تحبس أوروبا أنفاسها ترقباً لاندلاع حرب وشيكة بين الروس من جانب وجارتها أوكرانيا على الجانب الآخر، إذ تفرض حسابات نقص الغاز الروسي الذي يُدفئ القارة الباردة، التي تمدها موسكو بنحو 40 في المئة من حاجتها من الغاز الطبيعي في أيام الشتاء قاسية البرودة، نفسها.
حسابات الحرب الروسية - الأوكرانية لم تُربك أبناء القارة العجوز، إذ لن يدفعوا فاتورة الحرب بمفردهم بل في الجنوب منهم، ويترقب عدد من الدول بالشرق الأوسط في مقدمهم مصر ما ستسفر عنه تلك الحرب المرتقبة، إذ يصبح خبز المصريين تحت رحمة القمح الروسي والأوكراني.
القاهرة، هي أكبر مستورد للقمح من بين دول العالم بنحو 13.6 مليون طن سنوياً، لتسد فجوة استهلاكية بين الاستهلاك الذي يقترب من 20 مليون طن سنوياً وبين الإنتاج المحلي الذي لا يتخطى ثمانية ملايين طن بقليل.
وحجم استهلاك المصريين من القمح مرشح للزيادة العام الحالي ليصل إلى 23 مليون طن سنوياً مع ارتفاع عدد السكان ليصل إلى 102.2 مليون نسمة وفقاً لتقرير لوزارة الزراعة الأميركية.
المعركة الروسية - الأوكرانية تحت منظار "الناتو"
تشهد العلاقات بين روسيا وحلف "الناتو" بقيادة الولايات المتحدة، توترات في الآونة الأخيرة، بسبب زيادة وجود الحلف العسكري بالقرب من الحدود الروسية، بذريعة حماية أوكرانيا من تهديد روسي محتمل، وهي الإجراءات التي تعتبرها موسكو خرقاً للوثيقة الأساسية للعلاقات مع الحلف العسكري الغربي، بينما تؤكد عدم صحة المخاوف الغربية من إعدادها لغزو أوكرانيا، مؤكدة أنها لا تهدد أحداً، ولا تخطط لمهاجمة أحد ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع مع تضاعف مشاكل العرض، ويمكن أن تؤدي العقوبات المتوقعة إلى نقص في الغذاء والطاقة، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار كليهما، وفقاً لوكالة "بلومبيرغ".
وأكدت "بلومبيرغ" أن التأثير الأكبر على هذه الأزمة قد يطاول أسعار الغذاء، إذ إن أوكرانيا وروسيا معاً هما الأثقل وزناً في سوق القمح العالمية والذرة وزيت عباد الشمس، وهو ما يترك المشترين في كل من آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط عرضة لتكاليف أكثر غلاء للخبز واللحوم في حال تضررت الإمدادات. ولفتت إلى أن هذا من شأنه أن يضيف إلى تكاليف السلع الغذائية التي ترتفع بالفعل عند أعلى مستوى منذ عقد بفعل الجائحة، ما دفع أسعار القمح إلى أعلى مستوى لها في شهرين، بسبب العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن أوكرانيا، مشيرة إلى أن الدولتين تمثلان نحو ثلث شحنات القمح والشعير العالمية.
من جانبه، قال نائب وزير المالية، أحمد كجوك، إن كل زيادة في سعر طن القمح عالمياً تنعكس على قيمة المخصصات اللازمة لشراء القمح، مؤكداً لـ"اندبندنت عربية" أن كل زيادة بقيمة دولار واحد في الطن تصل تكلفتها بالموازنة العامة للدولة خلال العام المالي الحالي 2021-2022 إلى ملياري جنيه (نحو 128 مليون دولار أميركي).
892 مليون دولار أعباء إضافية بسبب القمح
وأضاف أن الخزانة العامة للدولة تحملت أعباء إضافية خلال النصف الأول من العام الحالي وصلت إلى 14 مليار جنيه (892 مليون دولار) بسبب الارتفاعات العالمية في أسعار القمح، ووفقاً للبيان المالي للموازنة العامة للدولة عن العام المالي الحالي 2021-2022، حددت الحكومة المصرية متوسط سعر لشراء القمح عالمياً عند 255 دولاراً للطن الواحد.
6.8 في المئة زيادة في يناير الماضي
وشهدت أسعار القمح العالمية قفزة كبيرة خلال العام الماضي، بعدما سجل مؤشر منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة "فاو" ارتفاعاً حاداً في يناير (كانون الثاني) الماضي، للشهر الثامن على التوالي وبأعلى معدل شهري منذ يوليو (تموز) 2014، إذ سجلت الأسعار زيادات كبرى خلال الشهر الماضي بنحو 6.8 في المئة، وأرجعت المنظمة الأميركية ذلك إلى ارتفاع الطلب العالمي والتوقعات بانخفاض المبيعات من جانب الاتحاد الروسي اعتباراً من مارس (آذار) المقبل، عندما ستبلغ الرسوم الجمركية بالنسبة إلى صادرات القمح الضعف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتداول القمح الأميركي في الوقت الحالي عند 387 و346 دولاراً للطن لنوعيه "Hard" و"Soft"، وفقاً لآخر بيانات المجلس العالمي للحبوب.
19 دولاراً ارتفاعاً في طن الدقيق
من جانبه، قال رئيس شعبة المطاحن، باتحاد الغرف التجارية المصرية حسين بودي، إن أسعار الدقيق ارتفعت خلال الفترة الماضية بمتوسط 300 جنيه (19 دولاراً) للطن بالأسواق، وأضاف وفقاً لتصريحات صحافية أن متوسط سعر طن القمح يتداول حاليا بسعر سبعة آلاف جنيه (445 دولاراً) مقابل 6700 جنيه (426 دولاراً) قبل الزيادة، مرجعاً ذلك إلى ارتفاع أسعار القمح عالمياً، وقال رئيس شعبة الحاصلات الزراعية بغرفة القاهرة التجارية أحمد الباشا إن الحكومة المصرية تستورد 97 في المئة من حاجتها من القمح من موسكو وكييف.
البحث عن أسواق بديلة
وأضاف أن أسعار القمح كانت قبل الأزمة الحالية على المستوى العالمي في زيادة منذ عام 2020 بفعل الجائحة، مشيراً إلى أن أسعار القمح ارتفعت بنحو 45 في المئة على أقل تقدير في عام 2021، وتوقع أن تواصل أسعار القمح الارتفاع بسبب المناوشات العسكرية بين أكبر دولتين تمدان القاهرة بالقمح، مطالباً الحكومة المصرية بالبحث عن أسواق بديلة لاستيراد القمح وتدعيم خطط تحقيق الاكتفاء الذاتي.
دعم المزارعين المصريين
من جانبه، طالب نقيب الفلاحين المصريين، حسين أبو صدام، وزارة الزراعة بدعم المزارعين وتحفيزهم من أجل التوسع في زراعة القمح محلياً لتقليل حجم الفجوة الاستهلاكية بين الإنتاج والاستهلاك، وأكد أن بداية تصحيح المسار الخاطئ هو الإعلان عن سعر عادل لإردب القمح (150 كيلوغراماً) يرضي المزارعين، ما يحفزهم لزيادة المساحات المنزرعة بمحصول القمح، وأشار إلى أن المصريين يستهلكون نحو 20 مليون طن قمح سنوياً بينما ينتجون أقل من ثمانية ملايين طن قمح.
وأكد أن الحكومة تشتري فدان القمح من المزارعين بأقل من 14 ألف جنيه (891 دولاراً)، إذ يصل سعر إردب القمح نحو 820 جنيهاً (52 دولاراً) للإردب، في المقابل، تتخطى تكلفة إنتاج فدان القمح 13.5 ألف جنيه (859 دولاراً)، ما يجعل هامش الربح الذي يحصل عليه المزارع ضئيلاً للغاية ومثبطاً للهمة.
الصورة ليست قاتمة
الصورة لا تبدو قاتمة بالكامل للقاهرة، إذ يمكن أن تستفيد القاهرة من ارتفاع أسعار الغاز، بعد أن توسعت في تصدير الغاز الطبيعي المسال خلال الفترة الماضية، بعد إعادة تشغيل مصنع دمياط للإسالة، وقال تقرير حديث لمنظمة الدول العربية المصدرة للبترول "أوابك" إن الربع الرابع من العام الماضي نمت فيه صادرات مصر.
385 في المئة زيادة في صادرات الغاز المصري
وقفزت صادرات الغاز الطبيعي المسال من مصر، العام الماضي، إلى نحو 6.5 مليون طن، مقابل 1.5 مليون طن عام 2020، بنسبة نمو سنوية بلغت نحو 385 في المئة، وهي نسبة النمو الأعلى عالمياً مقارنة بباقي الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال خلال عام 2021، كما أنه أعلى رقم للصادرات تحققه مصر منذ عام 2011، وفقاً للتقرير.