Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

على أوروبا أن تضع الأوهام جانبا وتستعد للحرب مع روسيا

لا تزال دول القارة أسيرة حالة إنكار لحجم التهديد الذي يمثله بوتين وإذا لم يسارع قادتها إلى تغيير نهجهم سيصبحون هدفاً سهلاً لموسكو

 زيلينسكي وستارمر وماكرون وميرتس يتحدثون خارج مقر رئاسة الوزراء البريطانية بعد محادثاتهم في وسط لندن (أ ف ب)

 

ملخص

أوروبا تعيش حالة إنكار للخطر الروسي، وضعف استعدادها الدفاعي وترددها في المواجهة يجعلها هدفاً سهلاً لموسكو، ما يستلزم استراتيجية عاجلة تقوم على بناء قوة ردع حقيقية وصمود مستقل يحفظ أمنها وقرارها السياسي.

كان الأسبوع المنصرم حافلاً بسلسلة من التطورات اللافتة في مجال سياسات الدفاع الأوروبية. لكن كل خبر برز خلاله لم يكن من شأنه سوى تأكيد حجم الخطر الذي يحيط بأوروبا، وكذلك مدى محدودية استعداد بعض أبرز حلفائها للتدخل ومواجهة هذا الواقع.

وقد جاءت نتائج التحقيق البريطاني في وفاة السيدة دون ستورجس [فارقت الحياة عام 2018 بعد تعرضها لتسمم بغاز الأعصاب "نوفيتشوك" من قارورة ألقاها عميلان روسيان] التي نُشرت الأسبوع الماضي، لتكشف بوضوح ليس فقط عن وحشية روسية، بل كذلك عن حجم الخطر الذي يمكن أن يتركه هجومٌ روسي، ولو كان محدوداً، على مجتمعات غير مستعدة دفاعياً مثل المجتمع البريطاني.

لكن خلال الأسبوع نفسه، جاءت الجولة الأخيرة مما تُعرف بـ "عملية السلام" الخاصة بأوكرانيا، لتُظهر مجدداً كيف أن أوروبا، بمجملها، ما زالت أسيرة حالة إنكار وأوهام غير واقعية، في ما يتعلق بطبيعة التهديد الروسي، وما يتطلبه الصمود في وجهه من استعدادات.

ويعود ذلك جزئياً إلى درجة من التظاهر الذي يشعر القادة الأوروبيون بأنهم مضطرون للقيام به. فهم يلتزمون في العلن التصرف وفق شروط الولايات المتحدة، ويدعون بأن المفاوضات التي تجريها واشنطن مع موسكو - متجاوزةً في ذلك أوكرانيا والدول الأوروبية - تمثل خطوةً جادة يمكن البناء عليها في اتجاه سلام مستقبلي.

علينا أن نأمل في أن يكون ذلك هو ما يفسر التصريح غير المنطقي للأمين العام لـ "حلف شمال الأطلسي" (ناتو) مارك روته، الذي أكد أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب هو الرجل الوحيد القادر على تحقيق السلام في أوكرانيا، مع الإشارة إلى أنه لم ينسَ في الواقع أن فلاديمير بوتين يمتلك القدرة على إنهاء حربه في أي لحظة يشاء.

مع ذلك، تكشف الملاحظات المستقاة من اجتماعات خاصة إن هذا الاستعراض المسرحي يصاحبه إدراك خلف الكواليس بأن الولايات المتحدة لا ترى لأوروبا المستقبل نفسه الذي افترضه القادة الأوروبيون.

وقد تأكد هذا الأمر بشكل قاطع الأسبوع الماضي مع صدور الاستراتيجية الوطنية الجديدة للأمن القومي الأميركي، التي لا تسمي روسيا، بل الاتحاد الأوروبي وأيديولوجياته، باعتبارهما التهديد الأساسي للأمن الأوروبي.

كذلك أكدت "استراتيجية الأمن القومي" الأميركية ما كان واضحاً منذ البداية لأي مراقب موضوعي، وهو أن أولويات إدارة دونالد ترمب في السعي إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا، لا ترتكز على الحاجة الملحة (بالنسبة إلى أوروبا) المتمثلة في ردع روسيا، ومنعها من خوض حرب إمبراطورية جديدة.

في الوقت نفسه، نجد أنفسنا الآن أمام المرحلة الثالثة من دورة باتت مألوفة، تتمثل بمحاولات من جانب الولايات المتحدة لفرض شروط الاستسلام التي وضعتها موسكو على أوكرانيا، تحت ستار "محادثات السلام".

مرةً أخرى، يكمن السبب الرئيس وراء مفاجأة القادة الأوروبيين بهذا المسار، في أنهم لم يكونوا أنفسهم راغبين في المشاركة الفاعلة فيه، أو لم يكونوا قادرين على ذلك. فالسلبية الاستراتيجية الأوروبية التي تفاقمت نتيجة ثلاثين عاماً من خفض الإنفاق الدفاعي، أدت إلى انتقال المبادرة إلى جهة أخرى، وطالما استمر هذا الواقع، فلا يحق لدول أوروبا أن تشكو من تجاهل الولايات المتحدة لها.

وعلى رغم أن الولايات المتحدة لا تريد أن تُوجه الأصول الروسية المجمدة لمصلحة أوكرانيا، فإنها لم تجد فرصة للتدخل وفرض موقفها إلا بسبب تردد أوروبا طوال السنوات الأربع الماضية في اتخاذ أي خطوة بشأن هذه الأصول.

صحيح أن الاستمرار في التعامل مع الولايات المتحدة بطريقة تؤخر ما أمكن احتمال لجوء واشنطن إلى وقف جميع أشكال التعاون الأمني مع أوروبا - بما في ذلك الدعم المباشر الذي تقدمه الآن لأوكرانيا - هو أمرٌ ضروري للغاية. إلا أن ذلك يجب أن يظل عنصراً واحداً ضمن استراتيجية تتألف من جزأين، بحيث يشكل الجزء الثاني التحضير بشكل عاجل لمواجهة تحول هذا الاحتمال إلى حقيقة واقعة. وهذا الاستعداد العاجل هو تحديداً ما تفتقر له معظم دول أوروبا الغربية.

فالتناقض بين الدول الأوروبية التي تتحلى بالشجاعة للاعتراف بالخطر، وتلك التي تفضل التظاهر بعدم وجوده، يزداد اتساعاً بشكل واضح يوماً بعد يوم.

أما في ما يتعلق بالمملكة المتحدة، فقد تخلت منذ فترة طويلة عن موقعها القيادي السابق في مجال الدفاع داخل أوروبا، وهي الآن تشهد تراجعاً متسارعاً في مستوى التزامها النسبي بقضايا الدفاع. وبعد التهديد الأخير الذي وجهه فلاديمير بوتين إلى أوروبا الأسبوع الماضي، من خلال إعلانه عن استعداد روسيا للحرب، تم طرح السؤال نفسه على رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، لكنه لم يتمكن من الإجابة بنعم.

ما تحتاجه المملكة المتحدة الآن هو أن تترجم ذلك الإفصاح العرضي من الصراحة إلى إجراءات عاجلة على أرض الواقع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بالطبع، لا تقتصر مشكلة أوروبا على المملكة المتحدة فحسب. فحتى إذا وضعنا جانباً الموقف الملتبس لكل من المجر وسلوفاكيا إزاء مواجهة روسيا، فإنه حتى حلفاء "ناتو" الذين يُفترض ظاهرياً أنهم متماسكون، يغفلون بشكل واضح عن جوهر القضية.

فقد شرح رئيس وزراء بلجيكا الأسبوع الماضي بالتفصيل كيف كان رد فعله على تهديد روسيا هو الاستسلام الفوري. أما وزير الخارجية الإيطالي، فقد عاد إلى أوهام بشأن طبيعة الدفاع الأوروبي حتى قبل أن تنتهي المعارك، قائلاً: "إذا توصلنا إلى اتفاق وتوقفت المعارك، فلن تكون هناك حاجة للأسلحة بعد الآن".

والنتيجة لم تقتصر فقط على تراجع جاهزية القوات المسلحة، إذ أعاقت الصراعات الداخلية في أوروبا أيضاً الانتعاش الضروري للصناعات الدفاعية التي من المفترض أن تدعم تلك الجاهزية. فقد منعت فرنسا المملكة المتحدة من تزويد الاتحاد الأوروبي بالأسلحة ضمن البرنامج الجديد للمشتريات الدفاعية للاتحاد، مطالبةً بدفع مبلغ ملياري يورو، هو أشبه برشوة (في حين أن كندا مُنحت الحق نفسه مقابل عشرة ملايين يورو فقط).

لا ينبغي لأحد أن يدّعي المفاجأة مما وصلت إليه أوروبا. فالمؤشرات كانت واضحة منذ البداية، وقد عرضتها بالتفصيل في كتاب نشرته العام الماضي. لكن الإهمال في التعامل معها كان كبيراً إلى حد أن الكتاب يصدر اليوم في نسخة جديدة تتضمن مقدمة تشرح كيف ازدادت أزماتنا تعقيداً بعد عام آخر من غياب الفعل.

أما العامل الأساسي الآخر في هذه الأزمة الذي لم يتغير، فهو تصميم روسيا على مواصلة هجماتها على أوروبا. وقد بدأ "ناتو" متأخراً مناقشة سبل الرد على حملة التخريب الروسية المستمرة في مختلف أنحاء القارة، إضافةً إلى حض الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف على الوفاء بتعهداتها في مجال الدفاع.

لكن ما لم يواجه القادة الأوروبيون هذا الخطر بالجدية والسرعة اللتين يقتضيهما، فستستمر موسكو في النظر إليهم كهدف سهل. والموت المأسوي لدون ستيرجس يذكرنا جميعاً بأن الخطر لا يتهدد المدنيين الأبرياء في أوكرانيا فقط، بل يطاول مختلف أنحاء القارة أيضاً.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء