ملخص
حصل مدير مستشفى "النو" الطبيب السوداني جمال الطيب على جائزة "أورورا" الإنسانية لعام 2025، بقيمة مليون دولار، لشجاعته وتفانيه وتقديم الرعاية الطبية وسط أهوال الحرب في البلاد، إذ أبقى مستشفى "النو" في أم درمان مفتوحاً كشريان حياة أخير لآلاف السكان وسط الحرب وانهيار النظام الصحي.
في الخرطوم التي اندلعت منها شرارة الحرب، تعرضت المستشفيات والمراكز الصحية للتدمير والحريق وعمليات السلب والنهب وتوقفت غالبيتها عن العمل، وجراء هذه الأوضاع بات مستشفى "النو" في مدينة أم درمان بمثابة شريان حياة إنساني لآلاف الجرحى والمرضى في مدن العاصمة الثلاث بحري والخرطوم وأم درمان.
وعلى رغم تزايد الهجمات اليومية والقصف المدفعي والجوي وتصاعد العنف على العاملين بالقطاع الصحي ظل المستشفى صامداً كجدار أخير في وجه الموت، يحرس الحياة بإصرار لا يلين، إذ نجح الأطباء والمتطوعون في تخطي المصاعب ومواصلة عملهم وسط الخطر كجنود بلا سلاح سوى ضماداتهم وضمائرهم، لم توقفهم انقطاعات الكهرباء والماء ولا شح الأدوية ولا رعب القصف، بل جعلوا من كل لحظة خوف فرصة لإنقاذ روح، إن صمودهم لم يكن مجرد عمل مهني، بل ملحمة إنسانية تروى في سجل الشرف.
قبل اندلاع الصراع المسلح لم يكن مستشفى "النو"، سوى مرفق صحي محدود الخدمات يديره عدد من الكوادر الصحية، لكنه اكتسب أهمية كبيرة في يوليو (تموز) 2023، إذ نجح فريق من الأطباء والممرضين والمتطوعين في إعادة تشغيله بكامل طاقته، وعلى مدى عامين ظل الأطباء يعملون تحت ضغط كبير من أجل تقديم الرعاية الصحية والاستجابة لآلاف الحالات الطارئة من المرضى وجرحى الحرب في ظل أوضاع محفوفة الأخطار.
تعرض مستشفى "النو" للقصف ثلاث مرات، في أغسطس (آب) 2023، وكذلك في أكتوبر (تشرين الأول) من العام ذاته، وفي يونيو (حزيران) 2024، وعلى رغم القصف المستمر، واصل الطاقم الطبي عمله بكل تفان وإخلاص، ونجحت الكوادر الطبية في تقديم الخدمات العلاجية لـ6776 مريضاً من إصابات ناجمة عن أعمال العنف.
أيقونة طبية
يقول الطبيب المتطوع إيهاب الأمين "تعرض المرافق الصحية للقصف وعمليات السلب والنهب أدى إلى توقفها في الخرطوم وبحري، وظل مستشفى ’النو‘ خط الدفاع الطبي الوحيد في مدن العاصمة الثلاث وبخاصة بعدما سجلت المعارك والاشتباكات المسلحة فصولاً مأسوية، أبرزها نفاد الأدوية بسبب إغلاق الصيدليات في ظل الحصار ونيران القصف المتواصل، وإنهاك الطواقم الطبية التي ظلت تعمل أياماً متتالية بلياليها".
وأضاف الطبيب "في يوليو 2023، استقبلنا أكثر من 150 جريحاً في يوم واحد، وكثر منهم في حال صعبة للغاية، لكن الفريق الطبي نجح في تجاوز العقبات وعمل بمهنية عالية وكأنه يتدرب منذ زمن طويل لهذه اللحظة".
وأوضح الأمين أنه "في تلك الأيام، كان القصف لا يتوقف، الأطباء والمتطوعون تعلموا التمييز بين أصوات الأسلحة نتيجة القصف المستمر، إذ كانت جبهة القتال على بعد كيلومترات من أبواب المستشفى، وفي وقت ظلت فيه شوارع أم درمان تغرق في الفوضى كان مستشفى ’النو‘ يفيض بالحياة وبات أيقونة طبية".
وتابع الطبيب المتطوع "مع توقف خدمات الرعاية الصحية في مدينتي الخرطوم وبحري بات مستشفى ’النو‘ المرفق الوحيد القادر على استقبال حالات الطوارئ في مدن العاصمة الثلاث، ومنذ يوليو 2023، وحتى سبتمبر (أيلول) الماضي، تم علاج أكثر من 48 ألف مريض مصاب بصدمات".
إنقاذ الجرحى
في السياق، قال المتطوع محمد إدريس "واجهتنا مصاعب جمة لأن الحالات التي كانت تأتي إلينا للعلاج تدخل الواحدة تلو الأخرى، ويشهد مستشفى ’النو‘ دخول عشرات الحالات يومياً بسبب القصف المتواصل، مما يتطلب إجراء العمليات المستعجلة، ولم يسبق أن رأيت مثيلاً لعدد الجرحى وفداحة الإصابات التي خلفتها المعارك وبخاصة في الأشهر الثلاثة الأولى".
ونوه المتحدث بأن "روح الفريق الواحد أسهمت في تجاوز الموجة الضخمة الأولى من الحالات الحرجة على رغم محدودية الكوادر الطبية، ونجح فريقنا في علاج مئات بعد نقلهم بسبب جروح في الرأس وكسور عدة وإصابات في أجزاء الجسم المختلفة، وظللنا نعمل بكل همة دون كلل أو ملل".
ولفت إدريس إلى أن "عدد المرضى بدأ يتزايد بعد توقف مستشفيات الخرطوم وبحري، مما أدى إلى ضغط كبير على الطاقم الطبي الذي أصيب بإرهاق بالغ لعدم حصوله على قسط من الراحة، وكنا نفكر في عائلاتنا، ماذا حل بهم؟ ولم يكن بمقدورنا اتخاذ أي خطوة لأن المرضى يحتاجون إلى متابعات دقيقة وعلاجات مستمرة في ظل إغلاق الصيدليات ونفاد الدواء".
أيام عصيبة
لم يكن محمد الطاهر إبراهيم يهتم بالمشاركة في الأعمال التطوعية الإنسانية، لكن عقب اندلاع الحرب، ظهر ببث مباشر على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في عدد من أحياء العاصمة الخرطوم، وهو ينقل الأدوية إلى "مستشفى النو" بدراجة هوائية وسط الرصاص ودوي المدافع وتحليق الطائرات في سماء المدينة.
يقول إبراهيم "في ظل خطر التجوال في الخرطوم، أغلقت الصيدليات أبوابها واتسعت أزمة الأدوية لتشمل عقاقير علاج الأمراض المزمنة والسكري والسرطان، مما زاد من معاناة مرضى كثر، جراء هذا الوضع نشطت في التطوع مجاناً لخدمة جرحى الحرب والمرضى في مستشفى ’النو‘ عبر خدمة توصيل الدواء".
وأشار المتطوع إلى أنه "يستخدم دراجته الهوائية لنقل الأدوية تحت أزيز الرصاص، ويستعين بمحرك ’غوغل‘ لتحديد مواقع الاشتباكات والممرات الآمنة عبر الخرائط، وأصبحت لديه خبرة في المشي بالشوارع والتعامل مع نقاط التفتيش".
وعن كيفية التعامل مع الأخطار، يقول المتطوع السوداني "في الحقيقة اكتشفت أن عملي يحميني من الخوف، فمساعدة الآخرين تمدني بالقوة والشجاعة، صحيح أنني أشعر بالذعر أحياناً وأنا أتجول داخل الأحياء لأن القصف يطاول أي مكان، وعند إحدى المحطات في أم درمان نجوت من الموت بأعجوبة بعد سقوط قذيفة في العمارة التي كنت قربها، وإنني في كثير من الأحيان أضطر إلى البقاء ساعات طويلة بسبب تجدد الاشتباكات المسلحة لأن الطرقات غير آمنة".
تقدير وتتويج
اعترافاً بالتضحيات الكبيرة والجهود التي بذلها الأطباء والمتطوعون الذين وقفوا في خطوط المواجهة لإنقاذ الأرواح في وقت كانت فيه مستشفى "النو" هدفاً للقصف، وتقديراً لصمودها واستمرارها في تقديم الخدمات الصحية، حصل مديرها الطبيب السوداني جمال الطيب على جائزة "أورورا" الإنسانية لعام 2025، بقيمة مليون دولار، لشجاعته وتفانيه وتقديم الرعاية الطبية وسط أهوال الحرب في البلاد، إذ أبقى مستشفى "النو" في أم درمان مفتوحاً كشريان حياة أخير لآلاف السكان وسط الحرب وانهيار النظام الصحي، وفاز الطبيب السوداني بأبرز تكريم عالمي يُمنح نيابة عن الناجين من الإبادة الجماعية، تقديراً لشجاعته الاستثنائية في إنقاذ الأرواح.
وأفادت مبادرة "أورورا" الإنسانية، بأن مدير مستشفى "النو" في السودان قد تم تكريمه لتقديمه رعاية طبية منقذة للحياة ولمئات الأرواح في خضم حرب أهلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتمنح الجائزة للذين يخاطرون بحياتهم لإنقاذ الآخرين، وتقديم الرعاية الطبية للأشخاص في مناطق النزاع، وقد اختير الطبيب السوداني من بين أكثر من 800 شخص، وأطلقت جائزة "أورورا" عام 2015 من أرمينيا، تخليداً لذكرى الناجين من الإبادة الأرمنية الذين أنقذوا بفضل مبادرات إنسانية فردية، وتهدف إلى تكريم أشخاص أو منظمات قدموا إسهامات استثنائية في إنقاذ الأرواح والدفاع عن الكرامة الإنسانية في أصعب الظروف.
تكريم للأطباء
إلى ذلك، هنأ مجلس السيادة الانتقالي السوداني، مدير مستشفى "النو"، في مناسبة فوزه بجائزة "أورورا" الإنسانية، وذلك من بين 800 منافس على مستوى العالم.
وقال المجلس في بيان "مجلس السيادة، إذ يهنئه بهذا الفوز المستحق، إنما يهنئ كل أطباء السودان الذين ظلوا يعملون في تجرد ونكران ذات من أجل تقديم الخدمات الصحية والعلاجية للمواطنين على رغم الظروف الدقيقة التي يمر بها الوطن".
وأضاف البيان "لقد ظل جمال الطيب يعمل بجد واجتهاد في إدارة مستشفى "النو"، ولم يغادره طيلة فترة الحرب، وعلى رغم القصف المدفعي الذي تعرض له المستشفى من قبل ميليشيات آل دقلو الإرهابية، وهذا ديدن البارين والمخلصين في خدمة شعبهم".
وأشار البيان إلى أن "اختيار جمال الطيب، يعد تكريماً لكل الأطباء والعاملين في الحقل الصحي بالسودان، ويمثل شهادة على تفوق ونبوغ الكوادر الطبية السودانية على المستويين الإقليمي والدولي".
أدوار بطولية
وتقدمت شبكة "أطباء السودان" بالتهنئة للطبيب جمال الطيب، مدير مستشفى "النو"، في مناسبة فوزه المستحق بجائزة "أورورا" الإنسانية، وذلك تقديراً لدوره البطولي وتفانيه في العمل الإنساني خلال مأساة الخرطوم وما تبعها من ظروف قاسية عاشها القطاع الصحي في البلاد، وفق بيان الشبكة.
وقال البيان إن "هذا التتويج العالمي يأتي اعترافاً بجهود الطبيب جمال وزملائه الذين ظلوا صامدين يؤدون واجبهم الإنساني والطبي في أصعب المراحل.
وأشار البيان إلى أن "الفريق الطبي بقيادته ظل متحدياً نقص الإمدادات وانعدام الأمان، مجسداً أسمى معاني الشجاعة والتضحية في سبيل حياة الآخرين.