيه إن "هناك لعبة تسمي تشارلي (Charli) انتشرت خلال الأيام الماضية وتداولها الشباب كثيراً، وأصلها شيطان مكسيكي كما تروي أساطيرهم، إذ يتم استحضار روحه بحسب مزاعمهم عبر بعض الكلمات الإنجليزية".

وبحسب تعميم الوزارة فبعد إجراء الدراسات وتقصي الأمر اتضح أن "تلك اللعبة تحدث لدى الشباب في سن المراهقة أعراضاً غريبة وكوابيس وأمراضاً نفسية تودي بهم إلى الانتحار"، واعتبرت الوزارة في تعميمها أن "الشيطان المكسيكي ’تشارلي‘ خطر على الأمن القومي الليبي وتجب مواجهته".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي