ملخص
لا يزال معظم الاقتصاديين يرون أن مرحلة بناء بنية الذكاء الاصطناعي التحتية لم تبلغ ذروتها بعد.
يشهد الاقتصاد الأميركي عام 2025 انقساماً واضحاً بين قطاعين: كل ما يرتبط بالذكاء الاصطناعي يعيش طفرة غير مسبوقة، في حين يتعثر معظم ما عداه.
في نيفادا أدى تراجع السياحة الدولية في الصيف إلى تباطؤ التوظيف وإضعاف الاقتصاد المحلي، لكن طفرة بناء مراكز البيانات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي ساعدت في الحد من الخسائر، وفي منطقة واشنطن العاصمة تسببت عمليات التسريح في الحكومة الفيدرالية وأطول إغلاق حكومي في التاريخ الحديث في تهديد الاقتصاد المحلي بالدخول في ركود، إلا أن الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي هناك أسهمت في تخفيف الأضرار.
وفي داكوتا الشمالية أضعفت أسعار النفط المنخفضة نشاط الحفر وأثرت في إيرادات الولاية، غير أن مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي ساعدت على سد الفجوة.
الطفرة في الذكاء الاصطناعي تسير بوتيرة صاروخية، فمطورو النماذج وشركات إنتاج الرقائق يجذبون مئات مليارات الدولارات، ومراكز بيانات بحجم مدن ملاهٍ تنبت في أنحاء البلاد، وشركات الكهرباء تتسابق لبناء محطات جديدة وإعادة تشغيل القديمة لتلبية الطلب المتصاعد على الطاقة، ويحصل العاملون ذوو المهارات المطلوبة - من مطوري النماذج إلى الفنيين والكهربائيين - على أجور قياسية.
لكن الصورة مختلفة تماماً في بقية الاقتصاد فالبطالة ترتفع، والتوظيف يتباطأ، وقطاعات مثل التصنيع وبناء المنازل تخفض وظائف.
طفرة الذكاء الاصطناعي
وتهوي ثقة المستهلك في ظل الأسعار المرتفعة، كذلك يعاني القطاع العام التخفيضات وتسريحات العاملين الفيدراليين، والرسوم الجمركية وما تحمله من غموض أديا إلى إضعاف التجارة الدولية وتباطؤ استثمارات كثير من الشركات.
ويقول الاقتصادي في معهد بروكينغز، مارك مورو، لصحيفة "نيويورك تايمز"، "إنه اقتصاد بخطين متوازيين، طفرة الذكاء الاصطناعي تثير كل الحماسة وتغطي على حال التباطؤ في بقية الاقتصاد".
وتشير بيانات إلى أن الاستثمارات في الحواسيب والبرمجيات شكلت أكثر من 90 في المئة من نمو الناتج المحلي في النصف الأول من العام، فيما يرى المتخصصون أنه تأكيد للدور المحوري الذي تلعبه طفرة الذكاء الاصطناعي في إبقاء الاقتصاد صامداً، لكن هذا الاعتماد يثير سؤالاً أساسياً: ماذا يحدث إذا توقفت الطفرة؟
هذا الخطر يبدو أوضح ما يكون في أسواق الأسهم، إذ قفزت المؤشرات إلى مستويات قياسية مدفوعة بعدد محدود من الشركات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، في حين تمثل سبع شركات فقط - بينها "أمازون" و"مايكروسوفت" و"ألفابت" - الآن أكثر من ثلث قيمة مؤشر (أس أند بي 500) أما "إنفيديا"، صانعة الرقائق الأساسية للنماذج اللغوية المتقدمة، فقد تجاوزت قيمتها السوقية لفترة وجيزة 5 تريليونات دولار.
وتعتمد هذه القيم المرتفعة على توقعات باستمرار النمو الهائل أعواماً مقبلة، وهو افتراض يحذر بعض المستثمرين من أنه قد يكون غير واقعي، حتى إن الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن أي آي"، سام ألتمان، قال في أغسطس (آب) الماضي إنه يعتقد أن المستثمرين "متحمسون أكثر من اللازم".
عواقب اقتصادية واسعة بعد انفجار الفقاعة
انفجار الفقاعة، عندما يحدث، قد تكون له عواقب اقتصادية واسعة، فالإنفاق الاستهلاكي في الفصول الأخيرة اعتمد بصورة متزايدة على الأسر ذات الدخل المرتفع، التي تواصل الإنفاق مدفوعة بمكاسب الأسهم، لكن أي تراجع في السوق قد يدفع هذه الشريحة إلى خفض إنفاقها.
ويقول الاقتصادي في "بنك أوف أميركا"، أديتيا بهافي، للصحيفة "إذا كان نمو الإنفاق مدفوعاً بالأسر التي استفادت من أداء الأسهم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، فإن هبوط الأسواق قد يكون مؤلماً جداً للاقتصاد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في حين لم تستفد الأسر ذات الدخل المنخفض من صعود الأسهم، لكنها قد تتضرر من تبعات أي هبوط إذا خفض الأثرياء إنفاقهم على المطاعم والعطلات والسلع الفاخرة، وهو ما قد يؤدي إلى خسائر وظائف في قطاع الخدمات.
وعلى رغم هذه الأخطار فلا تظهر طفرة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي أي علامة على التباطؤ، إذ أنفقت الشركات الأميركية أكثر من 60 مليار دولار على المعدات الحاسوبية في الربع الثاني من العام، بزيادة 45 في المئة على أساس سنوي، إضافة إلى 10 مليارات دولار على بناء مراكز بيانات.
وتنعكس آثار هذه الطفرة على قطاعات أخرى، مثل مبيعات التوربينات والمولدات وأجهزة التبريد وأنظمة إدارة الطاقة، فيما تستثمر الشركات مئات ملايين الدولارات لتوسيع قدراتها الإنتاجية.
تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي
وفي قطاع البناء، الذي يعاني تأثيرات أسعار الفائدة المرتفعة والرسوم الجمركية، تراجع البناء غير السكني وبناء المنازل، لكن بناء مراكز البيانات أصبح المحرك الوحيد تقريباً للنمو في الإنشاءات الأميركية، إلى جانب البنية التحتية للطاقة التي تحتاج إليها، وتقدر رابطة الأسمنت الأميركية أن مراكز البيانات ستستخدم مليون طن متري من الأسمنت خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.
لكن هذا الازدهار لا يصل إلى الجميع، فالشركات الرائدة في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي تتمركز في منطقة خليج سان فرانسيسكو، ورواتبها المرتفعة تتركز في المدن الكبرى الفائزة بالاقتصاد الجديد.
أما الاستثمارات في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي فموزعة جغرافياً، لكنها لا تضمن مكاسب مستدامة، فمراكز البيانات تستهلك المياه والكهرباء بشراهة، وتخلق عدداً محدوداً من الوظائف الدائمة، على رغم حصولها على حوافز ضريبية كبيرة من المدن التي تستضيفها.
ويرى مورو أن بعض المناطق تخطئ في تفسير وجود مراكز بيانات كبيرة باعتباره بداية لصناعة تكنولوجية محلية، بينما في الواقع "تبقى مجرد مبانٍ ضخمة يعمل فيها عدد محدود من الأشخاص".
ومع ذلك لا يزال معظم الاقتصاديين يرون أن مرحلة بناء بنية الذكاء الاصطناعي التحتية لم تبلغ ذروتها بعد، فالطلب على السعات الرقمية في تزايد مستمر، والشركات تتحدث عن قوائم انتظار تمتد أعواماً، ويقول بول أشوورث من "كابيتال إيكونوميكس"، "ما زلنا في بداية الطريق".
لكن تحقيق العوائد على هذه الاستثمارات الكبيرة يتوقف على أن يحقق الذكاء الاصطناعي وعوده كتقنية تحولية تحدث قفزات كبيرة في الإنتاجية، ويحذر بهافي، "إذا لم يحدث ذلك، فقد يتبين أن كثيراً من الاستثمارات التي ضخت كانت غير مبررة".