Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تستفيد مصر من ثروة الرمال السوداء؟

تمتلك القاهرة 5 مليارات طن تدخل في 40 صناعة أبرزها الرقائق الإلكترونية

تحتوي الرمال السوداء في مصر على نحو ثمانية أنواع من المعادن الثقيلة (هيئة المواد النووية المصرية)

بين مدينة رشيد شمال البلاد وحتى رفح المصرية شرق القاهرة، يمتد بحر من الرمال السوداء يقدر مخزونه الاستراتيجي بنحو 1.3 مليار متر مكعب من حبات الرمال الممتدة في 11 موقعاً.

وتدخل الرمال السوداء في أكثر من 40 صناعة تبدأ بالزجاج والجلود، وتصل إلى الرقائق الإلكترونية والغواصات والطائرات وحتى مركبات الفضاء، نظراً إلى أنها تحمل بين كثبانها معادن ثقيلة صبغت باللون الداكن المائل إلى السواد، وتتشكّل دائماً عند مصبات الأنهار.

وبعد أعوام ممتدة من المحاولات، تنبهت القاهرة إلى أهمية الرمال السوداء عقب افتتاح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مجمع الرمال السوداء في مدينة البرلس التابعة لمحافظة كفر الشيخ، إحدى المحافظات الواقعة شمال العاصمة، بكلفة تصل إلى 4 مليارات جنيه (203.3 مليون دولار).

الرئيس المصري أشار في كلمة متلفزة تزامناً مع الافتتاح الرسمي للمجمع إلى أن "الحديث عن قيمة الرمال السوداء في مصر ظل قائماً منذ 90 عاماً، ولم يتحمّس لفكرة الاستفادة عندما تحدثت حكومته عن استغلالها قبل خمسة أعوام".

ووفقاً لبيانات مجلس المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري يهدف مجمع الرمال السوداء إلى استخلاص المعادن الثقيلة وتسويقها محلياً وخارجياً.

كلفة المشروع

وبلغت كلفة تدشين المجمع 4 مليارات جنيه (203.3 ملايين دولار) شاملة الأعمال الهندسية والإنشائية والمعدات الخاصة والإسهام في تصميمه، وتصل مدة تنفيذه إلى 12 شهراً، وفقاً لما قاله حسن الشامي الرئيس التنفيذي لشركة حسن علام القابضة المنفذة للمشروع.

وأشار الشامي، في تصريحات إعلامية، إلى أن المشروع سيمكن القاهرة من استخلاص المعادن الثقيلة من الرمال السوداء الممتدة على ساحل مصر الشمالي بداية من مدينة أبو قير في محافظة الإسكندرية حتى مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء.

وأوضح الشامي أن تلك الرمال تضم عدداً من المعادن الثقيلة التي تستخدم في تصنيع السيارات والطائرات والتكنولوجيا والسيراميك والبطاريات، مما يخلق فرصاً للتصنيع وتصدير المعادن خارجياً، ومن ثمّ زيادة حصيلة مصر من النقد الأجنبي.

"مصنع الرمال السوداء مشروع ظل حلماً يراودنا عقوداً عدة منذ أن بدأت هيئة المواد النووية دراساتها حول استكشافها وتقييمها وفصل معادنها الاقتصادية"، وفقاً لحديث رئيس هيئة المواد النووية حامد ميرا في كلمته الافتتاحية لمجمع البرلس.

وقال ميرا إنه "إلى جانب ما تزخر به الرمال السوداء من عناصر التيتانيوم والزركونيوم التي تمتلك طيفاً واسعاً من التطبيقات الصناعية الدقيقة تأتي العناصر الأرضية النادرة أحد المكونات الرئيسة لمعدن المونازيت لتتصدر أجندة حاجات الدول الصناعية الكبرى، إذ تمثل هذه العناصر عصب الصناعات التكنولوجية والإلكترونية المتقدمة، إضافة إلى مجالات الذكاء الاصطناعي وتقدر عوائد مشاريع القيمة المضافة بما يقارب 6 مليارات دولار في مشروع البرلس فحسب".

وتحتوي الرمال السوداء في مصر على نحو ثمانية أنواع من المعادن الثقيلة تتراوح نسبتها في تكوين هذه الرمال ما بين 1 و8 في المئة، وتصل إلى أكثر من 80 في المئة بمنطقة البرلس، وهو أعلى تركيز لهذه المعادن في الرمال السوداء.

ومن أبرز المعادن الموجودة في الرمال السوداء الإلمنيت والزيركون والماغنتيت والروتيل والغارنيت، إضافة إلى المونازيت الذي يحتوى على مواد مشعة، وتعمل الدول على استخلاص تلك المعادن لاستغلالها اقتصادياً، وفي الوقت ذاته لتطهير الشواطئ من المواد المشعة الضارة بالبيئة.

احتياط الرمال السوداء

وأكد ميرا أن "مصر تملك احتياطات مؤكدة هائلة تصل إلى 5 مليارات من الأطنان من الرمال السوداء الحاملة للمعادن الاقتصادية تنتشر على ساحلي البحر المتوسط والبحر الأحمر، وما زالت هناك مناطق عدة لم تنته أعمال تقييمها بعد ومعها ستتضاعف احتياطات الخام وحجم الاستثمارات بما يضمن مردوداً اقتصادياً مستداماً ومزيداً من الصناعات القائمة على هذه المعادن".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتسعى القاهرة منذ بدايات القرن الـ20 إلى استغلال ثروة الرمال السوداء، وكانت المحاولة الأولى على يد مجموعة من المستثمرين اليونانيين، إذ قاموا بمحاولات فصل المعادن بطرق بدائية، قبل أن تؤسس شركة الرمال السوداء المصرية بمحافظة الإسكندرية شمال البلاد حتى تأممت في الحقبة الناصرية عام 1961 قبل أن تتوقف تماماً عن العمل في الثمانينيات.

وعادت الحكومة المصرية بعد مرور عقد كامل من القرن الـ21 إلى تأسيس الشركة الوطنية للرمال السوداء بالبرلس في فبراير (شباط) 2016، وبعدها وافقت الهيئة العامة للتنمية الصناعية على تنفيذ مشروع استخلاص المعادن الثقيلة من الرمال السوداء في محافظة كفر الشيخ شمال العاصمة القاهرة، وفقاً لبيانات مجلس المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري.

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية في مصر عن رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للرمال السوداء اللواء مجدي الطويل قوله إن "أهم المعادن المستخلصة تتمثل في الإلمنيت والزيركون والغارنيت والروتيل والمونازيت والماغنتيت". متوقعاً أن "تبلغ الطاقة الإنتاجية لمصنع الإلمنيت نحو 298 ألف طن في العام، والزيركون نحو 25 ألف طن سنوياً والغارنيت نحو 12 ألف طن، والروتيل نحو 11 ألف طن، والمونازيت نحو 145 طناً".

ثروة مهملة لعقود

من جانبه قال نائب رئيس هيئة المحطات النووية السابق علي عبد النبي إن "ثروة مصر من الرمال السوداء هائلة، وظلت مهملة عشرات السنين، بل إنها كانت بلا رقابة، مما دفع المهربين من جنسيات مختلفة إلى سرقة أطنان من ثروة مصر الرملية وتهريبها إلى خارج البلاد، أو في الأقل كان يتم تصديرها كمواد خام بعقود زهيدة، ثم نستوردها من الخارج في شكل منتجات مصنعة بمليارات الدولارات".

وأضاف عبد النبي "مجمع الرمال السوداء بالبرلس مشروع تعديني يستهدف استخلاص المعادن الثقيلة وتحقيق القيمة المضافة للمواد الخام بدلاً من تصديرها إلى الخارج، وهو ما يفتح الباب لجذب فرص استثمارية ضخمة لتحقيق قيمة مضافة للمعادن تستخدم في صناعات عدة مثل تصنيع الخلايا الشمسية والإلكترونيات وهياكل السيارات والطائرات والسيراميك والأدوات الصحية والحراريات".

وتدخل مستخلصات الرمال السوداء في صناعة هياكل الطائرات والصواريخ والغواصات ومركبات الفضاء والأصباغ والورق والجلود والدهان والسيراميك وسبائك المحركات وتركيبات الأسنان والأسرة المعدنية والخرسانة التي تتحمل الحرارة العالية والحديد الإسفنجي وأحجار الجلخ والصنفرة وفلاتر المياه والهواتف الذكية والسيارات العاملة بالكهرباء.

تحفيز الاستثمارات

واعتبر مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية عبد المنعم السيد أن "افتتاح مجمع البرلس سيحفز الاستثمارات من القطاع الخاص لتأسيس صناعات تعتمد على المعادن المستخلصة من الرمال السوداء". متوقعاً إنشاء عدد من المصانع خلال الفترة المقبلة تسهم في خفض فاتورة الواردات وزيادة الصادرات المصرية.

وأوضح، "الحرب الدائرة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين تدور رحاها حول الرقائق الإلكترونية التي تعتمد على المعادن المستخلصة من الرمال السوداء، ولذلك هي فرصة ذهبية لمصر للانطلاق وتعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة، مما يخفض فاتورة الاستيراد، ويحقق خفضاً لأسعار المنتجات على المستهلكين، كما أنها خطوة إيجابية في ملف توطين الصناعة عبر زيادة الصادرات الصناعية، وتوفير فرص عمل وزيادة في حجم المعروض من المنتجات في السوق المحلية".

وقبل ثمانية أشهر، أعلن معهد بحوث الإلكترونيات في مصر التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي إنشاء مشروع على مساحة 3 آلاف متر مربع، لتصنيع المكونات والرقائق الإلكترونية الدقيقة المصممة محلياً وعالمياً، على أن يتم تنفيذ المشروع على ثلاث مراحل بالتعاون مع مركز نظم المعلومات التابع للهيئة القومية للإنتاج الحربي وتحالف دولي من تسع شركات أجنبية ومحلية.

وبحسب بيان رسمي آنذاك من المقرر أن تتطرق الدراسة إلى التكنولوجيات المتوقع ازدهارها، واتساع السوق العالمية لها في المستقبل القريب، وتحديد أنسب تكنولوجيات التصنيع لتحقيق الاستدامة للمشروع.