ملخص
على رغم الإنتاج الوفير ضربت أسواق المحاصيل الزراعية حال من الركود والكساد، مما أدى إلى خفض أسعار القطن والقمح والفول السوداني، وكذلك الخضراوات وفول الصويا، وجراء هذه الأوضاع تعرض مزارعون كثر للإعسار عن سداد ديونهم تجاه الجهات التي قامت بتمويلهم.
حقق أول موسم زراعي في مشروع الجزيرة بعد تحرير الولاية من قبضة قوات "الدعم السريع" نجاحاً كبيراً وإنتاجاً وفيراً، توج سنة فلاحية مضنية ومرهقة للمزارعين الذين تغلبوا على عقبات عدة، منها عدم توافر التمويل اللازم والمدخلات، وحصل المئات على منتجات جديدة، علها توازي جهودهم من أجل تعويض الخسائر التي تكبدوها خلال فترة سيطرة تلك القوات على الإقليم، وكذلك تأمين الأمن الغذائي.
على رغم الإنتاج الوفير ضربت أسواق المحاصيل الزراعية حال من الركود والكساد، مما أدى إلى انخفاض أسعار القطن والقمح والفول السوداني، وكذلك الخضراوات وفول الصويا، وجراء هذه الأوضاع تعرض مزارعون كثر للإعسار عن سداد ديونهم تجاه الجهات التي قامت بتمويلهم.
خسائر وأزمات
المزارع في المشروع بشري النعيم قال إن "خفض الأسعار له تأثير بالغ في الفلاحين بولاية الجزيرة، لا سيما تدني الأسعار من دون كلفة الإنتاج، مما أجبر كثيراً من المزارعين في الإقليم على البيع بالخسارة، خصوصاً محاصيل القمح وفول الصويا، ومن ثم لن يتمكنوا من الإيفاء بالتزاماتهم تجاه التجار".
وأضاف المزارع أن "الخضراوات التي تمثل الركيزة الأساس لمواطني الولاية في تغطية حاجات الأسواق المحلية تواجه حال الركود بسبب نفاد المدخرات المالية للسكان في المدن الكبرى".
ونبه النعيم إلى أن "هناك أزمات تواجه عملية تخزين المحاصيل، منها تلف المنتجات الموسمية بمجرد حلول فصل الشتاء، وعدم وجود أماكن مخصصة نتيجة تعرض المخازن لتدمير واسع خلال العامين الماضيين".
خفض الأسعار
من جانبه اعتبر عضو تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل مجاهد الفاتح أن "سكان الإقليم نجحوا في التغلب على المصاعب والمعاناة التي ظل يعيشها مزارع مشروع الجزيرة خلال الأعوام الماضية عقب اجتياح قوات ’الدعم السريع‘ للولاية وعمليات النهب والسلب التي طاولت كل أرجائها، مما أفقد سكانها كل مدخراتهم على قلتها".
وأوضح عضو تحالف المزارعين أن "موسم الحصاد حقق نسبة إنتاجية عالية للمحاصيل كافة، لكن خفض الأسعار أسهم في تعرض الغالبية لخسائر فادحة، واضطر بعضهم إلى البيع من أجل الإيفاء بالالتزمات التي تنتظرهم منذ بداية الشروع في التحضير للزراعة، خصوصاً بعد الاستدانة من التجار لتوفير الأسمدة والمبيدات والمدخلات".
ونوه الفاتح بأن "ما حدث من إعسار للمزارعين جاء بسبب تأخر البنك الزراعي في تقديم التمويل، مما أدى إلى لجوء عدد كبير منهم للاستدانة من التجار، فضلاً عن تدني الأسعار من دون كلفة الإنتاج".
مخزون استراتيجي
في السياق ذاته أشار محافظ مشروع الجزيرة إبراهيم مصطفى إلى أنه "تمت زراعة 85 في المئة من مساحة مشروع الجزيرة، وأكثر من 95 في المئة من مساحة مشروع المناقل، وهذا الموسم يشهد إنتاجية كبيرة من المشاريع المروية أو المطرية تكفي حاجة السودان وتوفر أمنه الغذائي والمخزون الاستراتيجي".
ولفت محافظ مشروع الجزيرة إلى أن "هناك بعض المزارعين فاقت انتاجيتهم أكثر من 22 جوالاً للفدان، ومنهم من وصل إلى 28 جوالاً للذرة، وهذه النجاحات بفضل دعم الدولة والتقاوي المحسنة التي وزعتها الإدارة مجاناً للمزارعين، إضافة إلى الإنتاج الوفير للفول السوداني والقطن والسمسم، وكذلك من المشاريع الواعدة فول الصويا".
ويرى مصطفى أن "دولاً عدة في مجال البنية الأساس للري وإنتاج التقاوي والمدخلات، إلى جانب شركات المعدات الزراعية على أنواعها تقدمت للاستثمار في مشروع الجزيرة".
خيارات صعبة
على الصعيد نفسه أوضح خالد السماني، أحد المزارعين في مشروع الجزيرة أن "تدني أسعار المحاصيل وضعهم أمام خيارات صعبة، فإما البيع بأسعار بخسة تعرضهم لخسائر جمة، بالتالي العجز عن سداد المديونيات التي يغرق فيها معظم مزارعي المشروع، وهي عبارة عن قروض بنكية لتأمين مدخلات الإنتاج للزراعة حرروا مقابلها شيكات، مما جعلهم مهددين بالسجن، أو الاحتفاظ المحاصيل في المخازن بظل ظروف غير ملائمة ما يعرضها للتلف والضياع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار المزارع إلى أن "هذا الوضع المعقد يسهم في تدمير قدرات المزارع على الزراعة مستقبلاً، بخاصة أن البلاد تواجه عجزاً في إنتاج المحاصيل بعد خروج ولايات دارفور الخمس وكردفان الثلاث من دائرة الإنتاج بسبب تداعيات الحرب".
وأردف السماني "شرع مزارعون كثر في تخزين المحاصيل في منازلهم بطريقة عشوائية غير آمنة انتظاراً لتحسن الأسعار وتفادياً للخسائر التي تنتظرهم، لكن دخول فصل الشتاء يجعلها معرضة للتلف".
تدخل حكومي
على نحو متصل قال المتخصص في الشأن الاقتصادي محمد الغالي إن "حال الركود التي تضرب الأسواق أدت إلى خفض أسعار المحاصيل في فترة الحصاد، وتكون المحصلة تعرض المزارعين للسجن لعجزهم عن سداد ديونهم، وعدم وجود مرونة لجدولتها".
وأضاف الخبير الاقتصادي "من دون تدخل الحكومة لشراء القمح والذرة سيضيع المحصول، فضلاً عن أن تدني الأسعار سيؤدي إلى خسائر كبيرة للمزارعين قد تدفعهم إلى العزوف عن الزراعة مستقبلاً، ما يشكل تهديداً مباشراً للأمن الغذائي في ظل ظروف الحرب الحالية".
وأوضح الغالي "يجب على الحكومة الشروع فوراً في شراء كل المنتج المحلي بأي سعر، ما دام الشراء بالعملة المحلية من أجل انقاذ المزارعين من دخول السجون وحتى لا يضيع المحصول، وكذلك من أجل توفير مخزون استراتيجي لمجابهة أزمة الجوع في ظل استمرار الحرب وعدم وجود مؤشرات جدية لوقفها".
وتابع المتخصص في الشأن الاقتصادي "الظروف التي يعانيها المزراعون حالياً تتطلب من الحكومة مساعدتهم من خلال إيجاد المناخ الملائم لهم وشراء المحاصيل بسعر مشجع لكي يتمكنوا من الزراعة باستمرار في الأعوام المقبلة، ومن ثم يجب المحافظة على هامش الربح بخلق معادلة وتوازن بين المنتج والمستهلك".
محرك رئيس
يعد القطاع الزراعي من أكبر القطاعات الاقتصادية في البلاد، ويعتمد نحو 80 في المئة من السودانيين عليه، ويعد السودان من أكبر بلدان العالم المنتجة للسمسم في العالم بعد الهند والصين، ومن الدول الأكثر إنتاجاً للذرة، إلى جانب القطن محصول التصدير الرئيس.
ويسهم القطاع الزراعي بشقيه الحيواني والزراعي بنحو 44 في المئة من إجمال الناتج القومي، فضلاً عن كونه المحرك الأول للصناعات الزراعية، وعلى رغم أن السودان يمتلك نحو 200 مليون فدان صالحة للزراعة، فإن نسبة المستغل منها لا تتجاوز 25 في المئة.