ملخص
خطة الإدارة الأميركية تضمنت بنوداً مثل نقل كامل أراضي دونباس إلى سيطرة موسكو، والاعتراف الرسمي بها وبشبه جزيرة القرم كأراض روسية، وتجميد معظم خط التماس في منطقتي زابوروجيا وخيرسون، وتقليص حجم القوات المسلحة الأوكرانية إلى النصف، ومنع نشر قوات وأسلحة أجنبية قادرة على ضرب عمق الأراضي الروسية في أوكرانيا.
وجه الرئيس الأميركي دونالد ترمب تحذيراً شديد اللهجة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وأوروبا، مفاده بأنه إذا لم يقبلوا "شروط خطتنا للسلام ستزداد الأمور سوءاً". وقال في مقابلة مطولة ومهمة مع صحيفة "بوليتيكو"، نشرت في الولايات المتحدة ليل 9 ديسمبر (كانون الأول)، أي إنها كانت موجهة لجمهور أوروبي "الآن هو الوقت الأمثل لإجراء انتخابات رئاسية في دولة مستقلة (أوكرانيا). وعدم إجرائها منذ فترة طويلة لا يمثل ديمقراطية".
وقال ترمب "نعم، أعتقد أن الوقت قد حان. أعتقد أنه وقت مهم لإجراء انتخابات. إنهم يستخدمون الحرب لتجنب إجراء انتخابات، لكنني أعتقد أن الشعب الأوكراني يجب أن يكون له هذا الخيار".
ويعتقد ترمب أن للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فرصة للفوز مجدداً، وأضاف الرئيس الأميركي الذي يسعى لإنهاء الحرب في أوكرانيا وفقاً لخطته للسلام المقترحة "لا أعرف من سيفوز. لكنهم لم يجروا انتخابات منذ فترة طويلة. كما تعلمون، يتحدثون عن الديمقراطية، لكنها في مرحلة ما ستنتهي".
وفي أعقاب تصريحات ترمب عن ضرورة إجراء انتخابات رئاسية في أوكرانيا، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه يعتبر زيلينسكي رئيساً شرعياً، مشيراً إلى أن الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا يجب أن تحصل عندما تسمح الظروف بذلك.
وأكد ترمب أنه سيتعين على زيلينسكي أن يقرأ "اقتراح السلام" الأميركي، وأن يستجمع قواه ويبدأ في تقبل الهزيمة، قائلاً "بالتأكيد لن أسميها انتصاراً" لأن أوكرانيا تخسر أراضيها، وقد ازدادت هذه الخسائر بصورة ملحوظة خلال الفترة الأخيرة.
وأطلق ترمب على زيلينسكي لقب "إف. تي. بارنوم"، أي البائع البارع الذي قدم عروضاً سحرية مغرية خلال القرن الـ19 وكانت تضم نساءً ملتحيات وتوائم سيامية وحوريات بحر.
وشبه ترمب زيلينسكي بالممثل الأميركي بارنوم، المعروف ببراعته في الترويج والتسويق. ووصف الزعيم الأوكراني بأنه "مندوب مبيعات بارع"، مدعياً أن زيلينسكي "دفع جو بايدن المجنون" إلى منح أوكرانيا 350 مليار دولار، وأنه على رغم ذلك فإن "نحو 25 في المئة من أراضيه (أوكرانيا) ضاعت".
وزيادة في الضغط على كييف، أكد الرئيس الأميركي أن الفساد في أوكرانيا متفش، وأن عدم إجراء الانتخابات يثير تساؤلات حول ديمقراطية البلاد. وقال ترمب، مجيباً على أسئلة الصحافيين في البيت الأبيض الأربعاء الـ10 من ديسمير "هناك فساد مستشر، أتساءل متى سينظم انتخاب هناك؟ متى ستقام انتخابات؟ لم يجروا انتخابات منذ زمن طويل".
وأعرب ترمب عن ثقته بأن روسيا والشعب الأوكراني يدعمان الشروط التي اقترحتها واشنطن لحل النزاع. إلا أنه شكك في موقف زيلينسكي. وقال في مركز "جون إف كينيدي" للفنون المسرحية "أعتقد أن روسيا ليست معارضة، لكنني لست متأكداً مما إذا كان زيلينسكي يوافق على ذلك (الخطة). شعبه يدعمها، لكنه لم يقرأ الاقتراح بنفسه بعد، لذلك سيشرح لي السبب يوماً ما".
وقال إن الولايات المتحدة تحاول "إنهاء الحرب التاسعة"، في إشارة إلى الصراع في أوكرانيا، معرباً عن خيبة أمله من أن زيلينسكي لم يراجع مسودة اتفاقية السلام حتى الآن.
اتهام أوروبا بالمخاطرة بحرب عالمية
وفي اتهام واضح لأوروبا بالسعي إلى عرقلة خطة السلام الأميركية، ذكر ترمب أن القارة العجوز "قررت دعم أوكرانيا حتى انهيارها لأن هناك قادة أوروبيين ‘أغبياء للغاية‘ لا يقومون بعملهم. وأرى أن أوروبا لا تتعامل مع القضايا الأمنية بصورة صحيحة وتخاطر بالتسبب في حرب عالمية ثالثة".
وأعلن أنه قد أصبح من الواضح منذ فترة طويلة أن أوكرانيا لن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي. وعلق ترمب على الوضع في كييف قائلاً "أوروبا تتحدث، لكنها لا تتحرك. الحرب مستمرة". وأضاف "أعتقد أن بوتين يريد رؤية أوروبا ضعيفة، وبصراحة هو يحقق ذلك".
وناقش الرئيس الأميركي بعد تصريحاته هذه التقدم المحرز في المفاوضات في شأن النزاع الروسي - الأوكراني مع قادة بريطانيا وألمانيا وفرنسا. واتفقت الأطراف على مواصلة العمل المكثف على خطة سلام في المستقبل القريب.
وقال مكتب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، "ناقش القادة آخر التطورات في محادثات السلام الجارية بقيادة الولايات المتحدة، ورحبوا بجهودهم لتحقيق سلام عادل ودائم في أوكرانيا ووقف عمليات القتل".
وفي أوائل ديسمبر الجاري، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن "تحالف الراغبين" قد أنجز العمل على مسودة ضمانات أمنية لأوكرانيا في اتفاقية سلام مستقبلية. وأوضح الرئيس الفرنسي أن مشاركة الولايات المتحدة في هذه الضمانات ستحدد في المستقبل القريب.
من جهته، أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرز أن الاتحاد الأوروبي يعتزم عقد المزيد من "محادثات التنسيق" في شأن أوكرانيا في الأيام المقبلة. وأشار إلى أنه "يجب حماية المصالح الأمنية الأوروبية... وفي هذا السياق، نخطط لإجراء مزيد من محادثات التنسيق في الأيام المقبلة".
وفي الأثناء، ذكرت صحيفة "تليغراف"، نقلاً عن مصادر، أن المفاوضين الأوكرانيين أتاحوا إمكانية التخلي عن أراض إذا قدمت روسيا "تنازلات متبادلة". وقالت "حذر المفاوضون الأوكرانيون من أن هذه الخطوة غير مقبولة، لكنهم لم يستبعدوا إمكانية التخلي عن بعض الأقاليم إذا كانت روسيا مستعدة لتقديم تنازلات "متبادلة".
لكن لم يتم الإبلاغ عن نوع "التنازلات" التي قد تتم مناقشتها. وبحسب مصادر، فإن مسألة الضمانات الأمنية الأميركية لكييف تشكل أيضاً عقبة في المفاوضات.
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" سابقاً أن كييف قد تتنازل عن بعض الأراضي بشرط تقديم ضمانات أمنية من الغرب. ووفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، لا تزال هذه المسألة عالقة بعد المحادثات التي جرت بين الولايات المتحدة وكييف في فلوريدا.
ووكان زيلينسكي قد رفض الأسبوع الماضي مرة أخرى، تقديم تنازلات إقليمية، بحجة أن أوكرانيا ليس لها الحق في التخلي عن "أراضيها" بموجب الدستور، "ولا بموجب القانون الدولي، ولا بموجب القانون الأخلاقي".
ونقلت صحيفة "تليغراف"، عن مسؤولين أوكرانيين قولهم، إن كييف صرحت بأن الولايات المتحدة تزيد الضغط على أوكرانيا للتخلي عن مطالباتها الإقليمية كجزء من تسوية النزاع.
أعلنت الإدارة الأميركية سابقاً عن وضع خطة لتسوية النزاع الأوكراني، مشيرة إلى أنها لن تناقش تفاصيلها في الوقت الراهن نظراً إلى أن العمل لا يزال جارياً. وأكد الكرملين أن روسيا لا تزال منفتحة على المفاوضات وملتزمة محادثات أنكوريج في ألاسكا الصيف الماضي.
ذكرت صحيفة "كورييري ديلا سيرا" أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني دعت زيلينسكي إلى تقديم "تنازلات مؤلمة" لحل النزاع في أوكرانيا. وجاء في مقال الصحيفة "كانت محادثة رئيسة وزرائنا صريحة، ويمكن تلخيص رسالتها على النحو التالي: ضع في اعتبارك أنه قد يتعين عليك تقديم بعض التنازلات المؤلمة".
وبحسب مصادر من حزب "إخوة إيطاليا"، الذي تتزعمه ميلوني، فقد مارست رئيسة الوزراء الإيطالية "نوعاً من الضغط المعنوي على زيلينسكي" في ما يتعلق بخطة السلام التي وضعها البيت الأبيض، بينما يزعم أن زيلينسكي نفسه طلب من ميلوني التأثير في الرئيس الأميركي لتخفيف موقفه.
وعلقت صحيفة "لا ريبوبليكا" الأربعاء 10 ديسمبر على سير المحادثات في روما، قائلة إن ميلوني حذرت زيلينسكي من استحالة تقديم الاتحاد الأوروبي الدعم الكافي لأوكرانيا من دون مساعدة من الولايات المتحدة. وفي هذا الصدد، حثت رئيسة الوزراء زيلينسكي على مواصلة العمل على خطة ترمب للسلام لضمان تقديم الولايات المتحدة ضمانات لأمن أوكرانيا.
وفي محاولة لرأب الصدع مع أوروبا، علق الرئيس الأميركي على القمة المرتقبة في شأن أوكرانيا، والتي ستعقد قبل منتصف ديسمبر الجاري. وذكر أن ممثلين عن الولايات المتحدة قد يشاركون في القمة وأن الاجتماع سيعقد في أوروبا. كذلك أشار إلى أن رئيس أوكرانيا، زيلينسكي، قد يشارك في المحادثات.
لكن ترمب اشترط كشف المواقف قبل القمة، وصرح "لقد قلنا إنه قبل أن ندخل الاجتماع، هناك بعض الأشياء التي نريد معرفتها". بحسب موقع "أكسيوس"، قدم ممثلو أوكرانيا رداً على النسخة الأخيرة من خطة التسوية إلى واشنطن، ولم يعرف بعد رد كييف على المقترحات الأميركية، ولم يصدر أي تعليق رسمي.
قبول التحدي
في موسكو، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن روسيا والولايات المتحدة اتفقتا على مواصلة العمل على التوصل إلى تسوية في شأن أوكرانيا. وفي كلمته أمام مجلس الاتحاد (مجلس الشيوخ)، أشار لافروف إلى المحادثات الروسية - الأميركية التي جرت في الكرملين في الثاني من ديسمبر، والتي تناولت التسوية الأوكرانية.
وقال متحدثاً أمام مجلس الاتحاد "جرى التوصل إلى اتفاق لمواصلة هذا العمل. والأهم من ذلك، هناك فهم أساس بأن التوصل إلى تسوية مستدامة أمر مستحيل من دون القضاء على الأسباب الجذرية للأزمة".
وأكد وزير الخارجية الروسي أن بلاده تقدر التزام الرئيس الأميركي بالحوار في شأن أوكرانيا والتوصل إلى حل دبلوماسي. وقال "نحن نقدر التزام الرئيس ترمب بالحوار والتغلب على الصراع في أوكرانيا من خلال الوسائل السياسية والدبلوماسية".
وأشار وزير الخارجية الروسي إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يريد سوى فترة راحة لكسب الوقت لكييف لإعادة تسليح نفسها. وقال " لا أحد في أوروبا يتطرق إلى الأسباب الجذرية للصراع الأوكراني وضرورة معالجتها. إنهم يريدون فقط هدنة موقتة لكسب الوقت لكييف لإعادة تسليح نفسها".
وأكد لافروف خلال اجتماع مائدة مستديرة مع السفراء حول تسوية الأزمة في أوكرانيا قائلاً "لا أحد في أوروبا يذكر حتى الأسباب الجذرية، وهم يطالبون بشيء واحد فقط: وقف القتال فوراً، ومنح أوكرانيا ونحن الأوروبيين فرصة لالتقاط الأنفاس، وكسب الوقت في الأقل لتقديم القليل من الدعم لنظام كييف بالأسلحة والمال".
وفيما يبدو أن التنسيق الروسي-الأميركي في شأن تسوية الأزمة الأوكرانية جار على قدم وساق، ولو بعيداً من الأضواء، أصبحت "مناورة" ترمب الشهيرة، وممارسته الضغط على كييف وموسكو وأوروبا بالتناوب، أكبر من مجرد محاولة لتحقيق صفقة سياسية تنتج تسوية للأزمة الأوكرانية التي تدخل حربها عامها الرابع على التوالي قريباً. وهذا لا يضحك زيلينسكي ولا حلفاءه الأوروبيين إطلاقاً.
ويقول متخصصون في موسكو، إن الأقنعة قد سقطت، ولم يعد بمقدور السياسيين الأوروبيين، الذين كانوا معجبين علناً في السابق بترمب، التمرد عليه وعلى سياساته وخططه، بل محاولة الالتفاف عليها وتخفيف الخسائر. وقد اتضح هذا بصورة خاصة بعد المعلومات المسربة عقب المحادثات التي أجراها زيلينسكي مع القادة الأوروبيين، الذي شجعوه على عدم الثقة بالأميركيين. فبعد اجتماعه مع ستارمر وماكرون وميرز، لم يجد زيلينسكي ما يبلغ به البيت الأبيض غير القول إنه لم يجد الوقت بعد لمراجعة أحدث نسخة من خطة ترمب للسلام.
باختصار، تحاول أوروبا عرقلة خطة ترمب علانية وسراً، وقد قبل ترمب التحدي وذلك بتكرار ما قاله مراراً لزيلينسكي "ليست لديك أوراق رابحة" بحسب الخبراء الروس.
وفي هذا السياق، صرح المحلل، بوهدان بيزبالكو، بأن ترمب قد يفرض "عقوبات رمزية" على أوكرانيا إذا ما استمرت السلطات الأوكرانية في تفويت فرص تحقيق تسوية تنقذ ما يمكن إنقاذه.
لا سيما بعد إعلان الرئيس الأميركي بأن الوضع في الحرب بين روسيا وأوكرانيا يتطور بصورة غير مواتية، وإشارة ترمب علناً إلى أن روسيا "في موقف تفاوضي أقوى بالتأكيد" وأنه "كان من الممكن أن يتحول هذا الصراع إلى حرب عالمية ثالثة. لكن هذا لن يحدث الآن. لو لم أكن رئيساً، لكانت الحرب العالمية الثالثة قد بدأت".
وأشار ترمب إلى أنه أنهى ثماني حروب منذ توليه منصبه، وقال إن الحرب بين روسيا وأوكرانيا كان من الممكن أن تكون الأسهل، لكنها تطول بسبب "الكراهية" بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وأعرب عن استغرابه من تقاعس الرئيس الأوكراني عن إيجاد حل سلمي للصراع.
زيلينسكي ليس على عجلة من أمره
وفي الأثناء، أعلن الرئيس الأوكراني أنه مستعد للانتخابات الرئاسية، بحسب ما ذكرت قناة "آر بي كا" في التاسع من ديسمبر، لكنه وضع شروطاً صعبة لإجراء هذا الاستحقاق الذي كان يفترض إجراؤه في مايو (أيار) من عام 2024.
وبحسب زيلينسكي، فإن الادعاءات بأن الحكومة الأوكرانية "متمسكة بموقفها" وأن هذا هو سبب استمرار الحرب، "غير كافية على الإطلاق". وأكد أن الانتخابات لا يمكن أن تنظم إلا في حال توفير ضمانات أمنية لمواطني البلاد.
وقال زيلينسكي، رداً على أسئلة الصحافيين في إيطاليا "هناك قضيتان أساسيتان لإجراء الانتخابات. الأولى هي الأمن - كيفية إجرائها في ظل الهجمات والصواريخ. والثانية هي الأساس القانوني لشرعية إجراء الانتخابات".
وطلب الرئيس الأوكراني علناً من الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين ضمان ظروف التصويت، وقال "أنا مستعد للانتخابات. علاوة على ذلك، أطلب من الولايات المتحدة ربما بالتعاون مع زملائنا الأوروبيين، ضمان أمن الانتخابات. وبعد ذلك، في غضون 60-90 يوماً، ستكون أوكرانيا مستعدة لإجرائها".
ودعا زيلينسكي النواب الأوكرانيين إلى إعداد مقترحات لتعديل قانون الانتخابات أثناء الأحكام العرفية. وقال "سأكون في أوكرانيا غداً، في انتظار مقترحات من الشركاء والنواب، وأنا مستعد للذهاب إلى صناديق الاقتراع".
كما صرح بأن كييف لا تتفاوض مع موسكو لأن الروس "لم يظهروا أي اهتمام". ومع ذلك أكد زيلينسكي أن أوكرانيا مستعدة لوقف إطلاق النار في قطاع الطاقة إذا اتخذت روسيا إجراء مماثلاً.
وسأل الصحافيون زيلينسكي عن المقابلة الأخيرة للرئيس الأميركي ترمب، التي ذكر فيها المحادثة الأولى المزعومة بين الزعيم الأوكراني وبوتين وأقواله إن أوكرانيا ستعيد شبه جزيرة القرم وتنضم إلى حلف شمال الأطلسي، ليوضح أن أوكرانيا كانت ولا تزال ترغب في الانضمام إلى حلف الناتو، ويعتبر ذلك أمراً عادلاً. وأضاف "لكننا نعلم يقيناً أن الولايات المتحدة ودولاً أخرى لا تود رؤية أوكرانيا عضواً في حلف الناتو بعد، وروسيا بالتأكيد لا تريد أن ترانا هناك أبداً".
وأضاف زيلينسكي "اليوم، فيما يتعلق بشبه جزيرة القرم، ليست لدينا القوة الكافية لاستعادة شبه جزيرة القرم الأوكرانية بالكامل. وربما قلت ذلك في الاجتماع الأول (مع بوتين). وأعتقد أنني كنت على حق".
وسئل الرئيس الأوكراني عما إذا كان يستطيع تأكيد أن الولايات المتحدة تطالب أوكرانيا بالانسحاب من منطقة دونيتسك من دون قتال كجزء من اتفاق سلام محتمل، كما ذكرت وسائل الإعلام، فقال "أولاً، لم تكن الولايات المتحدة هي من طرحت هذه الفكرة، أي أن نتخلى عن أراضينا، وسبق أو أوضحت هذا. بالطبع، نريد أن تكون أميركا إلى جانبنا في هذه القضية".
ووفقاً لصحيفة "يوروبيان برافدا"، رد الرئيس الأوكراني على انتقادات الرئيس الأميركي التي اتهم فيها أوكرانيا بتأجيل الانتخابات الرئاسية بالقول "أنا مستعد إلى الأبد".
وأعلن وزير الدفاع الأوكراني دينيس شميهال استعداد كييف للانتخابات العامة، لكنه وضع على الفور "شروطاً لإجرائها، بما في ذلك وجود مراقبين أجانب على خطوط المواجهة وضمانات أمنية أثناء التصويت". وقال في منتدى "أسبن" الأمني يوم الـ10 من ديسمبر "إذا كانت هناك أفكار حول كيفية ضمان الأمن على الخطوط الأمامية، وكيفية السماح لجميع المدافعين عنا بالتصويت خلال هذه الانتخابات، وكيفية إحضار مراقبين أجانب إلى الخطوط الأمامية حتى يتمكنوا من مراقبة سير العملية على الخطوط الأمامية وتقديم تقارير عنها، وإذا وجدنا ظروفاً آمنة ومريحة للغاية لإجراء الانتخابات، فنحن بالطبع مستعدون. لقد تحدث زيلينسكي عن هذا ويمكننا القيام بذلك، بالطبع، في أي وقت نكون فيه مستعدين".
خطة ترمب للتسوية
تحدث المبعوث الأميركي الخاص إلى أوكرانيا كيث كيلوغ عن ضرورة إجراء انتخابات رئاسية في أوكرانيا. وقال في مقابلة مع "فوكس نيوز" أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، "إن هناك بنداً في الخطة أعتقد أنه مهم أيضاً، وهو إجراء الانتخابات. وهو ينص بوضوح تام على ضرورة إجراء أوكرانيا انتخابات خلال 100 يوم (بعد رفع الأحكام العرفية). من المحتمل أن يتم ذلك خلال 90 يوماً تقريباً، بناءً على ما قاله الأشخاص الذين تحدثت معهم. أعتقد أنه ينبغي إجراؤها فهذا سيطمئن الشعب، وسيطمئن العالم الحر أيضاً، ولكن هذا أحد شروط الخطة".
في الوقت نفسه ترى المفوضية الأوروبية أن قرار إجراء الانتخابات في أوكرانيا "يجب أن يتخذه الشعب الأوكراني"، ولكن في الوقت الحالي، تواصل المفوضية الأوروبية اعتبار زيلينسكي، الذي انتهت فترة ولايته في 20 مايو 2024، "الرئيس المنتخب".
وأفادت صحيفة "تيلغراف "البريطانية في التاسع من ديسمبر أن زيلينسكي قد يعرقل تنفيذ خطة السلام التي وضعها ترمب لحل النزاع في أوكرانيا. وأوضحت أن خطة الرئيس الأميركي للسلام على وشك الانهيار بعدما صرح زيلينسكي بأن أوكرانيا ليست ملزمة بالتخلي عن الأراضي الخاضعة للسيطرة الروسية.
وأشارت الصحيفة أيضاً إلى أنه في ضوء هذه الأحداث، يشعر ترمب بخيبة أمل إزاء المفاوضات، ويدعو الرئيس الأميركي زيلينسكي إلى اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة. في الوقت نفسه ينصح الشركاء الأوروبيون القيادة الأوكرانية باتباع نهج أكثر حذراً في هذا الشأن.
وفي التاسع من ديسمبر، أفادت وكالة الأنباء الأميركية "أكسيوس" بأن الولايات المتحدة تضغط على زيلينسكي لتقديم تنازلات إقليمية وتنازلات أخرى في إطار تسوية سلمية للصراع. ووفقاً لمسؤول أوكراني لم يكشف عن هويته، حاول المبعوث الرئاسي الأميركي ستيفن ويتكوف وصهر الرئيس الأميركي، رجل الأعمال جاريد كوشنر، خلال مكالمة هاتفية استمرت ساعتين بتاريخ السادس من ديسمبر، إقناع زيلينسكي بالتنازل عن أراض في دونباس لروسيا.
وفي 23 نوفمبر، ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" أن أوروبا تستعد لخسارة أوكرانيا دعم إدارة ترمب. وقبل ذلك، أشار رئيس البيت الأبيض إلى أن نظام كييف يواصل فقدان السيطرة على مناطقه، وفي تقديره، سيخسر أيضاً ما تبقى من أراضي دونباس.
وذكرت "فايننشال تايمز" أن الخطة الأميركية تنص على اعتبار منطقة دونباس المنزوعة السلاح أرضاً روسية. وفي الوقت نفسه ووفقاً لما نقلته عن مصادر أوكرانية، فإن النسخة الأخيرة من المقترحات الأميركية لا تنص على انسحاب القوات الروسية من الحدود الشرقية للمنطقة المنزوعة السلاح.
وأكدت "فايننشال تايمز" أن الخطة تنص على إنشاء منطقة منزوعة السلاح يعترف بها دولياً كأراض روسية. وبحسب معلومات الصحيفة، تنص على أن "القوات الروسية لن تدخل هذه المنطقة المنزوعة السلاح". وأن وزير الجيش الأميركي دانيال دريسكول أكد للمسؤولين الأوروبيين أن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا بموجب الاتفاقية، ولجعل المنطقة المنزوعة السلاح "أقوى خط دفاع في العالم".
وفي الوقت نفسه ووفقاً للمصادر الأوكرانية للصحيفة، فإن النسخة الأخيرة من المقترحات الأميركية لا تنص على انسحاب القوات الروسية من الحدود الشرقية للمنطقة المنزوعة السلاح.
في وقت سابق، ذكرت وسائل الإعلام الغربية أن الولايات المتحدة اقترحت إنشاء منطقة منزوعة السلاح على طول "خط وقف إطلاق النار" المستقبلي بالكامل استناداً إلى "النموذج الكوري".
وفي الرابع من ديسمبر، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن دونباس ونوفوروسيا سيحرران عسكرياً أو بطرق أخرى. وأشار إلى أن موسكو اقترحت على كييف سحب قواتها من دونباس وتجنب العمل العسكري، لكنها اختارت القتال.
الهرب إلى الأمام
يشكك عديد من خبراء السياسة الروس في احتمال أن تصبح خطة السلام ثغرة سياسية ملائمة لزيلينسكي، الذي قد يحتفظ بمنصبه مستشهداً بنقص البدائل في مواجهة ضغوط واشنطن.
وأشارت صحيفة "المحافظ الأميركي" إلى أن خطة السلام الأميركية لحل النزاع الأوكراني قد تصبح طوق نجاة لفولوديمير زيلينسكي. ووفقاً للمقال، فإن الأسلوب العدواني الذي قدم به فريق الرئيس ترمب هذه الوثيقة يمنح الزعيم الأوكراني فرصة للحفاظ على موقفه وقبول شروط التسوية السلمية، مشيراً إلى عدم وجود بديل مجد. ووفقاً للمنشور، سيتمكن زيلينسكي لاحقاً من الادعاء بأنه بذل قصارى جهده لتعزيز معايير الخطة بما يناسب أوكرانيا، لكنه اضطر إلى الموافقة على المقترحات الأميركية.
واعتبرت الصحيفة أن زيلينسكي في موقف صعب بسبب نفوذ الجماعات القومية المتطرفة المعارضة لأي عملية سلام.
وأعادت الصحيفة التذكير بأن خطة الإدارة الأميركية تضمنت بنوداً مثل نقل كامل أراضي دونباس إلى سيطرة موسكو، والاعتراف الرسمي بها وبشبه جزيرة القرم كأراض روسية، وتجميد معظم خط التماس في منطقتي زابوروجيا وخيرسون، وتقليص حجم القوات المسلحة الأوكرانية إلى النصف، ومنع نشر قوات وأسلحة أجنبية قادرة على ضرب عمق الأراضي الروسية في أوكرانيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولأن هذه الشروط تناسب موسكو إلى حد كبير، اعترف بوتين بأن هذه الخطة قد تصبح الأساس للتسوية النهائية.
لكن في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عقدت مفاوضات في جنيف لمناقشة تعديلات الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا على مقترح واشنطن. وفي أعقاب ذلك، أفادت وسائل الإعلام بتعديلات على الخطة الأصلية.
وبعد صدور هذه النسخة المعدلة التي اقتصرت على 20 بنداً بدلاً من 28 بنداً وردت في الخطة الأصلية، أجرى ممثلون أميركيون محادثات مع الوفد الأوكراني، وبعدها جرى تحديث خطة السلام. ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، استبعدت القضايا المتعلقة بالأراضي، مع اقتراح طرحها في "مفاوضات مستقبلية". ولم يؤكد الجانب الروسي هذه المعلومات.
الأسبوع الماضي، استقبل بوتين المبعوث الخاص للرئيس الأميركي ستيفن ويتكوف وصهر ترمب جاريد كوشنر في الكرملين. وناقش الجانبان جوهر خطة السلام لمدة خمس ساعات تقريباً، لكنهما لم يتوصلا إلى حل وسط بعد.
وأكدت موسكو أن اتفاقية السلام لن تمس مصالح الأمن القومي. وصرح مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، بأن نجاحات القوات المسلحة الروسية خلال العملية الخاصة قد هيأت مناخ المفاوضات مع الولايات المتحدة.
وقال "إن جنودنا على الجبهة حرصوا على إجراء هذه المفاوضات في بيئة أكثر ملاءمة".
وأفاد أوشاكوف أيضاً بأن بوتين لديه وجهة نظر إيجابية تجاه جاريد كوشنر الذي انضم أخيراً إلى المفاوضات لحل الأزمة الأوكرانية.
في وقت سابق، صرح الرئيس الروسي، في مقابلة مع قناة "إنديا توداي" التلفزيونية، بأن الولايات المتحدة مهتمة بإنهاء سريع للصراع في أوكرانيا. وأشار إلى أن واشنطن تعمل وفقاً لاعتباراتها الخاصة، وهو ما يدفع، في رأيه، الجانب الأميركي إلى السعي لإيجاد حل سريع.
وبحسب الزعيم الروسي، فإن الولايات المتحدة وزعيمها لديهما "رؤيتهما الخاصة" حول ضرورة حل القضية خلال فترة زمنية قصيرة.
من جانبها، قدمت واشنطن استراتيجية للأمن القومي تشدد على أهمية حل النزاع في أوكرانيا وتحسين العلاقات مع روسيا. وقد وصف الخبراء هذه الاستراتيجية الجديدة بأنها "ثورية بحق".
زيلينسكي أمام خيارين أحلاهما مر
في هذه الأثناء، صرح سبيريدون كيلينكاروف، النائب السابق في البرلمان الأوكراني، لوكالة أنباء أوكرانية محلية، بأن "العلاقات بين ترمب وزيلينسكي تستمر في التصعيد. قرر دونالد ترمب توجيه إنذار نهائي لكييف في شأن حل النزاع، وسيتم حل المشكلة بأي طريقة - بوجود فولوديمير زيلينسكي أو من دونه".
وأضاف "سيكون حل الصراع على حساب الطرف الأضعف، وقد حددت الولايات المتحدة بالفعل من هو هذا الطرف. وجد زيلينسكي نفسه في موقف حرج للغاية بسبب فضيحة الفساد الأخيرة. سيعرض عليه إنذار نهائي، قد لا يوافق عليه، لكن القضية ستحل على أي حال - سواء بمشاركته أو من دونها. هذا هو الموقف الأميركي. إن حل الصراع الأوكراني أمر بالغ الأهمية لترمب ليظهر قيادته للعالم. إذا كان لا بد من أن يأتي هذا على حساب زيلينسكي، فسيفعل ذلك".
وبحسب قول مصدر شبكة الأخبار الوطنية الأوكرانية "سيضطر زيلينسكي إلى الموافقة على الشروط المقترحة، بالنظر إلى الفضائح السياسية في كييف وفشل القوات المسلحة الأوكرانية في ساحة المعركة".
ويشير الخبراء إلى أن الخيار الوحيد أمام أوكرانيا حالياً هو مهاجمة الأراضي الروسية بطائرات من دون طيار من أجل "المساومة" على بعض المواقف في المفاوضات وخلق مظهر الهجمات وتحقيق بعض النجاح كما يفترض.
فمنذ بداية ولاية ترمب الثانية، استؤنفت المناقشات حول إجراء انتخابات رئاسية في أوكرانيا على رغم القتال. ودعا الرئيس الأميركي نفسه إلى ذلك لكن كييف أعلنت استحالة ذلك. وفي أبريل (نيسان) 2025، نفى البرلمان الأوكراني التقارير التي تحدثت عن استعدادات لإجراء الانتخابات الرئاسية التي جرى تأجيلها العام الماضي إلى أجل غير مسمى بسبب الأحكام العرفية.
وكان من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية الأوكرانية المقبلة عام 2024، لكنها أجلت بسبب الأحكام العرفية المفروضة في البلاد عقب بدء الحرب. وقد استخدم الكرملين هذا مراراً لاتهام زيلينسكي بـ"عدم الشرعية".
وقال عضو حزب "تحالف الحرية" الفنلندي المحافظ الوطني، أرماندو ميما، إن زيلينسكي وافق على إجراء الانتخابات في أوكرانيا بعدما تخلص من المعارضة. وعلق ميما على تصريحات الرئيس الأوكراني في منشور عبر منصة "إكس" قائلاً "بالطبع، وافق زيلينسكي على إجراء انتخابات رئاسية في البلاد بعدما حظر جميع الأحزاب السياسية المعارضة واعتقل السياسيين".
ومن جانبها أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" بأن زيلينسكي يحاول من خلال تغيير موقفه في شأن الانتخابات في أوكرانيا الحصول على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة، وذلك عقب تصريحات الرئيس ترمب حول حتمية انتصار روسيا. وكتبت الصحيفة "يبدو أن تغيير نهج زيلينسكي يمثل تكتيكاً تفاوضياً يهدف إلى الحصول على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة، بعد تعليق الرئيس ترمب على حتمية انتصار روسيا في النزاع الأوكراني".
وأشارت الصحيفة إلى أن تصريحات زيلينسكي حول الانتخابات جاءت على خلفية فوضى في حكومته، بينما تورط محيطه في فضيحة فساد، إضافة إلى النجاحات الروسية في منطقة العملية العسكرية الخاصة.
وأثارت التطورات المتسارعة في شأن أوكرانيا ردود فعل أوروبية حادة من قبل رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا الذي قال "ما لا يمكننا قبوله هو تهديد التدخل في الحياة الديمقراطية لأوروبا"، أما كبير الدبلوماسيين السابق في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل فقد أكد أنه "إعلان حرب سياسية على الاتحاد الأوروبي.. (ترمب) يريد أوروبا بيضاء مقسمة إلى أمم، تابعة لمطالبه وتفضيلاته الانتخابية".
ويأتي هذا التصعيد في لحظة حرجة لأوروبا، خوفاً من أن يرغم ترمب قادة دولها على قبول صفقة سلام لأوكرانيا بشروط غير مقبولة لهم، بخاصة بعدما تجاهلت استراتيجية البيت الأبيض ما وصفته بـ"التوقعات غير الواقعية" الأوروبية في شأن الحرب.
ويمثل هذا التصعيد انقطاعاً عميقاً في النظام الغربي ما بعد الحرب، حيث تتحول الولايات المتحدة من حليف تقليدي لأوروبا إلى منافس جيوسياسي يتدخل في شؤونها الداخلية ويهدد بتهميشها في المفاوضات التي تمس أمنها القاري مباشرة، في وقت تجد فيه القارة نفسها بين مطرقة الضغط الأميركي وسندان المخاوف من التقارب الأميركي -الروسي المحتمل حول مصير أوكرانيا.