ملخص
أشار وزير الإعلام المتحدث الرسمي باسم حكومة غرب كردفان إلى أنه على رغم من فقدان منطقة هجليج في أعقاب انسحاب الجيش لأسباب تكتيكية، فإنهم سيواصلون القتال حتى تصبح كردفان "مقبرة" لقوات "الدعم السريع".
تتسارع التطورات في إقليم كردفان بولاياته الثلاث، شمال وجنوب وغرب، الذي يشهد تصعيداً عنيفاً بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، خصوصاً بعد أن أحكمت الأخيرة سيطرتها الكاملة على ولاية غرب كردفان بعد إعلان الجيش، أول من أمس الإثنين، انسحابه من منطقة هجليج الغنية بالنفط، وهو ما عده مراقبون عسكريون بمثابة كسر لخط الدفاع الأخير للجيش حول وسط البلاد، والتحكم في الحدود مع جنوب السودان مروراً بأفريقيا الوسطى وتشاد وصولاً إلى ليبيا، مما يسهل عملية إدخال السلاح، فضلاً عن فتح الطريق أمام "الدعم السريع" لمحاولة الاستيلاء على كادوقلي والدلنج كبرى مدن جنوب كردفان، واللتين تقعان تحت الحصار الخانق منذ يناير (كانون الثاني) 2024.
بيد أن مصادر عسكرية ترى أن الجيش يعتمد على استراتيجية استنزاف القوتين البشرية والصلبة منذ اندلاع هذه الحرب قبل أكثر من 32 شهراً باستخدام المسيرات والمنظومات المتطورة، وهو ما يحدث حالياً في مناطق كردفان التي تمثل القلب الاستراتيجي لمعركة الحسم.
في الأثناء، هاجمت مسيرة تابعة للجيش، أمس الثلاثاء، منطقة هجليج النفطية بولاية غرب كردفان، مما أدى إلى مقتل سبعة من قيادات الإدارة الأهلية التابعين لقبيلة المسيرية والعشرات من عناصر "الدعم السريع".
وبحسب مصادر ميدانية، فإن القيادات الأهلية جاءت إلى هجليج من أجل الوقوف على آخر ترتيبات حماية حقول النفط وإنفاذ قرارات الإدارة المدنية التابعة لحكومة تحالف تأسيس (الموازية لحكومة بورتسودان) الذي تتزعمه "الدعم السريع"، التي نصت على تشكيل قوة أمنية وعسكرية مؤهلة تتولى مسؤولية حماية المنشآت النفطية ومنع تخريبها أو نهبها.
من جانبها، اتهمت قوات "الدعم السريع" الجيش بقصف حقل هجليج النفطي بطائرة مسيرة، مؤكدة في بيان أن عملية القصف تسببت في مقتل وإصابة العشرات من المهندسين والعاملين في الحقل وعدد من قيادات الإدارة الأهلية، إضافة إلى عشرات الجنود من قوة الحماية والتأمين من "جيش جنوب السودان" وقوات "الدعم السريع"، فضلاً عن تدمير عدد من المنشآت الحيوية.
وعدّ البيان هذا القصف "عملاً عدوانياً باعتباره انتهاكاً صارخاً للقوانين والأعراف الدولية"، ويمثل تهديداً مباشراً للأمن والاستقرار في المنطقة.
وحذر البيان من خطورة التهاون مع هذه الاعتداءات، وما قد تجره من أخطار مباشرة على أمن المنشأة النفطية التي تعد شرياناً اقتصادياً مشتركاً يعتمد عليه شعب جنوب السودان في تدفق نفطه عبر الأراضي السودانية.
وحث البيان المجتمع الدولي، وفي مقدمه الأمم المتحدة ومجلس الأمن، على تحمل مسؤولياته الكاملة عبر إدانة هذا الاعتداء، ووضع حد فوري لمثل هذه الأعمال التي تشكل انتهاكاً للهدنة الإنسانية المعلنة من جانبه.
"غياب الشفافية"
في حين، حملت تنسيقية "لجان مقاومة الفاشر" كبار المسؤولين في الجيش والقوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة مسؤولية انهيار المدن، وحذرت من أخطار متزايدة تهدد المناطق الاستراتيجية.
وأشارت التنسيقية في بيان إلى أن المدن الحيوية تواجه خطراً حقيقياً، بينما ينشغل المسؤولون السياسيون والعسكريون بالصراعات الإعلامية وتبادل الاتهامات، بعيداً عن حماية الأرض وصون الدماء ومواجهة قوات "الدعم السريع".
ورأى البيان أن انسحاب الجيش من مواقع حساسة من دون تقديم أسباب واضحة يعكس غياب الشفافية، فيما تغرق القوات المشتركة في خلافات بيروقراطية، تاركة المجال مفتوحاً أمام تقدم قوات "الدعم السريع" على الأرض مستغلة حالة الفوضى وغياب التنسيق.
وأكد البيان أن الهزائم التي شهدتها البلاد خلال الأشهر الماضية لم تكن مجرد انسحابات تكتيكية أو انهيارات جغرافية تحت ضغط عسكري، بل تعكس خللاً أعمق في القيادة، لافتاً إلى أن ما حدث في الجزيرة ونيالا والفاشر وصولاً إلى بابنوسة وهجليج يكشف أن سقوط المدن لم يكن نتيجة قوة ضاربة للميليشيات، بل بسبب تردد القيادة العسكرية والسياسية في اتخاذ قرارات حاسمة وغيابها في اللحظات التي كان يجب أن تظهر فيها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مواصلة القتال
من جهته، أشار وزير الإعلام المتحدث الرسمي باسم حكومة غرب كردفان إلى أنه على رغم من فقدان منطقة هجليج في أعقاب انسحاب الجيش لأسباب تكتيكية، فإنهم سيواصلون القتال حتى تصبح كردفان "مقبرة" لقوات "الدعم السريع".
ونوه رحمة إلى أن أسر العسكريين من الجيش تعرضت للإذلال والامتهان من قبل "الدعم السريع" في بابنوسة وهجليج، مبيناً أن سيطرة "الدعم السريع" على حقول هجليج تؤثر على موارد حكومة غرب كردفان.
وأكد المتحدث باسم حكومة ولاية غرب كردفان أن "الدعم السريع" توغلت في أراضي جنوب السودان لأكثر من 20 كيلومتراً ثم انسحبت.
خريطة السيطرة
بسيطرة "الدعم السريع"، أخيراً، على بابنوسة وهجليج تكون قد سيطرت بالكامل على ولاية غرب كردفان، فضلاً عن سيطرتها على بارا وجبرة الشيخ وأم بادر والمزروب في ولاية شمال كردفان، بينما يسيطر الجيش على الرهد وأم روابة وشيكان والأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان.
أما في ولاية جنوب كردفان، فتنحصر سيطرة قوات "الدعم السريع" على بلدات القوز والدبيبات والحمادي، فيما تسيطر الحركة الشعبية - شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو على بلدة كاودا، بينما يحتفظ الجيش ببقية مدن الولاية بما فيها كادوقلي (العاصمة) والدلنج كبرى مدن هذه الولاية.
قصف كتيلا
في محور دارفور، قُتل ما لا يقل عن 74 عنصراً من قوات "الدعم السريع" وأصيب عشرات آخرون إثر قصف نفذته طائرة مسيّرة تتبع للجيش استهدفت تجمعاً لـ"الدعم السريع" في بلدة كتيلا الواقعة على بعد 130 كيلومتراً جنوب غربي نيالا.
وأشار مواطنون محليون إلى أن الضربة الجوية كانت دقيقة وعنيفة، وأدت إلى تفجير الموقع الذي كانت تحتشد فيه قيادات وعناصر تتبع لـ"الدعم السريع".
وتشهد كتيلا منذ أسابيع نشاطاً مكثفاً لعناصر "الدعم السريع"، وسط شكاوى من الأهالي بحدوث انتهاكات متكررة تشمل النهب والإتاوات وفرض السيطرة بالقوة.
تحرير دارفور
إلى ذلك، حذر والي غرب دارفور بحر الدين كرامة جميع المواطنين في الولاية وفي محلياتها الثمانية من الاقتراب أو الوجود بالقرب من تجمعات ومواقع "الدعم السريع"، باعتبارها تمثل أهدافاً عسكرية مشروعة لطيران الجيش.
وأكد كرامة أن أي اقتراب من تلك المواقع والتجمعات يعرض حياة المدنيين للخطر نتيجة العمليات العسكرية المرتقبة، مشيراً إلى التزام حكومة الولاية الكامل بقواعد الاشتباك ومعايير الاستهداف الدولية، وضمان اتخاذ كل الإجراءات التي تحول دون وقوع أي أذى على المدنيين أو على البنية التحتية المدنية، مؤكداً أن سلامة المواطنين تظل أولوية لا مساومة فيها.
وأشار إلى أن الأجهزة الأمنية رصدت لجوء "الدعم السريع" إلى استخدام المدنيين كدروع بشرية، عبر تحويل المنازل والمستشفيات والمدارس والمقار الخدمية إلى مواقع عسكرية، في سلوك لا يعدو أن يكون جريمة حرب مكتملة الأركان ومحاولة للتغطية على وجودهم وسط الأحياء السكنية.
ولم يستبعد والي غرب دارفور دخول الجيش بمختلف تشكيلاته من القوات المشتركة والقوات البرية والجوية والوحدات الخاصة، إضافة إلى المستنفرين والمقاومة الشعبية، في عمليات عسكرية واسعة لتحرير إقليم دارفور وعلى رأسها ولاية غرب دارفور و"إعلان تطهيرها الكامل من التمرد".