Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

احتياطي العملات يسجل انخفاضا وينبئ بتفاقم التضخم في تونس

استفحال الأزمة المالية في المخزون مستمر على الرغم من تطور عائدات السياحة والشغل

البنك المركزي التونسي (رويترز)

يستمر تراجع حجم المدخرات من العملة الصعبة في تونس، وفق البنك المركزي التونسي، إذ تواصل النقص الحاصل في مخزون العملات وبدا مستفحلاً، بعد أن كشفت تونس الشهر الماضي عن تراجع حاد مقارنة بشهر أغسطس (آب) 2020. وأعلن البنك المركزي عن الاستمرار في النقص خلال شهر سبتمبر (أيلول) 2021. وقد عجزت البلاد عن تلافي النقص المسجل على الرغم مما توفر من موارد من العملة الصعبة بفضل عائدات الموسم السياحي.

وفسر مختصون التراجع في مدخرات العملة بارتفاع أسعار المقتنيات الأساسية لتونس من الأسواق الخارجية، إضافة إلى الاستحقاقات التي واجهتها البلاد في علاقة بتسديد ديون خارجية.

مداخيل الشغل والسياحة

وأعلن البنك المركزي التونسي عن تراجع مخزون العملات لغاية 7 سبتمبر 2021، ليبلغ 20.1 مليار دينار (7.17 مليار دولار)، وهو ما يعادل 126 يوم توريد، في حين بلغ حجم العملة الأجنبية 21.2 مليار دينار (7.57 مليار دولار)، ما يساوي 141 يوم توريد في سبتمبر 2020. ولم ينجح الارتفاع الهام في مداخيل الشغل والعائدات السياحية خلال الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2021 في تحسين المدخرات.

كما تلحظ المعطيات النقدية والمالية الجديدة لمؤسسة الإصدار ارتفاعاً ملحوظاً لمداخيل الشغل المتراكمة، بنسبة 37.5 في المئة. وقد زادت قيمتها من 3.8 مليار دينار (1.35 مليار دولار) في أغسطس 2020 إلى 5.3 مليار دينار (1.89 مليار دولار) في أغسطس 2021.

كما حقق القطاع السياحي ارتفاعاً هاماً في مداخيل العملة الصعبة، بنسبة 5 في المئة خلال الأشهر الثمانية الأولى من السنة، لتقدر قيمتها بـ1.6 مليار دينار (571 مليون دولار)، وذلك بعد أن شهد النشاط السياحي تقهقراً، وتراجعت عائداته خلال عام 2020، بنسبة 64 في المئة، مقارنة بعام 2019.

وعجزت المداخيل الناجمة عن تحويلات المغتربين التونسيين في سد الهوة بالخزينة، على الرغم من ارتفاعها الملحوظ هذه السنة. فقد ساهموا في دعم الموجودات من العملة بإثراء الخزينة بـ5 مليارات دينار (1.78 مليار دولار) لغاية 20 أغسطس 2021. مقابل 3.6 مليار دينار (1.28 مليار دولار) في الفترة نفسها من عام 2020.

خدمات الدين

ومثّلت خدمات الدين في تونس المؤشر الذي أحدث الفارق وأشار إلى خلفيات الأزمة، إذ ارتفعت خدمات الدين الخارجي المتراكمة بنسبة 22.3 في المئة، وبلغت قيمتها 7.8 مليار دينار (2.78 مليار دولار)، وهو ما اعتبره الاقتصادي نادر حداد الدافع الرئيس لتراجع محزون العملات في تونس. فقد أثر الاقتراض الداخلي سلباً في احتياطي العملة الصعبة، وسجل التراجع في المدخرات 20 يوم توريد في شهر أغسطس 2021 مقارنة بالشهر نفسه من 2020. وزاد 3 أيام توريد إيجاباً، فقط في شهر سبتمبر 2021 مقارنة بأغسطس، ما ينبئ باستقرار في النقص وأزمة مرتقبة في هذا المجال.

ووجب التذكير بلجوء الدولة إلى الاقتراض من السوق المحلية لتسديد دين قيمته 503.54 مليون دولار في 25 يوليو (تموز) 2021، ثم اقتراض المبلغ نفسه من البنوك التونسية أوائل شهر أغسطس لتسديد دين سيادي ثانٍ. وقد عمدت الخزينة إلى إصدار سندات بالدينار للبنوك التونسية. وتسلم البنك المركزي التونسي هذه السندات بالدينار، ومنحها للخزينة بعد تحويلها إلى الدولار. واستنزف هذا النسق التراكمي الاحتياطي من العملة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تأثير السوق

كما واجهت الدولة التونسية معضلة جديدة تمثلت في ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بالسوق العالمية، وخصوصاً المحروقات، ما أرهق ميزان المدفوعات وزاد نسق التوريد في الأشهر الأخيرة عند استئناف النشاط بعد الركود بسبب أزمة "كوفيد-19". وزادت قيمة الواردات التي شهدت ارتفاعاً في أسعارها بالسوق العالمية، وهي بالأساس المواد الأولية والبترول ثم القمح.

وينبئ الوضع المالي الحالي بعدم قدرة البنك المركزي التونسي على الدفاع عن الدينار في الفترة المقبلة، بسبب النضوب الحاصل في العملات لديه، والهاجس الحقيقي هو مدى قدرة الخزينة العامة على توفير النفقات في المستقبل، بحكم تواضع المخزون ووصوله إلى هذا المستوى المتدني. كما لا يحتكم البنك المركزي التونسي حالياً إلى الاحتياطي اللازم من العملات للتدخل وإنقاذ الدينار من الانهيار مثلما دأب عليه في السابق. ويشار إلى أن سعر الدينار التونسي مقابل الدولار يبلغ 0.36، في حين يبلغ الدينار مقابل اليورو 0.30.

وينتظر أن يواجه البنك المركزي عجزاً عن توفير العملة للموردين للمواد الأولية من المصنعين والمنتجين، كما يتسبب تراجع المحزون حتماً في ارتفاع نسبة التضخم التي تبلغ 6.4 في المئة في الوقت الراهن، ما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار لدى الاستهلاك.

اقتصاد منهك

وفسّرت الباحثة في العلوم الاقتصادية عبير عون، الوضعية المالية في تونس بالأزمة الاقتصادية السابقة منذ عقد من الزمن، وقد تلتها الجائحة الصحية التي عمقتها. وشهدت البلاد أعلى مستوى للإصابات في المنطقة، واضطرت إلى تتبع إجراءات الحجر الشامل، ثم الموجه، كما خضعت إلى إغلاق الحدود من قبل عديد من البلدان، وخصوصاً ليبيا التي أعلنت في شهر يوليو 2021 غلق حدودها البرية مع تونس، توقياً من السلالات المنتشرة، ما كبّد التجارة الخارجية خسائر جمّة على مستوى الصادرات، بالتالي مداخيل العملة.

ويمر الاقتصاد بأصعب فترة بنسبة انكماش غير مسبوقة، جعلت منه منهكاً وغير منتج. فقد بلغت نسبة النمو 3 في المئة سلبياً، في الثلاثة أشهر الأولى من السنة الحالية و2 في المئة سلبياً في الثلاثة أشهر الثانية لسنة 2021. وتفاقم العجز التجاري ليصل إلى 11.2 في المئة من الناتج المحلي الداخلي. وتراجعت قيمة الاستثمارات بنسبة 53 في المئة في يوليو 2021 مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية.

ميزان المدفوعات

وينعكس تراجع احتياطي العملات على القطاعات الاقتصادية دون استثناء، ويتسبب في خلل بالتوازنات، وهو اضطراب في ميزان المدفوعات، الأمر الذي سيجبر السلطات على تعديل أسعار الواردات بالعملة الأجنبية، ولا مفر من الرفع في الأسعار للمواد الاستهلاكية الموردة، على غرار المحروقات، ما يعني تفاقم التضخم الذي يشهد مستويات قياسية بدوره.

ويتوقع أن يلجأ البنك المركزي التونسي إلى إصدار سندات جديدة لتقليص العجز بعد أن تم تداول معطيات حول ومواجهة الخزينة لمصاعب في تأمين أجور الموظفين.

في المقابل، استبعدت عبير عون تخلف تونس عن سداد ديونها الخارجية في المستقبل، واعتبرت أن التخلف عن السداد في حال حصوله هو مؤشر سيئ لدى المقرضين، خصوصاً بعد الترقيم الأخير لتونس من قبل وكالة "فيتش رايتينغ" في شهر يوليو 2021، وهو "ب – سلبي".