Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اللعنة لحقت بشينيد أوكونور منذ مزقت صورة البابا على الهواء

صدمت المغنية الشابة حينها أميركا باحتجاجها السياسي في إحدى البرامج. حجبتها شبكة "أن بي سي" على الفور مدى الحياة. رُشِقت بالبيض في الشوارع وقوبلت بصيحات الاستهجان خلال العروض الحية. تتأمل هذه المقالة في تأثير تلك الليلة وردود الفعل المتناقضة عليها.

بعد وفاة ماري، أنزلت أوكونور صورة للبابا كانت معلقة على الجدار في منزلها في دبلن. هل كان "العدو الحقيقي" هو والدها المسيء لها، وليس أسقف روما؟ (غيتي)

كان التحدي يلمع في عيني شينيد أوكونور الخضراوين وهي تحدق في الكاميرات الموجودة في استوديو برنامج "ساترداي نايت لايف" الكائن في قلب مركز روكفلر في مانهاتن، كانت ترفع صورة أمام وجهها. 

لم يرمش لأحدهم جفن ولم ينبس أي من الموجودين بكلمة. يستمر الصخب في الكواليس بلا انقطاع حولها. كانت الصورة لطفل شوارع برازيلي قتل برصاص فرق الموت التابعة للشرطة. إنه يوم 3 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1992، كانت أوكونور تتدرب على أداء أغنية "حرب" لبوب مارلي بصوتها في برنامج "ساترداي نايت لايف" في تلك الليلة. كانت ستستخدم صورة الطفل لتضليل فريق العمل بشكل مدروس. أما عندما تظهر على الهواء، فكانت ستقدم صورة مختلفة تماماً، وسيكون رد الفعل مختلفاً تماماً. بعد مرور ثلاثين عاماً، لا يزال تصرفها في تلك الليلة لحظة حاسمة في حياة المغنية الإيرلندية ومسيرتها المهنية.

تتذكر أوكونور في مذكراتها الصادرة عام 2021 تحت عنوان "تذكرات" Rememberings: "كنت سأغني أغنية (حرب) من دون موسيقى مرافقة. لم يكن أحد يشك في شيء... لكنني في النهاية، لم أرفع صورة الطفل. رفعت صورة [البابا] يوحنا بولس الثاني ثم مزقتها إلى نتف. صرخت، (حاربوا العدو الحقيقي!)". حبست كلماتها الأنفاس في المكان بينما كانت تطفئ الشموع الموضوعة على طاولة بجانبها. حل الظلام على أكثر من مستوى. 

قررت شبكة "أن بي سي" حظر أوكونور على الفور مدى الحياة. أمام الاستوديو، رشقها المارة بالبيض في تلك الليلة الدافئة في مانهاتن. بعد أسبوعين، وأثناء إحيائها حفلاً غنائياً تكريماً لبوب ديلان في ماديسون سكوير غاردن، قوبلت بصيحات الاستهجان (في الواقع اختلطت أصوات الاحتجاج مع صيحات الدعم). قال لها كريس كريستوفرسون، وهو يحيطها بذراعه ألا "تدع الأوغاد ينالوا منها".

بينما كانت أصوات السخرية تتعالى، قدمت أغنية "حرب" مرة أخرى (كانت الأغنية هي الأهم في ألبومها "ألست فتاتك؟" الصادر حديثاً وتقدم فيه مجموعة من الأغنيات الشهيرة بصوتها). راح صوت أوكونور يتقطع وهي تغني "إلى أن يصبح لون بشرة الرجل أهم من لون عينيه/ أقول حرب". تعالت جوقة الاستنكار. استقبلت نيويورك نداءها للتضامن ضد العنصرية على أنه سخرية. توضح أوكونور في الوثائقي الجديد "لا مجال للمقارنة" Nothing Compares للمخرجة كاثرين فيغرسون حول حياة وتجربة أوكونور (سيصدر في 7 أكتوبر): "كان نصفهم يطلق صيحات الاستهجان، ونصفهم يهتف مؤيداً. إنها أغرب ضوضاء سمعتها في حياتي... إنها تجعلني أرغب في التقيؤ". 

قبل عامين فقط من الحادثة، كان استقبال أوكونور في أميركا مختلفاً تماماً. لقد قفزت إلى قمة سباق الأغاني الأميركية مع أغنية "لا شيء يقارن بك"، وهي أغنية مغمورة لبرنس نشرتها بصوتها من دون أي تعديل على التسجيل. في الفيديو كليب المرافق للأغنية، كانت تبكي على ذكرى والدتها الراحلة التي توفيت في حادثة سيارة عام 1985.

كانت ماري أوكونور أيضاً "مصدر إلهام" لاحتجاج ابنتها عند استضافتها في ساترداي نايت لايف. كانت العلاقة بين الاثنتين عسيرة: اتهمت أوكونور والدتها بتعريضها لصدمة جسدية وعاطفية أثناء طفولتها. بعد وفاة ماري، أنزلت أوكونور صورة للبابا كانت معلقة على الجدار في منزلها في دبلن. كانت الصورة نفسها التي هربتها إلى استوديوهات البرنامج. هل كان "العدو الحقيقي" هو والدها المسيء، وليس أسقف روما؟

بغض النظر عن دوافعها، فقد أصابت أميركا بالذعر. كان عنوان الصفحة الأولى في صحيفة "نيويورك ديلي نيوز" "رعب عظيم!". قال جو بيسكي، مقدم برنامج "ساترداي نايت لايف"، وهو كاثوليكي متدين، إنه كان "سيعطيها صفعة لا تنسى" عندما قدم حلقة الأسبوع التالي. حتى مادونا -الضليعة في فضائح نجوم البوب- انتقدت أوكونور. وقالت "أعتقد أن هناك طريقة أفضل لتقديم أفكارها بدلاً من تمزيق صورة تعني الكثير للآخرين". عندما تتمكن من إثارة غضب مادونا، أنت تعلم أنك ضربت على الوتر الحساس. 

أما في إيرلندا، فكان رد الفعل خافتاً أكثر. أحد الأسباب هو أنه لم تتم مشاهدة لقطات أوكونور على نطاق واسع. كانت البصمة الثقافية لبرنامج "ساترداي نايت لايف" لا تذكر (وحتى يومنا هذا، لا تزال روح الدعابة المتذمرة وغير الناضجة للبرنامج مفقودة في الترجمة بين الثقافتين). ولم يكن من الممكن حينها البحث عن المقطع على "يوتيوب". حدثت الفضيحة واختفت من دون أن يلاحظها أحد إلى حد كبير. ومع ذلك، كان هناك عامل ثان. كان الرأي العام في إيرلندا ينقلب ببطء لكن بلا هوادة ضد الكنيسة الكاثوليكية. كانت صمامات الأمان ترزح تحت الضغط. وفي غضون بضع سنوات، انفجرت وغمرت البلاد في فضائح إساءة رجال الدين. 

كان هذا التحول في المد قد بدأ بالفعل في خريف عام 1992. في مايو (أيار) من ذلك العام، تلقت مكانة الكنيسة الكاثوليكية الإيرلندية ضربة قاضية بسبب الكشف عن أن الأسقف إيمون كيسي -وهو وجه مألوف على شاشات التلفزيون- لديه ابن مراهق من علاقة غرامية أقامها مع امرأة أميركية في السبعينيات. أوكونور التي كانت بعيدة عن الناس المستفزين في وطنها، استغلت عاصفة الغضب المتصاعدة. فالمكان الذي ذهبت إليه  -ورفضت علناً الكنيسة ونفاقها- ستتبع دولة بأكملها خطاها قريباً.

تقول لي الدكتورة فيلنولا دويل أونيل، مؤرخة في مجال البث والقانون في كلية كورك الجامعية: "لم تكن القوى الكنسية تتفكك في أميركا. كانت الكنيسة الكاثوليكية هناك لا تزال تحظى باحترام كبير... لن يتم [تفكيكها] إلا بعد 10 سنوات، في عام 2002، عندما كشفت صحيفة بوسطن غلوب [التستر على الإساءات الكهنوتية في نيو إنغلاند]. كنا في إيرلندا قد سبقناهم بعقد من الزمن في تفكيك الكنيسة. في عام 1992 كان من الممكن أن يكون هناك كشف مهم متعلق بالأسقف إيمون كيسي. كانت قبضة الكنيسة الكاثوليكية تزول شيئاً فشيئاً، ببطء ولكن بثبات".

لكن إذا تمت تبرئة أوكونور في النهاية، فسيكون التأثير مدمراً على المدى القصير. تم رفضها باعتبارها مختلة، حالها حال النساء اللاتي يعلين أصواتهن منذ فجر التاريخ.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تقول ليندا كوغان بايرن، المروجة الموسيقية التي أجرت بحثاً عن التفاوت بين الجنسين في قوائم الأغاني التي تشغلها المحطات الإذاعية في إيرلندا والمملكة المتحدة: "لم يكن هناك تقبل لحقيقة أن تمزيقها صورة البابا وفضح ما كان يجري خلف الأبواب المغلقة كان تصرفاً صائباً... لقد كانت تعتبر مجنونة ولا يمكن التنبؤ بتصرفاتها، مما تسبب في نهاية حياتها المهنية... أصبحت أوكونور شخصية تتعرض غالباً للسخرية في الثقافة الشعبية. في كل مرة تحدثت فيها، وهو الأمر الذي يفعله عديد من الفنانين، كانت معرضة لخطر الإلغاء. كل ما علينا فعله هو إلقاء نظرة على جميع الفنانين الذكور الذين تعرضوا لانتقاد خفيف ثم واصلوا حياتهم كالمعتاد. عندما يكون الأمر متعلقاً بامرأة، تكون الصفعة موجعة تماماً. دائماً ما تعتبر النساء اللاتي يرفعن أصواتهن شيئاً خطيراً".

كما أشرنا في البداية، كانت دوافع أوكونور لتمزيق الصورة معقدة وشخصية. الفنانة المولودة عام 1966، نشأت في إيرلندا حيث، إذا كانت أيام الكنيسة معدودة، ظلت النساء مهمشات. وصلت إيرلندا الكاثوليكية إلى قمة تمجيد الكنيسة في عام 1979، عندما أصبح البابا يوحنا بولس الثاني أول بابا في التاريخ يزور إيرلندا. كانت أوكونور، في الثالثة عشرة من عمرها حينها، تتذكر جيداً المشاعر الجماهيرية الجياشة. كانت رحلة البابا تعادل رحلة أيرلندا لبريطانيا بعد وفاة ديانا. وأُصِيب الناس بالهوس حينها.

ولكن، كما أسلفنا سابقاً، لم تكن كراهية الكنيسة للنساء هدف أوكونور الوحيد. كانت تربطها علاقة مؤلمة بوالدتها التي "جردتها من ملابسها وركلتها" عندما كانت طفلة. تقول أوكونور في وثائقي "لا مجال للمقارنة": "كانت والدتي امرأة عنيفة للغاية. لم تكن امرأة سليمة على الإطلاق... كان سبب الإساءة التي تعرضت لها هو تأثير الكنيسة في هذا البلد. والذي أنتج والدتي بدوره. لقد أمضيت طفولتي بأكملها أتعرض للضرب بسبب الظروف الاجتماعية التي نشأت فيها والدتي. من الممكن أن أقارن إيرلندا بطفل تعرض لسوء المعاملة".

توفيت ماري عندما انزلقت سيارتها على طبقة رقيقة من الجليد واصطدمت بحافلة في ضاحية قريبة من المكان الذي نشأت فيه ابنتها في جنوب دبلن. كانت تبلغ من العمر 45 سنة وكانت تقود سيارتها متجهة إلى القداس. بعد ذلك، أخذت أوكونور شيئين فقط من منزل والدتها: كتاب طبخ وصورة يوحنا بولس الثاني تلك. تذكر في كتابها: "لقد أزلت من جدار غرفة نومها الصورة الوحيدة التي علقتها هناك على الإطلاق... إنها صورة البابا يوحنا بولس الثاني. التقطت عندما زار إيرلندا في عام 1979". 

في ليلة بث حلقة "ساترداي نايت لايف"، كان ذهن أوكونور مشوشاً عندما وصلت إلى مركز روكفلر. كانت تعيش في نيويورك لفترات متقطعة لعدة أشهر وقد أقامت صداقة مع شخص من أتباع العقيدة الرستفارية يدعى تيري، التقت به في مكان لشرب العصير، لكن قبل فترة وجيزة من البروفات، أخبرها أن عمله الحقيقي كان مهرب مخدرات، وأنه كان يستخدم الأطفال كـ"وسيط للنقل"، كما ادعى أنه مستهدف بالاغتيال من قبل تاجر منافس (لقي تيري حتفه رمياً بالرصاص بعد ذلك بوقت قصير).

كانت أوكونور مستاءة، لكنها مع ذلك قامت بتهريب صورة البابا بكفاءة مذهلة. تقول، "أحضرت الصورة إلى استوديو أن بي سي، وأخفيتها في غرفة الملابس. أثناء البروفة، عندما انتهيت من أداء أغنية (حرب) لبوب مارلي، رفعت صورة لطفل شوارع برازيلي قتل على يد رجال الشرطة...  طلبت من المصور أخذ لقطة قريبة للصورة أثناء العرض الفعلي. لم أخبره بما كنت أخطط للقيام به لاحقاً. كان الجميع سعداء. الطفل الميت في مكان قصي ليس مشكلة لأحد".

ثم جاء موعد بث الحلقة. ارتدت فستاناً أبيض مخرماً كانت تمتلكه في السابق المغنية سيد، اشترته أوكونور من سوق للسلع الرخيصة والمستعملة في لندن مقابل 800 جنيه استرليني. غنت أولاً "تسبب النجاح في فشل منزلها" (نسختها الخاصة من أغنية "نجاح" للوريتا لين). قوبلت الأغنية بترحيب عاصف. كتبت أوكونور عن تلك اللحظة: "كنت المفضلة لدى الجميع. الكل يريد التحدث معي... لا يهم أن تقول لي كم أنا فتاة جيدة، لكنني أعلم أنني دجالة".

بعد ذلك، حان وقت أداء أغنية "حرب" - وتمزيق صورة البابا. قالت عن رد الفعل: "حل صمت مطبق ووجوم تام بين الجمهور... وعندما كنت أمشي باتجاه الكواليس، لم يكن هناك إنسان واحد فعلياً. أغلقت جميع الأبواب. اختفى الجميع. بما في ذلك مدير أعمالي، الذي حبس نفسه في غرفته لمدة ثلاثة أيام وسحب شريط الهاتف".

بطريقة ما، كانت أميركا تبحث عن ذريعة للهجوم على أوكونور. كانت هناك ضجة في أغسطس (آب) عام 1990 عندما رفضت السماح بعزف النشيد الوطني الأميركي قبل حفلتها الموسيقية في نيو جيرسي، ثم قاطعت حفل جوائز غرامي عام 1991 احتجاجاً على الحروب الأميركية في الشرق الأوسط وحثت زملاءها الفنانين على الحذو حذوها.

كانت فضيحة البابا نهاية أوكونور كقوة تجارية [رمز يروج له وقادر على استقطاب الجماهير] في أميركا. لم تزعج قوائم الأغاني بحضورها أبداً أو تؤد أغنياتها في برامج التلفزيون في أوقات الذروة، لكنها في إيرلندا، ألهمت جيلاً من الفنانات اللاتي أصبح لديهن أخيراً نموذج يتطلعن إليه - مغنيات مثل دولوريس أوريوردان من فرقة ذا كرانبيريز لموسيقى الروك، ورويزين ميرفي التي اتخذت منحى أوكونور في رفضها الرضوخ لتوجيهات الصناعة بما يسمح أو لا يسمح لهن القيام به. 

لكن مشاعر أوكونور نفسها تجاه الحادثة لم تتقلب إطلاقاً. كانت فخورة بأفعالها. وكتبت في مذكراتها: "يقول الكثير من الناس أو يعتقدون أن تمزيق صورة البابا أعاق مسيرتي المهنية... شعوري حيال ذلك ليس هكذا. أشعر أن وصول أغنيتي إلى المرتبة الأولى أعاق مسيرتي المهنية بينما أعادني تمزيق الصورة إلى المسار الصحيح... لم تدمر حلقة البابا حياتي، بل على العكس، وضعتني على طريق يناسبني أكثر".

راحت المآسي تحدق بحياتها منذ ذلك الحين، لكن قوتها كفنانة لم تخفت أبداً. كانت آخر مرة رأيتها تقدم أداء حياً في مهرجان في تيبيراري عام 2019. في منتصف الحفل، اختارت أداء أغنية "لا شيء يقارن بك"، الأغنية التي غيرت كل شيء [قلبت مسيرتها المهنية رأساً على عقب] وحققت لها نجاحاً لم تكن تحلم به أبداً. 

كانت تغني وعيناها مغمضتان، تحت السماء الباردة في ملعب متداع قليلاً بعيداً من الأنوار النيويوركية الساطعة. تحت النجوم، بعيداً من الأضواء، بدت أنها تعيش في سلام للحظة.

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 3 أوكتوبر 2022.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات