ملخص
الذكاء الاصطناعي يحول الفضاء الرقمي إلى ساحة صراع مفتوح تُستغل فيها التقنيات الحديثة لتضليل الجماهير وتقويض الديمقراطية، فيما تُضعف إدارة ترمب الدفاعات الأميركية وتترك البلاد مكشوفة أمام خصوم قادرين على شن هجمات معلوماتية دقيقة وواسعة النطاق تهدد استقرار النظام السياسي الأميركي.
في يونيو (حزيران) الماضي، تلقى الحساب الآمن على تطبيق "سيغنال" الخاص بوزير خارجية أوروبي رسالة نصية. المرسل ادعى أنه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ولديه طلب عاجل. بعد وقت قصير، تلقى وزيرا خارجية آخران، وحاكم أميركي، وعضو في الكونغرس الرسالة نفسها، وهذه المرة مرفقة بمذكرة صوتية متقنة تقلد صوت روبيو. وعلى رغم أن الاتصال بدا حقيقياً، ونبرته مطابقة لما يُتوقع من مسؤول رفيع، فإنه كان في الواقع تزويراً خبيثاً - تزييف عميق أنشئ بالذكاء الاصطناعي من قبل جهات مجهولة. لو لم تُكشف الخدعة، لكان بإمكان هذه الحيلة إثارة الفوضى، أو تقويض الدبلوماسية الأميركية، أو انتزاع معلومات حساسة من شركاء واشنطن الأجانب.
لم يكن هذا المثال الأخير المقلق على تمكين الذكاء الاصطناعي لجهات خبيثة في شن حرب معلومات، أي التلاعب بالمعلومات وتوزيعها لتحقيق مكاسب على حساب الخصوم. ففي أغسطس (آب) الماضي، كشف باحثون في جامعة فاندربيلت أن شركة تكنولوجيا صينية تُدعى "غولاكسي" استخدمت الذكاء الاصطناعي لبناء ملفات بيانات عمن لا يقل عن 117 مشرعاً أميركياً وأكثر من 2000 شخصية عامة أميركية. يمكن استخدام هذه البيانات لإنشاء شخصيات مزيفة تبدو واقعية، تُحاكي تلك الشخصيات، وتصمم حملات رسائل تستهدف السمات النفسية لمتابعيهم. هدف "غولاكسي"، الذي ظهر في حملات موازية في هونغ كونغ وتايوان، هو تطوير القدرة على بث ملايين الأكاذيب المخصصة لملايين الأفراد في وقت واحد.
ولا تمثل المعلومات المُضللة مشكلة جديدة، لكن دخول الذكاء الاصطناعي سهل بشكل كبير، بالنسبة إلى أطراف فاعلة خبيثة، تصميم عمليات متزايدة التأثير، وبتكلفة منخفضة، مع نشرها على نطاق واسع تماماً. وفي مواجهة ذلك، يفترض بالحكومة الأميركية توسيع أدواتها وتحديثها للكشف عن هذه الحملات وإيقافها. بدلاً من ذلك، قامت إدارة ترمب بتجريد نفسها من وسائل الحماية، وقلصت دفاعات الولايات المتحدة ضد التضليل الأجنبي، تاركة البلاد غير مهيأة تماماً لمواجهة هجمات مدعومة بالذكاء الاصطناعي. ما لم تعاود الحكومة الاستثمار في المؤسسات والخبرات اللازمة لمواجهة حرب المعلومات، فإن حملات التأثير الرقمية ستقوض تدريجياً ثقة الجمهور بالمؤسسات الديمقراطية وعملياتها وقيادتها - مما يهدد بدفع الديمقراطية الأميركية نحو موت بطيء عبر ألف طعنة.
عصر المعلومات
أثناء معظم الأزمنة الحديثة، اعتبر عديدون من مؤيدي الديمقراطية أن نشر المعلومات يشكل قوة تعمل لمصلحة الخير بشكل خالص. واشتُهر الرئيس الأميركي باراك أوباما بصياغة هذه القناعة ضمن خطاب ألقاه أمام طلبة صينيين في شنغهاي عام 2009. آنذاك، أورد أوباما أن "كلما زاد التدفق الحُر للمعلومات، يضحى المجتمع أقوى، لأن ذلك يعطي مواطني كل بلاد العالم القدرة على مساءلة حكوماته وتحميلها مسؤولياتها". وسرعت منصات التواصل الاجتماعي نشر المعلومات، وسهلت للمواطنين مراقبة ومناقشة وزيادة الوعي، حيال نشاطات الحكومات. لكنها في المقابل قوضت الثقة العامة بالمؤسسات وخلقت فقاعات رقمية مغلقة من خلال المحتوى المخصص وخوارزميات قائمة على تعزيز التفاعل، مما حد من الاطلاع على وجهات نظر متنوعة وعمق الانقسام بين المستخدمين.
في السنوات القليلة الماضية فقط بدأ العالم يدرك أخيراً مدى خطورة التهديدات الصادرة عن الفضاء الرقمي للمعلومات. ففي خطاب ألقاه في أكتوبر (تشرين الأول)، ربط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بين استغلال التكنولوجيا والتراجع الديمقراطي. وأكد أن أوروبا كانت "ساذجة بشكل لا يصدق" عندما أوكلت "فضاءها الديمقراطي إلى شبكات اجتماعية تتحكم بها إما شركات أميركية كبرى أو شركات صينية ضخمة". أما عالم السياسة فرنسيس فوكوياما فقد وصف هذا الفضاء العام الرقمي بأنه "نظام بيئي يكافئ الإثارة والمحتوى التخريبي" ويتحكم به "نفوذ غير مُقيد" لشركات يدفعها "منطق تعظيم الأرباح" إلى تضخيم أصوات معينة أو خنق أخرى، وهو ما يتعارض جوهرياً مع مبادئ الديمقراطية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأفضت التطورات في الذكاء الاصطناعي إلى شحذ سيف تلك المخاطر المهددة للديمقراطية. وأثناء الأعوام الخمسة الماضية، باتت مواجهة التأثيرات الأجنبية الخبيثة أقرب إلى ملاحقة السفن الحربية في معارك الأساطيل. وقد وظف خصوم الولايات المتحدة، على غرار الصين وروسيا، منصات إعلامية كبرى تُديرها الدول، وضمنها مثلاً قناتا "سي جي تي أن" CGTN الصينية و"آر تي" RT الروسية، إضافة إلى حسابات مزيفة ركيكة على مواقع التواصل وجيوش من الروبوتات الإلكترونية لبث روايات مزعزِعة عبر العالم. كانت أساليبهم خطيرة، لكنها أيضاً بدائية وسهلة الاكتشاف.
أما اليوم، فيبدو ذلك العصر ساذجاً. فبوارج التضليل القديمة لا تزال موجودة، لكن صعود الذكاء الاصطناعي فتح الباب أمام عدد أكبر من المقاتلين. أصبحت حرب المعلومات الآن أشبه بقتال تُديره طائرات مسيرة ذاتية التشغيل، شديدة التخصيص، سريعة التكيف، ورخيصة إلى درجة تتيح لأي جهة استخدامها ضد خصومها. فالدعاية والتضليل الأجنبيان يُصممان اليوم لاستهداف قابلية محددة لدى الأفراد - كالانتماء السياسي والقيم الاجتماعية وحتى عادات التسوق - وتوجيه ضربات دقيقة مصممة لتعظيم الأثر على مواقف الجمهور وسلوكياته.
وتاريخياً، قُيدت حملات البروباغاندا بمدى توفر الجهد البشري اللازم لتكوين محتوياتها، وترجمتها واختيار المستهدفين بها. وقد أزال الذكاء الاصطناعي تلك المتطلبات للقوى العاملة البشرية، وبالتالي، صار بالمستطاع شن حرب معلومات بسرعة عالية ومستوى متقدم من التطور، ما يفوق قدرات بلدان كثيرة على التصدي لها. ومع معاناته هجمات لا تتوقف من الرسائل المعززة للانقسام، قد يتحطم التماسك الاجتماعي، ويلحق الشلل بعمليات اتخاذ القرار حكومياً. ولقد صارت منظومة المعلومات الرقمية الآن أشبه بمسرح للصراعات يستطيع فيه الخصوم إطاحة أهداف السياسة المحلية والخارجية، من دون أن يتكلف المهاجِمون مشقة التخلي عن مناطقهم الآمنة.
روبوتات شبكية منفلتة
إن استخدام الذكاء الاصطناعي في جمع المعلومات الاستخباراتية، وإطلاق حملات المعلومات الزائفة، وعمليات التأثير الخبيث، صار منتشراً بالفعل في أرجاء العالم. وفي السلفادور مثلاً، يعمل الرئيس نجيب أبو كيلة على إدماج البروباغاندا الرسمية المتطورة التي تصنعها الدولة مع أدوات مزودة بقدرات الذكاء الاصطناعي، وضمنها الروبوتات الشبكية. وإضافة إلى اجتذاب استثمارات أجنبية عبر إبراز الحداثة التكنولوجية لتلك البلاد، يجري تسخير روبوتات الذكاء الاصطناعي الشبكية في مساندة تحصين الحكومة ضد الانتقادات الدولية بشأن تراجع الديمقراطية فيها. ويجري ذلك عبر دفن أو إعادة كتابة السرديات التي تتناول الإساءة إلى حقوق الإنسان في السلفادور.
وكذلك سُخر الذكاء الاصطناعي في زعزعة الاستقرار. وأخيراً، أعلنت شركة "أوبن إيه آي" للذكاء الاصطناعي، الصانعة الشهيرة لبرنامج "تشات جي بي تي"، أنها أزالت مجموعة من الحسابات المرتبطة بأطراف فاعلة صينية. ولقد سُميت عملية سرية لنشر التأثير بمصطلح "أنكل سبام"Uncle Spam، واستُعمل الذكاء الاصطناعي فيها لخلق حسابات زائفة منسوبة إلى شخصيات شبكية مصطنعة، وروجت تدوينات تهدف إلى زيادة حدة الاستقطاب السياسي الأميركي. وبشكل متعمد، تناولت التدوينات جوانب متعددة من قضايا سياسية أميركية خلافية على غرار التعريفات الجمركية، مع مستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي. وتمثل الهدف الشامل لتلك العملية السرية بتعميق الشروخ داخل الولايات المتحدة.
وفي المقابل، تمثل العنصر الأشد تخريباً على الأمن القومي الأميركي في عملية "أنكل سبام"، بمحاولتها جمع معلومات استخباراتية. وقد جرى ذلك بأساليب تضمنت استعمال أدوات الذكاء الاصطناعي في اغتراف وتحليل كميات هائلة من المعلومات الشخصية من منصات شبكية على غرار "إكس" ("تويتر" سابقاً) و"بلوسكاي" Bluesky. وشملت المعلومات بيانات عن السمات الشخصية للمستخدمين وقوائم المتابعين في حسابات مواطنين أميركيين. وبالتالي، باستطاعة الأطراف المرتبطة بالصين في عملية "أنكل سبام" استخدام المعلومات المتجمعة في تحسين أساليب استهداف الجمهور والشخصيات في الولايات المتحدة، مما يعطي بكين إمكانية تفوق في جولات مستقبلية من حروب المعلومات.
ومن شأن المعلومات الزائفة على الإنترنت أن تولد تداعيات خارجها أيضاً. وفي الهند مثلاً، أدت تراكمات من صور وأشرطة فيديو مصنعة بالذكاء الاصطناعي، إلى نشر رسالة كراهية عن معاداة المسلمين عملت على مفاقمة التوترات الموجودة بالفعل بين الأديان، وأججت مخاطر الإرهاب النفسي والعنف الجسدي ضد أناس من الأقليات. وبحسب تقرير هيئة "بي بي سي" عن السودان الذي تضطرم فيه نيران الحرب الأهلية، صُنِعت تسجيلات زائفة ونُشِرت عبر منصة "تيك توك"، تُقلد صوت الزعيم السوداني السابق عمر البشير الذي أطاحه انقلاب عسكري عام 2019 ولم يظهر في العلن منذ فترة طويلة. ويؤدي هذا النوع من استعمال الذكاء الاصطناعي إلى تآكل ثقة الناس بالمصادر الرسمية للمعلومات، ويُسرع في تحطيم النظام المدني في خضم صراع وحشي مندلع بالفعل.
وربما كان المثال الأعمق على قدرة الذكاء الاصطناعي على الإخلال بالنظام هو ما حدث في رومانيا، حيث شاب التدخل الأجنبي الانتخابات الرئاسية لعام 2024. فقد أدت حملة تضليل واسعة، قالت الاستخبارات الرومانية إنها مرتبطة بروسيا، إلى تعزيز الوجود الرقمي لمرشح هامشي من اليمين المتطرف موالٍ لروسيا يدعى كالين جورجيسكو. وشملت العملية نسخاً عميقة وتعليقات من عشرات آلاف الحسابات الروبوتية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ووفق السلطات، دفعات مالية لمئات المؤثرين على منصات مثل "تيك توك". وكانت فاعلية تلك الحملة كبيرة لدرجة أنها وضعت شرعية التصويت نفسه موضع شك بعدما فاز جورجيسكو في الجولة الأولى. وقررت المحكمة الدستورية إلغاء النتائج وفرض إعادة الانتخابات. وأظهر ذلك كله أن التضليل المدعوم بالذكاء الاصطناعي قادر - في بعض الحالات - على تهديد العمليات الديمقراطية الأساسية بل وإبطالها تماماً.
تراجع
مع تزايد خطورة التهديد، أصبحت الولايات المتحدة أكثر عرضة لحرب المعلومات من أي وقت مضى. ففي عام 2016، في نهاية إدارة أوباما، بدأت الحكومة الأميركية بتعزيز قدرتها على كشف الدعاية والتضليل الأجنبي والتصدي له، وأبرز الخطوات كانت إنشاء "مركز المشاركة العالمية" Global Engagement Center داخل وزارة الخارجية. وقد استخدم المركز، إلى جانب مكاتب حكومية أخرى تُعنى بحرب المعلومات، فرقاً من المحللين الجيوسياسيين وأدوات مراقبة وسائل التواصل لكشف حملات التأثير الأجنبية. كما بدأت وزارة الخارجية وأجهزة الاستخبارات بدراسة تكتيكات الخصوم بشكل أعمق وزادت من تبادل المعلومات مع الشركاء الدوليين. ومع ذلك، ظلت الحكومة الأميركية عاجزة عن مجاراة التطور السريع في أساليب التضليل.
وأحرزت إدارة بايدن بعض التقدم. وفي عام 2023، أطلقت وزارة الخارجية عبر "مكتب المشاركة العالمية"، برنامجاً لكشف وإرباك حملات حروب المعلومات الروسية في أفريقيا وأميركا اللاتينية. وتضمن البرنامج إرساء دفاع حكومي شامل ضد المعلومات الزائفة. وتتضمن مروحة ذلك الدفاع العمل مع وكالات الاستخبارات لتنقية معلوماتها وتخليصها من المصادر والوسائل الحساسة بهدف جعلها ملائمة للاستخدام من الجمهور العام، والتعاون مع البنتاغون لتقييم تأثير حروب المعلومات على أمن الولايات المتحدة، والتنسيق مع وزارة الخزانة في فرض عقوبات، والعمل مع البيت الأبيض توخياً لتنسيق الجدول الزمني لهذه السياسة.
وفي فبراير (شباط) 2024، أسفرت جهود بقيادة المركز عن الكشف وتفكيك منصة إعلامية تدعى "أفريكان ستريم" African Stream مقرها كينيا، تمولها روسيا سراً، وتُروج رسائل مناهضة للولايات المتحدة، بينها روايات تقوض الثقة بالبرامج الصحية الأميركية. وفي سبتمبر (أيلول) 2024، أعلن وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن الولايات المتحدة ستفرض عقوبات على شركة "روسيا سيغودنيا"، الشركة الأم لشبكة "آر تي"، بعدما أظهرت معلومات استخباراتية أن "آر تي" أصبحت مركزاً لعمليات المعلومات السرية الروسية.
لكن إدارة ترمب الثانية قامت بقطع التمويل أو بإضعاف المكاتب الحكومية المسؤولة عن كشف حملات التأثير الأجنبي والتضليل ومواجهتها. وقد شمل ذلك مركز المشاركة العالمية، ومركز التأثير الأجنبي الضار التابع لمدير الاستخبارات الوطنية، وفرقة مكافحة التأثير الأجنبي في مكتب التحقيقات الفيدرالي، وأقساماً من وكالة الأمن السيبراني والبنية التحتية في وزارة الأمن الداخلي. والقضاء على هذه المؤسسات يعني أن الحكومة الأميركية لم تعد قادرة بالشكل المناسب على تحديد ومتابعة وتقييم والدفاع ضد الخصوم في فضاء المعلومات.
ويشكل عمل إدارة ترمب على إزالة تلك الوكالات المحورية عملاً خالياً من المسؤولية في نزع السلاح بشكل أحادي. إذ إن الجهات الخبيثة لم تختفِ. ومع مستهل أكتوبر، أعلن أحمد كابالو، مؤسس "أفريكان ستريم" إطلاق موقع "سوفراين ميديا" [ترجمتها حرفياً، الإعلام السيادي] التي تصف نفسها بأنها Sovereign Media "تحالف مناهض للإمبريالية". ووعد كابالو بالقتال "بلا هوادة ضد الرقابة وقمع الخوارزميات" التي ترعاها "النُخب الغربية الحاكمة". وعلى رغم عدم وضوح مصادر تمويلها، فإن كابالو يستفيد منذ زمن طويل من الدعم الروسي. ومع غياب الوكالات الحكومية التي عملت سابقاً على مراقبة حملات المعلومات الزائفة، بات من الصعب معرفة مدى جدية أعضاء إدارة ترمب في التدقيق بأعمال "سوفراين ميديا" أو منصات إعلامية أجنبية أخرى ممن تملك صلات مع حكومات معادية. وبشكل تراكمي، تستطيع تلك الحكومات إلحاق ضرر فعلي بالمصالح الأميركية، عبر إغراقها الإنترنت بسرديات زائفة عن الولايات المتحدة. وبشكل خاص، يتصاعد ذلك الأثر التراكمي مع زيادة عمل الذكاء الاصطناعي بطرق تُصعب على المواطنين، في أميركا وخارجها، فصل السرديات الزائفة عما يقابلها من الحقائق.
فليعمل الجميع
ثمة عاصفة تتجمع. وبكثافة، يستثمر خصوم الولايات المتحدة في حملات المعلومات الزائفة، فيما يمهد تطور الذكاء الاصطناعي لأشكال أكثر خطورة في هذا الصراع. وفي المقابل، لقد أضعفت إدارة ترمب الثانية الدفاعات التي قُصِد منها حماية الولايات المتحدة وشركائها من التأثير الأجنبي الخبيث.
لا توجد حلول بسيطة، لكن أي استراتيجية أميركية جادة لمواجهة التضليل يجب أن تجمع بين الابتكار التكنولوجي وإعادة هيكلة المؤسسات. ويجب أن تشمل حلفاء واشنطن المقربين وأن تتبنى مقاربة حكومية شاملة تشمل بديلاً عن مركز المشاركة العالمية وإعادة تفعيل المكاتب المسؤولة عن مكافحة التضليل. ولتحقيق ذلك، ينبغي لإدارة ترمب أن تصدر توجيهاً للأمن القومي يعلن بوضوح أن التأثير الأجنبي الخبيث المدعوم بالذكاء الاصطناعي يشكل خطراً مباشراً وحاضراً على الولايات المتحدة. ويجب أن يحفز هذا التوجيه أجهزة الاستخبارات لإعداد تقييم شامل جديد لقدرات خصوم الولايات المتحدة في مجال التضليل، مما سيساعد في تركيز أولويات جمع المعلومات على أخطر التهديدات. كما ينبغي إنشاء هيكل دائم مشترك بين الوكالات، يقوده مجلس الأمن القومي، لضمان استخدام الأدوات المتاحة عبر الحكومة - من وحدات الهجوم السيبراني في قيادة السايبر الأميركية إلى سلطات العقوبات في وزارة الخزانة - بشكل منسق في مواجهة التأثير الأجنبي الخبيث.
وسيتطلب الدفاع ضد حرب المعلومات شراكة بين القطاعين العام والخاص، بإشراف مكتب البيت الأبيض للسياسات العلمية والتكنولوجية. وستتيح قنوات التعاون الرسمية مع منصات التواصل ومختبرات أبحاث الذكاء الاصطناعي وشركات الأمن السيبراني للحكومة الأميركية مشاركة المعلومات حول التهديدات، وتطوير تقنيات للكشف عن المحتوى المولد بالذكاء الاصطناعي، ووضع أفضل الممارسات لمواجهة تضخيم التضليل. ومن خلال قيادة البيت الأبيض، ستتحول مواجهة حرب المعلومات - التي تُعد اليوم قضية تقنية متخصصة - إلى ركيزة مركزية في استراتيجية الدفاع القومي.
ولا تهدف هذه الخطوات إلى تقييد حرية التعبير، بل إلى حماية حق المواطنين الأميركيين في نقاش غير ملوث بالدعاية الأجنبية. ومع اقتراب الانتخابات النصفية عام 2026، فإن الوقت للعمل هو الآن. وإذا فشلت إدارة ترمب في تدعيم الدفاعات الأميركية، فقد تؤدي حملات التأثير الخفية والمستمرة التي يشنها الخصوم إلى تقويض أسس الحياة الديمقراطية التي يعتز بها الأميركيون.
جيمس روبين شغل منصب كبير مستشاري وزيري الخارجية الأميركيين أنتوني بلينكن ومادلين أولبرايت، وعمل مبعوثاً خاصاً ومنسقاً لمركز المشاركة العالمية التابع لوزارة الخارجية خلال إدارة بايدن. وهو يشارك المذيعة كريستيان أمانبور في تقديم بودكاست "ذا إكس فايلز".
داريان فويتسا شغل منصب مدير قسم التحليلات في مركز المشاركة العالمية بوزارة الخارجية الأميركية بين عامي 2019 و2021، كما عمل منسقاً للتكنولوجيا الناشئة في السفارة الأميركية لدى نيودلهي بين عامي 2024 و2025.
مترجم عن "فورين أفيرز"، 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025