ملخص
طالبت منظمة "أطباء بلا حدود" بضرورة قيام حملات تطعيم شاملة بصورة عاجلة في جميع أنحاء دارفور، منوهة بأن التأخير في الاستجابة قد يؤدي إلى مزيد من الوفيات وانتشار الأمراض المعدية الأخرى، وقالت المنسقة الطبية للمنظمة في وسط دارفور سيسيليا غريكو إن "فرق أطباء المنظمة عالجت نحو 10 آلاف مصاب بالمرض بينهم 35 حالة وفاة".
يشهد إقليم دارفور وضعاً صحياً مقلقاً في ظل تزايد حدة الأمراض والأوبئة نتيجة انهيار القطاع الصحي وافتقار المستشفيات والإمدادات الطبية للأدوية والوسائل العلاجية، بسبب تعرضها للاستهداف المباشر وتدمير بنيتها التحتية.
جراء هذه الأوضاع تفشي مرض الحصبة القاتل وسط الأطفال في مناطق ومدن عدة بالإقليم، وبحسب منظمة "أطباء بلا حدود" بلغت جملة الحالات التي جرى تبليغها عن مرض الحصبة 850 حالة إصابة، بينهم 310 أطفال يعانون سوء التغذية الحاد، وكذلك أودى المرض بحياة عشرات الأطفال.
أخطار وعقبات
إلى ذلك، قالت منظمة "أطباء بلا حدود" إن معدلات الحصبة الأسبوعية تتزايد بسرعة في ولاية وسط دارفور هذا العام، إذ ارتفعت من ثلاث حالات في يوليو (تموز) إلى الـ22 في أغسطس (آب)، و43 حالة في سبتمبر (أيلول)، ووصلت إلى 57 في أكتوبر (تشرين الأول)، وإلى 62 حالة في نوفمبر (تشرين الثاني).
وشددت المنظمة على أن العنف المستمر يعطل الوصول إلى الرعاية الصحية لمئات المحتاجين، في وقت كانت فيه المنظمة تستجيب بنشاط لتفشي مرض الحصبة في المنطقة.
وكشفت "أطباء بلا حدود" عن استقبال 850 مريضاً بالحصبة خلال الفترة من أبريل (نيسان) الماضي إلى نوفمبر 2025، بينهم 310 يعانون سوء التغذية.
وأفادت منسقة الطوارئ في منظمة "أطباء بلا حدود" بإقليم دارفور ميريم العروسي، بعدم إمكان استئناف الأنشطة في مستشفى زالنجي حتى تضمن قوات "الدعم السريع" ظروفاً آمنة لحماية الموظفين والمرضى"، مضيفة أنه "من غير المقبول أن تؤثر المواجهات المسلحة في المرافق الطبية والمساعدات الإنسانية".
بدوره، أوضح المنسق الطبي للمنظمة في دارفور خوسيه سانشيز أن "عدداً من المرضى الذين تعالجهم المنظمة في مستشفى زالنجي يعانون سوء التغذية الحاد، مما يزيد من خطر حدوث مضاعفات طبية خطرة".
معاناة ومخاوف
تشكو مستورة حامد التي فرت مع أسرتها من الفاشر إلى منطقة مليط من عدم تلقي طفلها لقاح الحصبة والجرعات الدورية المقررة له في عمر الأشهر التسعة الأولى وحتى بعد عام ونصف عام، وعلى رغم التنقل بين مستشفيات ومراكز صحية عدة، لكن رحلتها كانت بلا فائدة نظراً إلى عدم وجود اللقاحات الضرورية".
وأوضحت حامد أن "عشرات الأمهات يعانين في سبيل الحصول على جرعات تطعيم للأطفال من دون جدوى، في وقت تعجز وزارة الصحة عن توفير اللقاحات بحجة إغلاق الطرق وتصاعد المعارك في الإقليم، مما يعرض اليافعين إلى خطر الموت".
ونوهت النازحة السودانية إلى أن "تكدس مئات الأطفال في مراكز الإيواء أدى إلى ظهور مشكلات صحية كثيرة، فضلاً عن تفشي الأوبئة وانعدام الأدوية، كما أن نسبة كبيرة من الأطفال في حاجة إلى إجراء فحوص طبية بصورة دورية وتقديم العلاجات المطلوبة".
انعدام اللقاحات
في السياق قال المواطن السوداني هارون داوود الذي يسكن مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور إن "الأطفال يعيشون أوضاعاً إنسانية مزرية نتيجة تدهور الأحوال المعيشية بصورة تضعهم في مواجهة الموت البطيء بخاصة بعد انتشار مرض الحصبة والنقص الحاد في الغذاء والدواء".
وأضاف أن "أعداد المصابين تتزايد بصورة مخيفة ومقلقة كل يوم، في وقت تفشل فيه الكوادر الطبية في السيطرة على الوباء بسبب توقف المراكز الصحية، إلى جانب تراجع معدلات تطعيم الأطفال نتيجة انعدام اللقاحات في المستشفيات والمرافق الطبية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح داوود أن "الأوضاع في معسكرات إيواء النازحين تتفاقم بصورة يومية بظل ارتفاع حالات وفيات الأطفال بمرض الحصبة بسبب الجوع وعدم تلقي العلاج".
تدابير صحية
على الصعيد نفسه، أشار المدير العام لوزارة الصحة بولاية غرب دارفور عبدالسلام مصطفى صالح إلى تزايد حالات الإصابة بمرض الحصبة وسط الأطفال في محلية فوربرنقا، إذ سجلت نحو 40 حالة"، ونوه بأن "هذا الوضع يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان صحة وسلامة الأطفال في المنطقة وتوفير الرعاية الصحية لإنقاذ أرواح اليافعين من الموت".
ولفت صالح إلى أن "الوزارة أرسلت فريقاً طبياً لتقصي الحقائق وتقييم الوضع الصحي، إضافة إلى العمل على منع انتشار المرض من خلال التدابير الطبية، وإعادة النظر في استراتيجيات التحصين لضمان حماية الأطفال من الأمراض المعدية".
حالات وفاة
على نحو متصل، وأوضح الناشط في مجال العمل الطوعي الإنساني بمنطقة طويلة عبدالرحمن الرحمة أن "حالات سوء التغذية بلغت في معسكر واحد فحسب، نحو 400 حالة، بينما وصل عدد حالات سوء التغذية الحاد إلى أكثر من 150 حالة، معظمها من الأطفال، وجراء هذه الأوضاع انتشر مرض الحصبة القاتل وسط اليافعين وحصد أرواح عشرات".
وأضاف الرحمة "توفي 13 طفلاً بمعسكر لقاوة للنازحين في شرق دارفور بسبب سوء التغذية، وعجز أسرهم عن نقلهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج"، ونوه الرحمة بأن "المراكز الطبية القليلة التي لا تزال تعمل تعاني انعدام اللقاحات، إذ انخفضت مستويات التطعيم إلى أدنى مستوياتها منذ تصاعد المعارك وعدم وصول المنظمات الإنسانية إلى مدن ومناطق عدة في الإقليم".
عواقب وخيمة
من جهته، يرى الطبيب السوداني المتخصص في مكافحة العدوى منتصر هلالي أن "الحصبة عدوى فيروسية حادة، يمكن أن تنتقل بسهولة من شخص إلى آخر، وقد تكون عواقبها على الأطفال الصغار وخيمة، إذ إنهم أكثر عرضة للإصابة بها، نظراً إلى عدم اكتمال نمو جهازهم المناعي، وكذلك عدم تلقيهم اللقاحات الكافية، لكنها قد تشكل خطراً كبيراً أيضاً على البالغين".
وطالب هلالي بضرورة تنفيذ حملات تطعيم عاجلة في مراكز إيواء النازحين في إقليم دارفور، خصوصاً بعد ظهور عدد مقلق من الحالات وتزايد الوفيات وسط الأطفال"، ولفت إلى أن "التحصين باللقاح فعال ويحمي نحو 99 في المئة من الملقحين، ويؤدي ذلك في العادة إلى مناعة مدى الحياة لذلك يجب عدم إهماله".
وأبدى المتخصص في مكافحة العدوى تخوفه "من ظهور حالات الحصبة في مدينة الفاشر والمناطق المحيطة التي يصعب الوصول إليها لتقديم الخدمات الصحية في ظل سيطرة قوات ’الدعم السريع‘ على المدينة وارتكاب مجازر وفظاعات".
تحذيرات أممية
وسط هذه الأجواء، حذرت "اليونيسيف" ومنظمة الصحة العالمية في بيان من تعرض أطفال السودان لخطر الأمراض المميتة، وأوضح البيان أن "880 ألفاً في الأقل، بما يعادل أكثر من نصف الرضع، لم يتلقوا الجرعة الأولى من لقاحات التيتانوس (الكزاز) والسعال الديكي والخناق، التي كان مقرر تلقيها في العام الماضي".
وشدد البيان على أن السودان يسجل الآن أدنى تغطية بلقاح السعال الديكي في العالم، فضلاً عن انخفاض تغطية اللقاح الثلاثي من 94 في المئة عام 2022 إلى 48 في المئة العام الماضي، ويعد ذلك أدنى تغطية في السودان منذ عام 1987، وأضاف البيان أن "هذا الانخفاض أدى إلى تفشي شلل الأطفال والحصبة وأمراض أخرى يمكن الوقاية منها باللقاحات".
وطالبت منظمة "أطباء بلا حدود" بضرورة قيام حملات تطعيم شاملة بصورة عاجلة في جميع أنحاء دارفور، منوهة بأن التأخير في الاستجابة قد يؤدي إلى مزيد من الوفيات وانتشار الأمراض المعدية الأخرى.
وقالت المنسقة الطبية للمنظمة في وسط دارفور سيسيليا غريكو، إن "فرق أطباء المنظمة عالجت نحو 10 آلاف مصاب بالمرض بينهم 35 حالة وفاة".
وأشار اختصاصيون إلى أن "ظروف الحرب الحالية لا تسعف بحملة شاملة للتطعيم في إقليم دارفور، لأنها عملية معقدة تتحكم فيها عوامل عدة، أهمها التخطيط الدقيق فضلاً عن متطلباتها وحاجاتها، خصوصاً في ما يتعلق بسعات آلات التخزين لحفظ الأمصال لفترة قد تمتد لعام كامل، بالتالي فلا بد من خطة بديلة أو طارئة كعمل اضطراري، بوصفها الخيار المتاح في حال حدوث انتشار وبائي لمرض الحصبة".