Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بذلت الحكومة البريطانية جهدها لمساعدتنا على "التعايش مع الفيروس"؟

كان خروجنا من القيود المفروضة لاحتواء كورونا محتوماً منذ اليوم الأول. ولكن توقيت الرفع الرائع للإغلاق هو ما أطلق ناقوس الخطر بالنسبة إلى كثيرين، بحسب ما يكتب سامويل لوفيت

توقيت الرفع الشامل للإغلاق الذي اعتمدته المملكة المتحدة "دق نواقيس الخطر" بالنسبة إلى كثيرين (أ ف ب/غيتي)

طيلة فترة الجائحة، تخصصت حكومة المملكة المتحدة في تحدي المنطق السائد مراراً وتكراراً، وكان المقابل الذي دفعه البلد خسارة الآلاف من الأرواح: تأجيل عمليات إغلاق (الحجر) عدة مرات لاحتواء الفيروس؛ وفضيحة دار الرعاية (التي لقيت التجاهل في خضم تفشي كورونا فتوفي مسنون كثر)، وإخفاق نظام فحوص الكشف عن الفيروس وتتبع المخالطين؛ وحدود البلد المفتوحة التي كان سهلاً (على الواردات من الفيروس) اختراقها - سياسات تمتد جذورها إلى إهمال أو غطرسة بريطانية قديمة الطراز، الإحساس بأن طريقنا هو السبيل الوحيد.

ولكن بعض القرارات لم تسفر عن كارثة وموت. بل على النقيض تماماً. في نظر كثيرين، تجاوز النجاح الذي حققه اللقاح البريطاني المضاد لفيروس كورونا الثغرات الكبيرة التي شهدتها الأشهر الثمانية عشر الماضية. عبر توظيف الاستثمار في النسخة التحصينية من "أكسفورد"، وصوغ برنامج شامل من الجرعات، وتعديل الإرشادات بشأن الفترات الفاصلة بين الجرعتين، أثبتت المملكة المتحدة قدرتها على التصرف بصورة استباقية، وليس بأسلوب رد الفعل، واتخاذ خطواتها الأولى نحو مواجهة "كوفيد- 19".

الآن، تجد المملكة المتحدة نفسها مرة أخرى تسير في درب لم يجرؤ آخرون على استكشافه حتى الآن. عبر رفع القيود كافة في البلد، وإعادة فتح المجتمعات على بعضها البعض، والتطلع إلى أن يتعايش الشعب البريطاني مع الفيروس، كما أعلن وزير الصحة، ساجد جاويد، الأسبوع الماضي، تخوض الحكومة البريطانية غمار المخاطرة مجدداً.

ليست عملية "رفع الإغلاق" بحدّ ذاتها التي تلقى المعارضة ضمن الأوساط العلمية. كان محتوماً منذ اليوم الأول أن نخرج، في مرحلة ما، من نصف الحياة هذا الذي نعيشه. لا تبقى الجوائح إلى الأبد؛ إنما ثمة بداية لها ونهاية. ولكن توقيت الرفع الشامل العظيم للإغلاق الذي اعتمدته المملكة المتحدة دق نواقيس الخطر بالنسبة إلى كثيرين.

تتصاعد إصابات كورونا باطراد. في المملكة المتحدة، سجل نحو 171 ألف حالة جديدة الأسبوع الماضي. الآن، بات المتوسط المتحرك، الذي يستند إلى أرقام تتجدد أسبوعياً عن الإصابات الجديدة المؤكّدة اليومية، أعلى مما كان عليه في خريف العام الماضي، عندما لجأ بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، على مضض إلى تنفيذ ما سمي "مقبس قطع تيار العدوى". أن لا يشهد معدل الحالات التي تستدعي الدخول إلى المستشفى ارتفاعاً حاداً لهو دليل على القوة التي تتسم بها لقاحاتنا. يشير بحث إلى أن تلك الأدوات المنقذة للحياة حالت حتى الآن دون وقوع ما يقدر بنحو 7.2 مليون إصابة، و27 ألف وفاة في إنجلترا وحدها.

اقرأ المزيد

نعم، لقد شُيد الجدار التحصيني الذي يوفره اللقاح عالياً، لكنه لم يكتمل بأي حال من الأحوال. يوفر الحصول على جرعتين مضادتين مستويات عالية من الحماية ضد متغير "دلتا" (الذي رصد أولاً في الهند)، ولكن مع ذلك ما زال حوالى 40 في المئة من السكان البالغين ينتظرون أخذ جرعتهم الثانية، ما يتهددهم أكثر باللجوء إلى المستشفى أو مكابدة "كوفيد الطويل الأجل" بمجرد رفع القيود المزمع في 19 يوليو (تموز) الجاري.

بطبيعة الحال، تلقى المسنون والأشخاص الضعفاء سريرياً، علماً أنهم الأكثر عرضة للأشكال الخطيرة من العدوى التي تتطلب الدخول إلى المستشفى، الجرعتين التحصينيتين المطلوبتين. صحيح أن الصلة بين عدوى كورونا والحالات الخطيرة من المرض قد ضعفت فعلاً نتيجة تطعيم الأفراد الأكبر سناً من السكان، غير أنها حتماً لم تنقطع تماماً، وما زالت العلاقة متينة بين التقاط الفيروس والإصابة باعتلال شديد"، بحسب ما يشرح الدكتور ستيفن غريفين، عالم الفيروسات في "جامعة ليدز".

بناء عليه، فإن رفع السور التحصيني إلى أعلى بعد قبل إنهاء الإغلاق مؤداه الوحيد إحكام قبضة المملكة المتحدة على الجائحة، وليس إضعافها، وإعداد البلدان الأربعة التي يتشكل منها البلد (إنجلترا وإيرلندا الشمالية واسكتلندا وويلز) "للتعايش مع الفيروس" على نحو أفضل. المناعة المعززة بين السكان ستحد من العدوى، وتعكس مسار معدلات الإصابة المتزايدة، وتقلص التجمع الفيروسي الذي من خلاله تطرأ الطفرات على "سارس- كوف- 2"، كذلك تزيح الضغط عن كاهل النظام الصحي، الذي يرزح الآن تحت وطأة أعداد هائلة من المرضى الذين ينتظرون تلقي العلاج.

في الواقع، هؤلاء الأفراد غير المحصنين أو غير المحميين تماماً الذين يدخلون المستشفى بسبب "كوفيد- 19"، حتى وإن كانت نسبتهم متدنية، سيتركون تأثيراً سلبياً كبيراً في سعة المرافق الطبية، في وقت يحاول الممرضون والأطباء صبّ انتباههم من جديد على ملايين المرضى الذين يلزمهم العلاج والرعاية. ومعلوم أن "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" ("أن أتش أس"NHS ) في بريطانيا طالما واجهت نقصاً في حيز الأسِرة الشاغرة في مؤسساتها قبل فترة طويلة من نشوء الجائحة، وقد زادت الطين بلة قواعد العدوى الجديدة، التي فرضت الاستغناء عن بعض الأسِرة لإبعاد المرضى عن بعضهم بعضاً. وفق تقديرات "الكلية الملكية لطب الطوارئ" (RCEM)، يمكن أن تفتقر "أن آتش أس" إلى 16 ألف سرير.

أن نسمح للفيروس بأن يندفع بحرية مخترقاً المجتمعات سيعني أيضاً توسيع نطاق انتشار "كوفيد الطويل الأجل"، ما يراكم أعباء إضافية على كاهل "هيئة الخدمات الصحية الوطنية". يشير بحث إلى أن نحو مليوني شخص قد كابدوا هذه الحالة في مرحلة ما خلال الجائحة- علماً أن الوقت وحده كفيل بأن يرفع هذا المعدل. ماذا عن المتطلبات التي تفرضها هذه الحال على خدماتنا الصحية؟ وما العلاج اللازم بالنسبة إلى مرضى "كوفيد الطويل الأمد"؟ وما مدى القدرة الاستيعابية التي ينبغي أن نمدّ بعد النظام الصحي بها؟ أسئلة تحتاج إلى إجابات إذا ما أردنا التعايش مع الفيروس، وتسليح "أن آتش أس" بالجاهزية المطلوبة في الأشهر (والسنوات) المقبلة.

ليست تلك الأسئلة السبب الأكبر الذي يبعث على القلق فيما نمضي قدماً نحو رفع الإغلاق؛ بل إنه الشك الذي يكتنف نشأة الفيروس. كلما استفحل انتشار "كوفيد"، ازداد احتمال ظهور طفرات جديدة تلجم، على ما يُفترض، فاعلية اللقاحات المعمول بها راهناً.

"التكاثر المستمر الذي لا يتسبب بحالات دخول إلى المستشفى ووفيات، يسمح، على الرغم من ذلك، للفيروس بالتحور جينياً وتوليد متحورات جديدة في المجتمع- حتى من دون أن تدخل نسخ متحورة جديدة إلى البلاد آتية من الخارج"، بحسب ما يقول الدكتور جوليان تانغ، عالم فيروسات إكلينيكي في "جامعة ليستر".

أما البروفيسور سول فوست، الذي يرأس تجربة تخوضها المملكة المتحدة بشأن إعطاء جرعات معززة من اللقاحات ("كوف- بوست" Cov-Boost)، فذهب أبعد من ذلك، إذ أخبر "اندبندنت" أخيراً أنه من "غير الوارد [مستبعد] إلى حد ما" ألا تواجه المملكة المتحدة متحوراً جديداً بحلول الشتاء المقبل. ولكن لا يعلم أحد ما الشكل والطبيعة اللذين يتخذهما هذا المتحور.

مع ذلك، من الأسلم أن نفترض أن حالنا لن تساعدنا في أشهر الشتاء تلك، خصوصاً في وقت تعود الإنفلونزا الموسمية وأمراض الجهاز التنفسي الأخرى لتظهر من جديد.

على الرغم من التهديد المستمر الذي يطرحه "كوفيد"، ارتأت الحكومة البريطانية أن الوقت قد حان كي يضطلع الشعب بدور أكبر في الطريقة التي نحيا بها حياتنا. ينبغي أن يكون الخيار لنا بشأن ارتداء الكمامات الوقائية من عدمها، والحفاظ على التباعد الاجتماعي في ما بيننا، وعدم دخول الأماكن المزدحمة، والعودة إلى المكتب لإنجاز أعمالنا أو متابعتها من المنزل. نخطو خطوة تجريبية عائدين إلى أيامنا التي عهدناها سابقاً. ليس مستطاعاً أن تبقي القيود مفروضة إلى الأبد. ولكن عند تسليم صولجان المسؤولية إلى الناس، هل تستطيع الحكومة أن تقول بثقة أنها فعلت كل ما في وسعها كي يكون نقل المسؤولية آمناً وخالياً من المخاطر؟

© The Independent

المزيد من تقارير