ملخص
فرنسا ثاني أكبر دولة تملك أصولاً روسية في منطقة اليورو وتتقدم على ألمانيا وقبرص بفارق كبير.
دعت سبع دول أوروبية إلى استخدام الأصول الروسية المجمدة في رسالة إلى قادة الاتحاد الأوروبي، داعية إلى استخدامها لدعم أوكرانيا، وأكد قادة بولندا والسويد وفنلندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا وإيرلندا أن استخدام هذه الأصول هو الحل الأمثل مالياً وسياسياً للصعوبات المالية التي تواجهها أوكرانيا.
وحول هذه الأموال فأنه إضافة إلى 194 مليار يورو (226.98 مليار دولار) من الأصول الروسية المُجمدة لدى "يوروكلي"، المؤسسة المالية العالمية في بروكسل، أفادت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية بأن نحو 18 مليار يورو (21.06 مليار دولار) موجودة أيضاً في حوزة بنوك فرنسية.
ولا يُعرف الموقع الدقيق لهذه المليارات، إذ إنها محمية بقوانين السرية المصرفية، ويُعتقد أنها في حوزة بنوك تجارية. ورفضت باريس لمدة عامين الكشف لشركائها الأوروبيين عن أسماء هذه المؤسسات، وأكبرها بنك "بي أن بي باريبا".
وتدعم الحكومة الفرنسية خطة استخدام مليارات "يوروكلير" كقرض تحفيزي لأوكرانيا، لكنها تعارض مصادرة أصول البنوك التجارية، إذ ترى أن شروط العقد تختلف عن تلك المتفق عليها مع "يوروكلير"، وترفض باريس الكشف عن تلك الأصول، مما أثار استياء شركائها الأوروبيين.
وهي توفر مبلغاً ي مكن نظرياً استخدامه لتمويل "قرض إصلاح" لأوكرانيا. وتُبقي فرنسا هذه المعطيات سرية في حين تحتفظ البنوك الفرنسية بثاني أكبر مبلغ من الأصول الروسية المجمدة بعد صندوق "يوروكلير" البلجيكي، ويُمكن نظرياً استخدام هذه الأصول لتمويل المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
وفي حين تخشى بلجيكا من ردود الفعل الانتقامية الروسية تتجه الأنظار صوب باريس، وتحت ستار سرية البيانات، رفضت فرنسا الكشف عن أي تفاصيل تتعلق بالمؤسسات التي تحتفظ بهذه الأصول، أو استخدامات هذه الفوائد.
وتؤكد هذه المعطيات الجديدة تقديرات مجلس العلاقات الخارجية، وهو مركز أبحاث ودراسات أميركي، والذي قدّر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2025 حجم الأصول الروسية المجمدة في فرنسا بـ20 مليار يورو (23.4 مليار دولار)، في حين جمدت بريطانيا 25 مليار جنيه استرليني (33 مليار دولار) ومن المحتمل ألا تكون كل هذه الأصول مملوكة للبنك المركزي.
وتشير التقديرات إلى أن اليابان تحتفظ بما يتراوح ما بين 25 و30 مليار يورو (29 إلى 35 مليار دولار)، وتُشير التقارير إلى أن فرنسا، بعد بلجيكا بأصولها المجمدة البالغة 194 مليار يورو (226.98 مليار دولار)، هي ثاني أكبر دولة تملك أصولاً روسية في أوروبا، وتتقدم بفارق كبير على ألمانيا بنحو 200 مليون يورو (234 مليون دولار)، وقبرص بنحو 100 مليون يورو (117 مليون دولار)، والسويد ولوكسمبورغ، اللتين يُقدر أن كل منهما تمتلك 10 آلاف يورو (11.7 ألف دولار) فقط.
بينما تشير مصادر أخرى إلى أن معظم الأصول الروسية المجمدة المتبقية والبالغة 25 مليار يورو (29.25 مليار دولار) بعد 194 مليار يورو (226.98 مليار دولار) التي تحتفظ بها "يوروكلير" موجودة لدى بنوك تجارية في فرنسا وبلجيكا وهي 18 مليار يورو (21.06 مليار دولار) في فرنسا و7 مليارات يورو (8.19 مليار دولار) في بلجيكا.
مخاوف من الانتقام الروسي
ويوضح الباحث في مركز "بروغل" للأبحاث نيكولا فيرون أن "العلاقة بين البنوك التجارية والبنوك المركزية واحتياطات النقد الأجنبي هي بلا شك القطاع الأقل شفافية في السوق المالية العالمية، فلا أحد يرغب في الكشف للعالم عن مكان إيداع أمواله"، مستشهداً بعدد من البنوك التجارية الفرنسية، والتي نفى بعضها، امتلاكه مثل هذه المبالغ من الأصول الروسية.
وتعتبر البنوك الفرنسية مصدر إيداع مهم، وقبل العقوبات، كانت احتياطات البنك المركزي الروسي، أو الأصول المالية الروسية، مُودعة في مؤسسات أوروبية مختلفة، بما في ذلك فرنسا قبل العقوبات، وعندما فرض الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة السبع تجميداً على الأصول الروسية، جُمدت هذه الاستثمارات.
وعلى عكس بلجيكا التي تُجمع العديد من الأصول عبر "يوروكلير"، تُجمّد الأصول في فرنسا، بحسب التقارير، في بنوك خاصة لا يُكشف عن هويتها إلى حد كبير، وذلك بسبب قوانين السرية المصرفية.
رفض المركزي الأوروبي
ومنذ عام 2022، تُطبّق فرنسا عقوبات أوروبية، تشمل تجميد الحسابات والاستثمارات، وإلزام الكيانات والأفراد الخاضعين للعقوبات بمنع الوصول إلى أموالهم، وعلى الصعيد المؤسسي رفض قصر الإليزيه التعليق، وكذلك فعلت وزارة الخزانة والبنك المركزي ووزارة الاقتصاد.
ويقترح أحدث مقترح للمفوضية الأوروبية استخدام جميع الأموال المجمدة داخل الاتحاد الأوروبي، وليس فحسب تلك الموجودة لدى "يوروكلير"، وكان من الممكن استخدام معظمها لإقراض أوكرانيا.
من جانبه، أشار البنك المركزي الأوروبي في أوائل ديسمبر (كانون الأول) الجاري إلى رفضه ضمان قرض ممول من أصول روسية مجمدة، مشيراً إلى "انتهاك لصلاحياته".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويدعم المسؤولون الفرنسيون مبدأ قرض التعويضات، لكنهم يُعارضون إدراج الأصول المُودعة في البنوك التجارية، ويُجادلون بأن هذه المؤسسات مُلزمة بالتزامات تعاقدية مختلفة عن تلك المُطبقة على الأصول التي تُديرها "يوروكلير".
وقال المتحدث باسم المفوضية أولوف جيل "هذه معلومات حساسة للسوق، فإنها أشبه بأطباء يناقشون السجلات الطبية علناً"، وهو ما يدل على حساسية المسألة.
وتبقي باريس استخدام الفوائد المُدرّة من هذه الأصول سراً، واليقين الوحيد هو أنها لا تخضع لنفس قواعد الفوائد على أصول "يوروكلير"، التي تُدفع لأوكرانيا كقرض، وبلغت 4.5 مليار يورو (5.26 مليار دولار) في عام 2023.
بريطانيا : الإفراج عن أصول بات قريبا
وفي تطور لا فت أكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن التوصل إلى اتفاق يتيح الإفراج عما يصل إلى 100 مليار جنيه استرليني (133.2 مليار دولار) من الأصول الروسية المجمّدة في أوروبا لدعم أوكرانيا بات مسألة أيام فقط، مؤكداً أن مفاوضات إنهاء الحرب دخلت "مرحلة حرجة".
وعقد ستارمر محادثات مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إلى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، لبحث أحدث المقترحات الأميركية للسلام.
وناقش القادة الأربعة الجهود الأوروبية لتحرير الأموال المجمدة في البنوك الأوروبية، سواء لتمويل المجهود الحربي الأوكراني أو لإعادة إعمار البلاد في حال التوصل إلى اتفاق سلام.
وأفاد مسؤولون بريطانيون كبار أن الاتفاق بات قريباً، ومن المتوقع الإعلان عنه خلال هذا الأسبوع أو الأسبوع المقبل، وتشمل الأموال نحو 8 مليارات جنيه استرليني (10.6 مليار دولار) مودعة في حسابات مصرفية داخل بريطانيا.
وتعد هذه الأصول ورقة ضغط أساسية بالنسبة إلى الأوروبيين وأوكرانيا في مفاوضات السلام التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إذ يمكن أن توفر تمويلاً لضمان استمرار قدرة كييف على الصمود لعامين إضافيين، مما يزيد الضغط على موسكو في وقت يخشى فيه القادة الأوروبيون من أن الرئيس فلاديمير بوتين يحقق تقدماً على الأرض، وتشكّل هذه الأموال إحدى الأوراق القليلة المتبقية للأوروبيين لمنع فرض تسوية على أوكرانيا من جانب واشنطن وحدها.
لكن الاتفاق ما زال يواجه عقبة بلجيكية، كون بروكسل تحتضن القسم الأكبر من هذه الأصول، فيما تخشى الحكومة البلجيكية التبعات القانونية المحتملة لتحويل الأموال، خصوصاً أن قيمتها تعادل ثلث الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ومع ذلك، قال مسؤول بريطاني "نأمل التوصل إلى اتفاق خلال الأسبوع المقبل".
وأوضح المتحدث باسم رئاسة الحكومة البريطانية أن القادة الأربعة بحثوا "التقدم الإيجابي في استخدام الأصول السيادية الروسية المجمّدة لدعم إعادة إعمار أوكرانيا".
مرحلة حرجة
من جهته، قال زيلينسكي إن كييف والقادة الأوروبيين سيقدمون مقترحات مضادة إلى واشنطن خلال الأيام المقبلة، لافتاً إلى أن الخطة النهائية قد تكون جاهزة غداً.
وأكد ستارمر، قبل الاجتماع، أن أوروبا تمر في مرحلة حرجة على طريق السلام، مشدداً على أن أي وقف لإطلاق النار يجب أن يكون "عادلاً ودائماً"، وأن يتضمن ضمانات أمنية صارمة لأوكرانيا.
وأشار إلى أهمية تذكّر أن "روسيا هي المعتدي، ومن ثم فإن أي اتفاق يجب أن يضمن العدالة لكييف"، مضيفاً أن بوتين "لا يحترم أي اتفاق يخلو من ضمانات أمنية حقيقية".
وتوقعت رئاسو الحكومة البريطانية أن تتكثف التحركات الدبلوماسية في الأيام المقبلة، معتبرة أن المقترحات الأميركية الحالية تمثل "أقرب نقطة نبلغها نحو السلام منذ أربعة أعوام".
وكلف ستارمر مستشاره للأمن القومي جوناثان باول، بمواصلة المحادثات مع نظرائه في أوروبا والولايات المتحدة في شأن الاتفاق الأولي.
من جانبه، قال ماكرون إن لدى حلفاء أوكرانيا "أوراق قوة كثيرة"، مشيراً إلى الدعم العسكري والاقتصادي لكييف وتأثير العقوبات في روسيا، ورأى أن "المسألة الأساسية الآن هي توحيد المواقف الأوروبية والأوكرانية مع الموقف الأميركي لإنهاء المفاوضات والدخول في مرحلة جديدة تحقق أفضل الظروف لأوكرانيا والأوروبيين والأمن الجماعي".
أما ميرتس فأعرب عن "تحفظات" في شأن بعض ما ورد في الوثائق الأميركية، مضيفاً "علينا أن نناقشها، والأيام المقبلة قد تكون حاسمة للجميع".
وكان المفاوضون الأميركيون والأوكرانيون قد أنهوا ثلاثة أيام من المحادثات السبت لتقليص الفجوات في شأن الخطة الأميركية، وأكد زيلينسكي أن المباحثات كانت "جوهرية".
وتبرز نقطة خلاف رئيسة تتعلق باقتراح أن تتخلى كييف عن السيطرة على إقليم دونباس شرق البلاد، إذ تسيطر روسيا على معظم مناطقه بصورة غير قانونية، وهو ما ترفضه أوكرانيا وحلفاؤها الأوروبيون.
تقاذف الكرة بين باريس وبروكسل
وكانت الأصول الروسية المجمدة في أعقاب غزو أوكرانيا موضوع مفاوضات مكثفة داخل الاتحاد الأوروبي، سعياً منه لإيجاد طريقة لتعويض انتهاء المساعدات الأميركية لكييف، التي أقرها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وستصل حاجات أوكرانيا التمويلية إلى 158.7 مليار دولار خلال العامين المقبلين، بما في ذلك 60.3 مليار دولار للحاجات العسكرية في عام 2026، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي.
واقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في سبتمبر (أيلول) الماضي، ما يُسمى بقرض "الإصلاح" إذ سيتم تحويل الأموال الروسية المودعة في "يوروكلير" كقرض من دون فوائد إلى المفوضية الأوروبية، التي ستقوم بدورها بتحويلها إلى أوكرانيا. وتنص خطة جديدة عُرضت في أوائل ديسمبر الجاري على استخدام جميع الأصول المجمدة في أوروبا، بما في ذلك تلك الموجودة في فرنسا، وليس فحسب تلك الموجودة في "يوروكلير".
ورفض رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر الخطة الأولية رفضاً قاطعاً، وظلّ ثابتاً على موقفه منذ ذلك الحين، وتخشى بلجيكا، التي تحتفظ بنوكها التجارية أيضاً بأصول روسية بقيمة 7 مليارات يورو (8.19 مليار دولار) إضافة إلى الأموال المودعة لدى "يوروكلير"، أن تُترك وحدها لمواجهة الانتقام الروسي، وتدعو، على وجه الخصوص، إلى حشد الأصول الموجودة في فرنسا ودول أخرى.
إلا أن الاقتراح الأخير لم يقنع بلجيكا أيضاً، حتى أن وزير الخارجية البلجيكي انتقده ووصفه بأنه "أسوأ خيار ممكن".
من جانبها، تبدي السلطات الفرنسية، المؤيدة لمفهوم القرض التصحيحي، اهتماماً ضئيلاً بالأصول التي تحتفظ بها البنوك التجارية الفرنسية، وتُجادل بأن هذه البنوك تخضع لالتزامات تعاقدية مختلفة عن التزامات "يوروكلير".
ومن المقرر أن يجتمع زعماء الاتحاد الأوروبي في بروكسل في 18 ديسمبر الجاري، ومن بين مواضيع القمة المساعدات المقدمة لأوكرانيا وكيفية تمويلها.