Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المكتبات العامة في العالم العربي... بيوت مهجورة

تسعى دول المنطقة إلى إعادة تفعيل دورها من خلال دعمها ودمجها بالمجتمع

مكتبة مركز إثراء الثقافي في الظهران بالسعودية (إثراء)

الحال متشابه في كثير من البلدان العربية، سرقت مغريات الحياة الاجتماعية الحديثة، كالإنترنت والألعاب الإلكترونية والفضائيات الناس عن الكتب، وهو ما انعكس بشكل واضح على ارتياد المكتبات، حتى وصل بعضها مرحلة حرجةً من الكساد.

سبب آخر تسبب في هجرة المكتبات من قبل القراء أنفسهم، إذ بات توفر الكتاب الإلكتروني كافياً لتلبية حاجاتهم المعرفية.

السعودية تحاول إرجاع رواد المكتبات بالموسيقى والمسرح

بين انتشار الكتب الإلكترونية وشح القراءة، تبدو المكتبات العامة في السعودية خاوية إلا من دارس هنا وباحث هناك.

وفي زيارة لـ"اندبندنت عربية" لإحدى المكتبات العامة الكبرى في الرياض، التقت فيها بزائرين وحيدين، أحدهما طالب جامعي اختار المكتبة للدراسة بعيداً من الإزعاج، والآخر إعلامي يحاول الحصول على معلومات عن تاريخ العرضة السعودية من الكتب القديمة والنادرة، والتي لم يتسنَّ للمكتبة وضعها في الأرشيف الرقمي في موقعها الإلكتروني.

وقال الطالب الجامعي مهند الخريجة إن الكتب في المكتبة العامة قديمة وغير جذابة، مشيراً إلى أن المكتبة بالنسبة إليه مكان هادئ للدراسة فقط.

وقال الخريجة إن سبب اختياره المكتبة لمذاكرة دروسه كان بسبب مشاركته السكن مع زملائه ولأنه من منطقة بعيدة، كما يقضي الساعات فيها بين المحاضرات، ليجد في المكتبة المكان الهادئ.

أما الإعلامي محمود محمد، فقال "ما زلت أحب الورق والبحث بينها أكثر من الكتب الرقمية لسهولة تحديد المطلوب وكتابته واستيعابه"، مشيراً إلى أن كتب العرضة السعودية القديمة لم يتسنَّ للمكتبة وضعها في الأرشيف الإلكتروني، ولذلك "أحاول لأن أحصل على معلومات نادرة ذات قيمة جيدة قبل اليوم الوطني السعودي".

 

وفي محاولة سعودية لعودة رواد المكتبات، أطلقت وزارة الثقافة مبادرة لتغيير مفهوم البيوت الثقافية، وذلك بتحويل المكتبات إلى منصات ثقافية بمفهوم اجتماعي شامل، تلتقي فيه أنماط الإبداع الثقافي كافة، ويجد فيه الأفراد من مختلف شرائح المجتمع ما يمنحهم المعرفة والمشاركة والتفاعل في تجربة ثقافية متكاملة، لتصدح المكتبات بالموسيقى ويكسر المسرح الصمت.

وأشار الرئيس التنفيذي لهيئة ‏المكتبات، عبد الرحمن العاصم، عند إعلان الاستراتيجية إلى أن "الاستراتيجية تساعد على تحفيز ‏رجال الأعمال للاستثمار في المكتبات، وسيتم الإفصاح عن التفاصيل في المستقبل".

وعن دعم المكتبات الخاصة أشار العاصم، "هناك مبادرات داعمة للمكتبات الخاصة، ‏حيث تحرص على دعم وتشجيع جميع الأعمال التي تصب في صالح المجتمع وتساعد على ‏ترقية ثقافته وفكره، وما يدل على الاهتمام الواضح بالصالح العام لثقافة البلد وسكانه".

ولفت إلى أن قطاع المكتبات واعد وقادر على تحقيق أهداف وزارة الثقافة وللتبادل المعرفي ‏أيضاً، وأن جميع المكتبات والأماكن الثقافية ستكون مكاناً ممتعاً ومسلياً لمواكبة الجيل ‏الحالي والقادم.

هذا ويبلغ عدد المكتبات في السعودية 84 مكتبة عامة، وتطمح السعودية في زيادتها إلى 153 في جميع المناطق، وستعتمد جميعها على المفهوم الشامل ذاته الذي يوائم بين الأدوار المعرفية للمكتبات العامة والأدوار الثقافية لبيوت الثقافة. وأشارت الاستراتيجية إلى أنه سيكون إكمال أول 13 مكتبة منها في العام الحالي 2022 حتى يكتمل العدد النهائي لها بحلول عام 2030.

3 ملايين زائر سنوياً للمكتبات العامة في مصر

في مصر، أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إحصاء بعدد المكتبات للعام 2020، أشار فيه إلى أن عدد دور الكتب والمكتبات العامة والمتخصصة ومكتبات الجامعات والمعاهد يصل إلى 1353 مكتبة بواقع 319 مكتبة عامة و394 مكتبة متخصصة و640 مكتبة جامعية.

بينما بلغ عدد المترددين من مطالعين ومستعيرين 3.420 مليون متردد عـام 2020، واحتلت المكتبات الجامعية والمعاهد النصيب الأكبر بـ 2.7 مليون، تليها المكتبات العامة 465 ألف.

ويمكن القول إن فترة التسعينيات كانت العصر الذهبي للمكتبات العامة، بخاصة مع إنشاء واحد من أهم مشاريع المكتبات، وهي مكتبات مصر العامة التي كانت تعرف وقتها بمكتبات "مبارك"، وتواكب معها مشاريع أخرى تعني بالقراء مثل "مكتبة الأسرة " و"القراءة للجميع".

وأطلقت هذا المشروع السيدة الأولى آنذاك سوزان مبارك، وتلقى حينها دعماً كبيراً من وزارة الثقافة المصرية التي كان على رأسها الفنان فاروق حسني بالتعاون مع مؤسسات ثقافية ألمانية، حتى إن الفرع الأول للمكتبة افتتح وقتها بحضور رئيسة البرلمان الألماني ووزير خارجية ألمانيا، ثم توالى بعدها افتتاح فروع عدة للمكتبة التي تعد النموذج الأنجح حتى الآن في مجال المكتبات بشكل عام، ولا يزال كثير من فروعها، بخاصة الكبرى منها، يعمل بكفاءة ويقدم فعاليات ثقافية متنوعة للكبار والصغار على السواء.

 

ولمواكبة التطور والتغير الكبير الذي حدث خلال السنوات الأخيرة مع وجود منافسة كبرى من مصادر عدة مثل الفضائيات والمنصات الإلكترونية بشكل عام، كان لا بد من أن ينعكس هذا على طبيعة الدور الذي تقدمه المكتبة، وربما اختلاف طبيعة حاجة الزائر أو تغير أهدافه من زيارة المكتبة، فتقول منى حسن وهي أمينة إحدى المكتبات بالقاهرة، "اختلفت طبيعة أهداف زوار المكتبة خلال الفترة الأخيرة، فكثير من المترددين يكون هدفهم استعارة الكتب بدلاً من المطالعة في القاعات، للارتفاع الكبير في أسعار الكتب أخيراً، إذ أصبحت الاستعارة حلاً مثالياً لكثير من الناس، إضافة إلى حرص المكتبات حالياً على تقديم دورات تدريبية وورش عمل في مجالات مختلفة تلاقي إقبالاً كبيراً، لأن سعرها منخفض مقارنة بمراكز أخرى".

وتضيف، "تحرص المكتبات الكبرى على إضافة أحدث العناوين بشكل سنوي، على أن تتنوع اختياراتها لتغطى جميع مجالات العلوم ومن ثم توافر جميع حاجات القراء بشكل متوازن".

مشاريع متعددة تتعلق بالقراءة والمكتبات أطلقت خلال السنوات الأخيرة، وعلى رأسها المشروع الوطني للقراءة 2020 بهدف تنمية الوعي، ومن أهم أولوياته إثراء المكتبات، وتتمثل رسالته في إحداث نهضة في القراءة عبر جعلها أولوية لدى فئات المجتمع المختلفة وعلى رأسها طلاب المدارس والجامعات، وإقامة مسابقات مختلفة على مستوى الجمهورية بين الطلاب تخصص لها جوائز قيمة.

تقول فاطمة سعيد وهي مسؤولة إحدى المكتبات في واحدة من مدارس محافظة الجيزة، "دفع المشروع الوطني للقراءة كثيراً من الطلاب والأسر على السواء نحو التوجه إلى مكتبات المدرسة والمكتبات العامة للاطلاع على الكتب، وهو من أفضل المشاريع خلال السنوات الأخيرة، فوجود حافز أو دافع للقراءة إضافة إلى تقديم ملخص حول ما قُرئ بلا شك يصب في مصلحة كل الأطراف وينعكس إيجابياً على المجتمع".

في لبنان... دمرتها الحرب وأحيتها المعونات

وفي حديث خاص لـ"اندبندنت عربية" مع وزير الثقافة اللبناني محمد وسام المرتضى، أشار إلى أن "هناك مكتبة عريقة تتميز بضخامتها وبعدد الكتب والمخطوطات الموجودة فيها، هي المكتبة الوطنية في منطقة الصنائع ببيروت، ومكتبة أخرى لا تقل عنها أهميةً في بلدة بعقلين في قضاء الشوف، ويزورها عدد كبير من رواد القراءة وتنظم نشاطات متنوعة".

وأوضح المرتضى أن "المكتبات العامة العربية عادة ما تكون مدعومة من وزارات الدولة، كوزارة الثقافة، وتُخصص لها موازنة جيدة، وقد تكون شريكة للدولة ولجمعية متخصصة"، وتابع "في لبنان، ومصر، ودول شمال أفريقيا العربية، تشكل المكتبات العامة مراكز للمطالعة وإجراء أبحاث على مستوى متوسط، ويمكن أن تؤمن الإعارة الخارجية لروادها، وفق إمكاناتها، وقد تكون الإعارة مجانية في بعض المكتبات، ووفق اشتراكات شهرية أو سنوية بسيطة، بهدف المحافظة على مقتنياتها من الكتب".

وأشار الوزير اللبناني إلى أن "عدداً كبيراً من مكتبات العالم العربي توفر مختلف مجالات المعرفة، بحيث تستقبل أيضاً الباحثين وطلاب الدراسات العليا، أما الإقبال عليها فيختلف بين دولة وأخرى، تبعاً لأوضاع البلاد الاجتماعية والاقتصادية، ومستوى سكان محيط المكتبة العامة، وبالنسبة للشباب الناشئة والأطفال قد تبلغ نسبة ارتياد المكتبات نحو الـ60 إلى 65 في المئة من عدد الرواد، وذلك وفق إحصاءات بعض المكتبات اللبنانية".

 

من جهته، يستذكر الصحافي عمر الناطور كيف تأسست المكتبة الوطنية عام 1921 بـ"مبادرة من الفيكونت فيليب دي طرازي"، مشيراً إلى أنه "في عام 1924، صدر قانون الإيداع القانوني الذي يفرض على الناشرين أن يودعوا نسختين من مطبوعاتهم في المكتبة الوطنية. وبذلك، نمت مجموعاتها من عشرين ألفاً هي نواة مكتبة المؤسس إلى 200 ألف، وفي عام 1935 أصبحت تابعة إلى وزارة التربية، إلا أنها تضررت جراء الحرب الأهلية اللبنانية التي نشبت عام 1975، فتعرضت محتوياتها للضياع والنهب، وأغلقت تماماً عام 1979 بخاصة أنها كانت بمحاذاة المجلس النيابي في ساحة النجمة التي كانت على خطوط التماس بين الأطراف المتحاربة، ونقلت في ما بين 1982 و1983 إلى مبنى داخل حرم الأونيسكو في الشطر الغربي من العاصمة وظلت هناك إلى عام 1997. ولم يبق من رصيدها في الأثناء إلا نحو 150 ألف وثيقة و3 آلاف مخطوطة".

وأشار إلى أنه "في عام 1999، أرادت وزارة الثقافة اللبنانية إحياءها من جديد فوضعت مشروعاً لهذا الغرض لترميم المبنى وتصنيف الكتب وفهرستها. وساعدت على تنفيذ هذا المشروع دولة قطر، وكذلك الاتحاد الأوروبي، ووضع الحجر الأساس لمبنى المكتبة في مقرها الجديد في مبنى كلية الحقوق في الصنائع يوم 10 مايو (أيار)  2009".

وأوضح الناطور أن "المكتبة الوطنية ليست وحدها التي تعرضت للخراب والسرقة ففي عام 1976 وخلال سنوات الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) أصيب السراي بأضرار كبيرة نتيجة القذائف التي سقطت عليه والحرائق التي اندلعت فيه وأتت على معظم أجزائه"، مستذكرا يومها "الأمين العام لمجلس الوزراء الراحل عمر مسيكة الذي توجه إلى السراي مع بعض الموظفين ومنهم الراحلان شفيق منيمنة وعزت الترك وكامل البطل ورئيس الديوان عطالله غشام، حيث استطاعوا إنقاذ بعض الوثائق الرسمية المهمة والأفلام التاريخية ومجلدات الجريدة الرسمية من بين أيدي المواطنين الذين استغلوا الفرصة للسرقة والنهب وبعدها بأيام طلب مسيكة من بعض الموظفين التوجه إلى منطقة زقاق البلاط لشراء واسترجاع بعض المسروقات التي كانت معروضة على الأرصفة للبيع".

ولفت إلى أن "معظم هذه الوثائق نقلت لاحقاً إلى المؤسسة الوطنية للمحفوظات التي أنشئت عام 1978 بمبادرة من رئيس الجمهورية الراحل الياس سركيس ورئيس الحكومة سليم الحص، وهي مؤسسة عامة أوكلت إليها مهام تنظيم وإدارة المحفوظات الوطنية بجميع أشكالها وأنواعها، ولا سيما المدونات والمواد الناتجة من أعمال الدولة بقطاعيها العام والخاص، ومن نشاطات الأفراد والمستندات والمواد التي تشكل تعبيراً أصلياً وصادقاً عن تراث المجتمع اللبناني".

المكتبات العامة في السودان "غارقة" في الأزمات

أول مكتبة عامة في السودان أنشئت في أربعينيات القرن الماضي بمدينة ود مدني، لكن تعد مكتبة أم درمان المركزية، التي تأسست عام 1951، هي الأشهر. عقب ذلك، أسهمت الحكومات المحلية، ممثلة في مجالسها البلدية، في إنشاء عدد من المكتبات في مدن رئيسة، منها الأبيض في 1953 وبورتسودان 1966.

وشهدت فترة السبعينيات إنشاء مكتبات عامة عدة في المجمعات الثقافية بواسطة عدد من الوزارات، فضلاً عن إنشاء مكتبات ملحقة بالمساجد. كما ولج القطاع الخاص وبعض المنظمات الطوعية مطلع التسعينيات هذا المجال.

وبحسب الأمين السابق للمكتبة الوطنية السودانية، الخبير في إدارة المعرفة، إبراهيم عثمان، فإن "المكتبات العامة في العالم العربي، ومنه السودان، تواجه صعوبات مشتركة، مثل غياب وضعف التشريعات والقوانين اللازمة لتنظيم عملها، وكذلك تدني الظروف والأوضاع الاقتصادية، وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي"، إضافة إلى "عدم اهتمام الدولة بتقديم الدعم المادي وتخصيص ميزانيات لها، وقلة الكوادر المؤثرة في صنع القرار في هذا المجال".

 

وقال عثمان، إن "تلك المشكلات، خصوصاً الاقتصادية، أثرت في دور وأهمية المكتبات لدى المواطن، لكن نلاحظ أن هناك إقبالاً منقطع النظير من قبل الطلاب على المكتبات الأكاديمية المتخصصة"، وأضاف، "إذا وجدت المكتبات العامة اهتماماً كبيراً من جهات الاختصاص فسيكون الإقبال عليها كبيراً، لأن المجتمع السوداني لديه الرغبة في التزود بالمعرفة والاستنارة، والاستمتاع بقضاء وقت كبير في هذه المكتبات".

وأشار إلى أن المكتبات العامة في السودان تتحصل على الكتب من خلال طرق وقنوات عدة، منها الشراء المباشر من معارض الكتاب، سواء في داخل البلاد وخارجها، وإهداءات الأفراد، وتبرعات المثقفين والمهتمين بهذه المكتبات، وكذلك التبادل بين المؤسسات الثقافية.

وأوضح عثمان، أنه في ما يخص قوانين نشر الكتب أو منعها، فتقوم هيئة المصنفات الفنية التي تتبع وزارة الثقافة والإعلام باتخاذ قرار نشر أي نوع من أنواع الكتب من عدمه، من ناحية إذا كان الكتاب المعني يخالف العادات والتقاليد أم لا، لكن بشكل عام هناك قوانين ممتازة تطبق في السودان لنشر الكتب الثقافية والعلمية وغيرها.

ويعتقد الأمين السابق للمكتبة الوطنية السودانية، أن "الرقمنة أثرت تأثيراً كبيراً في تطور خدمات المكتبات والمعلومات، وأصبح الإنترنت من الوسائل المفيدة والسريعة في الوصول إلى المعلومات بصورة كبيرة، كما أن القوانين واللوائح في بلادنا أتاحت حق الوصول إلى المعرفة بشكل كبير، والآن نجد معظم المكتبات السودانية، خصوصاً التي تتبع الجامعات، تواكب التطور الذي أحدثته ثورة التقنية من ناحية الفهرسة والتصنيف باستخدام عدد من التطبيقات والبرامج المكتبية المتقدمة، مما أثر بشكل كبير في تحولها إلى مكتبات رقمية باستخدام قواعد البيانات".

مكتبات بغداد تصارع على البقاء

لم تستثن الحرب التي دمرت العراق المكتبات وما احتوته من نوادر الكتب والمخطوطات، فالمكتبة الوطنية التي يعود تاريخ تأسيسها لعام 1920 تعرضت للنهب والسلب والحرق بعد احتلال بغداد في 2003، وفي حرب التحرير ضد "داعش" تعرضت مكتبة جامعة الموصل، التي تضم نصف مليون كتاب إلى التدمير الكامل وتحولت أغلب كتبها إلى رماد تحت الأنقاض.

تتنوع المكتبات في العراق، منها ما تتبع وزارة الثقافة وأخرى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أما المكتبات العامة في بغداد، التي تفتح أبوابها لجميع القراء، فتتبع قسم الشؤون الثقافية والتنمية البشرية التابع لمحافظة بغداد.

يقول طالب العيسى، مدير قسم الشؤون الثقافية والتنمية البشرية، "إن محافظة بغداد تضم 19 مكتبة عامة تابعه لمحافظة بغداد قسم الشؤون الثقافية والتنمية البشرية، وهي منتشرة في أغلب مناطق بغداد وتقوم المحافظة بإدارتها والإشراف عليها وتوفير الأموال اللازمة لتمويلها وتغطية فعالياتها".

 

تبتسم منال حسن جاسم، أمينة مكتبة الكاظمة العامة التي تأسست مكتبة الكاظمية في عام 1947، وهي تتجول بين رفوف المكتبة وتفتخر بأن "أقدم مكتبة في بغداد لم تتعرض للسرقة والنهب في 2003 بعد دخول قوات الاحتلال الأميركي"، تضيف، "أهالي المنطقة أسهموا في حماية هذه المكتبة من أعمال السرقة والتدمير".

تضيف أمينة الكاظمية، عن الزخم الشديد الذي كانت تعج به المكتبة بروادها من مختلف شرائح المجتمع، "كانت هناك طوابير لرواد هذه المكتبة ينتظرون دورهم للحصول على كتاب معين، لكن دخول الإنترنت والكتاب الرقمي أسهما في تراجع أعدادهم بشكل عام"، ومع ذلك ترى أنه "على الرغم من هيمنة الكتاب الرقمي إلا أن هناك من القراء من لا يزال يبحث عن الكتاب الورقي وبطبعات قديمة، أو هناك من يبحث عن صحف عراقية قديمة يجدها في المكتبات العامة".

تضم مكتبة الكاظمية 20 ألف كتاب جلها في تخصصات علم الاجتماع والقانون وعلم النفس فضلاً عن الصحف العراقية منها الوقائع العراقية، ترى حسن "أن مكتبة الكاظمية تلبي احتياجات القراء، فمن يبحث عن مشاريع قوانين قديمة يلجأ إلى تصفح أعداد الوقائع العراقية التي تحتفظ بها المكتبة".

تاريخ قديم لمكتبات الجزائر والتأخر الرقمي أهم معوقاتها

منذ نشأتها عرفت المكتبات العمومية في الجزائر تحولات مهمة ولافتة، بداية من الوجود العثماني في البلاد، مروراً بالاحتلال الفرنسي، وصولاً إلى ما هي عليه من منشآت وهياكل ثقافية تتأثر بكل أنواع الرهانات السياسية والاقتصادية والأمنية للبلاد.

يرصد المؤرخ الجزائري، سعد الله أبو القاسم في كتابه "تاريخ الجزائر الثقافي (1500-1830)" الصادر عام 2007، "أن بلاده كانت في طليعة بلدان كثيرة لتميزها بغزارة الكتب والمكتبات في العهد العثماني، التي يرجع تاريخها إلى ما قبل مجيء العثمانيين إلى الجزائر، إذ كان إنتاج الكتب يتم محلياً سواءً عن طريق التأليف والنسخ، أو من وقف الناس وهجرة الأندلسيين إلى الجزائر، كما كان للحج والرحلة لطلب العلم فضل في انتشار حركة التأليف والنسخ واقتناء الكتب لتغذية المكتبات بمختلف إنتاجات العلماء".

ويقول المرجع ذاته، "على الرغم من عدم اهتمام الحكام العثمانيين بالثقافة عموماً والمكتبات خصوصاً، وانشغالهم بالحفاظ على الاستقرار السياسي والأمن وكذا جمع الضرائب، إلا أن المكتبات شهدت نمواً، واصطلح على المكتبات العمومية في تلك الفترة بالمكتبات السلطانية أو الأميرية، التي وجدت في المساجد والجوامع والزوايا، والمدارس التي فتحت أبوابها للطلبة خصوصاً، وكذا جميع القراء المسلمين. ومن أشهر المكتبات في تلك المرحلة، مكتبة الجامع الكبير في العاصمة، والمدرسة الكتانية التي أنشأها صالح باي بقسنطينة، إضافة إلى مكتبة المدرسة المحمدية التي أسسها الباي محمد الكبير في معسكر، ومكتبة زاوية الشيخ التازي بوهران غرب الجزائر، ومكتبات أخرى، تذكرها مراجع متعددة".

وتشير الدلائل التاريخية أيضاً أن الجزائر قبل الغزو الفرنسي لها عام 1830 وُصفت بأنها قطب ثقافي مهم لعموم المواطنين وسط انعدام نسبة الأمية، غير أن فرنسا عمدت على انتهاج سياسة ثقافية لطمس الهوية العربية الإسلامية وتحقيق الازدهار والرقي للجالية الأوروبية، حيث تم السطو على كتب نفيسة ومخطوطات موجودة على مستوى الجوامع، والمدارس القرآنية والزوايا، ووردت هذه القصص على لسان باحثين مستشرقين فرنسيين واكبوا الحملة الفرنسية على الجزائر، واعترفوا بغزارة الكتب والمكتبات بالمدن الجزائرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي مرحلة ما بعد الاستقلال، ورثت الجزائر هياكل ثقافية، لكن نقص الكفاءات البشرية والمعدات المالية أثر فيها كمؤسسات ثقافية فكرية، كما أنّ طبيعة السياسة الاستعمارية لتقسيم المكتبات في المناطق ذات الوجود القوي للمستعمرين نتج منه خلل في تعزيز توزيعها ما بين المدن الجزائرية الكبرى، وإقصائها في المناطق الصغيرة والبلديات الداخلية، وهو ما رصدته دراسة أكاديمية عام 2019، أعدتها الطالبة بلبشير سميرة، لنيل شهادة الدكتوراه حول تاريخ المكتبات العمومية في الجزائر: النشأة والتطور في ضوء مفهوم الفضاء الثالث.

مكتبات المغرب تعاني "الموت البطيء"

إذا كان المغرب اشتهر بمقولة "بين مقهى وآخر هناك مقهى" من كثرة عدد المقاهي، فإنه بين مكتبة عمومية وأخرى لا توجد مكتبة، لقلّتها وقلة الوافدين عليها في هذا البلد. وتفيد الإحصاءات بأن "المغرب يتوافر على 264 مكتبة حكومية، بينها 136 مكتبة عمومية، أشهرها المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، والخزانة الملكية في العاصمة الرباط، والمكتبة الوسائطية في مسجد الحسن الثاني بمدينة الدار البيضاء".

وعلاوة على قلة عدد المكتبات العمومية في المغرب، فإن وضعية غالبيتها لا ترقى لتكون فضاءات مناسبة للقراءة، كما لا تلبي بشكل كافٍ حاجات الراغبين بالتهام مختلف مجالات المعرفة، باستثناء مكتبات عمومية تُعدّ على الأصابع.

ويُرجع متخصصون وضعية عدد من المكتبات العمومية في المغرب إلى عوامل رئيسة عدة، منها "ضعف الموازنة المرصودة لقطاع الثقافة، وأيضاً مشكلة العزوف عن القراءة، ثم غياب ثقافة المكتبات في المدارس حيث إن 63 في المئة من المؤسسات التعليمية لا تتوافر على مكتبات"، وفق دراسة دولية سابقة لتطور الكفايات القرائية.

والمكتبات العمومية ليست وافداً جديداً على المجتمع المغربي، إذ تعود تاريخياً إلى عام 1919، أي بعد سبع سنوات من خضوع المغرب للاستعمار الفرنسي. ومنذ ذلك، شهدت المكتبات تطوراً ملحوظاً، لكن من دون أن يحقق الغايات والآمال المنشودة.

ووفق وزارة الثقافة المغربية، تُعتبر المكتبات العمومية "مؤسسات ثقافية تقدم خدماتها إلى مختلف شرائح المجتمع من دون تمييز في السن أو الجنس أو الدين أو اللغة أو الوضع الاجتماعي، باعتبار أن الولوج إلى المعرفة حق من حقوق الأفراد".

وعمدت وزارة الثقافة المغربية منذ 2003 إلى تعزيز شبكة القراءة العمومية بإحداث مجموعة من المكتبات الوسائطية تضم فضاءات مجهزة بأحدث الوسائل والمعدات التكنولوجية لتسهيل الوصول إلى المعلومة.

وتتجه السلطات الثقافية المغربية إلى إطلاق عملية رقمنة حوالى 200 مكتبة عمومية في جميع مناطق البلاد، كما خصصت بوابة إلكترونية تتيح تيسير الولوج عن بعد إلى مختلف الخدمات والأرصدة الوثائقية التي يوفرها عدد من المكتبات العمومية.

ويهدف مشروع رقمنة المكتبات العمومية إلى "تأهيل هذه الفضاءات وتطوير خدماتها من خلال تسهيل تدبيرها الداخلي، وكذا من خلال ربطها في ما بينها في إطار شبكة عنكبوتية خاصة بالقراءة العمومية".

"عصر غوغل" يصرف الفلسطينيين عن المكتبات

حسب الأبحاث والدراسات التي تمكنت "اندبندنت عربية" من الحصول عليها في الضفة الغربية، تبين أنه من بين 108 مكتبات عامة في فلسطين، هناك 21 مكتبة مغلقة و7 مكتبات دمرت بشكل كامل أو جزئي في قطاع غزة، وأن هناك ثلاث مكتبات فلسطينية فقط للعرب داخل إسرائيل، وفي مدينة القدس ست مكتبات مغلقة من أصل ثماني.

ووفقاً لدراسة بحثية أعدها المتحف الفلسطيني، تبين أن أحد الأمور المشتركة بين معظم المكتبات العامة الفلسطينية المتبقية، هو تدني نسبة إقبال القراء واستعارة الكتب بشكل كبير، واعتماد كثير من المكتبات على كتب يتم التبرع بها حتى وإن كانت بعضها بلغات لا يعرفها المجتمع المحلي. ووفق معطيات سابقة للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن الذكور (فوق سن 18 سنة) ممن يقرأون يقضون فقط 2.7 في المئة من أوقاتهم في القراءة بمختلف أشكالها، مقابل نسبة أعلى للإناث تبلغ 4.2 في المئة.

ورقة إحصائية أعدها فريق مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، بالتعاون مع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أظهرت أن متوسط الاشتراكات في المكتبة الواحدة لا يزيد على 2100 اشتراك سنوي، وأن 81 في المئة من المكتبات العامة تتبع للبلديات، و19 في المئة منها تدفع إيجاراً سنوياً، بينما لا تزيد نسبة المكتبات التي تمتلك مباني خاصة على 17 في المئة، وجاء في الورقة الإحصائية أن 55 في المئة من المكتبات ليس لديها سياسة إدارية واضحة. وتعرضت الإحصائية إلى استبيان لرواد المكتبات، حيث قال 92 في المئة منهم، إنهم يلجأون إلى الأداة الإلكترونية لقراءة الكتب التي لا تتوفر في المكتبات العامة، وإن 71 في المئة منهم لا يكتفون بالمصادر التي توفرها المكتبة.

 

تقول الناشطة التربوية والاجتماعية فاتن عبد الحق (37 سنة) لـ"اندبندنت عربية"، إن المقاهي تكتظ بالشباب والمراهقين وحتى المثقفين من الفئات الاجتماعية والأكاديمية المتنوعة، ويخوضون تحت سحب دخان الأراجيل لساعات، في أحاديث الفشل والنجاح والمال والأعمال والسياسة والمغامرات العاطفية، فيما تعاني المكتبات العامة قلة الزوار، وبعضها تعرض للإغلاق، وأخرى هجرت بالكامل لقلة التنويع والتجديد وغياب الدعم لتطويرها"، مستدركة "قد أجد أن الكتب التي طالعها والدي قبل 20 سنة وجدي قبله بـ40 سنة، هي نفسها على الرفوف ذاتها دون تحريك، وهو ما قد يدفع كثيرين لترك المكتبة التي لا تواكب العصر والتكنولوجيا والطرق العصرية في عرض الكتب وفهرستها وتصنيفها، فجيل الشباب أصبح اليوم أقل اهتماماً بالكتاب التقليدي، لأنه بات يبحث عن الطريقة الأسرع والأسهل للحصول على المعلومة المفيدة والمختصرة في آن معاً"، واصفةً هذا العصر بأنه "عصر غوغل".

في المقابل، عارضها الرأي رئيس جمعية المكتبات والمعلومات الفلسطينية، ضرار طوقان، بقوله "عانينا سابقاً من قلة الزوار وتدني نسب القراءة والمنتسبين للمكتبات العامة، بسبب الثورة التكنولوجية ومواقع التواصل الاجتماعي، التي أشغلت الناس عن المكتبة وما فيها من قيمة ثقافية وعلمية، أما اليوم فالأعداد تتزايد باستمرار، وذلك لأن الأهالي بدأوا يدركون جدياً خطورة الأجهزة الإلكترونية وأهمية الكتب والمطالعة، بل ويدفعون أبناءهم للمجيء إلى المكتبة وشراء الكتب كي لا يبقوا حبيسي الهواتف، واليوم هناك عائلات كاملة تزور المكتبة للقراءة والنقاش، كما أن القراءة الإلكترونية الشائعة بكثرة بين الفلسطينيين مهما تنوعت بالصوت والصورة، لا يمكن لها أن تغني عن الكتاب الورقي، والدراسات أثبتت أن القراءة التقليدية ترسخ المعلومة أكثر من القراءة الإلكترونية".

ويضيف "في الوقت الذي يحمل فيه الفضاء الإلكتروني ومكتباته الرقمية الملايين من الكتب المفيدة، هناك أيضاً كثير من الكتب المضللة ومجهولة المصدر وضعيفة المحتوى وخطيرة الأهداف والأفكار، تتلافى المكتبات هذه المخاطر بكل بساطة، لأن الكتب بها مضمونة المصدر وتخضع للرقابة والتدقيق، وكثيراً ما نتراجع عن قبول بعض الكتب التي نجد أنها قد تسبب مشكلات ثقافية أو اجتماعية".

من جهته، أشار فواز سلامة، مدير الأرشيف الوطني الفلسطيني، إلى ضرورة تطوير المكتبات في فلسطين بجميع أنواعها، من خلال التعاون والعمل المشترك بإقامة الفعاليات والمعارض والورش ودورات التدريب والتأهيل".

أكثر ما قد يعوق تطور المكتبات العامة بحسب مراقبين، هو نقص عدد العاملين والمتخصصين في علم المكتبات، إضافة إلى إهمال المؤسسات الرسمية والأكاديمية للمكتبات وتعزيز ثقافة القراءة، وتكون مصادر الكتب، في أغلبها، إما من الهدايا أو التبرعات أو من الميزانيات الشحيحة التي ترصد للمكتبات التابعة للبلديات.

مكتبات غزة... عندما تطبع الحياة القاتمة ألوانها على الكتب

في غزة يشبه واقع المكتبات حياة المدينة، فكما يعاني السكان الفقر، تعاني أرفف الكتب الحال نفسه دائماً، فتجدها فقيرة الزوار، وبالكاد يصلها راغب في الاطلاع عليها، ولا يتخلف الوضع الاقتصادي كثيراً بين الناس والمكتبات التي لا موازنات لها.

منذ العام 2003 هجر سكان غزة المكتبات، ولم يعد آلاف الزوار الذين اعتادوا قضاء ساعات بين أرفف الكتب يبحثون عن معلومة جديدة أو ثقافة تنمي عقولهم، ولا يكترثون لما هو جديد المطبوعات والنشر، ولم يبحث عشاق القراءة منذ 20 عاماً تقريباً عن روايات أو قصص مصفوفة في تبويب الأدب والقصة داخل المكتبة.

كثيرة أسباب هجران المكتبات فبالنسبة إلى الرواد فإنهم لم يزوروها بسبب كتبها التقليدية وعدم تجديد محتوياتها، أما عامة السكان، فالعذر بالنسبة إليهم هو ظروف قطاع غزة الصعبة للغاية، وهم مشغولون بحياتهم اليومية وسعيهم وراء الرزق ولا وقت لديهم للقراءة.

ويؤكد الأمين العام للمكتبات العمومية في بلدية غزة، نزار الوحيدي أن قلة رواد المكتبات يعود لعدم تجديد مخزون المعارف، وجزء آخر له علاقة بركض الناس وراء المعيشة، وبسبب ذلك انخفض عدد الزوار الشهري إلى 500 شخص، فبحسب خلال الأعوام الخمسة الماضية، بينما كان عددهم يزيد على 2300.

 

وتضم محافظات غزة الخمسة 13 مكتبة عامة فقط، وهي بعيدة من حياة مليوني مواطن، وتقع مسؤولية إدارتها على بلديات القطاع، بإشراف من وزارة الثقافة التي لا تمتلك أية مكتبة عامة، لكنها تمارس دور المراقب.

ويقول المدير العام للثقافة في الوزارة عاطف عسقول إن عدد المكتبات العامة في غزة كبير، بحسب تصنيف وزارته، ومن بينها 13 تقع إدارتها ضمن مسؤولية البلديات العاملة إلى جانب عشرات المكتبات التي تديرها المؤسسات الخاصة، وكذلك مكتبات المدارس التي تديرها وزارة التعليم، فضلاً عن تلك التي تشرف عليها وزارة الشؤون الدينية، موضحاً أن هناك تفاوتاً في حجم المكتبات وإثرائها في المطبوعات الجديدة.

لكن عسقول يؤكد أن جميع أصناف المكتبات العامة فقيرة من جميع النواحي، بسبب إهمال المؤسسات الرسمية التي لديها أولويات مختلفة في تحسين حياة السكان أكثر من تطوير واقع الثقافة، مشيراً إلى وجود مؤسسات ثقافية لا يوجد فيها أمين مكتبة، وهذا دليل على عدم الاكتراث.

وفي الواقع لا توجد موازنات مالية للمكتبات العامة، إلا لتلك التي تديرها بلديات غزة، ويؤكد عسقول أن المخصصات المالية التي تقر لتطوير المكتبات تصرف لأغراض أخرى تتعلق بخدمة المواطنين.

ويقر الأمين العام لمكتبات بلدية غزة نزار الوحيدي أن نقص الموازنة يؤثر سلباً في واقع المكتبات العامة، فيما تقدر الموازنة السنوية التي تتسلمها المكتبات بقيمة تقل عن 1000 دولار أميركي.

8 مليون كتاب في المكتبات العمومية التونسية فهل من قارئ؟

في زمن السوشيال ميديا، والتكنولوجيات الحديثة التي شغلت الناس، بات الكتاب بعيدا عن الاهتمام، وتونس ليست بمنأى عن ظاهرة العزوف عن المطالعة في عالم تطغى عليه الصورة والتفاعل الافتراضي، رغم توفر شبكة كبيرة من المكتبات العمومية  المترامية في مختلف تراب الجمهورية.

ويؤكد الياس الرّابحي مدير إدارة المطالعة العمومية بوزارة الثقافة، في تصريح خاص لـ"اندبندنت عربية"، انه "يوجد في تونس 436 مكتبة عمومية، بينها 94 مكتبة جهوية و44 مكتبة متنقلة، والبقية مكتبات محلية في المناطق البلدية، وتغطي هذه الشبكة من المكتبات العمومية كامل تراب الجمهورية، ويتفاوت عددها بحسب حجم الولايات (المحافظات) من حيث عدد السكان، ويتراوح بين 11 و27 مكتبة عمومية، ويبلغ الرصيد الجملي لهذه المكتبات 8 مليون كتاب، وأكثر من مليون ومائتي دورية، بينما لا يتجاوز عدد المشتركين مائتي ألف مشترك".

ويضيف الرابحي أن "قطاع المكتبات العمومية يشغّل ألفين وستمائة عون، بين إطارات وعملة، كما ينشط ما يزيد عن ألف وثلاثمائة نادي بالتعاون مع هذه المكتبات من أجل الترغيب في المطالعة، وبلغ عدد الكتب التي تُعيرها المكتبات العمومية لروادها لمطالعتها في المنزل مليون وتسعمائة ألف كتاب، بينما يُقرأ أربعة مليون كتاب على عين المكان أي في فضاء المكتبة العمومية".

وتفاخر تونس بامتلاكها أكبر شبكة مكتبات عمومية متنقلة على المستوى الإفريقي والعربي حيث "تغطي 83 بالمائة من المجال الريفي التونسي، بوجود ألف وثمانمائة نقطة إعارة للكتب في مناطق نائية، كما تغطي 28 مؤسّسة سجنيّة و5 مراكز لدور المُسنين، بالإضافة إلى عدد من المراكز الاجتماعية".

وتنظم تونس عديد التظاهرات من اجل الترويج للكتاب، وشدّ اهتمام التونسيين إلى الكتاب، كمعرض تونس الدولي للكتاب، الذي يشهد سنويا مشاركة مئات دور النشر العربية والأجنبية، وعرض آلاف الكتب، علاوة على عديد المعارض الجهوية والوطنية الأخرى، إضافة إلى التظاهرات الثقافية المرغّبة في المطالعة على غرار  "البطولة الوطنية للمطالعة" التي "تم خلالها مطالعة حوالي 900 ألف كتاب"، وفق مدير إدارة المطالعة العمومية.

ويشير الرابحي إلى انه يتم سنويا تنظيم "مصيف الكتاب على الشواطئ وفي المنتزهات العائلية من أجل تقريب الكتاب من محبّيه".

الحداثة تطال مكتبات الأدرن.. ومرتاديها يهجرونها

تعاني أحد أقدم المكتبات العامة في الأردن والتي تقع وسط العاصمة من قلة مرتاديها وندرتهم، بعد ان ظلت لسنوات طويلة تضج بالحياة والباحثين عن المعرفة ومحبي القراءة، لكن مع التحولات المعرفية والاقتصادية التي يشهدها الأردن أصبح حال المكتبات العامة في الأردن على قلتها، أشبه بديارٍ هجرها ساكنوها.

ورغم بعض النماذج المضيئة والايجابية للمكتبات العامة في البلاد كمكتبة عبد الحميد شومان التي اتسعت فكرتها الى حاضنة ثقافية وشبابية، الا أن الحداثة طالت شكل المكتبات التقليدي، الى اشكال أخرى فظهرت فكرة المكتبات التي تجمع بين القراءة والعمل واحتساء القهوة والترفيه.

ومنذ العام 1960 برزت المكتبة العامة وسط البلدة القديمة في عمّان، بمبناها الجميل ذي الطراز المعماري العربي وعلى مقربة من المدرج الروماني القديم، كواحدة من الأماكن التي يرتادها الأردنيون خاصة الطلبة والمثقفون منهم.

 أما اليوم فثمة نحو 70 مكتبة عامة في طول البلاد وعرضها تضم في جنباتها أكثر من نصف مليون كتاب، لكنها تشكو قلة زوارها، وتراجع قيمة القراءة والكتاب على حد سواء.

ولم تعد المكتبات عامل جذب للشبان والمراهقين في الأردن خلافاً لعقود خلت، فأصبحت المقاهي هي من يشكل وعيهم بعد ان تحولت الى مراكز للعمل والدراسة والتسلية أيضاً.

 اليوم أصبحت مقاه عالمية شهيرة مثل" ستاربكس" وغيرها قِبلة مفضل للشبان والشابات، بينما تنتشر بكثافة الأماكن والمساحات المخصصة للدراسة والعمل والتي توفر أجواء مناسبة مقابل سعري رمزي.

بعض هذه الأماكن تحاول ان تجمع بين الشكل التقليدي للمكتبات وبين الحداثة، فتجد أرففاً من الكتب المنتقاة الى جانب مكاتب مجهزة بالحواسيب والانترنت، وفنجان مجاني من القهوة.

في العاصمة عمّان نجحت فكرة الدمج بين جيلين هذه عبر مقهى " اسطرلاب" الذي يقدم خدمة القراءة والعمل واللقاء الجماعي، ويوفر مساحات مخصصة للاجتماعات والمحاضرات وورش التدريب، كما أنه يستضيف بين الحين والآخر مثقفين وشعراء وكتاباً ويعرض تجاربهم.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات