ملخص
إسرائيليو الشمال استفاقوا بعد يوم من اغتيال طبطبائي على هدير الطائرات وانتشار وحدات عسكرية ومعدات ومدرعات في قرار فوري من رئيس الأركان على إجراء تدريبات على سيناريو هجوم مفاجئ على إسرائيل أطلق عليها "درع وقوة" يهدف إلى فحص وتحسين جاهزية الجيش لمجموعة سيناريوهات من خلال تدريب القيادات.
شكَّل اغتيال القيادي في "حزب الله" هيثم طبطبائي الذي تعده إسرائيل الرجل الثاني في الحزب ورئيس أركانه نقطة فاصلة في ملف الجبهة الشمالية والحرب الدائرة بين لبنان وإسرائيل، فقبل أيام من مرور عام على اتفاق وقف النار اختارت إسرائيل التوقيت لاستهداف من حاولت اغتياله مرتين في الأقل خلال فترة حرب "سهام الشمال" ولم تنجح على رغم أن جهات إسرائيلية عدة كانت متفائلة من إمكان التقدم في المسار الدبلوماسي.
وبحسب مسؤول أمني فإن اغتيال طبطبائي يوجه رسالتين إلى الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني و"حزب الله" تحديداً، الأولى أن إسرائيل لن تحتوي الجهود المتزايدة لـ"حزب الله" لإعادة تأهيل ترسانته العسكرية، والثانية أن إسرائيل ماضية في عملياتها لتقليص القوة العسكرية للحزب إلى جانب زعزعة قيادته. ولمح إسرائيليون إلى أن الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم القاسم غير محصن من إسرائيل.
أما رجل الأمن، كما يصفه الإسرائيليون، والذي شغل منصب رئيس للمنطقة الجنوبية في جهاز الأمن العام، مئير شطريت، فيعد العملية إنجازاً استخباراتياً وعملياتياً للجيش الإسرائيلي، "حتى بعد سياقات التعلم التي جرت في السنة الأخيرة في ’حزب الله‘، وعلى رغم الدروس التي استخلصها في أعقاب الحرب، توضح إسرائيل أنها، الآن أيضاً، قادرة على ملاحقة الحزب والعثور على شقق اختباء عناصره وقياداته وتنفيذ هجمات دقيقة داخل أحياء سكنية في العاصمة اللبنانية بيروت".
اختبار "صفر الاحتواء"
ساعات قليلة بعد الاغتيال دخلت إسرائيل في حال استعداد وجهوزية وترقب، فيما السؤال المحوري المطروح في مختلف اجتماعات الأجهزة الأمنية والعسكرية هو إذا كان سيرد "حزب الله" على عملية الضاحية.
ونقل عن مسؤول عسكري شارك في الاجتماعات أن الجيش الإسرائيلي يستعد لاختبار جديد ضد "حزب الله". وبحسبه، "مع مرور سنة على وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، يدرك الجيش الإسرائيلي أن إسرائيل تقترب من اختبار كبير لسياسة ’صفر الاحتواء‘ التي اعتمدتها بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وقد باتت على أعتاب تنفيذ عملية قصيرة المدى للردع وتقييد قدرات ’حزب الله‘ على التسلح".
وطرحت على طاولة الأبحاث الإسرائيلية مختلف السيناريوهات لاحتمال اتخاذ "حزب الله" قراراً بالرد على العملية، على رغم التوقعات بتغلب الموقف الرافض للرد داخل الحزب. وبين سيناريوهات الرد المتوقعة:
- إطلاق عشرات الصواريخ اليومية باتجاه الجبهة الداخلية من الشمال وصولاً إلى تل أبيب في المركز.
- محاولة تسلل أو غارة إلى داخل أراضي إسرائيل أو على مواقع الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان.
- إطلاق صواريخ من قبل الحوثيين، وبالتنسيق في توقيت القصف بين الحوثيين و"حزب الله" في آنٍ واحد، لتصل إلى تل أبيب والشمال وحتى الجنوب.
في مقابل هذا اتخذت إسرائيل أيضاً مختلف الاحتياطات والجهوزية الدفاعية، ونشرت منظومات الدفاع، القبة الحديدية والليزر، في منطقة واسعة من الشمال وحتى المركز، بينما تدربت الجبهة الداخلية على عمليات إنقاذ في سيناريو قصف صاروخي مكثف من قبل "حزب الله"، وأصدرت تعليمات بتحضير الملاجئ والغرف الآمنة.
ولم يتأخر رئيس أركان الجيش إيال زامير كثيراً بعد تهديدات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بعدم السماح لـ"حزب الله" باستمرار تعزيز قدراته، بل حمل الحكومة اللبنانية والجيش المسؤولية. وأوضح زامير أن الجيش يستعد لاحتمال القتال في مختلف الجبهات التي سبق وقاتل فيها، مضيفاً، "الجيش يواصل هجماته يومياً في كل الساحات. لقد قمنا باغتيال رئيس أركان ’حزب الله‘ الذي كان يعمل طوال الوقت على الاستعداد للمعركة المقبلة ضد إسرائيل، وهذه هي الطريقة التي نتصرف بها طوال الوقت. لن ندع أي تهديدات ضدنا أن تتطور".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"درع وقوة"
إسرائيليو الشمال استفاقوا بعد يوم من اغتيال طبطبائي على هدير الطائرات وانتشار وحدات عسكرية ومعدات ومدرعات، في قرار فوري من رئيس الأركان على إجراء تدريبات على سيناريو هجوم مفاجئ على إسرائيل أطلق عليها "درع وقوة"، يهدف إلى فحص وتحسين جاهزية الجيش لمجموعة سيناريوهات من خلال تدريب القيادات.
وكان زامير أشرف على هذه التدريبات وأجرى جولة في المنطقة الحدودية بمشاركة قيادة الشمال، بينما افتتحت التدريبات باختبار مفاجئ لفحص جهوزية الفرقة 210 التي تسيطر على خط التماس مع سوريا وعلى المواقع المتقدمة في الجولان السوري لحدث مفاجئ متفجر.
التدريبات التي تنتهي اليوم الثلاثاء سيتم خلالها أيضاً التدريب على سبل التقييم السريع للوضع واتخاذ القرارات على كل المستويات وتفعيل حالات الطوارئ، وإدارة القوات في ساحة الحرب.
خلال التدريب لوحظت حركة قوات نشطة في الجولان والوديان وسمعت أصوات انفجارات، وأشار الجيش إلى السكان إلى أن حركة الطائرات والمسيرات وما سماها "وسائل جوية أخرى" هي ضمن هذه التدريبات.
من جهته يضع الجيش أمامه هدف القضاء على أي بنى تحتية إرهابية على مسافة 5 إلى 10 كيلومترات من الحدود، ومنحت التعليمات برصد وملاحقة كل مسلح بين 7 إلى 10 كيلومترات. وبحسب التعليمات الإسرائيلية "يعمل الجيش الإسرائيلي ضدهم بعد التأكد من أنه ليس مراقباً من 'اليونيفيل' أو جندياً لبنانياً".
وفي التعليمات الجديدة التي صدرت للجيش بعد اغتيال طبطبائي، "أي راعٍ أو مواطن يتجول بلا سلاح لا يسمح له بالتحرك بحرية، بل يطبق الجيش فوراً إجراءات اعتقال في بعض الحالات للتحقيق".
وبينما صعد مسؤولون عسكريون تهديداتهم بمزيد من العمليات والقصف، اعتبر تقرير عسكري أن العمليات شبه اليومية لقيادة الشمال وسلاح الجو في الأشهر الأخيرة التي تجاوزت 1200 عملية برية على قرى خط التماس في جنوب لبنان لمنع "حزب الله" من إعادة البناء فيها، لم تساهم في تدمير قدرات الحزب. وقد شملت هذه العمليات دوريات علنية وسرية، وكمائن ضد نشطاء، وتحديداً وتدمير مبانٍ أو أنفاق لم تكتشف في عملية "سهام الشمال" التي انتهت قبل عام.
واعتبر التقرير الإسرائيلي هذا العدد غير مسبوق على امتداد نحو 140 كيلومتراً من الحدود من رأس الناقورة وحتى مزارع شبعا، بمعدل 3 إلى 5 مداهمات يومياً على مسافة 3 إلى 5 كيلومترات من الحدود، وأحياناً بمحاذاة خط القرى الثاني.
عملية قد تدعم المسار الدبلوماسي
"الإسناد الصامت"، ربما هذا هو الوصف الأقرب للموقف الأميركي من عملية الضاحية الجنوبية. على مدار ساعات بعد اغتيال طبطبائي تناقضت التقارير والتصريحات حول الموقف الأميركي، وإذا ما كانت إسرائيل قد أبلغت الولايات المتحدة قبل تنفيذ العملية أو عند تنفيذها، وإذا كانت إسرائيل حصلت على ضوء أخضر ودعم من واشنطن أم لا، ولكن في كل الأحوال، بالنسبة إلى إسرائيل، فإن عدم صدور رد أميركي على العملية يعد بمثابة إسناد صامت لها.
وبحسب مئير شطريت يوضح الهجوم في بيروت "أن مجال عمل إسرائيل بقي محفوظاً حتى في السياسة الحالية لإدارة دونالد ترمب، الذي وإن كان غير معني باستئناف القتال الشديد، لكنه يبدي تفهماً، بل وربما يمنح إسناداً لعمليات موضعية تنفذها إسرائيل بعد استنفاد الجهود الأخرى لمنع تعاظم القوة العسكرية لأعدائها".
وفي تقديراته فإن الإدارة الأميركية قد ترى أن مثل هذا الهجوم يمكن أن يساعد في دفع الجهود الدبلوماسية قدماً. ويقول، "مثلما في حالة ’حماس‘ في غزة، أيضاً بالنسبة إلى ’حزب الله‘، تدفعهم الخطوات الإسرائيلية إلى نقطة الحسم، بينما التجلد والاحتواء يشجعان إسرائيل على مواصلة تصفية نشطاء التنظيم. رد شديد بالنار سيجبي من التنظيم ثمناً ويعطي مفعولاً لمطالب معارضيه في لبنان".
في موقف آخر يرى الخبير العسكري عاموس هرئيل أن رئيس الحكومة نتنياهو ما كان سيصادق على اغتيال طبطبائي من دون دعم كامل من جانب الرئيس الأميركي دونالد ترمب. ويقول إن "الأميركيين يحاولون كثيراً دفع واقع جديد في لبنان، ومن المحتمل أنهم يعتقدون أن تنفيذ ذلك من خلال الاغتيال سيدل على أن جدية النيات الإسرائيلية قد تخرج الاتصالات مع الحكومة اللبنانية من حالة الجمود".
وأشار هرئيل إلى أنه "لا يمكن تجاهل أن شكل سير الأمور مريح لنتنياهو من الناحية السياسية. وليس صدفة أنه سخن التوتر مقابل دمشق بزيارة مستفزة في الجولان السوري، الأسبوع الماضي. ويبدو أن الاغتيال في بيروت أيضاً ليس معزولاً عن هذه الحسابات، ومثله الاحتكاك الدائم في قطاع غزة".
وشدد هرئيل على أن "حقيقة أن النيران مشتعلة في جبهات عدة تساعد نتنياهو على السيطرة على الخطاب العام الإسرائيلي، وهذا يمهد أيضاً الأرضية للأجواء التي ستسود إسرائيل قبيل الانتخابات العامة، وتوفر له ذرائع عديدة لتأجيل جلسات محاكمته الجنائية".