ملخص
في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، لا يتوقع الرئيس السابق لهيئة الرقابة المالية المصرية، شريف سامي، تغييرات جذرية في السياسات الاقتصادية للحكومة المصرية المقبلة.
مع انتخاب مجلس نواب جديد في مصر، وترجيحات تشكيل حكومة، لا يتوقع الرئيس السابق لهيئة الرقابة المالية المصرية، شريف سامي، تغييراً جذرياً في السياسات والتوجهات الاقتصادية للبلاد، بقدر ما يرجح "تجويداً" أو "اهتماماً أكبر" ببعض الملفات ومنحها الأولوية.
في حديثه لـ"اندبندنت عربية" يبرر سامي وجهة نظره تلك بوجود اتفاقات معلومة لمصر مع صندوق النقد الدولي، وبرنامج للإصلاح الاقتصادي تتبناه الدولة ويحظى برعاية ومتابعة رئيس الجمهورية، ويضيف أن وثيقة سياسة ملكية الدولة التي صدرت قبل أعوام، بجانب وثيقة السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية يدعمان أيضاً هذه التوجه، فلا تغيير جذرياً يتوقع أن يطرأ على السياسات الاقتصادية للبلاد مع تشكيل حكومة جديدة.
10 ملفات ذات أولوية قصوى
سامي الذي شغل عديد المناصب الرسمية من بينها عضوية مجلس إدارة البنك المركزي المصري وبنك الاستثمار القومي وكان رئيساً لاتحاد هيئات الأوراق المالية العربية بجانب عديد المناصب الأخرى، يرى أنه سيتعين على الحكومة المصرية المقبلة أن تشتبك بـ10 ملفات أساسية ذات أهمية قصوى، بدءاً من الإصلاح المالي والنقدي، والاستثمار الأجنبي المباشر، والصادرات، والتخارج من النشاط الاقتصادي، بجانب التنمية الصناعية والتحول الرقمي وتطوير سوق المال، ومواصلة الإصلاح الإداري وأخيراً تعزيز قوة مصر الناعمة.
الإصلاح المالي والنقدي
يعتقد المتحدث أن الإصلاح المالي والنقدي من قبيل الحدّ من استفحال العجز بالموازنة، وتحجيم الدين العام الداخلي والخارجي بعد بلوغه أرقاماً كبيرة، وتطبيق سياسات نقدية تحقق سعر صرف مرن، في مسعى للابتعاد عن صدمات تعويم الجنيه التي عاشت مصر اثنتين منها في الأعوام الـ10 الأخيرة يجب أن يكون على رأس الملفات المتضمنة في أجندة عمل الحكومة المقبلة.
ويرى أنه سيتعين على الحكومة المقبلة العمل للسيطرة على معدلات التضخم في البلاد، والسعي نحو خفض تلك المعدلات إلى مستويات طبيعية من خانة واحدة، موضحاً أن البنك المركزي المصري يستهدف النزول بالتضخم إلى 10 في المئة بنهاية عام 2026.
ويعتقد سامي أن هبوط التضخم إلى مستويات متدنية سيتبعه خفض تلقائي في أسعار الفائدة ومواصلة التيسير النقدي من قِبل البنك المركزي المصري، مما يخفف من أعباء التمويل الواقعة على عاتق الأنشطة الاقتصادية المختلفة، ويشجعها على التوسع.
دفع الصادرات وعلاج عجز الميزان التجاري
المحور الآخر الذي يتفق المتحدث على أهميته زيادة الصادرات، ويرى أن تحقيق هدف كهذا من شأنه العمل على تضييق الفجوة بين الواردات والصادرات في مصر، والحدّ من العجز المزمن الذي تعانيه البلاد في ميزانها التجاري لما لهذا العجز من أثر سلبي على الاحتياطات من النقد الأجنبي.
تحظى مرونة سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار بأهمية كبرى، بحسب ما يوضح سامي لما لاستقرار العملة المحلية من آثار إيجابية على الاقتصاد، ويتوقع أن تواصل الحكومة المقبلة الإسراع في وتيرة الإصلاحات الاقتصادية وفي مقدمتها تيسير منظومة الضرائب والتعامل مع الجمارك، والعمل أيضاً على تخارج الشركات المملوكة للدولة من بعض الأنشطة الاقتصادية.
التخارج من النشاط الاقتصادي
لا يخفي سامي أن تواجد الدولة عبر شركاتها في بعض الأنشطة الاقتصادية يزعج البعض كونه قد يؤثر في المنافسة سواء بين القطاع الخاص المصري والأجنبي، أو تلك الكيانات مجتمعة والحكومة، وهو ما يفسر توجه الدولة نحو الحدّ من إنشاء شركات جديدة، والعمل على التخارج من بعض الأنشطة.
ينظر سامي إلى بداية عام 2026، ويرجح بحلول هذا الموعد أن تكون البلاد أمام حكومة جديدة، ولا يرى أيضاً أن البرلمان المقبل سيكون مختلفاً اختلافاً نوعياً عن البرلمان السابق، إذ سيظل الاهتمام منصباً على تحقيق أهداف تحسين بيئة الاستثمار في مصر، وإيجاد آليات موضوعية ومستدامة لاستقطاب الاستثمار المباشر.
صفقات رأس الحكمة وعلم الروم
عند التطرق إلى ملف الاستثمار الأجنبي المباشر، لا يرى سامي في الصفقات العقارية الكبرى التي شهدتها البلاد في العام الحالي مثل صفقة رأس الحكمة وعلم الروم وسملا "تدفقاً طبيعياً" للاستثمار المرجو، على رغم ما حققته تلك الصفقات من انفراجة ملموسة، لكن يبقى التدفق الاستثماري الطبيعي الذي يرجوه سامي بمعنى أوسع، فيشمل قطاعات الصناعة واللوجستيات والزراعة والطاقة والخدمات، وهو ما من شأنه تحفيز المستثمرين وتقديم تيسيرات جاذبة للاستثمار.
في مصر، يتفق مجتمع الأعمال على أهمية تبسيط الحصول على التراخيص وتخصيص الأراضي المرفقة، وطريقة التعامل مع الجهاز الإداري للدولة بصفة عامة كمحفز للتوسع وضخ استثمارات جديدة، ويوضح سامي، لكنه يأمل أن تتخلص البلاد مما يعرف "الرخصة الذهبية" لما تنطوي عليه من تمييز وتفرقة بين المستثمرين، وكونها لا تحقق مبدأ المساواة.
يرى سامي أنه طالما نجحت البلاد في تحقيق التيسير والإسراع في الإجراءات اللازمة للترخيص والإجراءات الإدارية، فيتعين أن يتاح ذلك للجميع من دون استثناء، لأن الاستثناء هنا ينطوي على فكرة بقاء المشكلة قائمة لمن لا يملك أن يدفع للحصول على "الرخصة الذهبية".
تعميق الصناعات المحلية
يحث سامي الحكومة المقبلة على تبني استراتيجيات وبرامج وطنية لدعم صناعات أو منتجات تحظى فيها مصر بمزايا عدة، فالعمل على كافة الجبهات والسعي لإحراز تقدم ملحوظ أمر صعب كما يقول، وهو ما يستدعي التركيز على قطاعات وصناعات تحظى مصر بها بمزية نسبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يلفت في هذا الصدد، إلى ضرورة تعميق صناعات السيارات وإنتاج الطاقة المتجددة والتمور والخدمات اللوجستية التي تتمتع بها مصر بفعل الموقع الجغرافي المتميز على شواطئ وموانئ استراتيجية بجانب قناة السويس.
ويعتقد المتحدث أن الاستفادة من موقع مصر الجغرافي وثرواتها البشرية في مشروعات مراكز البيانات، والعمل كنقطة تجميع وتوزيع لشبكات وخطوط الاتصالات مع زيادة استخدام نقل البيانات ونقل المكالمات أمر مُلحّ في ظل امتلاك البلاد موقعاً متميزاً بإمكانه أن يدر المزيد من العوائد.
تطوير المناطق الاقتصادية والحرة
سامي تطرق في حديثه إلى أهمية استغلال المناطق الحرة، والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، في ظل ما تتمتع به من تشريعات خاصة لإقامة مراكز مالية (أوفشور) تتعامل مع الخارج بتشريعات مرنة وبعيدة من تلك المنظمة للخدمات المالية في مصر، ويرجو أن تكون تلك المناطق على غرار مثيلاتها في موريشيوس ومالطا وغيرهما، ويتوقع حينئذ استقطاب تلك المناطق صناعة التأمين وإعادة التأمين وصناديق الاستثمار وما يتعلق بها من أعمال حفظ وتقييم وإدارة سجلات، مع نمو تأسيس الشركات الدولية كما في مناطق كثيرة في آسيا وموريشيوس وأميركا، وهو في ذلك يعوّل على امتلاك مصر الكوادر المتميزة في مجال الخدمات المالية والاستشارات القانونية، والمحاسبين القانونيين.
صناعة الترفيه في مصر
من القطاعات التي يعبر سامي عن آماله في أن تشملها عناية الحكومة المقبلة، صناعة الترفيه التي تشمل إنتاج المحتويات الترفيهية والثقافية مثل صناعة الأفلام، وتيسير جذب المنتجين العالميين لتصوير أفلامهم في مصر، خصوصاً مع وجود دول تجني عوائد كثيرة في هذا المجال الذي من شأنه أن يعزز قوة مصر الناعمة.
في حديثه عن صناعة الدراما والمحتوى الترفيهي والثقافي، يستذكر سامي عصر مصر الذهبي في تلك الصناعة وتحديداً خلال ثلاثينيات إلى ستينيات القرن الماضي، حين امتلكت استوديوهات مصر والأهرام، بجانب منشآت للبنية الأساسية وتصوير الأفلام، وهو ما يتعين على الحكومة الاهتمام به ومحاولة إحيائه من جديد، عبر تقديم تيسيرات في المعاملة الجمركية والضريبية والتراخيص، وربما يمتد أيضاً هذا الاهتمام إلى مبادرات تمويل للأعمال المتميزة أو التي تدعم الجذب السياحي لمصر، وهو ما يراه حاضراً في عدد من دول العالم، فالدراما خير مروِّج للمقصد السياحي، بحسب ما يضيف.
البورصة المصرية أولوية مطلقة
لم يفوّت الرئيس السابق لهيئة الرقابة المالية في مصر الإشارة إلى البورصة المصرية وما تحتاجه من عناية واهتمام، فيرى أن مصر صاحبة أقدم بورصة عربية وأفريقية منذ النصف الثاني من القرن الـ18 بإمكانها أن تستفيد من تلك المكانة وتعمل على تعزيزها.
يقول إن بورصة مصر بها أكبر عدد من الشركات المقيدة مقارنة بأي دولة من دول المنطقة من حيث العدد وليس القيمة السوقية، مع تواجد أكثر من 100 صندوق استثمار، وأكبر عدد من بنوك الاستثمار وشركات الوساطة وإدارة الأصول والتقييم والتوريق، الأمر الذي يفرض ضرورة الاهتمام بتنمية سوق المال على جانبي الأسهم وأدوات الدين والصكوك، واللذين يمثلان معاً جناحي الاستثمار المحلي والأجنبي.
وينصح سامي بالعمل على توفير قنوات استثمار وادخار للمواطنين، بخلاف منتجات الاستثمار المصرفية، خصوصاً في ظل ما يمكن أن توفره من عوائد جيدة، ويرى أن البورصة بجناحيها: الأسهم وأدوات الدين، تمثل رافداً تمويلياً مهماً للمؤسسات العاملة في مجال التمويل غير المصرفي، من تأجير تمويلي وتقسيم وتمويل عقاري ومتناهي الصغر، وهذا تحديداً ما يجعلها الخيار الأقرب لنشاط الشركات الصغيرة وأصحاب المشروعات المتناهية الصغر مقارنة بتعاملاتهم مع البنوك.
في ختام حديثه إلينا، يعبر الرئيس السابق لهيئة الرقابة المالية المصرية، عن آمال عريضة في استمرار مسيرة الإصلاح الاقتصادي، ويأمل في أن يرى المصريون ثمار ذلك بأن تصبح البلاد وجهة جاذبة لرؤوس الأموال العربية والأجنبية، فنمو الاقتصاد يعد هدفاً في حد ذاته، وسط ظروف عالمية صعبة وإقليم مضطرب.