ملخص
هناك عقبات عدة تواجه المستفيدين، مثل الوصول إلى نقاط التسلم، فكثير من النازحين يعيشون في مناطق نائية أو مخيمات يصعب الوصول إليها، مما يضطرهم إلى السفر ساعات للحصول على الحوالة.
باتت تحويلات السودانيين العاملين في الخارج تشكل طوق نجاة وشريان حياة لآلاف الأسر السودانية التي تشردت في مناطق النزوح داخل البلاد وخارجها منذ اندلاع الحرب الدائرة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" أكثر من 31 شهراً، والتي أدت إلى تعطل الأعمال وتوقف الرواتب بخاصة في القطاع الأهلي.
وعلى رغم محدودية النظام المصرفي داخل السودان واتساع النزوح، تحولت تحويلات الأقارب من دول العالم المختلفة إلى شبكة أمان أساسية تغطي حاجات السكن والغذاء والعلاج لمعظم النازحين، في وقت تقدر تحويلات السودانيين قبل بداية هذه الحرب بنحو 3 مليارات دولار سنوياً، وهي قيمة جعلت هذا الدعم الخارجي عنصراً حاسماً في بقاء الأسر على قيد الحياة.
تعثر الحياة
يقول محمد آدم، الذي نزح من مدينة نيالا في غرب السودان إلى ولاية الجزيرة بوسط البلاد عندما اندلعت الحرب بعد توقف عمله كحداد "فقدت ورشة الحدادة التي أمتلكها في الأيام الأولى من اندلاع الحرب، وأغلقت الأسواق وبدأت الحياة تتعثر حولي، فاضطررت إلى النزوح وأسرتي إلى ولاية الجزيرة، حيث وجدنا مأوى بإيجار معقول لدى أقارب لنا، ومنذ ذلك الحين لم يعد عندي مصدر دخل ثابت، ولا حتى عمل يومي يوفر حاجات الأسرة"، وتابع "أعتمد في تسيير شؤون أسرتي المعيشية على شقيقي المقيم في الخليج، فهو يرسل لنا حوالة شهرية تبلغ نحو 100 دولار تقريباً وهو المبلغ الذي يعتبر بمثابة راتب كامل لنا، وفي بعض الأوقات يرسل أقاربنا في الخارج بعض المال وأحياناً يزيد المبلغ المرسل إذا احتجنا إلى دعم إضافي لعلاج أو دفع إيجار متأخر. فعند وصول الحوالة يكون أول ما أفعله دفع الإيجار، فهو أمر ضروري لضمان استمرارنا في المنزل، ثم يقسم الباقي بين الطعام والدواء والتنقل عند الحاجة".
ويرى آدم بأن "أي توقف في التحويلات يعني تعرضنا لمعاناة كبيرة، فليس هناك عمل بديل في المنطقة، ولا موارد تكفي لتغطية حاجات الأسرة، فهذه الحوالة هي الحياة التي تبقينا على قيد الاستقرار".
أولويات الإنفاق
سارة قاضي من سكان الخرطوم نزحت إلى مصر في بداية الحرب، أوضحت قائلة "في بداية نزوحنا لم نشعر بضيق في المعيشة وغيرها لأننا كنا نملك مالاً كافياً، لكن تطاول أمد الحرب جعلنا نصرف كل ما نملكه من مال وذهب، وباتت حياتنا على شفا الانهيار، لا طعام يكفي ولا علاج للأطفال ولا حتى وسيلة لتسديد الإيجار، ولم يكن أمامي خيار سوى اللجوء إلى شقيقي المقيم في الولايات المتحدة وأصبح يحول لي شهرياً مبلغاً قدره 150 دولاراً، مما أسهم بتغطية مصاريفنا وأقساط المدرسة لأطفالي، وأحياناً شراء دواء لأحدهم إذا مرض، وعلى رغم أن المبلغ يبدو صغيراً، فإنه يمنحنا فرصة للاستمرار، ويحول دون اضطرارنا إلى الاستدانة، أو إلى العمل في مهن هامشية"، وأضافت "التحويلات لا تمنحنا المال فحسب، بل تمنحنا شعوراً بالاستقرار، وتذكرنا أننا لسنا منسيين، وفي كل مرة تصل فيها الحوالة أشعر أنها بالفعل تحافظ على حد أدنى من كرامتنا، وأن أطفالي قادرون على متابعة حياتهم اليومية بأمان نسبي".
وترى قاضي أن "الحوالة الشهرية توفر لي مصدراً ثابتاً للمال، ويمكن الاعتماد عليها في تغطية أساسات الحياة اليومية، لكنها لا تكفي لتوسيع الإنفاق أو القيام بمصاريف غير ضرورية، لذلك أوزعها على متطلباتنا الأساسية بصورة عملية وصارمة وفق أولويات الإنفاق، ولا مجال للصرف خارج تلك الالتزامات، وإلا دخلنا في متاهات أخرى".
أثر معنوي
في المقابل، قال سامي النور أحد المغتربين السودانيين "مع اندلاع الحرب أصبحت لدي التزامات مالية تجاه أفراد أسرتي الذين نزحوا من الخرطوم إلى داخل البلاد وخارجها، بالنسبة إلي هذه التحويلات ليست مجرد مال، بل وسيلة للاطمئنان على الأسرة وضمان استمرار حياة أفرادها الأساسية، فعندما أرسل المبلغ وأتلقى تأكيد التسلم، أشعر أنني أسهم في استقرارهم اليومي، حتى لو كنت بعيداً آلاف الكيلومترات".
وتابع النور "على الجانب الآخر هذا الالتزام يولد ضغطاً مستمراً عليَّ، إذ يجب أن أتأكد من وصول المبلغ في الوقت المحدد، وأن يغطي الحاجات الأساسية مثل الطعام والإيجار والتعليم وغيرها"، وأردف المغترب السوداني "المكالمات الهاتفية التي تلي التحويل تمنحني شعوراً بالمسؤولية المنجزة، وتطمئنني أن الأسرة لم تترك بلا دعم، لكنها أيضاً تذكرني باعتمادهم الكبير عليَّ".
عمولات إضافية
من جانبه أوضح جمال نور الدين أحد الوسطاء العاملين في مجال التحويلات في مناطق النزوح، قائلاً "أعمل في مركز تحويلات بمحافظة الجزيرة، وأتعامل يومياً مع الأسر التي تصلها مبالغ من الخارج، فهناك عقبات عدة تواجه المستفيدين، مثل الوصول إلى نقاط التسلم، فكثير من النازحين يعيشون في مناطق نائية أو مخيمات يصعب الوصول إليها، مما يضطرهم إلى السفر ساعات للحصول على الحوالة"، وزاد "إلى جانب ارتفاع عمولات التحويل التي تراوح بين خمسة وسبعة في المئة من المبلغ المرسل، وهو ما يقلل من قيمة الحوالة المتاحة للأسرة، فضلاً عن التأخير في وصول الحوالات من الخارج في بعض الأحيان، بخاصة إذا مرت عبر بنوك عدة أو بسبب إجراءات مصرفية مشددة، مما يضطر الأسر إلى الانتظار أحياناً أياماً قبل الحصول على أموالهم، إضافة إلى استغلال بعض الوسطاء أو السماسرة مثل هذه الظروف بفرض عمولات إضافية أو محاولة استغلال حاجات الأسر، مما يجعل عملية تسلم التحويل محفوفة بالأخطار".
ومضى نور الدين في القول "من وجهة نظري، تحسين قنوات التحويل الرسمية وتوسيع نقاط التسلم داخل المخيمات والمناطق النائية سيقللان هذه المشكلات بصورة كبيرة ويضمنان وصول الأموال كاملة للأسر المستفيدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شريان اقتصادي
في السياق يشير المتخصص في علم الاقتصاد مروان طه إلى أن "التحويلات المالية من الخارج تمثل شرياناً اقتصادياً حيوياً للأسر السودانية النازحة، بخاصة في ظل توقف العمل وتراجع الرواتب".
واستطرد طه "هذه التحويلات ليست مجرد دعم مالي، بل تشكل وسيلة أساسية لضمان استمرار الأسرة، وتغطي نفقاتها الأساسية مثل الإيجار والغذاء والتعليم والعلاج"، وواصل "لكن في الوقت نفسه فإن الاعتماد الكبير على التحويلات الخارجية يجعل الأسر عرضة لتقلبات المبالغ الواردة وكلف التحويل وتأخير وصول الأموال بخاصة العالقين في مناطق الصراع والنازحين في مناطق نائية، لذلك لا بد من تحسين البنية التحتية للمدفوعات، فضلاً عن تسهيل وصول التحويلات الرسمية إلى المناطق النائية، وهو ما يؤدي إلى تقليل الاعتماد على الوسطاء وتخفيض كلف التحويل وزيادة الاستقرار الاقتصادي للأسر".
وأكد المتخصص في الاقتصاد أن التحويلات تسهم أيضاً في دعم الاقتصاد المحلي بصورة غير مباشرة، لأنها تحافظ على الطلب على السلع والخدمات الأساسية وتقلل من احتمال الانهيار الاقتصادي للأسر، لكنها لا تحل محل تنمية البنية الاقتصادية المحلية على المدى الطويل.