ملخص
أبعدت إسرائيل "مهندس عملية نفق الحرية" محمود العارضة إلى مصر بعد إفراجها عنه ضمن صفقة تبادل الأسرى مع حركة "حماس"، وذلك بعد 31 عاماً على سجنه حيث كان يقضي حكماً بالمؤبد لإدانته بقتل إسرائيليين.
مع أن محاولات الأسير الفلسطيني المحرر محمود العارضة للهروب من السجون الإسرائيلية لم تتوقف منذ اعتقاله في عام 1992، لكنها نجحت بالفعل في عام 2021، عاش حينها حياة الحرية طيلة خمسة أيام قضاها في الجبال، قبل إعادة اعتقاله إلى أن أفرجت عنه إسرائيل في الـ13 من الشهر الجاري.
وينحدر العارضة من قرية عرّابة غرب جنين، وينتمي لحركة "الجهاد الإسلامي"، واعتقل المرة الأولى في عام 1992 وهو كان لا يزال في الثانوي بالمدرسة.
"كنت أريد القفز من الجيب العسكري أثناء اعتقالي الأول في عام 1992، وأنا ابن 17 سنة، لكن يداي كانتا مقيدتين، ومسألة النجاة كانت صعبة"، قال العارضة.
إبعاده إلى مصر
وأبعدت إسرائيل "مهندس عملية نفق الحرية" محمود العارضة إلى مصر بعد إفراجها عنه ضمن صفقة تبادل الأسرى مع حركة "حماس"، وذلك بعد 31 عاماً على سجنه حيث كان يقضي حكماً بالمؤبد لإدانته بقتل إسرائيليين.
ووفق العارضة فإن "فكرة الهروب كانت موجودة في رأسي من اللحظة الأولى لاعتقالي، ولم أتوقف عن المحاولة يوماً".
وروى العارضة في مقابلة مع "اندبندنت عربية" تفاصيل محاولات هروبه الكثيرة من السجن، والتي نجحت إحداها يوم الـ6 من سبتمبر (أيلول) في عام 2021 مع خمسة آخرين من الأسرى الفلسطينيين من سجن "جلبوع" الإسرائيلي.
وكانت أبرز تلك المحاولات "المكشوفة" التي فشلت في مراحلها الأخيرة، محاولة الفرار من سجن شطة الإسرائيلي في عام 2014.
وكشف العارضة أن حفر النفق بدأ بداية عام 2013 وانتهى في شهر يونيو (حزيران) 2014، لكن إدارة السجون الإسرائيلية "اكتشفت النفق بسبب أحد الأسرى في داخل القسم لم يكن على علم بالخطة وذلك بعد 16 شهراً من العمل فيه".
خطة الهروب
وبعد أشهر قليلة، "بدأنا نعد خطة الهروب من سجن جلبوع وقد دخلت حيز التنفيذ عندما توافرت الظروف المناسبة".
ومع نهاية عام 2020 بدأت عملية حفر النفق من غرفة رقم 5 في السجن شديد التحصين إلى خارج أسواره بطول بلغ 36 متراً.
وعلى رغم ذلك فإن عملية الحفر "كادت أن تكتشفها إدارة السجن، وذلك حين دخل الحُرّاس إلى غرفتنا في الـ 5 من مايو (أيار)، وبدأوا بتفتيشها، حينها سارعت إلى الخروج من النفق وأغلقته علماً أن الأسير قصي مرعي كان لا يزال بداخله واضطر للبقاء لفترة ليست بقصيرة".
لكن "اكتشاف إدارة السجن أتربة في خطوط الصرف الصحي بالسجن، دفعتنا إلى تعديل الخطة ما اضطر بزملائه الخمسة في الغرفة إلى تبكير موعد الهروب ليلة واحدة، ولكننا بطبيعة الحال لم نتمكن من إعلام الشخص الذي كان يفترض أن يلاقينا في محيط السجن لنقلنا إلى الضفة الغربية".
وتابع "كنا نعمل بدقة وحذر ومهنية مكنتنا من تشتيت إدارة السجن، لا سيما أننا انقسمنا لفريقين واحد فوق الأرض وآخر تحتها".
وفي لهجة لا تخلو من البهجة والطمأنينة، أضاف محمود "قضيت خمسة أيام بلياليها من أجمل أيام العمر في الجبال والأودية المحيطة بمدينة الناصرة، وأكلنا من التين والرمان بخاصة من قرية إكسال".
وبحسب العارضة "كنا ننام في الجبال، إلا أنني لم أنم سوى خمس ساعات طيلة الأيام الخمسة، كنت سعيداً للغاية، وأريد رؤية الطبيعة وتحسس الأرض".
إعادة اعتقاله
وعن ظروف إعادة اعتقاله، أشار العارضة إلى أن ذلك كان "بالصدفة خلال بحث الشرطة الإسرائيلية عن عمال فلسطينيين في جبل القفزة، في البداية ظنوا أننا عمال ولم يكن معي أوراق ثبوتية. لم أكن أتوقع أن يعاد اعتقالي".
ويرى العارضة أن السجون الإسرائيلية "يمكن اختراقها، فنحن اخترقنا المنظومة الأمنية في أكثر سجنين محصنين وهما شطة وجلبوع".
وأفرجت إسرائيل عن العارضة في بداية عام 1996 خلال المرحلة الأولى من تنفيذ اتفاقية أوسلو، لكنه عاد إليه بعد أشهر قليلة إثر قتله إسرائيليين في ذروة الأمل بالتوصل لاتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وعن أسباب تنفيذ هجمات خاصة في تلك الظروف، قال العارضة "إنني خرجت من السجن فوجدت قوات الاحتلال الإسرائيلي على الطرق الرئيسة وفي كل مكان، والمقاومة يجب أن تستمر طالما بقي الاحتلال".
وكشف العارضة عن تعرّض القيادي الفلسطيني في حركة "فتح" مروان البرغوثي إلى "مئات محاولات القتل، إذ تعرض لضرب مبرح وعنيف من السجانين، وكان ضرباً من أجل القتل والتصفية، إلا أنه رجل قوي عنيد وشجاع".
وكان العارضة والبرغوثي مسجونين في غرفتين للعزل الانفرادي متجاورتين خلال الشهرين الأخيرين قبل الإفراج عن العارضة من سجن "ريمون" في صحراء النقب.
و"على رغم أن البرغوثي أمضى الأعوام الماضية في العزل الانفرادي، لكنه كان يُلقي المحاضرات على الأسرى الذين يقبعون في الغرف المجاورة، إذ كان صوته يدوي ليخرق النوافذ وأبواب الزنازين"، بحسب العارضة.
وأضاف أن البرغوثي ألقى أكثر من 50 محاضرة كل واحدة منها تصل مدتها إلى أربع ساعات خلال الشهرين والنصف الماضيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دور البرغوثي
ورفضت إسرائيل بشدة الإفراج عن البرغوثي خلال صفقة التبادل الأخيرة والصفقات الماضية "لأنها تُدرك تأثيره الكبير في مسيرة القضية الفلسطينية".
ووفق العارضة فإن "علاقات القيادي في حركة ‘فتح‘ مع قادة حركة ‘حماس‘ في السجون وتوصله إلى رؤية مشتركة معهم في وثيقة الأسرى، تمنحانه دوراً هاماً في إنهاء الانقسام".
ومع أن العارضة أشار إلى أنه كان سعيداً بهجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، لكنه أدرك أنه يمثل "بيرل هاربر القرن الـ 21 وهجوم الـ 11 من سبتمبر (أيلول)، ومن يوم الهجوم توقعت أن تكون تداعياته كبيرة، وأن يؤدي إلى تغييرات استراتيجية في المنطقة".
وأوضح أن حركة "‘حماس‘ تفاجأت من جحم انهيار العدو خلال الهجوم، نحن نقاتل أميركا والحكومات الغربية إلى جانب إسرائيل".
وقال العارضة إنه كان يتوقع تداعيات الهجوم من "حرب ودمار، وكنت أعارض دخول لبنان والمنطقة في الحرب، كان المطلوب تقليل الأضرار وتسليط الأضواء على الجريمة التي تجري في قطاع غزة".
وأرجع العارضة سبب معارضته توسيع الحرب إلى أن "طبيعة هجوم السابع من أكتوبر ستقود إلى تحالف دولي في المنطقة، وهو ما حصل، إذ شهدنا تحالفاً شبه دولي".
ومع أن العارضة أوضح أن ما "تفترضه إسرائيل نصراً لها سيكون موقتاً، وسيمثل خسارة لها على المدى الاستراتيجي البعيد، فشرعيتها في العالم له نُزعت وكل الشعوب أدركت حقيقة الكيان".
ووفق العارضة، فإن "ما جرى سيكون له تأثير كبير على الحراك السياسي الاجتماعي في المجتمعات الغربية والعربية، وبأن حلم الدولة لن يكون بعيداً".