ملخص
صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل و"حماس" أنهت القتال مؤقتاً وأعادت الأمل بوقف دائم، لكنها فتحت تساؤلات حول مستقبل نتنياهو السياسي وسط تراجع نفوذه الخارجي وتزايد الضغوط الداخلية. ويحذر محللون من أن الصراع مرشح للاستمرار في الضفة وسوريا ولبنان، فيما قد يستخدم نتنياهو الاتفاق لتعزيز موقعه الانتخابي.
لقيت صفقة الإفراج عن جميع الرهائن المحتجزين لدى حركة "حماس"، مقابل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ترحيباً واسعاً تجلى في احتفالات بكل من إسرائيل وقطاع غزة، حيث ينظر إليها على نطاق واسع أنها تشكل إنجازاً من شأنه أن يمهد لنهاية الحرب.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد وافق على الشروط الأولية للاتفاق، الذي يعد في الأقل بوقف لإطلاق النار، إن لم يكن بنهاية دائمة للصراع. غير أن الاتفاق أثار تساؤلات حول مستقبل نتنياهو السياسي، الذي ظل إلى حد كبير مرتبطاً باستمرار الحرب في غزة.
يرى محللون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تعمد إطالة أمد الحرب كتكتيك للبقاء في السلطة، مدركاً احتمال خسارته أي انتخابات مقبلة. ويشير منتقدوه إلى أن الحرب أتاحت له تشتيت الانتباه وتأجيل محاكمته في قضية فساد تلاحقه منذ أعوام، وهي دعوى وصفها نتنياهو بأنها "حملة تشويه" ذات دوافع سياسية، نافياً باستمرار ارتكاب أي مخالفات.
وقبل اندلاع الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، واجه نتنياهو - الذي يعد من الزعماء الإسرائيليين الأطول بقاءً في السلطة - موجة احتجاجات واسعة تكاد تكون أسبوعية، ضد خططه المثيرة للجدل المتعلقة بإصلاح النظام القضائي. ومنذ ذلك الحين، أصدرت "المحكمة الجنائية الدولية" مذكرة توقيف في حقه بتهمة ارتكاب جرائم حرب مزعومة في غزة.
وقال الدبلوماسي الإسرائيلي السابق، لقناة "الجزيرة" القطرية، ألون بينكاس: "هذه الأخطار لم تتراجع. ويجب أن نتذكر أن (دونالد) ترمب ليس مثل (جو) بايدن. لم يعد بإمكان نتنياهو الاعتماد على أصدقائه في الحزب الجمهوري لتجاوز الرئيس، فقد زال ذلك النفوذ تماماً. وإذا أراد ترمب، فهو قادر على وضع نتنياهو في موقف سياسي بالغ الصعوبة - ونتنياهو يدرك ذلك جيداً".
منذ اندلاع الحرب، ظل نتنياهو مصمماً على تحقيق هدفه المعلن والمتمثل في تحقيق نصر كامل على "حماس" مع الحفاظ على تماسك حكومته الائتلافية، التي يعتمد عليها بقاؤه السياسي. وكان مضطراً في الوقت نفسه إلى عدم إغضاب حلفائه الغربيين، ولا سيما الولايات المتحدة، التي شكل دعمها العسكري والدبلوماسي ركناً أساساً في المجهود الحربي الإسرائيلي.
ومع ذلك واجه رئيس الوزراء الإسرائيلي إدانات دولية بسبب إدارته للحرب، التي كانت كارثية على الفلسطينيين. وعلى رغم التحديات الداخلية والخارجية، تمكن من استعادة بعض التأييد في استطلاعات الرأي داخل إسرائيل. وتشير التقارير إلى أنه ما زال يحتفظ بقاعدة صلبة من الناخبين، خصوصاً بين اليهود المتشددين (الحريديم) وسكان المستوطنات، فيما تظهر الاستطلاعات أن الرأي العام الإسرائيلي انزاح أكثر نحو اليمين منذ هجمات السابع من أكتوبر قبل عامين.
ويلفت النقاد إلى أن التظاهرات التي سبقت الحرب ركزت على قضايا تخص الإسرائيليين اليهود، متجاهلة إلى حد كبير الاحتلال المستمر للأراضي الفلسطينية. وبالمثل، تعرضت الاحتجاجات الحالية المطالبة بالإفراج عن الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة لانتقادات بسبب تجاهلها النسبي للأزمة الإنسانية ومعاناة الفلسطينيين في القطاع.
يشار إلى أن حكومة بنيامين نتنياهو تعتمد على فصائل يمينية متطرفة، لا تسعى فقط إلى القضاء على "حماس" وإطالة أمد الحرب، بل تعارض بشدة أي تحرك نحو حل الدولتين.
وقال رئيس "مشروع الولايات المتحدة – الشرق الأوسط"، المفاوض السابق في حكومات إسرائيلية سابقة، دانييل ليفي، في حديث إلى "اندبندنت": "لا ينبغي الافتراض أن ما جرى يعني نهاية شاملة للحرب أو لدور نتنياهو كقائد في زمن الحرب".
ورأى ليفي أن انتهاء القتال في غزة لا يعني بالضرورة نهاية الصراع الأوسع في المنطقة، مشيراً إلى استمرار الغارات الإسرائيلية في سوريا ولبنان، وإلى أنه من المرجح أن تكون إيران التحدي الأبرز في المرحلة المقبلة. وحذر من أن إسرائيل قد تواصل عملياتها العسكرية، خصوصاً في الضفة الغربية، حيث ازدادت عملياتها تدميراً في الآونة الأخيرة.
وقال ليفي إن "الضفة الغربية قد تدفع ثمناً أكبر نتيجة لذلك"، موضحاً أن هذا الوضع ينبع جزئياً من الضغوط السياسية داخل ائتلاف نتنياهو، لا سيما من شخصيات متطرفة مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
وقال المتخصص في استطلاعات الرأي، المساعد السياسي السابق لعدد من القادة الإسرائيليين، بينهم نتنياهو، ميتشل باراك، إن الحكومة الحالية تقترب من نهايتها، لكنه لا يتوقع انهياراً فورياً، نظراً إلى أن المعارضة تدعم خطة السلام التي طرحها الرئيس الأميركي ترمب، بحسب ما نقلت "رويترز".
وعرض زعيم المعارضة يائير لبيد دعم حكومة نتنياهو لمنع سقوطها وضمان تنفيذ خطة ترمب، مشيراً الأحد إلى أن نتنياهو يمكنه الموافقة على تحديد موعد للانتخابات المقبلة، مقابل ما وصفه بـ"ضمانة" ضد شركائه "المتطرفين وغير المسؤولين" في الحكومة.
وأبدى ليفي شكوكه في ما إذا كان اتفاق وقف إطلاق النار سيحدث فرقاً حقيقياً للفلسطينيين، إذ يبقى السؤال الجوهري: هل ستوافق "حماس" على التخلي عن سلاحها؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قد يسعى نتنياهو إلى استغلال صفقة الرهائن المحتملة لتعزيز موقعه السياسي، مقدماً إياها كإنجاز شخصي له على رغم الانتقادات. ويتوقع ليفي أن يدخل نتنياهو الانتخابات المقبلة، المقررة قبل أكتوبر 2026، مقدماً نفسه على أنه القائد الذي هزم "حماس" وأعاد الرهائن إلى ديارهم. ويرى أن الاتفاق قد يعرض بطريقة توحي بأنه حقق ذلك من دون تقديم تنازلات كبيرة، مثل الانسحاب الكامل من غزة.
ويضيف ليفي: "وإن لم ينجح ذلك، فسيقول نتنياهو: انظروا، ’حماس‘ لن تتخلى عن سلاحها، وسأملك بذلك مبرراً للعودة إلى التصعيد العسكري… إن استئناف بعض العمليات العسكرية، التي قد تتوسع لاحقاً في غزة، احتمال واقعي جداً".
وأضاف أن الآليات الإعلامية التي تخلق التعاطف الشعبي مع الحرب ما زالت قائمة في إسرائيل، إلى جانب ضعف المعارضة في طرح بدائل قوية، مما يمنح نتنياهو هامشاً واسعاً للمناورة. وربما لا يتمكن من الحفاظ على تماسك ائتلافه، لكنه سيحاول.
© The Independent