Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة معيشية غير مسبوقة في السودان ومعدل الفقر يتجاوز 71%

بات المواطن يكافح لتأمين أبسط متطلبات الحياة ما يجعل الانهيار الاقتصادي تهديداً مباشراً لاستقرار المجتمع بأكمله

الحرب تنقل السودانيين من العيش الرغد إلى دائرة الفقر (أ ف ب)

ملخص

توقف الأعمال وانقطاع سبل الكسب وارتفاع الأسعار كلها عوامل دفعت بالملايين إلى حافة العوز، بينما تتزايد أعداد النازحين والباحثين عن أدنى مقومات الحياة في مدن اللجوء والمناطق الآمنة نسبياً.

عبد الرحمن النور أحد تجار سوق السجانة الشهيرة في الخرطوم، كان يمتلك قبل اندلاع الحرب المستعرة في بلاده بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في 15 أبريل (نيسان) 2023 محلاً كبيراً لبيع مواد البناء يوفر له دخلاً مجزياً، ويوفر عملاً لآخرين من أبناء الحي.

لكن مع استمرار لهيب الحرب وفقدانه كل ما يملك من بضائع ورأسمال يقدر بآلاف الدولارات بسبب أعمال النهب التي طاولت هذه السوق، تغيّرت حياة النور بصورة جذرية، إذ اضطر لترك كل ما بناه خلال أعوام طويلة والبحث عن ملاذ آمن خارج البلاد.

نزح التاجر المنكوب مع أسرته إلى مصر، حاملاً معه حقائب صغيرة وأوراقه الشخصية، ليبدأ من الصفر في بيئة جديدة تماماً، حيث وجد نفسه مضطراً للعمل في متجر صغير بأجر يومي محدود، يكتفي بالكفاف لتغطية حاجات أسرته الأساسية، بينما حاول الحفاظ على التواصل مع الموردين والعملاء القدامى لعلّه يستطيع إعادة بعض أعماله لاحقاً.

تجربة النور تمثل نموذجاً لما يواجهه آلاف التجار السودانيين الذين فقدوا ممتلكاتهم وأعمالهم بسبب الحرب، واضطروا لإعادة بناء حياتهم في ظل توقف النشاط الاقتصادي وفقدان رأس المال والفرص التقليدية للعيش الكريم.

تجاوزت الحرب في السودان عامها الثاني مخلفةً أزمة معيشية غير مسبوقة، حيث ارتفع معدل الفقر إلى أكثر من 71 في المئة وفق تقديرات البنك الدولي، ما يعني أن نحو 23 مليون شخص يعيشون اليوم تحت خط الفقر ويعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء.

توقف الأعمال وانقطاع سبل الكسب وارتفاع الأسعار كلها عوامل دفعت بالملايين إلى حافة العوز، بينما تتزايد أعداد النازحين والباحثين عن أدنى مقومات الحياة في مدن اللجوء والمناطق الآمنة نسبياً.

أزمة إنسانية

المسؤول في لجنة الإغاثة والطوارئ حسام الحاج قال "بياناتنا الميدانية تشير إلى أن أكثر من 23 مليون سوداني يعيشون اليوم تحت خط الفقر، وهو ما يمثل نحو ثلاثة أرباع السكان، نتيجة توقف الأنشطة الاقتصادية وامتداد الحرب. فقد تجاوزت معدلات البطالة في المناطق الحضرية 18 في المئة من الأسر التي لا تمتلك دخلاً أو عملاً ثابتاً، مقارنة بـ 1.6 في المئة قبل النزاع، ويتوقع أن تتخطى نسبة البطالة الـ 45 في المئة نهاية عام 2025".

وتابع الحاج، "بين عامي 2023 و2025، تعطّلت سلاسل الإنتاج الزراعي والصناعي، مما أدى إلى انخفاض الإنتاجية بقرابة 46 في المئة وارتفاع الأسعار بصورة كبيرة. في وقت يواجه نحو 24.6 مليون شخص انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، فضلاً عن مواجهة أكثر من 600 ألف شخص أوضاعاً تصنف كارثية".

وأردف "تأثر في ظل هذه الأوضاع قطاع الخدمات العامة أيضاً، إذ انخفضت عمليات الوصول إلى الرعاية الصحية الكاملة من نحو 78 في المئة إلى 15.5 في المئة في بعض المناطق الحضرية، وتوقف التعليم المدرسي لنحو 63.6 في المئة من الأسر التي لديها أطفال في سن التعليم".

وواصل "هذا المشهد يعكس أن الفقر لم يعد مجرد فقدان للدخل، بل أصبح حالة ممنهجة من العوز يجمع بين انقطاع الرزق وتدهور الخدمات الأساسية ونمو أعداد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية، ما يشكل تهديداً مباشراً لاستقرار الأسر والمجتمعات".

توقف الأعمال

الخبير الاقتصادي سيد الأمين قال "مع تصاعد الحرب، توقفت أعمال ومشروعات كثيرة في مختلف مدن السودان، بما في ذلك المصانع الصغيرة والمتوسطة والمتاجر المحلية، ما أدى إلى فقدان الملايين وظائفهم وانخفاض مستوى الدخل اليومي. كما تعطلت الأسواق التقليدية، وانهارت سلاسل الإمداد والإنتاج الزراعي والصناعي، ما تسبب في ارتفاع الأسعار وانعدام القدرة على تلبية الحاجات الأساسية".

واستطرد "تشير البيانات الاقتصادية إلى أن توقف الأنشطة التجارية والصناعية في السودان أدى إلى خسائر فادحة في الناتج المحلي وتراجع القدرة الشرائية للأسر. فمعدل البطالة ارتفع بصورة كبيرة، بخاصة بين الفئات الشابة، إذ تجاوزت نسبة العاطلين من العمل في المناطق الحضرية 18 في المئة، مقارنة بأقل من 2 في المئة قبل اندلاع الحرب".

وزاد الأمين "تعطلت معظم سلاسل الإمداد، بما في ذلك الإنتاج الزراعي الذي انخفض بنحو 46 في المئة، ما تسبب في ندرة المواد الغذائية الأساسية وارتفاع أسعارها بشكل ملحوظ. فانخفاض الدخل وانقطاع الأعمال دفعا العديد من الأسر إلى الاعتماد على المساعدات الإنسانية أو الدخول في أنشطة موقتة لكسب لقمة العيش".

وأشار إلى أن "هذا الواقع يعكس أن الحرب لم تؤثر فقط في البنية التحتية، بل أدت إلى تدمير الاقتصاد المحلي على المستوى اليومي للأسر، إذ بات المواطن يكافح لتأمين أبسط متطلبات الحياة، ما يجعل الانهيار الاقتصادي تهديداً مباشراً لاستقرار المجتمع بأكمله".

وعن الحلول المطروحة للتخفيف من الأزمة، يرى الأمين أنه "يمكن تبني عدة حلول اقتصادية عاجلة، كدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال قروض ميسرة وتسهيلات ضريبية لإعادة تشغيل النشاط المحلي وتوفير برامج تدريبية سريعة للعمالة المتضررة، بما يتيح لهم الانتقال إلى فرص عمل بديلة مستدامة، وأيضاً تحسين سلاسل الإمداد الأساسية للسلع الغذائية، بما يقلل من فجوة العرض ويخفف الضغوط السعرية على المواطنين، وأخيراً، التركيز على دعم الإنتاج المحلي من الزراعة والصناعة لإعادة توازن السوق وتأمين حاجات الأسر اليومية".

نساء متضررات

في السياق، أوضحت الناشطة النسوية سارة أحمد أن "النساء يعدن من الفئات الأكثر تأثراً بالحرب، إذ فقدت الكثيرات مصادر دخلهن نتيجة توقف الأعمال أو فقدان المعيل، إضافة إلى زيادة أعباء الرعاية الأسرية، بخاصة في ظل ارتفاع معدلات النزوح الداخلي والخارجي. فكثير من النساء يواجهن صعوبة في الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الغذاء والصحة والمياه، ما يعكس حجم المعاناة المركبة التي تعيشها هذه الفئة".

وترى أحمد أن "الحرب فرضت على النساء أعباء إضافية غير مسبوقة، بما في ذلك النزوح وفقدان المعيل وتراجع القدرة على الوصول إلى الموارد الأساسية. فكثير منهن اضطر للعمل في أنشطة موقتة غير منتظمة لتأمين لقمة العيش، بينما اعتمد البعض الآخر على المساعدات الإنسانية بشكل كامل".

ومضت الناشطة النسوية بالقول "يمكن تبني حلول عدة، مثل إنشاء برامج تمكين اقتصادي للنساء تشمل التدريب المهني وتقديم قروض صغيرة لبدء مشاريع مدرة للدخل، مع دعم شبكات الحماية الاجتماعية لتأمين الغذاء والرعاية الصحية للأطفال والأسر التي تعيلها النساء. وتعزيز الوصول إلى التعليم والتدريب للنساء والشابات لضمان فرص مستقبلية مستدامة. والعمل على دمج النساء في الخطط الوطنية لإعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي لضمان تمثيلهم واستفادة أسرهم من التنمية المستقبلية".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير