Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"سويفت" سيف العقوبات الاقتصادية الأميركية فوق رأس بوتين

الصندوق السيادي الروسي يسعى للتخلي عن احتياطاته الدولارية والصين تتحسب لما قد ينالها

تبدو خيارات الولايات المتحدة الأميركية تجاه روسيا حال قررت القيام بعمل عسكري ما تجاه أوكرانيا، وسواء كان غزواً شاملاً، أو عملية ردع انتقائية، تبقى محدودة، لا سيما أن الخيار العسكري، يفتح الأبواب أمام سيناريوهات عدائية جهنمية، قد لا يقدر أحد على استشراف تبعاتها في الوقت الراهن، ولا في الأوقات التالية، ذلك أن أي صراع عسكري، وعند لحظة بعينها من سخونة الرؤوس، يمكن أن يقود كرة الثلج المتدحرجة من فوق الجبل، إلى الارتطام بالسفح والوصول إلى السيناريو الكارثي، الشتاء النووي.

لكن هل يعني ذلك أن واشنطن صفر اليدين من أي أدوات أخرى يمكن أن تسعى بها لعقاب روسيا؟

بالقطع تبقى قصة العقوبات الاقتصادية قائمة في مقدمة أوراق الضغط الأميركي بنوع خاص، وواشنطن لها قصة طويلة مع هذا النوع من العقوبات تجاه عديد من دول العالم، فهل ستعمد واشنطن إلى سلاح العقوبات الاقتصادية لمعاقبة القيصر؟ وهل تلك العقوبات فعالة بدرجة كافية لردع بوتين؟ ثم هل هناك من حلفاء الولايات المتحدة من سيتأثر سلباً بتلك العقوبات؟ ثم ماذا عن الصين التي يرتبط اقتصادها ارتباطاً وثيقاً بالأسواق المالية العالمية... عديد من التساؤلات سنحاول الإجابة عنها في السطور التالية.

إدارة بايدن وعقوبات غير مسبوقة

منذ بدايات الأزمة الأوكرانية لا تتوانى إدارة الرئيس الأميركي جوزيف بادين عن التهديد والوعيد باتخاذ حزمة من العقوبات غير المسبوقة على روسيا، بل ومعاقبة الرئيس بوتين نفسه، وكذا النخبة السياسية والاقتصادية المحيطة به.

ولعل الذين استمعوا إلى تصريحات المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي أخيراً، يعلمون علم اليقين أن بايدن مستعد لاتخاذ عقوبات أوسع من تلك التي فرضها الرئيس السابق أوباما على روسيا عام 2014.

تبدو العقوبات الاقتصادية سلاحاً أميركياً تقليدياً، بدأ في ستينيات القرن الماضي من كوبا، واليوم حط رحاله في ميانمار، وبينهما إيران، ولدى واشنطن حزم متنوعة من تلك العقوبات تبدأ بفكرة الحظر الشامل والكامل، وتمر بأنواع محدودة لها أهداف خاصة تحرم من خلالها بعض الدول من مزايا الشراكات الدولية.

وكما أن واشنطن تطال بعقوباتها الدول، فهي كذلك يمكنها أن تعاقب الأفراد والبنوك والمؤسسات وعديداً من الكيانات الاعتبارية.

ولعل خطورة مثل تلك العقوبات تتمثل في أنه حين تقوم واشنطن بفرضها على جهة ما فإن ذلك يعني وبشكل بدهي أنه يمتنع على عموم الأميركيين، أفراداً ومؤسسات التعامل معها.

هل يلعب الدولار الأميركي دوراً واضحاً في قدرات الولايات المتحدة على معاقبة من تراهم من الأشقياء حول الكرة الأرضية؟

ذلك كذلك قولاً وفعلاً، بخاصة أن التجارة العالمية تعتمد على الدولار الأميركي وتتدفق من خلال المؤسسات المالية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، ومن هنا فإن واشنطن تبدو في وضع فريد يسمح لها بفرض عقوبات، وقدر هائل من الألم الاقتصادي، من خلال  تقييد الوصول إلى الأسواق العالمية.

ما هو السلاح الأول ضمن طائفة الأفكار التي تخطط الولايات المتحدة لاستخدامها ضد روسيا كعقوبة اقتصادية لا تصد ولا ترد؟

"سويفت"... الخيار النووي الاقتصادي الأميركي

ربما يعد سلاح "سويفت" أخطر أنواع الأسلحة الاقتصادية التي تخشى روسيا بالفعل من أن تقدم واشنطن على استخدامها، ويعرف بأنه "السلاح النووي"، ضمن طائفة العقوبات الاقتصادية المتوقعة.

سلاح "سويفت" النووي هذا، لا يعني أن واشنطن ستوجه صواريخها النووية إلى المدن الروسية، لكنها ستقطع شرايينها المالية المرتبطة بالاقتصاد العالمي.

ما هو نظام "سويفت" أول الأمر؟

باختصار غير مخل، "سويفت" هو نظام الاتصالات المالية بين البنوك العالمية، وقد تأسس عام 1973، ومن خلاله تتم رسائل التبادلات والتحويلات المالية بأمان كبير، وقد أصبح النظام بمثابة جزء أساسي من التمويل العالمي.

تشاغب فكرة فصل روسيا عن هذا النظام العديد من المشرعين الأميركيين، ما يعني استحالة إرسال واستقبال الأموال في روسيا، مما سيصيب الشركات الروسية وعملاءها الأجانب بصدمة مفاجئة، بخاصة مشتري صادرات النفط والغاز التي يهيمن عليها الدولار الأميركي.

والمعروف أن هناك سابقة بعينها لفصل دولة مستقلة (إيران) عن نظام "سويفت"، جرى ذلك عام 2012 بسبب برنامجها النووي، من قبل الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي تسبب لها في كارثة اقتصادية، حيث خسرت نحو نصف عائداتها من صادراتها النفطية، و30 في المئة من تجارتها الأجنبية بعد فصلها عن سياق الخطوط والنظام العام للمؤسسة المالية العالمية التي يقع مقرها في بلجيكا.

غير أن فكرة استهداف روسيا من خلال فصلها عن نظام "سويفت"، لا يبدو أنها فكرة جيدة بالمطلق، بل إن هناك من يرى أنها غير قابلة للتنفيذ، وقد حذر كثيرون من الإقدام عليها.

على سبيل المثال أنذر زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ألمانيا، فريدريخ ميرتس، من كارثية الإقدام على مثل تلك الخطوة، معتبراً إياها بمثابة انفجار قنبلة ذرية بالنسبة إلى أسواق المال والسلع والخدمات، ودعا إلى ترك نظام "سويفت" وشأنه.

فريدريخ توقع انتكاسات هائلة للاقتصاد الألماني إذا حدث شيء من هذا القبيل في روسيا، وعنده أنه إذا كانت الأزمة ستضرب روسيا، إلا أنها سوف تلحق ضرراً كبيراً بألمانيا.

أما وكالة "بلومبيرغ" الدولية، فقد في تقرير صادر عنها في أوائل فبراير (شباط) الجاري، إلى أن طرد روسيا من نظام "سويفت"، قد يأتي بنتائج عكسية على حركة المدفوعات الدولية، وأنه وإن تهدد هذا الإجراء اقتصاد روسيا، إلا أنه في الوقت عينه سوف يتسبب في أضرار كبيرة لشركائها التجاريين.

هل لهذا كتبت صحيفة "هاندلسبالت" قبل بضعة أيام مشيرة إلى أن واشنطن وبروكسل قد صرفتا النظر عن فكرة فصل روسيا عن نظام "سويفت" خوفاً من زعزعة استقرار الأسواق المالية، بخاصة في أوقات يضرب فيها التضخم العالمي الأسواق، بعد عامين من جائحة لا تزال تترك بصماتها على الاقتصادات الدولية؟

أوروبا واليابان هل ترضخان لواشنطن؟

وفيما التخطيط الأميركي يجري على قدم وساق، والأحاديث دائرة في واشنطن عن اقتراب أعضاء مجلس الشيوخ من إبرام اتفاق يتعلق بإيجاد "تشريع" خاص تفرض بموجبه عقوبات على روسيا، والعهدة هنا على تقرير نشرته صحيفة "ذا هيل" الأميركية، تطفو على  السطح إشارات أخرى تبين كيف تدفع الولايات المتحدة، الضلعين الآخرين في المنظومة الرأسمالية العالمية، أي اليابان وأوروبا في  السياق نفسه، أي تحفيزهما على فرض عقوبات اقتصادية على  روسيا، والسؤال هنا هل ستوافق أوروبا واليابان على رغبة الجانب الأميركي؟

لا تبدو أوروبا بداية على قلب رجل واحد، ذلك أن بريطانيا وإن استجابت لشهوات قلب واشنطن الاقتصادية، بل والعسكرية، إذ أرسلت بضع مئات من قواتها الخاصة إلى أوكرانيا علناً، وربما هناك أضعاف هذا الرقم سراً، فإن فرنسا تختلف معها ولا ترى أن العقوبات على روسيا ستفيد أوروبا بشكل عام، كما أن الفرنسيين لا يميلون لإشعال أعواد الثقاب في القارة الأوروبية، وإنما يبغون حالة من حالات التنمية المستدامة، والتعاون الاقتصادي، الأمر الذي بان جلياً في زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون الأخيرة إلى روسيا ولقائه بوتين.

أما المانيا فيبدو أنها على الضد من الموقف الأميركي الخاص بالعقوبات، لا سيما وأن هناك قصة خط الغاز الشهير "نورد ستريم 2"، الذي يمثل شريان تواصل اقتصادي روسي – ألماني مهم للغاية بالنسبة إلى البلدين معا، عطفاً على أن الألمان يدركون عمق التاثيرات السلبية لفكرة العقوبات الاقتصادية على روسيا ومردوداتها على الجانب الأوروبي عامة وعليهم بخاصة، وهم الذين يفضلون الرؤية الإبستمولوجية للطرح الأوراسي شكلاً وموضوعاً، أي التلاقي مع روسيا وليس التصادم.

يبقى الضلع الياباني، حيث دعت الولايات المتحدة اليابان لبحث مسألة   فرض عقوبات اقتصادية على روسيا حال انتوى القيصر الدخول في مغامرة جديدة... ترى هل ستنساق طوكيو وراء واشنطن هذه المرة؟

بحسب وكالة "كيودو" اليابانية، لا يبدو أن فكرة فرض عقوبات من قبل طوكيو على موسكو تلقى هوى أو قبولاً من الدولة الجارة جغرافياً، وتاريخياً من روسيا، بل إنها خطة قد تؤدي إلى تدهور علاقات طوكيو مع موسكو، وتؤثر سلباً على المفاوضات الجارية بهدف التوصل إلى اتفاقية سلام بين البلدين.

ولعل استطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة "نيكي" اليابانية الأسبوع قبل الماضي، قد أكدت على أن نحو 45 في المئة من اليابانيين يرفضون فكرة الانجرار وراء أميركا، بل ويفضلون اتخاذ البلاد مواقف مستقلة اعتماداً على مستوى علاقاتها مع روسيا.

عطفاً على ما تقدم، فإن اليابانيين يتخذون من الروس بشكل أو بآخر حائط صد ودفاع من أي غوائل صينية يمكن أن تحل بهم، وغالباً ما تشعر اليابان بأنها بين المطرقة الروسية والسندان الصيني.

ومن جانب آخر فإن التيار اليميني الياباني، لا يبدو أبداً متشجعاً للسير في الدرب الأميركي ذاته، بل إن هناك دعوات للخلاص مما يرونه ربقة علاقات جمعت طوكيو بواشنطن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والهزيمة المذلة التي تعرضت لها اليابان على يد القوات الأميركية في ذلك الوقت، بخاصة بعد إلقاء القنابل النووية على هيروشيما وناغازاكي.

الصين وموقفها من عقوبات روسيا الاقتصادية

في مقابلة معه نهار الأحد السادس من فبراير (شباط) الجاري، عبر شبكة "إي بي سي نيوز" الأميركية، أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي جيك ساليفان، أن العقوبات التي قد تفرضها الولايات المتحدة على روسيا حال غزوها أوكرانيا ستؤثر على الصين، لأنها ستستهدف النظام المالي الروسي.

هل كانت رسالة ساليفان هذه لتغيب عن أعين الصينين والروس معا؟

من الواضح أنها رسالة لبكين وموسكو معاً، لا سيما بعد خطوات التقارب غير المسبوقة من العاصمتين الآسيوتين الكبيرتين اللتين تستشرفان معاً واقع مواجهة واشنطن الجامحة.

يدرك الصينيون أن العقوبات الأميركية الموجهة إلى موسكو، يمكن في الغد أن تتغير دفتها لتتجه ناحية بكين، وهناك في الأفق كثير من العلامات التي تؤكد استعداد واشنطن لذلك.

الصين وروسيا من الواضح أنهما يتحضران لمثل هذه المواجهة المالية مع الجانب الأميركي، ولهذا قطعتا خطوات واسعة في طريق اتفاق لإنشاء هيكل مالي مستقل لا يتأثر بالدول الأخرى.

في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلن مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، أن الرئيسين بوتين وشي بينغ، قد اتفقا   على إنشاء بنية مالية مستقلة من شأنها ألا تتاثر بالدول الأخرى.

لاحقاً وفي أول فبراير الحالي، قال سفير روسيا لدى الصين، أندريه دينيسوف، إن موسكو وبكين تتحدثان بشكل متزايد، عن استخدام العملات الوطنية في الحسابات المالية المتبادلة، وعن تنسيق  الجهود لمواجهة العقوبات.

يدرك الصينيون والروس أن أي عقوبات أميركية خاصة وغربية عامة، بخاصة إذا تم إقصاء روسيا عن النظام المالي العالمي للتحويلات الائتمانية، سويفت، سوف يؤثر على مسارات المعاملات الاقتصادية بينهما، على سبيل المثال فرض عقوبات على أحد البنوك التابعة لروسيا، فمن الصعب جداً على الطرف الصيني الذي يستلم  المنتجات أن يدفعوا ثمنها، على الرغم من أن لديه المال والرغبة في القيام بذلك.

ليس من قبيل المصادفة إذن أننا نرى في السنوات الأخيرة أحاديث متواصلة بين البلدين لاستخدام أوسع للعملات الوطنية في عمليات التجارة الخارجية.

هل استعدت روسيا للعقوبات المتوقعة؟

يضحى من السذاجة السياسية لو اعتقدنا أن روسيا التي تتعرض لسلسلة من العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية، لا سيما بعد ضم شبه جزيرة القرم، لم تتحسب لمثل هذه العقوبات، وترتب أوراقها لملاقاة الغضب الاقتصادي الساطع القائم والمقبل.

في هذا الصدد كان من الطبيعي جداً إعلان وزير المالية الروسي، أنطون سيلوانوف، قبل نحو عام، نية الصندوق السيادي الوطني الروسي تصفية كل أصوله من الدولار، على خلفية تهديد بمواجهة عقوبات أميركية جديدة.

حدث ذلك العام الماضي خلال المنتدى الاقتصادي في سان بطرسبرغ، وفي وقت كان الدولار فيه يشكل نحو 35 في المئة من أصول هذا الصندوق السيادي الذي توضع فيه خصوصاً عائدات بيع النفط في الخارج، ويومها قال وزير المالية الروسي، إنه سيتم تبديل أصول الدولار باليورو والذهب، وكذا باليوان الصيني.

كان التخطيط الروسي ولا يزال أن يمتلك الصندوق السيادي أصولاً بنسب متفاوتة لا مكان للدولار فيها، 40 في المئة منها باليورو، 30 في المئة منها باليوان، 20 في المئة منها بالذهب، 5 في المئة منها بالجنيه الاسترليني، 5 في المئة بالين الياباني.

تعلم الروس من التجارب السابقة كيف يبنون اقتصاداً قوياً بدرجة أو بأخرى، بحيث يكون في أمان من تقلبات العم سام، وعقوباته الاقتصادية التي باتت تهدد القاصي والداني دفعة واحدة، ولهذا جرى الاهتمام بفكرة تعزيز الإنتاج المحلي للاستغناء عن الواردات الأجنبية التي تستهلك العملات الأجنبية.

في هذا الإطار تبدو روسيا أقوى عوداً هذه المرة من المرات السابقة، بخاصة في ظل عبء دين خارجي منخفض بصورة ملحوظة، مع رصيد من العملات الأجنبية يصل إلى حد 640 مليار دولار، وغطاء مالي يعادل حوالى 12 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، في صورة صندوق الثروة الوطني، الذي عرف كيف يستفيد أكبر استفادة من انتعاش عائدات تصدير النفط والغاز الطبيعي بعد طفرة أسعار النفط   الأخيرة.

هل لهذا استبعدت وكالات عالمية اقتصادية ومنها على سبيل المثال "ستاندرد آند بورز"، أن يكون هناك تأثير فعال للعقوبات الأميركية على السندات السيادية الروسية؟

في كل الأحوال، لا تبدو تأثيرات العقوبات الأميركية هذه المرة حال حدوثها كارثية على روسيا، التي استطاعت أن تنوع من صادراتها لا سيما العسكرية منها، تلك التي باتت تنافس الأسلحة الأميركية، وبعضها يتجاوزها، لا سيما الصواريخ الحديثة.

عطفاً على ذلك باتت روسيا مورداً معتمداً ومضموناً للحبوب العالمية، وفي مقدمها القمح، لكثير من بلدان العالم، وبجانب هذا وذاك تبدو مقدرة روسيا على بناء منظومة من الصناعات حول دول العالم آخذة في المد، وبشكل متميز المفاعلات النووية، تلك التي تسعى إليها دول كثيرة شرق وغرب، وجميعها يرغب في التكنولوجيا الروسية، التي على هامشها تحقق السياسات الروسية غرضاً مهماً بجانب العوائد المالية الضخمة، ذلك أنها تملأ مربعات نفوذ سياسي تختصم حكماً من نظيرتها الأميركية.

وفي الاستعدادات الروسية للعقوبات الاقتصادية الأميركية ورقة أخرى لها وزنها، نعني بها سلاح الغاز، ذلك القادر على إحداث صدمة كبرى في الأسواق العالمية للطاقة، وللتأثير على مقدرات الاقتصاد العالمي في زمن التضخم والمخاوف المتفشية من حدوث أزمات مالية عالمية جديدة.

يعرف الروس جيداً كيف يمنحون، ومتى يمنعون، الغاز عن أوروبا، ومن الواضح بشكل جلي أن كافة المحاولات الأميركية التي جرت لإيجاد بديل للغاز الروسي قد أخفقت، ولدى واشنطن إدراك سياسي أنه في ظل عقوبات أميركية أو أوروبية، سوف تتوجه أنابيب الغاز الروسي إلى الصين، ومن قبل أعلنت قطر عن عجزها عن توفير غاز يكفي أوروبا، سيما وأنها غير مستعدة لوقف ضخ الغاز لعملائها  الدائمين في شرق آسيا.

وتبقى إشكالية الغاز الروسي لأوروبا في حاجة إلى استفاضة كبيرة وقراءة قائمة بذاتها... ما الذي يتبقى؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل العقوبات الاقتصادية صالحة بالمطلق؟

هل بدأت العقول المفكرة ذات الارتباط الوثيق بمراكز الدراسات حول العالم في تغيير وجهة نظرها لجهة فكرة الشراكة والارتباط عوضاً عن العقوبات؟

يقول ريتشارد هاس، وهو من هو في مجال رسم السياسات الخارجية لأميركا من أيام ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر، في كتابه الشهير "العسل والنحل" الذي تشاركه فيه ميغان أوسوليفان، أستاذة الشؤون الدولية في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، إن العقوبات تسفر بصورة شبه دائمة عن صعوبات اقتصادية، لكن تأثيرها لا يكفي غالباً، أو يعجز عن فرض التغيير السياسي المطلوب في البلد المستهدف.

وإضافة لذلك قد تكون العقوبات مكلفة بالنسبة إلى الأبرياء "الذين ليس لهم في العير ولا في النفير"، بخاصة أكثر الناس فقراً في البلد المستهدف ودوائر الأعمال والمصالح التجارية. 

وإضافة إلى ذلك فإن العقوبات تثير عادة نتائج غير مقصودة، مثل تقوية النظم المعادية، وفي ضوء هذه النتائج هناك تسليم متزايد بأن الاعتماد فقط على الأدوات الجزائية مثل العقوبات نادراً ما يمثل استراتيجية فعالة للسياسة الخارجية، وقد كان تزايد الوعي بهذا وراء الدعوى لاستكشاف استراتيجيات للسياسة الخارجية، تتسم بأن الفوارق الدقيقة بينها أكثر، وأنها وإن تضمنت عنصراً محتملاً للعقوبات فإنها لا تعتمد عليه كلية في تحقيق أهداف الولايات المتحدة.

وفي الخلاصة، تبدو واشنطن أمام تحد حقيقي، لا سيما إذا تجاوز تأثير العقوبات روسيا، إلى غيرها من الدول الحليفة والصديقة، ومع الأخذ بعين الاعتبار كيف أن الاقتصاد العالمي برمته قد يضحى في مهب مخاطر عالية، الأمر الذي يستدعي إعادة مقاربة ثانية لفكرة العقوبات، تلك التي تستجلب غضباً عالمياً تجاه السياسات الأميركية،  ما ينفر شعوب العالم من العم سام، وهو ما تنبه له كثير من الإنتجلنسيا الأميركية، بخاصة الذين توقفوا طويلاً بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 أمام استحقاقات التساؤل المحير المستمر حتى الساعة: "لماذا يكرهوننا؟"... فهل وجدت القيادات الأميركية الجواب أم ليس بعد؟

المزيد من تقارير