Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صندوق النقد: الاقتصادات الخليجية تظهر مرونة وسط التحديات الخارجية

ظل النشاط غير النفطي قوياً مدعوماً بالطلب المحلي القوي والزخم الإصلاحي

خلال عام 2025، واصلت اقتصادات دول الخليج إظهار مرونتها في بيئة صعبة. (اندبندنت عربية)

ملخص

ترقب الصندوق أن يظل التوقع الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي إيجابياً، مشيراً إلى أن الأخطار تميل نحو الانخفاض في ظل حال عدم اليقين العالمية المرتفعة. 

قال صندوق النقد الدولي ضمن تقرير حديث حول دول مجلس التعاون الخليجي بعنوان "تعزيز الصلابة أمام الصدمات العالمية، الآفاق الاقتصادية والتحديات السياسية لدول الخليج"، إن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي أظهرت قدرة عالية على الصمود، إذ ظل النشاط غير النفطي قوياً مدعوماً بالطلب المحلي القوي والزخم الإصلاحي، مع تأثير محدود للصدمات الإقليمية وتأثير مباشر متواضع للرسوم الجمركية الأميركية المرتفعة، نظراً إلى إعفاء المنتجات الطاقية وروابط التجارة المحدودة مع الولايات المتحدة. وأضاف الصندوق أنه على رغم أن الميزان الخارجي انكمش نتيجة خفض إنتاج النفط وارتفاع الواردات، فإن الوضعية الخارجية ما زالت قوية بصورة عامة.

وتنبأ الصندوق أن يظل التوقع الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي إيجابياً، مشيراً إلى أن الأخطار تميل نحو الانخفاض في ظل حال عدم اليقين العالمية المرتفعة. وقال إنه من المتوقع أن يدعم النشاط الاقتصادي رفع قيود إنتاج النفط، وتوسع إنتاج الغاز الطبيعي، واستمرار الإصلاحات وتنفيذ المشاريع مدعوماً بوفرة السياسات المالية. وأشار إلى أن المخزونات الخارجية ستبقى مريحة على رغم ضيق موازين الحساب الجاري الناتج من ارتفاع الواردات.

وفي المدى القريب، أشار صندوق النقد إلى أن الأخطار تميل نحو الانخفاض مع احتمال تراجع أسعار النفط وتشديد الظروف المالية في ظل حال عدم اليقين العالية، أما على المدى المتوسط فإن التحولات الهيكلية العالمية المستمرة تمثل أخطاراً مزدوجة على اقتصادات الخليج، مع فرص وتحديات خلال الوقت ذاته.

اقتصادات الخليج تظهر مرونتها عام 2025

قال الصندوق "حتى الآن خلال عام 2025، واصلت اقتصادات دول الخليج إظهار مرونتها في بيئة صعبة. فقد كان للتوترات التجارية المتصاعدة تأثير مباشر محدود على دول الخليج، نظراً إلى إعفاء منتجات الطاقة من الرسوم الأميركية وقلة الروابط التجارية مع الولايات المتحدة في معظم دول الخليج".

ومع ذلك، أشار المقرض الدولي إلى تأثر الاقتصادات الخليجية بصورة غير مباشرة بالارتفاع في حال عدم اليقين العالمية والإقليمية، والتي تنعكس في صورة بعض ضغوط تدفقات رؤوس الأموال الموقتة خلال التوترات التجارية خلال يناير (كانون الثاني) وأبريل (نيسان) من العام الحالي، وانخفاض موقت في مؤشر مديري المشتريات للقطاع الخاص غير النفطي، على رغم أنه بقي في منطقة التوسع وتجاوز متوسط الاقتصادات المتقدمة والناشئة، وفقاً للصندوق.

وأضاف الصندوق أنه على رغم السياق الإقليمي المعقد، استمرت أعداد السياح في تسجيل مستويات قوية داخل دول الخليج مع تفاوت بين الدول، وكان لكل من السعودية والإمارات دور محوري في أداء القطاع القوي. وقال إنه على رغم أن أحجام الصادرات بقيت منخفضة نسبياً مقارنة بالأعوام الأخيرة نتيجة لخفض الإنتاج النفطي، فإن بدء رفع قيود الإنتاج منذ أبريل الماضي جاء بوتيرة متسارعة.

تأثير الرسوم الأميركية على الصادرات

وفقاً للصندوق تأثرت معدلات الرسوم الأميركية الفعلية بتركيبة الصادرات، مما أدى إلى اختلافات كبيرة بين دول الخليج، ففي الكويت والسعودية أدى التركيز النسبي على السلع المعفاة من الرسوم مثل الطاقة وبعض المعادن في الصناعة الكيماوية إلى معدل رسوم فعلي معتدل.

في المقابل، أدت الحصص الكبيرة نسبياً من الألمنيوم في الصادرات إلى ارتفاع معدلات الرسوم الفعلية في البحرين وعمان والإمارات بعد زيادات الرسوم خلال مارس (آذار) ويونيو (حزيران) الماضي، إذ وصلت المعدلات إلى نحو 30 في المئة في البحرين. أما في قطر فارتفع معدل الرسوم الفعلية تدريجاً، بعد تعويض أثر الرسوم العالية على صادرات الألمنيوم جزئياً عبر الإعفاءات على صادرات الطاقة.

وعلى هذا الأساس يقول الصندوق إن التأثير المباشر على التجارة مع الولايات المتحدة يبقى منخفضاً نسبياً داخل معظم دول الخليج، وبالنظر إلى قوة الروابط التجارية مع واشنطن تختلف التقديرات الخاصة بالتغير المحتمل في التجارة الثنائية، فقد تنخفض صادرات السلع إلى الولايات المتحدة بمعدلات مزدوجة الأرقام في البحرين وعمان والإمارات (10-15 في المئة على المدى القريب و20-30 في المئة على المدى الطويل)، في حين تقدر الانخفاضات في الكويت وقطر والسعودية بأنها متواضعة 0-6 في المئة على المديين القريب والطويل).

الاستقرار النسبي في الموازنات المالية

وفقاً لصندوق النقد الدولي، شهدت الموازنات المالية لدول الخليج استقراراً نسبياً أخيراً على رغم تفاوت مستوياتها وتركيبتها بين الدول، فمنذ عام 2023 أظهرت موازنات الحكومة العامة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي تقلبات محدودة على أساس سنوي، بما يتماشى مع الأسس الاقتصادية الكلية. ويأتي هذا الاستقرار بعد زيادة كبيرة في الموازنات المالية لدول الخليج عام 2022، نتيجة ارتفاع أسعار النفط المرتبط بتداعيات جائحة كورونا واندلاع الحرب في أوكرانيا.

وأشار الصندوق إلى أنه منذ عام 2023، حققت عمان وقطر والإمارات فائضاً مالياً معتدلاً على رغم انخفاض أسعار النفط، وفي المقابل سجلت الكويت فائضاً مالياً كبيراً فيما تكبدت البحرين عجزاً مالياً كبيراً، ويعزى هذا التفاوت الواسع في الأداء المالي إلى اختلاف إيرادات الهيدروكربونات، التي كانت الأعلى في الكويت والأدنى في البحرين.

وباستبعاد هذه الإيرادات المتقلبة، شهدت الموازنات المالية غير الهيدروكربونية استقراراً نسبياً أو تحسناً تدريجاً عبر دول الخليج أخيراً، مما يعكس جهود ضبط المالية العامة وتعزيز الاستدامة المالية.

ضبط النفقات وتعزيز الإيرادات

وأشار الصندوق إلى أن النفقات الحكومية لدول الخليج شهدت استقراراً نسبياً أخيراً، بينما تحققت جهود ملموسة في تعبئة الإيرادات غير الهيدروكربونية في دول الخليج، إذ بقيت النفقات الجارية للحكومات تقريباً مستقرة أو زادت بصورة معتدلة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2023، باستثناء الإمارات التي سجلت انخفاضاً معتدلاً في هذه النفقات كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.

أما النفقات الرأسمالية فظلت مستقرة نسبياً خلال هذه الفترة، مع استثناء الكويت التي شهدت زيادة كبيرة وقطر التي شهدت تراجعاً معتدلاً. وخلال الوقت نفسه، جرى تحقيق تعبئة كبيرة للإيرادات غير الهيدروكربونية في الكويت والسعودية، ويعكس ذلك بصورة أساس توسع القاعدة الضريبية غير الهيدروكربونية وتحسين كفاءة تحصيل الإيرادات، بما في ذلك عبر التحول الرقمي.

توازن بين الاستدامة بين الأجيال وتنويع الاقتصاد

عن السياسة المالية أشار الصندوق إلى أن التحدي الرئيس للسياسات المالية يكمن في موازنة أهداف الاستقرار المناهض للدورات الاقتصادية، وتحقيق العدالة بين الأجيال وتعزيز التنويع الاقتصادي، مع إدارة الأخطار المالية عبر خطط الطوارئ.

وقال الصندوق "على المدى القريب، يعد التوجه المالي المتسم بالانكماش المعتدل مناسباً بصورة عامة، نظراً إلى الحاجة لضمان العدالة بين الأجيال، ولا توجد حاجة لمزيد من التشديد المالي استجابة لانخفاض أسعار النفط، وذلك بفضل وفرة المخزونات السياسية وأولوية الاستثمار العام".

أما على المدى المتوسط والطويل، فستتطلب السعودية والبحرين والكويت وعمان مزيداً من جهود التشديد المالي بما يعادل نحو 6 إلى 18 في المئة من الناتج المحلي غير النفطي، مع تحديد حجم هذه الجهود لتحقيق العدالة بين الأجيال، وتركز هيكلها على زيادة الإيرادات غير النفطية وإلغاء دعم الطاقة تدريجاً، مع الحفاظ على الإنفاق الرأسمالي ذي الأولوية لدعم التنويع الاقتصادي.

ودعا إلى ضرورة أن تكون جهود التشديد المالي متناسبة مع الظروف الخاصة بكل دولة، ومدعومة بإصلاحات إدارة المالية العامة، بما في ذلك اعتماد أطر مالية متوسطة المدى موثوقة وقواعد مالية مناسبة وتعزيز مراقبة الأخطار، وإنشاء أطر متكاملة لإدارة الأصول والخصوم السيادية.

سياسات نقدية ثابتة لتعزيز الاستقرار المالي

أشار صندوق النقد الدولي ضمن تقريره إلى أن الأطر الحالية للسياسة النقدية المتوافقة مع ربط العملات بالدولار، خدمت دول مجلس التعاون الخليجي بصورة جيدة ويجب الحفاظ عليها، وتتمثل الأولوية في تعزيز آلية نقل السياسة النقدية بما في ذلك تحسين أطر إدارة السيولة وتعميق الأسواق المالية.

وأشار الصندوق إلى أن نظام البنوك في وضع قوي، قائلاً إنه مع استمرار عدم اليقين العالمي وتقلب أسعار السلع يجب أن تستمر السياسات الكلية الاحترازية في إدارة الأخطار النظامية استباقاً، بينما ينبغي أن تستمر الرقابة والتنظيم المالي في التطور بما يتماشى مع المعايير الدولية.

وفي ما يتعلق بالسياسات الهيكلية، قال الصندوق إن التقدم في التنويع الاقتصادي يواجه تحديات بسبب ارتفاع عدم اليقين العالمي الذي قد يؤثر في المنطقة عبر تقلب أسعار النفط وتباطؤ النمو العالمي، وتشديد الأوضاع المالية العالمية وانخفاض الاستثمارات الخاصة بما فيها الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وفي ظل هذه الخلفية يرى الصندوق أن تسريع الإصلاحات وإعطاءها الأولوية بغض النظر عن أسعار النفط سيدعم الانتقال إلى نموذج نمو جديد ويعزز القدرة على الصمود في عالم معرض للصدمات، مع التركيز على الإصلاحات التي تعزز الإنتاجية وتعميق الأسواق المالية المحلية، وزيادة التكامل التجاري والمالي.

فرص لتعميق الأسواق المالية في دول الخليج

يرى الصندوق أن هناك فرصاً لزيادة عمق الأسواق المالية في دول الخليج من خلال إجراءات مستهدفة، قائلاً إن مؤشرات عمق السوق المالي مثل نمو الائتمان الخاص وقيمة سوق الأسهم وحجم سوق السندات المحلية، تشير إلى أن عمق الأسواق المالية في المنطقة أقل من إمكاناتها، خصوصاً في ما يتعلق بسوق السندات المحلية.

وأشار إلى أن هذه النتائج تبرز الحاجة إلى تطوير وتعميق جميع قطاعات السوق المالي في كل دولة خليجية. ويمكن تحقيق مزيد من العمق المالي عبر مجموعة من الإجراءات المستهدفة، بما في ذلك تعديل التنظيمات بصورة دقيقة وتحديث بنية السوق التحتية، وتوسيع قاعدة المستثمرين في أسواق الأسهم والسندات.

وقال المقرض الدولي إنه يمكن للأسواق المالية العميقة أن تسهم في تعبئة رأس المال طويل الأجل للاستثمارات، مما يعزز مرونة استراتيجيات التنويع في ظل حال عدم اليقين المرتفعة، وأن هناك مجالاً في دول الخليج لزيادة عمق الائتمان الموجه للقطاع الخاص، خصوصاً للشركات الصغيرة والمتوسطة وتعزيز سوق السندات بالعملة المحلية، ويمكن تعزيز أسواق الائتمان من خلال سياسات مالية حذرة واستراتيجيات إدارة الدين لزيادة المعروض من الائتمان للقطاع الخاص، وزيادة المنافسة وتحسين جودة وتغطية نظم المعلومات الائتمانية وتبسيط إجراءات الإفلاس ورفع الثقافة المالية، ويمكن دعم سوق السندات المحلية بإزالة العوائق الهيكلية مثل انخفاض المدخرات الخاصة والسيولة، وسد الفجوات في البنية التحتية للسوق، مثل نظم التسوية وتعزيز استراتيجيات الإصدار.

أسواق السندات والأسهم الخليجية

أشار الصندوق إلى أن فروق العوائد على السندات في دول الخليج ظلت دون مستوى مؤشرات الأسواق الناشئة أخيراً، بينما حققت مؤشرات الأسهم أداء يقارب مؤشرات الأسواق الناشئة، وأظهرت أسواق السندات والأسهم في المنطقة مرونة كبيرة أمام موجات عدم اليقين الاقتصادي العالمي المتعددة هذا العام.

ومنذ جائحة كورونا، ضاقت الفروق بين عوائد سندات دول الخليج وسندات الخزانة الأميركية بصورة مستمرة، وظلت جميعها دون مستوى مؤشرات الأسواق الناشئة منذ مارس 2022، مما يعكس الأخطار الائتمانية المنخفضة للجهات المصدرة للسندات السيادية وشبه السيادية والشركات.

وبعد فترة من الأداء المتميز للأسهم المرتبط بارتفاع أسعار النفط عام 2022، تتبع مؤشرات الأسهم الآن مؤشرات الأسواق الناشئة تقريباً، محققة عوائد قوية على رغم تراجع أسعار النفط والثقل النسبي لشركات النفط في بعض المؤشرات.

وأشار الصندوق إلى أنه خلال عام 2025 تركزت عمليات الطرح العام الأولي في السعودية (22 عملية بمتوسط حجم 152 مليون دولار)، والإمارات (خمس عمليات بمتوسط حجم 343 مليون دولار).

أنظمة البنوك الخليجية

في القطاع المصرفي توقع الصندوق أن تستمر أنظمة البنوك داخل دول الخليج بصورة عامة في التمتع بمستويات جيدة من الرسملة والسيولة، إضافة إلى تحقيق أرباح مستقرة، في حين تظل القروض المتعثرة منخفضة ومعالجة بصورة كافية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار الصندوق إلى أنه خلال الأعوام الأخيرة، حافظت نسب كفاية رأس المال على قوة واستقرار ملحوظين متجاوزة المتطلبات التنظيمية الاحترازية، وغطت الودائع معظم القروض المصرفية في غالب دول الخليج، بينما أصبحت البنوك السعودية تعتمد أكثر على مصادر تمويل أخرى.

وتعافت أرباح البنوك من أدنى مستوياتها خلال الجائحة، فيما تظل القروض المتعثرة منخفضة ومغطاة بالاحتياطات اللازمة، مع تراجع مخصصات القروض في الإمارات واستمرار قوة مخصصات القروض في الكويت.

تعزيز التكامل التجاري والمالي الخليجي

قال صندوق الننقد إنه يمكن لعلاقات اقتصادية دولية جديدة وأكثر تنوعاً أن تساعد في التخفيف من آثار حال عدم اليقين في التجارة، وفي هذا الإطار يمكن للتجارة داخل دول الخليج وبينها وشركائها الإقليميين والدوليين أن تستفيد من تبسيط الحواجز غير الجمركية والعوائق الأخرى، مثل متطلبات المحتوى المحلي، بما يشمل اتفاقات التجارة على مستوى الدول ودول الخليج. ويمكن تقليص الرسوم الجمركية وإزالة العوائق الأخرى أمام التجارة، مثل مشكلات البنية التحتية في الدول والمناطق الشريكة. وفي هذا السياق، أشار الصندوق إلى إمكانية أن تعزز الاستثمارات المستمرة لدول الخليج في المناطق الشريكة من حجم التجارة معها، ودعم التكامل المالي من خلال بيئة تمكينية تشمل مزيداً من تخفيف القيود على الاستثمارات الأجنبية.

القطاع غير النفطي يعزز الصمود

أكد الصندوق استمرار أنشطة الهيدروكربونات في التأثير في النشاط الاقتصادي ونتيجة لخفض الإنتاج الطوعية من "أوبك+" عام 2024، حافظ الاقتصاد غير النفطي على قوته مدعوماً بالطلب المحلي وتنفيذ المشاريع والإصلاحات على رغم الظروف الإقليمية الصعبة. وحتى عام 2025، تواصل المنطقة الخليجية إظهار الصمود على رغم بعض التباطؤ الموقت نتيجة الرياح العالمية المعاكسة الكبرى، فيما ظل التضخم تحت السيطرة بصورة عامة.

وأشار المقرض الدولي إلى أن النشاط الاقتصادي غير النفطي في دول الخليج عزز الطلب المحلي القوي وسط جهود التنويع الاقتصادي، إذ ظل الاقتصاد غير النفطي المحرك الرئيس للنمو، مسجلاً نمواً بلغ 3.7 في المئة في المتوسط خلال عام 2024، مراوحاً ما بين 1.8 في المئة داخل الكويت وخمسة في المئة داخل الإمارات. واستمر الإنتاج غير النفطي في الاستفادة من جهود التنويع القوية وتنفيذ المشاريع، بما يتجلى في الطلب المحلي القوي الذي ارتفع بمعدل 4.6 في المئة على أساس سنوي.

مع ذلك شهدت تركيبة الطلب تحولاً من الاستثمار، الذي نما بنسبة 4.4 في المئة على أساس سنوي مقارنة بقاعدة مرتفعة بلغت 13.7 في المئة عام 2023، نحو الاستهلاك الخاص مدعوماً بانخفاض البطالة ونمو ائتماني قوي (+5.6 في المئة مقابل 5.1 في المئة عام 2023). واستمر التركيز الاستثماري داخل القطاع غير النفطي، ففي السعودية على سبيل المثال شكلت الاستثمارات غير النفطية بما فيها استثمارات الحكومة نحو 85-90 في المئة من إجمال التكوين الرأسمالي الإجمالي.

تمكين بيئة الأعمال في الخليج

أشار الصندوق إلى أن مناخ الأعمال شهد تحسناً كبيراً، إلا أن هناك مجالات ما زالت تحتاج إلى تحسين وفقاً للمقرض الدولي بما في ذلك تبسيط الإجراءات الإدارية وخفض كلفها، وتعزيز حكم القانون وزيادة شفافية المناقصات الحكومية. وقال الصندوق إن هناك حاجة لمزيد من التقدم في سوق العمل، بما يشمل تعزيز مشاركة النساء في القوة العاملة، وتقليص الفجوة في الأجور بين القطاعين العام والخاص، وزيادة مرونة العمالة الوافدة، ومعالجة مشكلة عدم التطابق بين المهارات ومتطلبات السوق. وأضاف أنه نظراً إلى إمكانيتها في رفع الإنتاجية، تظل الرقمنة والذكاء الاصطناعي أولوية مع اعتماد سياسات لا تعوق الابتكار، وتعزيز قدرة العمال على التكيف مع التقنيات الجديدة، وتقوية شبكات الأمان الاجتماعي لحماية العمال المتأثرين بالتغييرات.

نمو مزدوج لقطاع السياحة الخليجي

قال الصندوق إنه على رغم محدودية التأثيرات السلبية للتوترات في البحر الأحمر والنزاعات الإقليمية، أظهرت الصادرات غير النفطية أداء قوياً لا سيما في قطاع السياحة مع نمو مزدوج الرقم في قطر والسعودية والإمارات، ففي قطر تجاوز عدد السياح خلال كأس آسيا 2024 في الفترة ما بين يناير وفبراير (شباط) من ذلك العام حتى أعداد زوار كأس العالم 2022، بينما شهدت القطاعات المرتبطة بالضيافة في السعودية أسرع نمو قطاعي، وانعكس هذا الزخم في السياحة والاستهلاك الخاص أيضاً في الأداء القوي للقطاع الخدمي، لا سيما تجارة الجملة والتجزئة والفنادق والمطاعم.

تباطؤ النمو العالمي وسط عدم اليقين التجاري

عالمياً توقع صندوق النقد الدولي أن يشهد النمو العالمي تباطؤاً وسط حال من عدم اليقين المرتبط بالتجارة، قائلاً "بينما ارتبطت التحولات الكبرى في سياسات التجارة العالمية بارتفاع مستوى عدم اليقين خلال أوائل 2025، تبعت إعلانات الرسوم الجمركية العالية عدة اتفاقات تجارية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين، وأظهر الاقتصاد العالمي مرونة خلال النصف الأول من عام 2025 بدعم من تسريع أنشطة التجارة والاستثمار واستراتيجيات إدارة المخزون، وإعادة توجيه مسارات التجارة".

ومع ذلك، أشار الصندوق إلى نمو حال عدم اليقين بما في ذلك التوترات التجارية، وتظل معدلات الرسوم الجمركية الفعلية مرتفعة مع احتمال أن تتزايد آثارها الاقتصادية مع مرور الوقت، مع تمرير الشركات للرسوم تدريجاً إلى المستهلكين.

وفي هذا السياق، توقع الصندوق أن ينخفض النمو العالمي قليلاً من 3.3 في المئة عام 2024 إلى 3.1 في المئة عام 2026، وهو ما يعكس أيضاً خفضاً تراكمياً بمقدار 0.2 نقطة مئوية بحلول عام 2026، مقارنة بتوقعات أكتوبر (تشرين الأول) 2024 لصندوق النقد الدولي.

أما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فمن المتوقع وفقاً للصندوق أن يتسارع النمو من 2.6 في المئة عام 2024 إلى 3.5 في المئة عام 2025 و3.8 في المئة عام 2026، بدعم من رفع قيود إنتاج النفط وتراجع تأثير النزاعات في المنطقة.

ومن المتوقع أيضاً أن تنخفض معدلات التضخم العالمية إلى 4.2 في المئة عام 2025 و3.7 في المئة عام 2026 بدعم من تراجع أسعار السلع الأولية وتباطؤ النمو العالمي.

أخطار تواجه النمو العالمي

وفقاً للصندوق تميل الأخطار المرتبطة بالتوقعات الاقتصادية إلى الجانب السلبي. فالنمو قد يتعرض لمزيد من القيود نتيجة تأثير أعلى من المتوقع لحال عدم اليقين السياسي الممتدة وزيادة السياسات الحمائية، وقد ترتبط التوترات الجيوسياسية باضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية وزيادة تقلب أسعار السلع الأساس. وقد تشهد الظروف المالية العالمية تشديداً بفعل العجز المالي الكبير وزيادة الأخطار، بما في ذلك الأخطار الناتجة من المكاسب الإنتاجية المخيبة للآمال المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.

في المقابل، يمكن أن يدعم النمو العالمي في الجانب الإيجابي حل التوترات التجارية من خلال إقامة إطار عمل متوقع ومستقر وانخفاض الرسوم الجمركية.

هشاشة الاستقرار المالي العالمي

وقال الصندوق "تظل الظروف المالية العالمية متيسرة، لكنها معرضة لتقلبات مفاجئة في معنويات الأسواق وسط مستوى عالٍ من عدم اليقين". وأشار إلى أنه بعد ارتفاع حاد في تقلبات الأسواق المالية أوائل عام 2025 نتيجة الأخطار الاقتصادية والتجارية، شهدت الأسواق المالية العالمية بعض التهدئة، بما في ذلك تعافي أسواق الأسهم وانحسار فروق العوائد، وضعف الدولار الأميركي.

ومع تباطؤ النمو العالمي واستمرار حال عدم اليقين التجاري والجيوسياسي، قال الصندوق إن تقييمات الأصول ذات الأخطار تبدو مرتفعة بصورة ملحوظة. وحذر من إعادة تسعير مفاجئة لهذه الأصول قد تؤدي إلى تفاقم الأخطار بسبب ضعف النظام المالي، بما في ذلك الضغوط الناتجة من العجز المالي المتزايد، والعلاقة بين البنوك والدولة والترابط بين البنوك والوسطاء الماليين غير المصرفيين، قائلاً إنه في ظل هذا الوضع تظل الأخطار على الاستقرار المالي العالمي مرتفعة.

اقرأ المزيد