ملخص
استعداداً لاحتمال وصول السياسي اليميني البريطاني نايجل فاراج إلى السلطة، بدأت جامعات المملكة المتحدة حواراً مع حزب "ريفورم" لعلها تتجنب خصومة معه تشبه التي وقعت بين نظيرتها الأميركية والرئيس دونالد ترمب وتوقفت على أثرها برامج التمويل والمنح التي تعتمد عليها مؤسسات التعليم العالي في الولايات المتحدة.
تستعد الجامعات البريطانية لمرحلة يقود فيها حزب "ريفورم" الشعبوي حكومة لندن عبر انتخابات عامة ينال فيها أكثرية برلمانية، تخشى المؤسسات الأكاديمية في المملكة المتحدة حدوث ذلك لأنها قد تجد نفسها أمام انتقام مشابه لما شهدته نظيرتها الأميركية بعد عودة الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض مطلع العام الحالي.
لا ينسجم ترمب مع اليسار عموماً في أي مكان حول العالم، وعندما عاد إلى رئاسة الدولة قبل نحو عام أعلن الحرب على جميع مظاهره داخل الولايات المتحدة، فطاولت الخصومة الجامعات التي يتهمها الرئيس الأميركي بتشجيع أصوات هذا التيار، ويأخذ عليها الترويج لأفكار "تشكك" بالدين والجنس والعائلة وغيرها من المفاهيم.
خاض ترمب معارك اقتصادية وقانونية ضد الجامعات الأميركية، فأوقف تمويل أبحاث ودراسات ترتبط بالتحول الجنسي والحداثة العابرة للانتماءات التقليدية إن جاز التعبير، كذلك ربط الدعم الذي تحصل عليه مؤسسات التعليم العالي بقدرتها على تقييد الفعاليات التي يرى فيها معاداة للسامية أو "تشجيعاً" على الهجرة غير الشرعية.
حتى تأشيرات الطلبة الدوليين الذين يصنفون في خانة "اليسار" عمل ترمب على تقييدها، وضغط على الجامعات للتدقيق في توجهات الشباب الذين تفتح لهم أبواب الالتحاق بصفوفها، وضبط سلوك هؤلاء الأجانب الذين دخلوا الولايات المتحدة قبل ولايته الثانية، وشرعوا ببث "أفكارهم اليسارية" في الجامعات وبخاصة بعد حرب غزة.
كل ما حدث في أميركا تخشى الجامعات البريطانية وقوعه في المملكة المتحدة إذا وصل نايجل فاراج، صديق ترمب، إلى المنزل رقم 10 في لندن بعد ثلاثة أعوام ونصف العام، عندما تفتح صناديق الاقتراع أمام البريطانيين لاختيار برلمانهم الجديد، إذ تتوقع استطلاعات الرأي حصول حزب "ريفورم" على أكثرية تمكنه من الحكومة.
في سبيل تجنب الخصومة مع فاراج شرعت الجامعات البريطانية بفتح قنوات حوار مع "ريفورم" الذي يمثله خمسة نواب فقط في البرلمان اليوم، فعُقدت أخيراً لقاءات بين ممثلين عن الحزب الشعبوي ومندوبين عن مجموعة "راسل" التي تضم 24 مؤسسة أكاديمية في المملكة المتحدة، من بينها أسماء تنافس دائماً على الصدارة العالمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أخبار تلك اللقاءات كشفتها ملاحظات سجلت حول مضمونها وسربت إلى وسائل الإعلام المحلية، كتبت عنها صحيفة "التايمز" وإذاعة "بريطانيا العظمى"، وتبين من خلالها أن فاراج كان ينوي حقيقة بناء إستراتيجية تقتدي بنموذج ترمب في التعامل مع "اليسارية" في جامعات المملكة المتحدة، وحتى إعادة النظر في برامج التعليم العالي.
تمخض عن الاجتماع اتفاق بلقاء آخر بين المجموعة والحزب في مارس (آذار) 2026، لوضع النقاط على الحروف كما يقال، فيرسم الطرفان تصوراً واضحاً يؤسس لصداقة بدلاً من الخصومة بينهما في المستقبل القريب، لم تذكر التسريبات تفاصيل أو خطوطاً عريضة في شأن التصور المرتقب، ولكنه حتماً سيكون يميني الهوى والتوجه.
لم تكتفِ "كامبردج" باللقاء الذي حدث بين "راسل" و"ريفورم"، وقررت عقد اجتماع خاص بينها وبين قيادات في الحزب الشعبوي لم تعرف أسماؤهم بعد، ووفق مسؤولة الشؤون الإدارية والأكاديمية في الجامعة ديبرا برانتس، عبر أحد مسؤولي "ريفورم" عن رغبته بالتخلص من "مكاتب الطلبة" كجهة تنظيمية في الجامعات البريطانية.
تصريحات برانتس وردت في اجتماع لمجلس الجامعة حضره رؤساء الكليات والأكاديميون وممثلو الطلبة، أما المستشار الجديد لـ"كامبردج"، البارون سميث، فأكد خطر نقل التجربة الأميركية إلى بريطانيا إذا وصل فاراج إلى السلطة، وقال إن "القلق من حدوث ذلك أمر واقعي، لأن الشعبوية مدفوعة دائماً بالرغبة في إلغاء النخبة".
أبرمت جامعات أميركية كبيرة مثل "هارفارد" و"كولومبيا" وغيرهما صفقات مع ترمب كي تنهي تجميده التمويلات والمنح البحثية التي تساعدها على الاستمرار، ويبدو أن المؤسسات البريطانية التي تعتمد على التمويل الحكومي ونظام قروض الطلاب تريد تجنب مثل هذا السيناريو إذا أصبح فاراج رئيساً للوزراء في عام 2029.
قبل انتخابات 2024 تعهد فاراج الذي لم يدرس في الجامعة بإعادة النظر في القروض الجامعية، وأعلن عن خطة لإطلاق برامج تعليمية تمتد على عامين فقط، وأثناء المؤتمر السنوي الأخير الذي عقده "ريفورم" في سبتمبر (أيلول) الماضي، قال زعيم الحزب "إن الجامعات تسمم عقول الأطفال بتفسير ملتوٍ لتاريخ هذه الجزر المذهلة".
صحيفة "التايمز" نقلت عن مصدر مسؤول في "كامبردج" لم تسمه أن "اللقاء مع ممثلي ’ريفورم‘ لم يكن رسمياً، وعقدت لقاءات مشابهة مع أحزاب أخرى لمناقشة شؤون التعليم العالي، كذلك فإن شخصيات سياسية مختلفة تزور المؤسسة باستمرار"، فهل يكفي هذا لتفسير خطوة الجامعة التي أُسست في القرن الـ13، وتتصدر التصنيفات العالمية، وقد فاز أعضاؤه بـ126 جائزة نوبل لاكتشافاتهم بما فيها بنية الحمض النووي؟