Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تمكن شركة واحدة الحكومة الأميركية من "رؤية كل شيء"؟ 

عمل "بالانتير" ضد المهاجرين يثير مخاوف من تحول أميركا إلى دولة بوليسية

عندما توقع حكومة الولايات المتحدة عقوداً مع شركات التكنولوجيا الخاصة، نادراً ما تصل التفاصيل الدقيقة إلى الجمهور، لكن شركة "بالانتير تكنولوجيز" جذبت اهتماماً متزايداً أخيراً (موقع بالانتير)

ملخص

أعاد تعاقد الإدارة الأميركية مع شركة "بالانتير" لتحليل البيانات والذكاء الاصطناعي إلى الواجهة مسألة الرقابة الأمنية وحدودها، ومدى انتهاك حريات المدنيين وخصوصياتهم.

بينما دافع أليكس كارب، الرئيس التنفيذي لشركة تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي "بالانتير"، عن مساعدة شركته لحملة إدارة الرئيس دونالد ترمب في الهجرة، نافياً تطوير شركته أدوات مراقبة جماعية، ثارت انتقادات حول الخصوصية والمساءلة في دولة تعتمد على البيانات، واستخدام الحكومة الأميركية لها بطرق يمكن أن تقوض الحريات المدنية من دون موافقة السلطات التشريعية والقضائية، خصوصاً مع اتساع نطاق الحملة التي تشنها سلطات الهجرة الأميركية ضد المهاجرين من أفغانستان والصومال عقب جريمة قتل عنصرين من "الحرس الوطني" قرب البيت الأبيض في واشنطن، فكيف تمكنت شركة "بالانتير" عبر منصتها "غوثام" من تمكين الحكومة الأميركية من رؤية كل شيء؟ ولماذا يثير ذلك قلقاً حول الأخطار السياسية والاجتماعية وإمكان تحول أميركا إلى دولة بوليسية؟

عاصفة من الجدل

في ظل حملة إدارة ترمب على الهجرة التي تصاعدت بصورة غير مسبوقة عقب مقتل عنصرين من "الحرس الوطني" قرب البيت الأبيض في كمين يقول الادعاء إن مهاجراً أفغانياً نفذه، تفجرت عاصفة من الجدل حينما دافع أليكس كارب، الرئيس التنفيذي لشركة تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي "بالانتير"، عن المساعدة التي تقدمها شركته لحملة إدارة ترمب على الهجرة، نافياً في الوقت نفسه أن بالانتير تطور أدوات مراقبة جماعية.

كان السبب وراء هذا الجدل هو ذلك النقاش الحاد الذي دار خلال مقابلات "ديلبوك" السنوية التي تنظمها صحيفة "نيويورك تايمز"، وتضم لقاءات مع شخصيات بارزة في مجال الأعمال والسياسة والثقافة، بناء على التغير الملاحظ الذي طرأ على مواقف أليكس كارب من منتقد صريح لترمب وسياساته، وانسحابه من عقود مع الحكومة الفيدرالية تستهدف الأقليات والمهاجرين، لأنه اعتبرها "غير أخلاقية" باعتباره مدافعاً عن القيم التقدمية، إلى دعمه سياسات ترمب إزاء الهجرة وتحول شركته "بالانتير" لتصبح الأداة الرئيسة التي تسمح للوكالات الحكومية بمشاركة البيانات وتتبع المهاجرين، لمساعدة إدارة الهجرة والجمارك في تحقيق أهداف إدارة ترمب المتعلقة بالهجرة.

سبب التحول

وعلى رغم أن كارب دافع بشدة عن عمل "بالانتير" مع الحكومتين الأميركية والإسرائيلية، في تطوير نظم المراقبة، مجادلاً بأن شركته التي وصفها بأنها أهم شركة تقنية في العالم، تعمل على الحفاظ على سلامة الناس، إلا أن برنامج شركته المعروف باسم "نظام تشغيل الهجرة"، لعب دورا رئيساً في دعم حملة الترحيل الجماعي التي تقودها الإدارة الأميركية، التي تصاعدت في الأيام الأخيرة بإجراءات مثل إيقاف طلبات الهجرة من مواطني 19 دولة، وبدء حملة ضد المهاجرين الصوماليين تحديداً في ولاية مينيسوتا، ووقف قبول طلبات المهاجرين الأفغان بصورة عامة، فضلاً عن إعلان ترمب أنه سيوقف الهجرة من دول العالم الثالث بصورة دائمة، وسيرحل المهاجرين غير الشرعيين على نطاق واسع، وسينهي جميع المزايا والإعانات الفيدرالية لغير المواطنين الأميركيين.

ومن بين أسباب هذا التحول هو أن المسؤولين التنفيذيين في "بالانتير" اعتبروا إعادة انتخاب ترمب تفويضاً من الناخبين لتشديد الرقابة على الحدود، وبدأوا بالاستجابة لأوامره التنفيذية في عدد من القضايا مثل الشركات الأخرى، كما أن كارب، وهو من أب يهودي وأم أميركية أفريقية، ساند إسرائيل بقوة بعد هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مما قربه من صقور الأمن القومي الجمهوريين، وهو ما يؤكده أيضاً مايكل شتاينبرغر، كاتب سيرة كارب، فيقول إن أحد العوامل المهمة في تحول كارب نحو اليمين كان هجوم السابع من أكتوبر، ونقل في كتابه قوله عن كارب إنه على استعداد تام للتغاضي عن خلافاته مع الجمهوريين حول قضايا أخرى بسبب موقفهم من هذه القضية، كما رأى كارب أيضاً أن اليسار تخلى عنه، وعبر عن استيائه مما اعتبره عدم رغبة الحزب الديمقراطي في السيطرة على الحدود.

ولا يمكن إغفال العامل المادي أيضاً الذي جعل "بالانتير" تفوز بعقود حكومية وعسكرية بمئات الملايين من الدولارات من إدارة ترمب، وأصبحت لاعباً رئيساً في مجال الذكاء الاصطناعي، مما ساعد في ارتفاع سعر سهمها بأكثر من الضعف خلال الأشهر الـ12 الماضية.

 

ماذا تفعل "بالانتير"؟

عندما توقع حكومة الولايات المتحدة عقوداً مع شركات التكنولوجيا الخاصة، نادراً ما تصل التفاصيل الدقيقة إلى الجمهور، لكن شركة "بالانتير تكنولوجيز" جذبت اهتماماً متزايداً على مدار العقد الماضي نظراً إلى حجم ونطاق عقودها مع الحكومة عبر منصتين رئيستين لها هما "فاوندري" و"غوثام".

تستخدم شركات القطاع الخاص منصة "فاوندري" للمساعدة في عملياتها العالمية، بينما يتم تسويق "غوثام" على أنه "نظام تشغيل لصنع القرار العالمي"، وتستخدمه الحكومات بصورة أساسية، وهي منصة تحقيقات مصممة للشرطة ووكالات الأمن القومي وأجهزة الاستخبارات وإدارات الصحة العامة، وغيرها من الجهات الحكومية، وغرضها جمع أي بيانات تمتلكها أية وزارة أو وكالة فيدرالية بالفعل، وتقسيمها إلى أصغر مكوناتها، ثم ربط النقاط ببعضها بعضاً، لكن "غوثام" ليست مجرد قاعدة بيانات، كونها تأخذ بيانات مجزأة ومتناثرة عبر وكالات مختلفة ومخزنة بتنسيقات مختلفة، وتحولها إلى شبكة موحدة قابلة للبحث.

كيف يعمل "غوثام"؟

يمكن هذا البرنامج محللي أجهزة الأمن وإنفاذ القانون والحكومة من ربط مجموعات بيانات ضخمة ومتباينة ببعضها بعضاً، وبناء ملفات استخبارية، والبحث عن الأفراد بناء على خصائص دقيقة كالوشم على أجسادهم أو حالة الهجرة، كما يحول البرنامج السجلات الثابتة إلى شبكة معلوماتية ونظام مراقبة سلس بناء على معلومات من ملفات إدارة المرور، وتقارير الشرطة، وبيانات مواقع التواصل الاجتماعي، مثل سجل المواقع التي تنقل عبرها الشخص والرسائل الخاصة.

وعلى سبيل المثال، إذا كان هناك اسم أو مجموعة أسماء مرتبطة بلوحة ترخيص سيارة، يمكن استخدام بيانات قارئ لوحات الترخيص الآلي لمعرفة أماكن وجودهم ووقت وجودهم، مما يتيح معلومات كاملة عن أماكن قيادة الشخص خلال أية فترة زمنية، وباستخدام الاسم تستطيع الأجهزة الأمنية أو الحكومية العثور على عنوان البريد الإلكتروني للشخص وأرقام هواتفه وعناوينه الحالية والسابقة وحساباته المصرفية، وأرقام الضمان الاجتماعي وعلاقاته التجارية وعلاقاته العائلية، ومعلومات رخصة القيادة مثل الطول والوزن ولون العينين، ويمكن للبرنامج تحديد أفراد عائلة الشخص، وشركاء أعماله المشتبه بهم، إذ يتم تجميع كل هذه المعلومات وتلخيصها بطريقة تمنح جهات إنفاذ القانون معرفة شبه شاملة بأي مشتبه به تقرر مراقبته.

وهكذا تستخدم الإدارات والوكالات الفيدرالية منصة "غوثام" لجمع ملفات تعريف مفصلة للأفراد، ورسم خرائط لشبكاتهم الاجتماعية، وتتبع تحركاتهم، وتحديد خصائصهم الجسدية، ومراجعة سجلهم الإجرامي إن وجد، بما في ذلك رسم خرائط شبكة لعضو عصابة مشتبه به باستخدام سجلات الاعتقال وبيانات قارئ لوحات السيارات، أو تحديد الأفراد في منطقة معينة بحالة هجرة محددة.

لا يمكن إنكار كفاءة المنصة، لأن ما كان يتطلب في السابق بالنسبة إلى المحققين، أسابيع من التدقيق عبر أنظمة منعزلة، يمكن إنجازه الآن في ساعات أو أقل، لكن من خلال تعزيز القدرة التحقيقية للحكومة، يغير برنامج "غوثام" أيضاً العلاقة بين الدولة والشعب الذي تحكمه.

تغيير ميزان القوى

تتضح التداعيات السياسية لصعود شركة "بالانتير" عند النظر في نفوذها وامتدادها الحكومي، فقد أنفقت إدارة الهجرة والجمارك الأميركية وحدها أكثر من 200 مليون دولار على عقود بالانتير، معتمدة على برنامج تشغيل نظام إدارة القضايا التحقيقية، ولدمج سجلات السفر، وسجلات التأشيرات، والبيانات البيومترية، وبيانات مواقع التواصل الاجتماعي.

كما منح البنتاغون شركة "بالانتير" عقوداً بمليارات الدولارات لدعم العمليات الاستخبارية خلال المعارك والتحليلات القائمة على الذكاء الاصطناعي، بل إن الوكالات المحلية مثل مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها ودائرة الضرائب، وإدارات الشرطة المحلية، مثل إدارة شرطة نيويورك، تعاقدت مع "بالانتير" لمشاريع دمج البيانات.

غير أن عمليات الدمج هذه تعني أن "بالانتير" ليست مجرد بائع برمجيات، بل أصبحت شريكاً في كيفية تنظيم الحكومة الفيدرالية للمعلومات والتصرف بناء عليها، مما يخلق نوعاً من التبعية وتغيير ميزان القوى، لأن هذه الشركة الخاصة نفسها أصبحت تساعد في تحديد كيفية إجراء التحقيقات، وكيفية تحديد أولويات الأهداف، وكيفية عمل الخوارزميات، وكيفية تبرير القرارات.

وإذ إن "غوثام" نظام تمتلكه شركة "بالانتير"، لا يستطيع الجمهور، وحتى المسؤولون المنتخبون، فهم كيفية تقييم خوارزمياته لنقاط بيانات معينة أو سبب إبرازها لروابط معينة، ومع ذلك فإن الاستنتاجات التي تنتجها قد تكون لها عواقب وخيمة مثل إدراج الشخص على قائمة الترحيل أو تصنيفه كخطر أمني، بحسب ما تشير المديرة المساعدة في مركز دراسات اللاجئين بجامعة إنديانا نيكول بينيت، التي تحذر من أن "هذا التعتيم يقلل ويضعف من الرقابة الديمقراطية، كما أن اتساع نطاق النظام وانتشاره الواسع يعنيان أن الأخطاء أو التحيزات قد تتفاقم بسرعة لتؤثر في عدد من الأشخاص".

تحذيرات التوسع

على رغم أن مؤيدي عمل "بالانتير" يجادلون بأنه يطور أنظمة تكنولوجيا المعلومات الحكومية القديمة، ويقربها من نوع التحليلات المتكاملة المعتادة في القطاع الخاص، إلا أن الأخطار السياسية والاجتماعية تبدو كبيرة، فالبحث المركزي القائم على السمات، سواء حسب الموقع أم حالة الهجرة أم الوشم أم الانتماءات، يتيح إمكانية التنميط الجماعي، وإذا توافر هذا النوع من الأنظمة في الأيدي الخطأ، أو حتى في الأيدي حسنة النية في ظل ظروف سياسية متغيرة، فقد يسهل مراقبة مجتمعات بأكملها، كما أن المعايير التي تدفع إلى التدقيق اليوم قد تتوسع غداً.

ويقدم تاريخ الولايات المتحدة أمثلة تحذيرية كثيرة، فالمراقبة الجماعية للمجتمعات الإسلامية بعد أحداث الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001، واستهداف نشطاء الحقوق المدنية في ستينيات القرن الماضي، ومراقبة المتظاهرين المناهضين للحرب خلال حقبة فيتنام، ليست سوى أمثلة قليلة على إمكان توغل المراقبة والتعدي على حقوق المواطنين وخصوصيتهم. ومن المرجح أن تعمل قدرات "غوثام" على تمكين الوكالات الحكومية من تنفيذ عمليات مماثلة على نطاق أوسع بكثير وبسرعة أكبر، ومع وجود بنية تحتية لتكامل البيانات، ستميل استخداماتها إلى التوسع، وغالباً في مجالات بعيدة من نطاقها الأصلي.

تحول مقلق

الأمر الأعمق هنا لا يقتصر على جمع الحكومة مزيداً من البيانات، بل يتمثل في تحول هيكل الحكم إلى نموذج يتأثر فيه صنع القرار بصورة متزايدة بما تكشفه منصات البيانات المدمجة، ففي حقبة ما قبل "غوثام" كان الاشتباه في ارتكاب شخص ما مخالفة ما يتطلب أدلة محددة مرتبطة بحدث أو رواية شاهد، أما في نظام "غوثام"، فقد ينبع الشك من أنماط في البيانات تحدد أهميتها خوارزميات مسجلة ملكيتها لصالح شركة "بالانتير" وحدها.

هذا المستوى من تكامل البيانات يعني أنه بإمكان المسؤولين الحكوميين استغلال الأخطار المستقبلية المحتملة لتبرير إجراءاتهم الحالية، ويتماشى هذا التحول التنبؤي في الحوكمة مع تغير أوسع نطاقاً نحو ما يسميه بعض الباحثين "الأمن الاستباقي"، وهو منطق من شأنه أن يقوض الضمانات القانونية التقليدية التي تشترط الإثبات قبل العقاب.

أخطار على الديمقراطية

تثير الشراكة بين "بالانتير" والحكومة الفيدرالية الأميركية تساؤلات جوهرية حول المساءلة في دولة تعتمد على البيانات مثل: من يقرر كيفية استخدام هذه الأدوات؟ من يمكنه الطعن في قرار اتخذ بواسطة برنامج، خصوصاً إذا كان هذا البرنامج مملوكاً لشركة؟ وفي غياب قواعد واضحة ورقابة مستقلة، هناك خطر من أن تصبح تقنية "بالانتير" أسلوباً افتراضياً لطريقة الحكم يمكن استخدامها ليس فقط لتتبع المجرمين أو الإرهابيين المشتبه بهم، ولكن أيضاً لإدارة تدفقات الهجرة، ومراقبة الاحتجاجات وقمعها، وتطبيق تدابير الصحة العامة، إذ لا يكمن القلق في وجود قدرات تكامل البيانات، بل في أن تستخدمها الوكالات الحكومية بطرق تقوض الحريات المدنية من دون موافقة قضائية أو تشريعية.

وبمجرد استخدام هذه النظم يكون من الصعب تفكيكها، لأنها تخلق توقعات جديدة للسرعة والكفاءة في إنفاذ القانون، مما يجعل العودة لعمليات يدوية أبطأ أمراً مكلفاً سياسياً، ولن يقيد التكنولوجيا فحسب، بل أيضاً نطاق المراقبة الموسع الذي تتيحه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل تنتهك الحريات؟

على مدى سنوات، تحدت "بالانتير" تصنيفها سياسياً، إذ عملت مع إدارات من كلا الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) على مشاريع تجنبتها شركات وادي السيليكون الأخرى، مثل "مشروع مافن" التابع للبنتاغون، وهو نظام تحديد الأهداف بالذكاء الاصطناعي، لكن دعمها لدائرة الهجرة والجمارك في حملة قمع ترحيل المهاجرين التي تخللتها اشتباكات عنيفة وتحديات قضائية صارمة، أثار جدلاً بين الموظفين الحاليين والسابقين في "بالانتير" حول ما إذا كان ذلك يتعارض مع قيم الشركة ويهدد مكانتها.

وبعد سبعة أشهر من بدء المشروع، الذي جرى تجديده في أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، لا يزال بعض موظفي "بالانتير" يشعرون بالقلق في شأن نظام تشغيل الهجرة، إذ يطرحون تساؤلات حول ما إذا كان ينبغي وقف العقد إذا تحول استخدام إدارة الهجرة والجمارك لهذه التقنية إلى إجراءات خارج نطاق القانون أو انتهكت مبادئ الحريات المدنية للشركة.

وحتى الآن رفضت إدارة الهجرة والجمارك الأميركية ووزارة الأمن الداخلي الكشف عما يسمى نظام تشغيل الهجرة، واكتفت وزارة الأمن الداخلي بالإشارة إلى أن شركة "بالانتير" متعاقدة معها منذ 14 سنة، إذ تقدم حلولاً لإدارة القضايا التحقيقية وعمليات إنفاذ القانون لهيئة الهجرة والجمارك. ومع ذلك تشير وثائق إدارة الهجرة إلى أن "بالانتير" وقعت عقداً بقيمة 30 مليون دولار لبناء نظام تشغيل الهجرة الذي يهدف إلى تسهيل عمليات اختيار واعتقال الأجانب غير الشرعيين، بناء على أولويات إدارة الهجرة وتقليل الوقت والنفقات في عمليات الترحيل، وتتبع الأفراد الذين يغادرون البلاد طواعية.

ومع ذلك رفضت إدارة الهجرة وشركة "بالانتير" الكشف عن عدد الأشخاص الذين يتتبعهم النظام، والوكالات التي يسحب منها البيانات، وما إذا كانت هناك ضمانات ضد خطأ في تحديد الهوية أو الإفراط في جمع بيانات المراقبة.

كيف تغيرت "بالانتير"؟

خلال رئاسة ترمب الأولى، أوضحت شركة "بالانتير" بأنها لن تتعاون مباشرة مع قسم عمليات إنفاذ القانون التابع لإدارة الهجرة والجمارك في شأن عمليات الترحيل، وأشارت إلى خطر انتهاكات حقوق الإنسان، وحصرت عقودها في قسم تحقيقات الأمن الداخلي التابع للوكالة، الذي كان يعمل على قضايا مثل الإرهاب والاتجار بالجنس وتهريب المخدرات. وبررت كورتني بومان، مديرة الخصوصية والحريات المدنية في الشركة، في رسالة في عام 2020 إلى "منظمة العفو الدولية"، موقف الشركة بأنها تشارك منظمة العفو قلقها إزاء الانتهاكات الجسيمة المحتملة لحقوق الإنسان ضد المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء على الحدود الأميركية - المكسيكية، وإزاء أخطار تطبيق قوانين الهجرة غير المتناسبة داخل الولايات المتحدة.

لكن الحال تغير الآن، إذ يدافع المسؤولون التنفيذيون في شركة "بالانتير" عن تعاقداتهم مع الحكومة، مشيرين إلى تغير آراء الناخبين في شأن قضية الحدود والتغييرات في هيكلية إدارة الهجرة، وإعطاء ترمب الأولوية لإنفاذ قوانين الهجرة والجمارك بدلاً من الأمن القومي، واعتبرت الشركة في بيان داخلي أن الحوار الوطني حول إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك، سواء على الحدود أم داخل الولايات المتحدة، شهد تحولاً مما استوجب توسيع نطاق عمل الشركة.

بنية لدولة بوليسية

غير أن المنتقدين يقولون إن نظام إدارة الهجرة يمثل خرقاً لمبادئ القانون وحقوق الشفافية والخصوصية، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة من الرأي العام، بما في ذلك من بول غراهام، المؤسس المشارك لشركة "واي كومبيناتور"، الذي كتب على موقع "إكس" أن بالانتير "تبني البنية التحتية لدولة بوليسية"، كما اتهم 13 من الموظفين السابقين في الشركة قيادة "بالانتير" بالتواطؤ في تطبيع الاستبداد في أميركا.

وأدى تراجع "بالانتير" عن سياستها السابقة إلى استقالة بعض الموظفين ومنهم بريانا كاثرين مارتن، التي عملت كخبيرة استراتيجية للحكومة الأميركية في الشركة لما يقرب من ثلاث سنوات، وكتبت على موقع "لينكدإن" أن "طريقة تعامل بالانتير كانت شفافة وموضوعية، لكن هذا تغير خلال الأشهر القليلة الماضية".  

اختيار المستقبل

ومع تعميق "بالانتير" لشراكاتها الحكومية، تتجاوز القضايا التي تثيرها تقنيتها مسألة الكلفة أو الكفاءة، فهناك آثار في الحريات المدنية واحتمال إساءة استخدامها، وإذا كان التساؤل الآن ينصب على تأثير الضمانات القانونية القوية والرقابة الشفافة في هذه الأدوات لتحليل البيانات، فإن الجواب الذي سيحدد اختيار المستقبل، يتوقف على الإرادة السياسية بقدر ما يعتمد على التصميم التقني.

وفي نهاية المطاف، فإن منصة "غوثام" من "بالانتير" ليست مجرد برنامج، إنها تمثل كيفية عمل الحوكمة الحديثة من خلال البيانات والاتصالات والمراقبة والتحكم، ومن المرجح أن تشكل القرارات المتخذة في شأن استخدامها اليوم مدى التوازن بين الأمن والحرية لعقود مقبلة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات