Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تتجه البنوك التونسية نحو إقراض الدولة؟

ارتفاع معدل الفائدة وتشدد المصارف يبعدان المواطنين عن الاقتراض المالي

تم إسناد قروض بنكية بقيمة 97.5 مليون دولار خلال الأشهر الستة الأولى من 2020 (أ ف ب)

أسندت مختلف البنوك التونسية خلال النصف الأول من عام 2021 قروضاً بقيمة 214 مليون دولار، توزعت على القروض الموجهة لاقتناء مسكن وإعادة تهيئة السكن وقروض لشراء السيارات وقروض الاستهلاك.

ويرى العديد من المتخصصين أن هذا الرقم ضعيف جداً، ويعكس التشدد في إسناد القروض بخاصة القروض الموجهة للاستهلاك بسبب الصعوبات المالية، التي تمر بها البنوك التونسية في ظرف اقتصادي يهيمن عليه الركود عمقته الأزمة السياسية المتواصلة.

وأظهرت البيانات الإحصائية التي استقتها "اندبندنت عربية" من البنك المركزي التونسي، أنه خلال الأشهر الستة الأولى من 2020 تم إسناد قروض بنكية بقيمة في حدود 97.5 مليون دولار، مقابل 56 مليون دولار في الفترة ذاتها من عام 2019.

القروض ونسب الفائدة

وفسر عدد من المتخصصين هذا التطور بين 2020 و2021 بتراجع قيمة الدينار التونسي من جهة، والتزامن مع ذروة انتشار جائحة كورونا في البلاد بإقرار حجة صحية شاملة في مطلع 2020 توقفت بموجبها كل الأنشطة، وتراجع الإقبال على طلب الحصول على القروض البنكية في تلك الفترة.

وأظهرت المعطيات المستقاة من البنك المركزي التونسي، أن قروض السكن تطورت بـ 48 مليون دولار حتى بداية يونيو (حزيران) من هذه السنة.

أما القروض المخصصة لإعادة تهيئة السكن فقد بلغت 48 مليون دولار، وفي ما يتعلق بقروض السيارات فقد زادت خلال السداسي الأول من هذه السنة بقيمة حوالى 4.2 مليون دولار، لتمر من 122.7 مليون دولار في يناير (كانون الثاني) إلى زهاء 127 مليون دولار بداية يونيو من هذا العام، لتمر من 343.6 إلى 355.5 مليون دينار.

وفيما يهم قروض الاستهلاك، فقد وصل قائم (مجموع) القروض بهذا الصنف من القروض مع بداية يونيو من هذه السنة 1420 مليون دولار مقابل 1311 مليار دولار بنمو قدر بـ 108 مليون دولار.

وتجدر الملاحظة إلى أنه منذ سبتمبر (أيلول) 2018 وحتى بداية يونيو 2021، لم يتجاوز قائم القروض البنكية الموجهة للاستهلاك قيمة 1 مليار دولار، محافظة بالتالي على المنحى نفسه ما يؤكد على التشدد في منح هذا الصنف من القروض.

ويعود هذا الاستقرار لأسباب عدة، أهمها مستوى نسبة الفائدة المديرية من طرف البنك المركزي، وعدم قدرة عديد الأفراد على مزيد التداين لبلوغهم السقف المسموح به حسب التراتيب، إضافة إلى السياسات المعتمدة من قبل المصارف التونسية تجاه القروض الاستهلاكية.

وللتذكير فقد قرر البنك المركزي التونسي يوم 3 أغسطس (آب) 2021 خلال اجتماع مجلس إدارته، الإبقاء على نسبة الفائدة الرئيسة من دون تغيير عند 6.25 في المئة، لتبقى من دون تغيير للشهر الثامن على التوالي.

كما بلغت نسبة الفائدة في السوق النقدية في يناير من هذه السنة 6.15 في المئة، لتصل إلى بداية شهر أغسطس الماضي 6.26 في المئة.

تشدد في إسناد القروض

واعتبر لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك (مستقلة)، أن البنوك التجارية التونسية حكومية أو خاصة أضحت تتشدد في إسناد القروض البنكية، خصوصاً القروض الموجهة للاستهلاك، معتبراً ذلك بالأمر غير المنطقي في ظل تفشي جائحة فيروس كورونا وما نتج منه من تداعيات مالية كبيرة على حياة التونسيين.

وانتقد بشدة ارتفاع العمولات البنكية الموظفة على العملاء، كاشفاً أن هذه العمولات ارتفعت سنوياً بنسبة سبعة في المئة خلال السنوات العشر الأخيرة، مقابل فرض شروط مجحفة لمنح القروض للتونسيين.

كما عبر عن عدم رضاه من نسب الفائدة الموظفة خصوصاً على القروض الموجهة للاستهلاك، مستدلاً بذلك أن تونسياً تحصل على قرض بقيمة 3.5 آلاف دولار يرجعه بعد أربع سنوات 5 آلاف دولار.

البنوك أصبحت تحبذ إقراض الدولة

ويرى أنيس الوهابي الخبير المحاسب وأمين عام اتحاد المهن الحرة في تونس، أن مهمة البنوك الأساسية تتمثل في تمويل الاقتصاد والاستثمار، ولكن لسنوات عدة لم تعد تؤد هذا الدور بسبب تراجع مستوى السيولة المالية لديها.

وبرر هذه المسألة بالتراجع اللافت لمستوى الادخار الوطني من 23 في المئة قبل 2010 إلى نحو ستة في المئة حالياً، مفسراً أن جل التونسيين وجراء الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي يمرون بها، لم تعد لهم الإمكانات للقيام بالادخار إلى جانب أن الشركات الحكومية الكبرى على غرار شركات الفوسفات والصناديق الاجتماعية والخطوط الجوية التونسية، كانت تقوم بتوظيف أرباحها في البنوك التي تقوم بدورها بتوظيفها والاشتغال بها.

غير أنه وفق المتحدث، أضحت الشركات الحكومية تعاني أزمة مالية خانقة أثرت جلياً على البنوك التي كانت تعول على ودائع العملاء للقيام بالعمليات المالية، ما أثر بشكل لافت في نسق إسناد القروض البنكية في تونس.

وأثار أنيس الوهابي الظاهرة الجديدة في تونس التي بدأت تبرز منذ خمس سنوات على الأقل، المتمثلة في توجه الحكومات المتعاقبة على الاقتراض من البنوك بنسب فائدة مرتفعة نسبياً وبضمانات مهمة، مما جعل البنوك في أريحية بإقراض الدولة وبذلك تضمن أموالها بأقل الأخطار.

ولفت من جانب آخر إلى أن نقص السيولة المالية لدى البنوك التونسية أسهم في تسجيل صعوبة في تمويل الاستثمار والاستهلاك، موضحاً أن نسبة الاستثمار في البلاد تراجعت بشكل ملموس، علاوة على تراجع نسق إسناد القروض، ما أثر من وجهة نظره في قطاعات استراتيجية عدة.

واستدل على ذلك بتدهور قطاع المقاولات من خلال تراجع مستوى بيع الشقق والمنازل، معتبراً أن ذلك يعود إلى أن التونسيين لم يعد بإمكانهم النفاذ إلى القروض البنكية، إضافة إلى نسب الفائدة المرتفعة والتي تصل إلى مستوى 13 في المئة عند الحصول على قرض لاقتناء منزل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رفض برلماني

وتصدى عدد من نواب البرلمان المجمد في وقت سابق من هذا العام لتواصل سياسية الاقتراض من البنوك المحلية بنسب مرتفعة، معارضين العديد من اتفاقات التمويل بين الجمهورية التونسية ومجموعة من البنوك المحلية لتمويل موازنة الدولة.

ويطالب النواب البنوك المحلية بمراعاة الوضعية الاقتصادية الحالية للدولة، وتمكينها من شروط ميسرة وليس لغاية ربحية بالأساس، مؤكدين على ضرورة أن تضطلع هذه البنوك بدور مهم كقاطرة للتنمية، وذلك من خلال تمويل المؤسسات الاقتصادية عبر الترفيع من نسق إسناد القروض وما ينجر عن ذلك من تحسين نسبة النمو.

لا مفر من الاقتراض من البنوك

وأمام تصاعد وتيرة الرفض، برر علي الكعلي وزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار، المعفى من مهماته، أن الحكومات المتعاقبة منذ سنة 2017 تتعامل عبر الاقتراض من البنوك المحلية لتعبئة الموارد المالية، إذ اقترضت الدولة من المؤسسات المالية المحلية خمس مرات، وقد سبق للحكومة أن لجأت للاقتراض من البنوك التونسية لتمويل الموازنة.

وأضاف الكعلي أنه سيتم سداد قروض بنكية بقيمة 5.5 مليار دولار حصلت عليها حكومات سابقة، مبيناً أن حكومة هشام المشيشي (المقال يوم 25 يوليو 2021)، قد حصلت في مايو (أيار) 2020 على قرض بـ 296 مليون دولار بنسبة فائدة اثنين في المئة، و150 مليون دولار بـ 2.75 في المئة على مدة سداد قدرها خمس سنوات".

وتتطلع تونس في ظل الأزمة الاِقتصادية والاجتماعية الخانقة التي تتصاعد وتيرتها من سنة إلى أخرى، إلى تعبئة موارد اقتراض داخلي بقيمة 1992 مليار دولار تقريباً من جملة 7 مليارات دولار كموارد اقتراض مقدرة لتمويل موازنة الدولة لسنة 2021.

نسب فائدة مرتفعة ومعيقة

من جانب آخر، اعتبر طارق بن جازية الكاتب العام للمرصد التونسي للخدمات المالية (مستقل)، أن القروض البنكية الموجهة للأسر التونسية تراجعت خلال السنوات الأخيرة، وذلك تحت تأثير عوامل عدة لعل أبرزها بلوغ عديد الأسر التونسية مستويات تداين مرتفعة، ما يجعلهم غير قادرين على الحصول على قروض إضافية وارتفاع كلفة القروض، نظراً للترفيع الكبير في نسبة الفائدة المديرية، مما جعل نسبة الفائدة الحقيقية المطبقة من طرف البنوك تبلغ مستويات مهمة.

وأضاف في تحليله أنه صدر أخيراً قرار عن الوزير المكلف بالمالية حول نسب الفائدة المشطة، والذي بين أن نسب الفائدة الفعلية المطبقة على قروض الاستهلاك بلغت حوالى 11 في المئة، والقروض السكنية بلغت حوالى 10 في المئة، والقروض قصيرة الأجل مستوى 9.44 في المئة.

وأرجع تراجع إسناد القروض إلى ما وصفه "بتضييقات من البنوك على القروض الاستهلاكية، باعتبار ضعف مردوديتها ولهشاشة عمل أغلب عملاء البنوك وعدم صلابة وضعيتهم الائتمانية".

مراجعة شروط وإجراءات إسناد القروض

ولفت من جانب آخر إلى منافسة الدولة للأسر التونسية والمؤسسات في مجال القروض، باعتبار لجوئها بصفة مكثفة لسندات الخزينة لتمويل موازنة الدولة، وهو ما يوفر عائدات مهمة لفائدة البنوك مع ضمانات صلبة.

وكشف المتحدث أن نسبة تداين الأسر التونسية بلغت حوالى 33 في المئة سنة 2019، ويوجد نحو 900 ألف أسرة تونسية في وضعية تداين.

من جهة أخرى، أدت صعوبة الولوج للقروض إلى ظهور مظاهر غريبة ومضرة بالاقتصاد الوطني، من ذلك كثرة قضايا الشيكات من دون رصيد، وظهور التداين الموازي من خارج المؤسسات المالية وتنامي القروض الربوية المشطة من بعض الأفراد، علاوة على تراجع نسبة الادخار الأسري، والذي بلغ ستة في المئة سنة 2020 بعد أن كان في مستوى 22 في المئة سنة 2010.

ويدعو إلى ضرورة أن تلعب البنوك دوراً وطنياً مهماً في هذا الظرف الاقتصادي الصعب، وذلك من خلال تنويع العروض في مجال القروض بحيث تكون متناسبة مع الوضعية المالية والقانونية للأسر التونسية، مثل القروض الصغيرة والقروض التي لا تتجاوز مدة سدادها ستة أشهر.

ويدعو أيضاً إلى تطوير فرص الادخار والترفيع في نسبة العائد من خمسة في المئة حالياً إلى سبعة في المئة، مما يمكن البنوك التونسية من توفير السيولة الكافية لتوجيهها للإقراض، وبخاصة مراجعة شروط وإجراءات إسناد القروض باعتبارها من العوائق التي تحول من دون ولوج الأسر التونسية للقروض نظراً لطولها وتعقدها.

ويشار إلى أن البنوك تمنح القروض لكل شخص وضعيته المهنية منظمة (مترسم)، وأن كل شخص يعمل بعقد أو عمل عرضي أو حرفي من شبه المستحيل أن يحصل على قرض بنكي في تونس.