ملخص
هل تملك الجامعات التونسية الإمكانات الكافية لمواكبة هذا التحول؟ وما هي الآفاق الممكنة لدمج الذكاء الاصطناعي في منظومة التعليم العالي في ظل نقص الموارد المالية ومحدودية موازنة المؤسسات التعليمية في تونس؟
يشهد العالم تحولات متسارعة في مختلف القطاعات نتيجة تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، ولم تكن المؤسسات الجامعية في تونس بمنأى عن هذا التغيير الذي أصبح ضرورة للتعامل معه، إذ تواجه هذه المؤسسات العلمية تحديات كبرى تتعلق بمدى جاهزيتها البشرية واللوجستية لاعتماد هذه التكنولوجيا في تسيير شؤونها الإدارية والعلمية والبيداغوجية، فهل تملك الجامعات التونسية الإمكانات الكافية لمواكبة هذا التحول؟ وما هي الآفاق الممكنة لدمج الذكاء الاصطناعي في منظومة التعليم العالي في ظل نقص الموارد المالية ومحدودية موازنة المؤسسات التعليمية في تونس؟
وفي السياق قال نائب رئيس الجمعية التونسية للكتّاب العاميين لمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي التونسية محمد علي باي إن "الجامعة التونسية" أمام تحديات كبيرة، مضيفاً في تصريح خاص أن "أهمها تتمثل في تكوين الكوادر داخل المؤسسات الجامعية، وتمكينها من اكتساب المهارات اللازمة مع ضرورة توفير التجهيزات والمعدات اللوجستية لمواكبة التطور الذي يشهده العالم، ليصبح كسباً يمكنها من استغلال كل أدوات الذكاء الاصطناعي لمعالجة المعطيات بأكثر دقة وفاعلية".
لحظة وعي
ورأى باي أن "الذكاء الاصطناعي أصبح ضرورة يجب التعامل معها ويجب ألا نخاف منهن لأنه لا يلغي العقل البشري بل يجب استغلاله استغلالاً جيداً لتسريع الأعمال الإدارية، وبالتالي تسهيل الإجراءات للطلبة والأساتذة واختصار الوقت"، داعياً إلى "المرور من لحظة الوعي التي نعيشها بضرورة التعامل مع هذا المعطى التكنولوجي الجديد إلى الفعل والتطبيق، وألا نبقى في حال ذهول"، ومعتبراً أن "الجامعة التونسية لا تزال متخلّفة مقارنة بجامعات عالمية أخرى".
رأي مختلف
كذلك فإن طلاب الجامعات لهم طموحاتهم لاستغلال هذا التطور التكنولوجي، وفي السياق قال الطالب معتز حسين إن "الجامعة التونسية لم تستوعب بعد أهمية الذكاء الاصطناعي، بخاصة على مستوى التعامل بين الإدارة والطلبة"، مضيفاً "أنا وزملائي ننتظر أياماً لنحصل على ورقة إدارية عوض أن نحصل عليها في ثوان عبر هواتفنا الذكية"، ولافتاً "إلى أن التجهيزات اللوجستية والتكنولوجية لا تزال متخلّفة في الجامعات ويجب تطويرها".
من جانبها قارنت الطالبة سيرين بن قمرة بين الجامعات في بلدان أوروبية ونظيرتها في تونس، وقالت إن "زملاءها هناك لا يجدون صعوبات في الحصول على أي وثائق إدارية أو حتى كتب لإجراء بحوثهم، فبمجرد نقرة على الحاسوب يصلهم كل شي عبر هواتفهم "
من ناحيتها رأت الأستاذة الجامعية سامية الدريدي في تصريح خاص أن "الجامعة التونسية تواجه تحدياً كبيراً، وهي قادرة بوجود كفاءات تونسية على مواكبة كل التطورات بخصوص الذكاء الاصطناعي وتجنب كل الأخطار التي يمكن أن تنجم عن استعماله، بخاصة في مجال البحث العلمي، لكن استغلاله على المستوى الإداري وتنظيم البيانات والمعطيات العلمية مكسب كبير يجب تطويره والتعويل عليه مستقبلاً لفائدة الطلبة والباحثين"، داعية إلى ضرورة مراقبة كل التطورات باهتمام شديد"، وقالت أيضاً "باختصار نحن مع الذكاء الاصطناعي لكن مع احترام أخلاقيات البحث العلمي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فرص حقيقية
في السياق دعت دراسة أعدها "المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية" حول "الذكاء الاصطناعي: رافعة للدور الاجتماعي للدولة" إلى ضرورة تفعيل المجلس الأعلى للتربية من أجل وضع رؤية إستراتيجية شاملة تدمج الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيات التعلم في المنظومة التربوية في تونس، وأكدت الدراسة التي نشرت نتائجها أخيراً أن الذكاء الاصطناعي يوفر فرصاً حقيقة لتحسين نجاعة الخدمات العامة في قطاع التعليم وتقليص الفوارق، مشيرة إلى أن اعتماداً مدروساً له من شأنه أن يعزز الابتكار ويسهم في خلق مواطن شغل جديدة.
وأشارت الدراسة أيضاً إلى وجود منظومة ديناميكية من الشركات الناشئة الناشطة في مجال تكنولوجيا التعلم، وهي شركات تعتمد تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين الدعم المدرسي والتكوين المهني، لكنها تواجه صعوبات في النفاذ إلى البيانات والحصول على مصادقة الوزارات على الحلول التي تطورها، معتبرة أنه من الضروري خلال المرحلة الراهنة وضع إستراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي وتكنولوجيات التعلم، يشارك في صياغتها مختلف الوزارات والفاعلون المعنيون، مع تحديد خطط عمل واضحة وآليات تمويل مناسبة.
كما أوصت الدراسة بضرورة تعزيز تكوين المدرسين والإداريين في مجال الذكاء الاصطناعي وضمان تكافؤ الفرص في النفاذ إلى الأدوات الرقمية، مبرزة أهمية إعداد دليل للممارسات الجيدة للذكاء الاصطناعي التوليدي وأخلاقياته لفائدة جميع المتدخلين في المنظومة التربوية، إضافة إلى إمكان تنظيم حملات توعوية.
ومن بين التوصيات التي تضمنتها الدراسة ضرورة إرساء آلية ملائمة للشراء العمومي تمكن المؤسسات التربوية العمومية من اعتماد مقاربات تعليمية مبتكرة عبر الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيات التعلم، من خلال تنفيذ اختبارات إثبات المفهوم، وهي تجارب أولية صغيرة الحجم تهدف إلى التحقق من جدوى الحلول التكنولوجية قبل تعميمها وفتحها أمام الشركات الناشئة.
وكذلك دعت الدراسة إلى إنجاز بحث وطني حول تأثير الذكاء الاصطناعي في المهن وسوق الشغل في تونس، بهدف توجيه الإصلاحات المتعلقة بالمحتويات والطرق البيداغوجية بما يتلاءم والتحولات المستقبلية.
تطوير أساليب العمل
وعلى رغم أن سلطة الإشراف تدرك جيداً أهمية التحولات الرقمية فإنها لا تزال تبحث عن رؤية شاملة لاستيعاب هذا التحول، وفي هذا الصدد أكد وزير التعليم العالي والبحث العلمي منذر بلعيد أهمية مواكبة التطورات التكنولوجية في المؤسسات الجامعية وتمكين الكتاب العامين باعتبارهم الحلقة المحورية داخل هذه المؤسسات، من الآليات والنظم المعلوماتية الحديثة المبنية على الذكاء الاصطناعي لتعزيز قدراتهم على المتابعة اليومية للأنشطة الادارية والبيداغوجية، بما يضمن تطوير أساليب العمل وبما ينسجم مع التحولات الرقمية، إضافة إلى دعم مهاراتهم وقدراتهم على الاستشراف بما يسهم في ضمان جودة الخدمات الجامعية.
وأبرز الوزير في تصريح إعلامي خلال إشرافه على افتتاح ندوة الكتّاب العامين لمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي التي تنظمها الجمعية التونسية للكتّاب العامين أن وزارته تعمل على تطوير برامج التكوين ومواكبة المؤسسات الجامعية للتطورات وتطوير المنظومات المعلوماتية، بهدف تمكين الطلبة من الاندماج في سوق الشغل، وكشف وزير التعليم العالي عن أن موازنة الوزارة للعام المقبل قُدرت بنحو 2.37 مليار دينار (758 مليون دولار) في مقابل 2.29 مليار دينار (نحو 779582 مليون دولار) خلال عام 2025، وتمثل هذه الموازنة نسبة 3.81 في المئة من إجمال موازنة الدولة، "ويعتبرها المهتمون بالشأن العام ضئيلة مقارنة بالتحديات العلمية والتكنولوجية حول العالم".