ملخص
مع اقتراب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من تسمية رئيس جديد، قد تصبح الخلافات المتكررة أمراً روتينياً، ولم يخفِ الأخير رغبته في أسعار فائدة أقل بكثير، مما قد يجعل كثيراً من مسؤولي "الفيدرالي"، خصوصاً القلقين في شأن التضخم، أكثر تشككاً إذا دعا مرشح ترمب إلى مزيد من الخفوضات.
من المتوقع أن يخفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) أسعار الفائدة للمرة الثالثة على التوالي هذا الأسبوع، ومع ذلك فإن التحدي الذي يواجهه رئيس البنك جيروم باول في إقناع زملائه بدعم هذه الخطوة ينذر باختبارات صعبة تنتظر خليفته.
وواجهت جميع خفوضات الفائدة هذا العام معارضة من بعض الأعضاء، ومن المتوقع أن يكرر ثلاثة منهم هذا الأمر في الاجتماع الأخير لـ"المركزي" هذا العام، وفي ظل امتلاك أداة واحدة فحسب لتحقيق هدفين متعارضين، هما التضخم المرتفع للغاية في الوقت الذي يضعف فيه سوق العمل، يجد قائد "الفيدرالي"، المشهور بحشد الإجماع حتى في الأوقات الصعبة، أن هذه المهمة أصبحت شبه مستحيلة.
وقالت رئيسة "الفيدرالي" السابقة لوريتا ميستر، في كليفلاند من عام 2014 إلى عام 2024، "سأكون أكثر قلقاً لو لم تكن هناك خلافات"، مضيفة "الخلافات التي نراها تعكس في الحقيقة أن الاقتصاد قد يتطور بطرق مختلفة".
ونظراً إلى أن باول، الذي تنتهي ولايته كرئيس في مايو (أيار) 2026، يتمتع باحترام كبير داخل لجنة تحديد أسعار الفائدة، فإن هذا يشير إلى صعوبة تمكن الرئيس القادم من توحيد آرائهم الـ18.
أين يكمن المستوى الأمثل لأسعار الفائدة؟
ويتفق مسؤولو "الفيدرالي" بصورة عامة على رغبتهم في خفض أسعار الفائدة إلى مستوى لا يفرض ضغطاً كبيراً على الاقتصاد ولا يحفزه بصورة نشطة، لكنهم لا يستطيعون الاتفاق على المستوى الدقيق لذلك، وهو ما يدفع إلى زيادة الخلافات.
من جهته، قال كبير الاقتصاديين في "باركليز كابيتال" المدير السابق للأبحاث في "الفيدرالي" في دالاس مارك جيانوني "تلك هي طبيعة هذا الوضع"، مضيفاً "من الصعب جداً في هذه المرحلة مناقشة ما إذا كانت السياسة محايدة حقاً أو توسعية أو مقيدة".
هل سيصبح الخلاف هو القاعدة الجديدة؟
ولقد كشفت الأسابيع الستة التي تلت آخر اجتماع لـ"الفيدرالي" عن اختلاف الآراء حول عدد خفوضات الفائدة الإضافية المطلوبة، ومع تبادل المسؤولين التفضيلات، إذ حث بعضهم على مزيد لدعم سوق العمل المتدهورة، بينما طالب آخرون بالتوقف الموقت والتركيز على التضخم المستمر، وتأرجحت احتمالات خفض الفائدة في ديسمبر (كانون الأول) الجاري بالتوازي مع ذلك.
وكانت الكلمة الأخيرة من نصيب "الحمائم"، عندما كشف مسؤولان يعدان من أقرب مساعدي باول عن استعدادهما للخفض، مشيرين بذلك إلى نية الرئيس دفع مزيد من أعضاء اللجنة في هذا الاتجاه.
وهذا هو الدور الذي أداه باول، الذي شهد قلة من الأصوات المعارضة خلال فترة رئاسته مرات عدة، وعلى عكس بعض البنوك المركزية الأخرى، يعمل "الفيدرالي" عادة بالإجماع، إذ يستبدل المعارضون المحتملون باعتراضاتهم تعديلات على البيان الختامي للاجتماع أو على توجيهات الرئيس للأسواق في شأن المسار المستقبلي لأسعار الفائدة، ويعتقد أنصار هذا النهج أنه يعزز الثقة في السياسة النقدية ويحد من عدم اليقين والتقلبات في الأسواق.
ولكن يبدو أن عصر التعاون هذا قد اقترب من نهايته، وسيكون اجتماع هذا الشهر الرابع على التوالي الذي يشهد في الأقل صوتاً واحداً معارضاً لقرار الأغلبية، ليصل إجمال عدد الخلافات خلال هذه الفترة إلى ثمانية إذا كان هناك ثلاثة اعتراضات في الشهر الجاري، وهذا يعادل العدد المسجل خلال الاجتماعات الـ47 السابقة.
هل ستؤدي التعيينات الجديدة إلى تفاقم الانقسامات؟
مع اقتراب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من تسمية رئيس جديد، قد تصبح الخلافات المتكررة أمراً روتينياً، ولم يخفِ الأخير رغبته في أسعار فائدة أقل بكثير، مما قد يجعل كثيراً من مسؤولي "الفيدرالي"، خصوصاً القلقين في شأن التضخم، أكثر تشككاً إذا دعا مرشح ترمب إلى مزيد من الخفوضات.
من جانبه، قال المرشح الأبرز ليحل محل باول، كيفن هاسيت، إن "الفيدرالي" يمكنه خفض أسعار الفائدة بصورة كبيرة لأن ازدهار الذكاء الاصطناعي يزيد الإنتاجية في الاقتصاد الأميركي، وإنتاج مزيد بموارد أقل يمكن أن يحد من آثار النمو في التضخم، كما حدث مع انتشار الإنترنت في التسعينيات.
لكن معظم زملاء هاسيت المحتملين غير مقتنعين تماماً بحدوث ذلك حالياً، ففي التوقعات التي صدرت في سبتمبر (أيلول) 2025، قال المسؤولون إنهم يتوقعون، في المتوسط، خفضاً إضافياً واحداً فحسب في عام 2026 وخفضاً واحداً آخر في عام 2027.
سوق العمل المتدهورة... هل تبرر مزيداً من الخفوضات؟
من المرجح أن يشير المؤيدون لخفض أسعار الفائدة مرة أخرى هذا الشهر إلى البيانات الأخيرة التي أظهرت مزيداً من الضعف في سوق العمل، بما في ذلك ارتفاع معدل البطالة إلى 4.4 في المئة في سبتمبر الماضي، كذلك أشارت بيانات من شركة "أي دي بي" للأبحاث صدرت الأسبوع الماضي إلى تفاقم الوضع في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إذ خفضت الشركات 32 ألف وظيفة في أكبر تراجع للوظائف منذ ما يقارب من ثلاثة أعوام.
في غضون ذلك، يرى محللون أن خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس بات شبه مؤكد في اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في التاسع والـ10 من ديسمبر الجاري، لكن الرسائل المصاحبة له لا تزال غير واضحة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف المحللون أنه إذا مال رئيس "الفيدرالي" جيروم باول نحو التشدد في المؤتمر الصحافي لإرضاء رؤساء البنك الإقليميين المتشددين، فهل سيحدث ذلك فرقاً بعد الآن؟ ففي نهاية المطاف، قد ينضم الرئيس القادم "الفيدرالي" كيفن هاسيت، مدير المجلس الاقتصادي الوطني والمرشح الأوفر حظاً، إلى المجلس في وقت مبكر ربما في فبراير (شباط) 2026.
هل يمنع التضخم العنيد مزيداً من الخفوضات؟
لكن الذين عبروا عن ترددهم في إجراء مزيد من الخفوضات يرون أن السياسة يجب أن تستمر في العمل على كبح التضخم.
وأظهرت بيانات الأسعار الجديدة، التي تأخرت بسبب الإغلاق، أن المقياس المفضل لدى "الفيدرالي" للتضخم ارتفع بنسبة 2.8 في المئة في الـ12 شهراً حتى سبتمبر 2025، وهو مستوى لا يزال أعلى بكثير من الهدف البالغ اثنين في المئة.
يخشى بعض المراقبين أيضاً أن يؤدي الدعم الناتج عن سياسات الضرائب الجديدة وجهود إلغاء القيود التنظيمية إلى تعزيز النشاط الاقتصادي في العام الجديد، مما سيزيد من الضغط على الأسعار.
ولن تصدر البيانات الرسمية لنوفمبر الماضي عن سوق العمل إلا بعد "الفيدرالي"، في الـ16 من ديسمبر الجاري، تليها بيانات التضخم بعد يومين، مما يزيد من قلق المراقبين للوضع الاقتصادي.
كيف سيبرر باول خفض الفائدة؟
من المرجح أن تتم صياغة قرار خفض الفائدة الأسبوع المقبل بطريقة متشددة، سواء لإرضاء المسؤولين الذين يفضلون الاستقرار، أو لتعكس توقعات معظم صناع السياسة بأن هناك حاجة إلى عدد قليل من الخفوضات الإضافية.
وقال المتخصص الاقتصادي في "أل أتش مايور" لتحليلات السياسات النقدية ديريك تانغ إن "السياسة الداخلية صعبة، ولكن إذا كان بإمكان أي شخص جمع الأطراف فهو باول"، مضيفاً "لقد اكتسب باول احتراماً كبيراً من زملائه ولديه رصيد كبير من رأس المال السياسي الداخلي".