Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يستطيع الاقتصاد العالمي تحمل إغلاقات جديدة؟

ضبابية القيود وسيناريو موجات كورونا يدفعان إلى تحولات جديدة في عالم الإنتاج

إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي آتية لا محالة (أ ب )

إذا قررت الأجهزة المعنية بالصحة في العالم إنهاء الإغلاق العالمي بسبب وباء كوفيد-19، فإن هذا لا يعني أن زمن الإغلاق قد ولى، لأنه ستكون هناك حاجة إلى "عمليات تأمين مناخي"، تتطلب هي الأخرى تكرار سيناريو الإغلاق مرة كل عامين، وفقاً لما كتبته إحدى موظفات منظمة الصحة العالمية، ونشرته مؤسسة بحثية كبيرة. ويبدو للوهلة الأولى أن التقرير خارج نطاق الواقعية، إلا أنه حظي بتأييد من أكبر الكيانات الاقتصادية. وبغض النظر عن ذلك، فمن المؤكد أن إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي آتية لا محالة، لأنها ضرورة تستدعيها المنافسة الاقتصادية.

تجنب الإغلاق المناخي

أعدت ماريانا مازوكاتو، أستاذة الاقتصاد في جامعة "يونيفرستي كوليدج لندن"، ورئيسة مجلس اقتصاديات الصحة للجميع، أحد أقسام منظمة الصحة العالمية، تقريراً بعنوان "تجنب الإغلاق المناخي". ونشرت المنظمة الإعلامية غير الربحية "بروجيكت سينديكت" التقرير للمرة الأولى في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، بتمويل من منظمتي "المجتمع المفتوح" و"بيل وميليندا غيتس".

وفي 21 أكتوبر، أعيد نشر التقرير من جانب "مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة" (WBCSD)، الذي يصف نفسه بأنه "منظمة عالمية يقودها الرؤساء التنفيذيون لأكثر من 200 شركة رائدة تعمل معاً لتسريع الانتقال إلى عالم مستدام". وتتكون عضوية المجلس من الشركات الكبرى في العالم، بما في ذلك "شيفرون" و"بريتيش بتروليوم" و"باير" و"وول مارت" و"غوغل" و"مايكروسوفت". وتبلغ الإيرادات السنوية للشركات الـ200 الأعضاء، 8 تريليونات دولار، لأن المجلس يمثل تقريباً كل بنك وشركة نفط وشركة تكنولوجيا عملاقة في العالم. وبالتالي، أعادت نشر التقرير منظمات عديدة تباعاً.

فحوى التقرير

ولم يشجع التقرير عمليات الإغلاق، إلا أنه يقول إنه "مع انتشار كوفيد-19، نفذت الحكومات عمليات إغلاق للسيطرة على حالة طارئة تهدد الصحة العامة. وفي المستقبل القريب سيحتاج العالم إلى عمليات إغلاق مرة أخرى لمعالجة حالات الطوارئ المناخية. ولتجنب هذا السيناريو، يجب علينا تعديل الهياكل الاقتصادية وممارسة الرأسمالية بشكل مختلف".

وجاء في التقرير أنه في ظل الإغلاقات المتوقعة للحد من الاحترار المناخي "ستحد الحكومات استخدام المركبات الخاصة، وتحظر استهلاك اللحوم الحمراء، وتفرض تدابير قصوى لتوفير الطاقة، بينما يجب على شركات الوقود الأحفوري التوقف عن التنقيب، ومن المحتمل فرض حظر على السفر الجوي أيضاً".

دعم إعلامي

ومنذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بدأت وسائل إعلام عالمية بث الرسالة نفسها. فنشرت "الغارديان" تقريراً بعنوان "خفض الانبعاثات الكربونية بالنسب نفسها خلال فترة كوفيد-19 مطلوب كل عامين". واستمر اهتمام وسائل إعلامية مختلفة بالفكرة نفسها.

وفي أبريل (نيسان) الماضي نشرت "فوربس" تقريراً بعنوان "احتضان الدروس المستفادة من الجائحة والاحتفال بالمستقبل"، الذي سأل عن كيفية مواصلة الجهود الجيدة التي تم تبنيها في التباعد الاجتماعي، لأنه لن يكون هناك وقت لاحقاً، لمواجهة الكوارث البيئية المتوقعة.

وفي الشهر نفسه، نشرت دورية جامعة هارفارد للصحة العامة حلقات عن ترابط ثلاثية كوفيد-19 والاحترار المناخي وتدهور البيئة. واقترحت السلسلة حلاً اقتصادياً طويل المدى للمشكلة، وهو إنفاق العالم 22 بليون دولار سنوياً لمنع انتشار الميكروبات بين الأنواع، أو ما يعادل 2 في المئة مما تم إنفاقه في الاستجابات العالمية لجائحة كورونا-19.

سيناريو كارثي

وبغض النظر عن فعالية مقترحات هارفارد التي تحتاج إلى وقت طويل، وإلى عدم التحايل عليها، فهل يستطيع اقتصاد العالم أن يتحمل الإغلاق مرة كل عامين؟

ويجيب علي صلاح رئيس وحدة الدراسات الاقتصادية في مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة بأن "الاقتصاد العالمي يقف الآن أمام مفترق طرق، إما استكمال التعافي من الأزمة بنجاح جهود السيطرة على الوباء، أو انهيار جهود المكافحة العالمية. ما سيضطر الحكومات إلى فرض إغلاق اقتصادي عام جديد. وإذا حدث ذلك، سيكون سيناريو كارثياً للاقتصاد العالمي، وثقله سيكون أكبر وأعمق بكثير مما شهده العالم في عام 2020".

ويضيف صلاح، "ستكون الخسائر المترتبة على الاقتصاد العالمي أضعاف ما حدث عام 2020، والتي تقدر بنحو 12 تريليون دولار. ما سيدفع مئات الملايين من البشر نحو البطالة والفقر. وقد لا يتيسر للعالم التعافي من تبعات ذلك إلا بعد سنوات طويلة".

ويشير إلى أن اقتصادات الدول التي تغلبت نسبياً على الوباء أبدت مظاهر نمو سريعة، خصوصاً منذ بداية عام 2021، بما في ذلك الاقتصاد الأميركي الذي توسع ناتجه بمعدل 6.4 في المئة في الربع الأول من العام، مسجلاً أسرع وتيرة نمو فصلية في أكثر من أربعة عقود، بجانب الاقتصاد الصيني الذي نما بمعدل 18.3 في المئة، كأسرع نمو فصلي له على الإطلاق بالنسبة إليه.

قيود جديدة

ويتابع صلاح أن الوضع يظل ضباباً في المناطق والدول التي لم تسيطر بالمستوى نفسه على الوباء، كدول منطقة اليورو التي نفذت العديد منها عمليات إغلاق وقيود جديدة، وسط موجة ثالثة من الإصابات بكورونا، ما تسبب في انكمش اقتصاد المنطقة بنسبة 0.6 في المئة في الربع الأول. وفي الهند، تسببت موجة الوباء المتمحور هناك في محاصرة الاقتصاد كلياً، ودفعته إلى الانكماش من جديد. فهو بعد أن حقق نمواً بنحو 1.4 في المئة في ربع العام المالي المنتهي في مارس (آذار) الماضي، فترجح توقعات بنك "نامورا" أن تتسبب موجة كورونا الجديدة في انكماشه بنحو 1.5 في المئة خلال ربع العام المنتهي في يونيو (حزيران) الجاري.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويؤكد أن "الاقتصاد العالمي لا يحتمل إغلاقاً عاماً جديداً في المستقبل القريب، وإذا حدث ذلك فسيدخل العالم في أزمة اقتصادية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، وإذا حدث إغلاق كل عامين بعد ما بدأ مرحلة تعافي الاقتصاد العالمي، التي ستحتاج إلى سنوات، سيدخل اقتصاد دول كثيرة في ركود شديد، وربما في انهيار".

ويجيب صلاح عن سؤال في شأن مدى واقعية إجبار شركات الوقود الأحفوري على إيقاف الحفر، بالقول إنها "فكرة غير عملية، وحتى لو افترضنا أنه يمكن للعالم الآن التحول إلى الاعتماد كلياً على مصادر الطاقة المتجددة، سنظل في حاجة إلى التنقيب عن الوقود الأحفوري كنشاط اقتصادي لا يمكن أن يتوقف، لأن النفط لا يستخدم كوقود فحسب، بل هو ضروري أيضا لتزييت المحركات وتصنيع المواد الكيماوية والبلاستيك، المستخدمة في صناعة توربينات الرياح والألواح الشمسية، على سبيل المثال. فاستخراج الفحم ليس مطلوباً لتشغيل محطات الطاقة فحسب، بل يستخدم أيضاً في صنع الفولاذ الحيوي في كثير من أنشطة العالم الحديث".

فشل الرأسمالية

ويجيب رائد الخضر، رئيس قسم البحوث في "إيكويتي جروب العالمية"، عن سؤال في شأن الوقت الذي تحتاج إليه الرأسمالية لإعادة تشكيل نفسها، بالقول إن "النظام الرأسمالي المهيمن على الاقتصاد العالمي نتاج تطور تاريخي، وعلى الرغم من المبادئ الأساسية التي جاء مدافعاً عنها، فإنه فشل في إنقاذ دول عديدة من الأزمات الاقتصادية التي وقعت فيها، والتحديات التي تواجهها".

ويضيف الخضر أن "الدول المتقدمة كانت تستحوذ على 60 في المئة من اقتصادات العالم، لكن ما حدث عام 2020 أكد أن موازين القوى تغيرت خلال العقود القليلة الماضية، خصوصاً بعد أن تسبب تعطل سلاسل التوريد الصينية والتايوانية في أزمات كبيرة مثل نقص الرقائق الإلكترونية، ما أثر على قطاعات التقنية والسيارات في أميركا وأوروبا، بل إن تأثر الهند بمتحور كوفيد-19، أثر على تراجع الطلب على الذهب والنفط"، مشيراً إلى أنه في الوقت الحالي "تساهم أميركا في 24.08 في المئة من الناتج المحلي العالمي مقابل 15.12 في المئة للصين".

ويتابع أن "محاولة إعادة ضبط الاقتصاد العالمي من دون حماسة شاعرية، هي محاولة لاستغلال الأضرار التي تسبب فيها الاستثمار الرأسمالي للبيئة، والغلبة أو التفوق في الاستفادة من هذه المشاكل سيكون لمصلحة الدول المتقدمة تقنياً في قطاعات معينة، وفي موقع يؤهلها لاستغلال هذا الظرف، وهذا سيؤثر بالطبع على ما تعودنا عليه من أنماط الاستثمار السابق، وسيتطلب مرونة عالية من الدول الأقل تطوراً في إعادة ضخ الأموال في القطاعات الجديدة التي ستنشأ، مثل التقنية الحيوية والطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي، وهي الأبحاث التي ضخت فيها الدول المتقدمة أموالاً طائلة خلال الفترات السابقة، وجاء أوان حصد مكاسبها قبل أن يقتحمها منافسون آخرون".

ويقول الخضر إن "فترة التحول هذه ستستغرق سنوات عديدة لأسباب مختلفة، قد تصل إلى 15 عاماً في أقصى تقدير، وربما تصاحبها هزات اقتصادية قوية في دول مختلفة من العالم، وستحتاج إلى أعلى درجات المرونة الاقتصادية والإدارة السليمة، وسلامة الرؤية المستقبلية، سواء على مستوى الحكومات أو الأفراد. وفي النهاية يمكن القول بثقة إن عام 2020 سيضع بصمة تاريخية على الاقتصاد العالمي".