ملخص
هل تسعى أبوظبي إلى شراكة اقتصادية خالصة، أم أن الاستثمارات المخصصة للدولة الواقعة وسط القارة السمراء تحمل بعداً سياسياً واستراتيجياً، في إطار ترتيباتها للأوضاع داخل السودان؟ وما أثر ذلك في الدعم اللوجيستي الذي تحصل عليه قوات "الدعم السريع"؟
أثار توقيع دولة الإمارات اتفاقات شراكة اقتصادية واستراتيجية مع تشاد، التي من المحتمل أن تحقق تعهدات باستثمار نحو 6.2 مليار دولار، موجة من الجدل في الأوساط السياسية التشادية والسودانية حول دواعي هذا التوجه الجديد نحو الاستثمار داخل الدولة الأفريقية المجاورة للسودان، وعلاقته بتطورات الأوضاع في إقليم دارفور الذي يشهد موجة عالية من العنف، لا سيما بعد سيطرة قوات "الدعم السريع" في الإقليم.
وتساءل مراقبون للشأن الأفريقي حول الجدوى الاقتصادية والمالية إلى جانب الأهداف السياسية والجيوستراتيجية للتوجه الإماراتي، وبخاصة في ظل الاتهامات السودانية المتكررة للإمارات بدعم قوات "الدعم السريع"، التي تحارب الجيش السوداني منذ أكثر من عامين، مما تنفيه أبوظبي بشدة.
وكان وزير التجارة الخارجية الإماراتي ثاني الزيودي، أعلن عن قرب استكمال اتفاق شراكة استراتيجية شاملة مع تشاد، كاشفاً عن توقيع نحو 40 اتفاقاً بين شركات وجهات إماراتية والبلد الأفريقي المجاور للسودان الذي مزقته الحرب.
لكن هذا الإعلان الذي تزامن مع التطورات الميدانية في مدينة الفاشر السودانية إثر سيطرة قوات "الدعم السريع" عليها، والتداعيات الإنسانية التي أعقبت ذلك، طرح أسئلة عدة عن علاقة هذه الشراكة وتأثيرها المباشر في الأوضاع في السودان، لا سيما وأنها مناطق محاذية للحدود التشادية، علاوة على إصرار الخرطوم على اتهام أبوظبي بدعم قوات "الدعم السريع" عبر البوابة التشادية، في حين تنفي الإمارات بشدة تلك الاتهامات.
في الأثناء حذرت الأمم المتحدة هذا الشهر من تدفق متوقع للاجئين السودانيين إلى تشاد، لا سيما بعد سقوط مدينة الفاشر. فهل تسعى أبوظبي إلى شراكة اقتصادية خالصة، أم أن الاستثمارات المخصصة للدولة الواقعة وسط القارة السمراء تحمل بعداً سياسياً واستراتيجياً، في إطار ترتيباتها للأوضاع داخل السودان؟ وما أثر ذلك في الدعم اللوجيستي الذي تحصل عليه قوات "الدعم السريع"؟
طفرة نوعية ولكن
يرى الصحافي التشادي أحمد عبدالكريم أن الشراكة الاقتصادية الإماراتية - التشادية تمثل طفرة نوعية في تاريخ العلاقات بين البلدين، علاوة على أنها أكبر استثمار لدولة عربية في تشاد، مشيراً إلى أن توقيت الاتفاقات الأخيرة أثار موجة من القلق لدى الجهات السودانية، لجهة إمكانية تأثيرها في قرارات إنجامينا ورؤيتها تجاه الصراع السوداني.
ويضيف أن ثمة تحديات سياسية قد تقف أمام التوجه الإماراتي نحو تشاد، تتعلق أساساً بالأوضاع المحيطة في المنطقة، خصوصاً في السودان، والاتهامات المتكررة من قبل الخرطوم عن دور أبوظبي في الحرب الأهلية الدائرة هناك، إذ تعد إنجامينا العاصمة الأقرب لغرب السودان نتيجة التقاطعات السياسية والثقافية والتداخلات العرقية عبر الحدود المشتركة، مما قد يؤثر في المزاج السياسي والاجتماعي، ويطرح تحديات تجاه التوجه الاقتصادي الإماراتي في تشاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوضح عبدالكريم أن عدداً من القوى السياسية، لا سيما المتحدرة من شرق تشاد، ترتبط بعلاقات سياسية وإثنية واجتماعية مع مجتمعات غرب السودان التي تشهد حرباً ضروساً بين الجيش النظامي وقوات "الدعم السريع"، إذ تخشى هذه القوى من تحويل شرق تشاد إلى ساحة جديدة للمعارك نتيجة العلاقات المتقدمة التي تربط أبوظبي بقادة قوات "الدعم السريع"، وبخاصة أن الخرطوم ظلت تتهم إنجامينا بالمشاركة في الحرب من خلال توفير ممرات لوجيستية آمنة لدعم قوات "الدعم السريع".
ويضيف أن المعارضة التشادية تحذر من إمكانية تورط النظام في إنجامينا بعمليات تهريب السلاح والمقاتلين من خلال الحدود المشتركة، وقد تعمق الاتفاقات الأخيرة مع الإمارات تلك المخاوف، موضحاً أن تزامن الشراكة الاقتصادية الأخيرة مع تدهور الأوضاع الإنسانية داخل مدينة الفاشر يعزز المخاوف المتعلقة بالأهداف الجيوسياسية للإمارات في السودان، وبخاصة في ظل تقلص التأييد الشعبي للنظام في إنجامينا، سواء لجهة الأزمات السياسية والاقتصادية الخانقة، أو موقفه من الحرب.
ويتابع الصحافي التشادي أن الحدود المشتركة بين السودان وتشاد، التي تمتد لأكثر من 1400 كيلومتر معظمها داخل غرب السودان الخاضع لسيطرة "الدعم السريع"، تثير مخاوف مبررة حول إمكانية تحول تلك الحدود إلى ممرات لوجيستية آمنة لقوات "الدعم السريع"، سواء في نقل العتاد العسكري أو تجنيد المقاتلين من داخل وخارج السودان.
أهداف عسكرية وسياسية
بدوره يرى المتخصص السوداني في شؤون دول غرب أفريقيا الفاتح محمد أحمد، أن الشراكة الاقتصادية الإماراتية - التشادية، تأتي في إطار توجه الإمارات نحو القارة الأفريقية، والتي تهدف إلى تحقيق غايتين رئيستين، الأولى اقتصادية تتعلق بتنويع جهات الاستثمار من خلال فتح أسواق جديدة والتقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري لتعزيز النمو، والثانية ذات بعد سياسي - عسكري يرتبط بالتأثير في الأوضاع داخل السودان، من خلال خلق علاقات استراتيجية مع دول الجوار السوداني، وبخاصة تشاد، ومحاولة إطباق الحصار على الجيش السوداني من خلال ضمان منافذ لوجيستية للدعم العسكري والمالي.
ويضيف الفاتح أن الاستثمارات الإماراتية قد تنقذ حكومة محمد ديبي من الأزمات الاقتصادية التي تعانيها، وتمنحه فرص لتأسيس شرعية جديدة على قاعدة النمو الاقتصادي والاجتماعي، مما يوفر له غطاء شعبياً للاستمرار في الحكم، منوهاً بأن النظام في إنجامينا قد يتحول إلى "رهينة سياسية" للمستثمرين الجدد، الذين يحملون أجندات سياسية وجيوسياسية تتعلق بترتيب الأوضاع في كل من السودان وليبيا المجاورين.
ويرى المتخصص السوداني أن أبوظبي ظلت متهمة بالضلوع في تسليح قوات "الدعم السريع" داخل السودان، وقوات حفتر في ليبيا، كجزء من استراتيجيتها من أجل فرض نفسها كقوة فاعلة في الشأن الدولي والإقليمي، ومن ثم فإن ضخ استثمارات ضخمة في دولة أفريقية مثل تشاد لا يمكن أن يقتصر على الجانب الاقتصادي والتجاري، بل يرتبط بمساع جيوسياسة تريد أبوظبي تحقيقها داخل القارة الأفريقية لتتمكن من تقديم نفسها ضمن مخططات القوى الكبرى، وبخاصة الولايات المتحدة والصين، إذ ترى أن موانئ السودان وليبيا وثرواتهما قد تمثل بوابة لهذا الهدف.
ويشير إلى أن التطورات الأخيرة داخل مدينة الفاشر غرب السودان والمحاذية للحدود التشادية تطرح أسئلة عدة حول الإمدادات العسكرية التي تتمتع بها قوات "الدعم السريع" ومصادرها، مضيفاً أن تنامي المصالح الإماراتية في تشاد يشير بصورة أو بأخرى إلى مدى تأثير ذلك في التطورات الميدانية غرب السودان.
ويرى الفاتح أن الجيش السوداني قدم مراراً أدلة على استفادة قوات "الدعم السريع" من الدعم العسكري الإماراتي عبر منافذ عدة من بينها المطارات العسكرية والمدنية التشادية.
صمام أمان
في المقابل، يقدر الخبير الاقتصادي التشادي أحمد هلال، أن الاتفاقيات الاستثمارية الموقعة مع الإمارات قد تشكل صمام أمان لحكومة أنجامينا التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، لا سيما وأن 80 في المئة من اقتصاديات الدولة يعتمد على الزراعة والرعي، في ظل حال عدم الاستقرار الذي يشهده الريف التشادي سواء نتيجة الحالة السياسية والاقتصادية والمالية، أو نتيجة انتشار الفساد الإداري والمالي، مشيراً إلى أن الصفقات المزمع توقيعها في نهاية العام الحالي، تمثل طوق نجاة للوضعين الاقتصادي والاجتماعي للبلاد الواقعة في وسط أفريقيا.
ويقترح المختص الاقتصادي ضرورة إيلاء أهمية قصوى لأوجه تنفيذ الاتفاقيات عبر لجان مراقبة مشتركة، حتى لا تسهم هذه الأموال في مزيد من الفساد المالي والإداري والسياسي.
إضافة إلى أهمية أن ترتكز على سبل نهضة الاقتصاد التشادي من خلال تبني مشاريع طموحة تُخرج البلاد من حال تلقي مساعدات ومنح إلى دينامية اقتصادية فاعلة، تسهم في عملية الإنتاج وإقلاع الاقتصاد المحلي نحو خلق مناخ استثماري منافس ومنفتح.
ويقر هلال أن ثمة مخاوف لدى الطبقة السياسية المعارضة، من أن تمثل الاستثمارات الإماراتية طريقة جديدة لارتهان النظام السياسي للإملاءات الخارجية، بخاصة لجهة مواقفه في الشؤون الإقليمية لا سيما الأوضاع في السودان، إذ يخشى أن تتحول تشاد إلى قاعدة خلفية للمشاريع السياسية الإماراتية في القارة الأفريقية، بخاصة أن تشاد تقع على خط التماس مع كل من غرب السودان وليبيا، وهما دولتان تحظيان باهتمام إماراتي ملحوظ لجهة فرض رؤى معينة.