ملخص
حرب غزة ثم اقتراح مبادرة السلام الأخيرة هما العلامة الفارقة في سجل نتنياهو السياسي، إذ يزداد ضغط شركائه في حزب أقصى اليمين عليه لإفشال الخطة مع قبول المعارضة لها، وهذا ما حدث بالفعل كما ذكرت القناة الـ13 الإسرائيلية، بأن نتنياهو طلب تغييراً في بنود خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بما يتوافق مع رؤية الحزب.
كان خط سير حزب "الليكود" منذ تأسيسه كحزب واحد عام 1988 غير متجانس، ويضم أعضاء ذوي آراء متباينة وغير متفقة نتيجة لاختلاف طوائفه سواء من الأشكنازيين وأبناء الطوائف الشرقية ومختلف الطبقات والأقليات، ولكن لهم خريطة إدراكية تسعى إلى غاية واحدة، وهي تحقيق إسرائيل الكبرى وجمع شتات الشعب اليهودي، وأعني بالخريطة الإدراكية تصورات عقول الأفراد وفهمهم موضوعاً ما من خلال تعاليم وبرمجة ينشأون عليها من الصغر تعزز لديهم رؤية وولاء محددين لموضوع معين. وهذا ما يجمع حزب "الليكود" بأطيافه منذ أن نجح أرييل شارون (رئيس وزراء راحل) في توحيد تكتلاته المتصارعة تحت راية حزب وزعيم واحد، إلا أن واقع الحزب اليوم مختلف عن السابق، إذ تتصارع الآن داخله معسكرات مختلفة تتسابق نحو المقاعد والنفوذ والسيادة، تتغير تحالفاتها بحسب المنفعة والوضع الراهن، ويعزز من ذلك عدم وجود قيادة مؤهلة كما في السابق.
تحولات في الخريطة الإدراكية لـ"الليكود"
حزب "الليكود" اليميني في القضايا الأمنية والسياسية، واليساري في قضايا الاقتصاد بدأ في التحور. وتواجهه أزمات عدة تدفع به للتخلي عن زعامة رئيسه الحالي بنيامين نتنياهو، الذي لم ينجح في دفع سير عجلة الحزب بطريقته المأمولة، وربما يعود ذلك لعجزه عن فرض آرائه أمام ضغط أحزاب اليمين المتطرف على حساب الأحزاب الأخرى في "الليكود"، ونسيانه غاية الحزب وهدفه الأساس، إسرائيل الكبرى، والحقيقة أن تغيير النظام الأساس للحزب هو ما أدخل نتنياهو في هذا المأزق، فالمتتبع لمراحل تطوير الحزب، منذ البداية، يجد أن هناك انسجاماً بين نسيج الأحزاب داخل "الليكود"، وتوازناً بين السلطة التنفيذية والجهاز القضائي داخل الحكومة بخاصة في أوائل التسعينيات، مما خلق للكيان الصهيوني القوة الدفاعية والهجومية في الأساس، وثبت استقرارها من الداخل، وهو ما يختلف عليه واقع الحال اليوم في الحكومة الإسرائيلية التي تمر بصراع بين المؤسسات الدستورية والسياسية. ومع تداعيات محتملة لمستقبل نتنياهو وحكومته جراء هذا التغيير والضغط المذكور، من الوارد أن يخسر الغالبية الحكومية في الانتخابات المقبلة بحسب استطلاعات الرأي الموثوقة للقناة الـ13 الإسرائيلية، لأن الأمر لا يقف على تغير الخريطة الإدراكية لحزب "الليكود" الصاعد منذ سنوات وهدفه الأساس إسرائيل الكبرى واستقرارها، بل يمس موازنة إسرائيل التي أرهقها بالإنفاق والهدر الذي لفت الأنظار لأداء حكومته. فوفقاً لما ورد في صحيفة "معاريف"، في وقت سابق، فإن عدداً من الأحزاب والمسؤولين يرجحون أن عام 2025 هو الأخير لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي لم يتمكن من تعزيز شعبية حزب "الليكود" الحاكم بالقدر الكافي خلال هذه السنوات، مع أزمة ثقة نالت منصبه في زعامة "الليكود"، بدءاً من تهم الاحتيال والرشوة الموجهة له، وفشل حكومته في توقع عملية السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، إضافة إلى عدم تحقيق كامل أهداف حرب الـ12 يوماً مع إيران. ولم يتمكن من إرضاء طموح كل الأحزاب في الكنيست، بمن فيهم أعضاء من حزبه "الليكود" الذي يسعى، من العام الماضي، إلى تنفيذ أجندة سياسية ترضي غالبيته الأرثوذكسية المتطرفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
موقف نتنياهو بين واقعية "اللكيود" وإيجابية ترمب
حرب غزة ثم اقتراح مبادرة السلام الأخيرة هما العلامة الفارقة في سجل نتنياهو السياسي، إذ يزداد ضغط شركائه في حزب أقصى اليمين عليه لإفشال الخطة مع قبول المعارضة لها، وهذا ما حدث بالفعل كما ذكرت القناة الـ13 الإسرائيلية، بأن نتنياهو طلب تغييراً في بنود خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بما يتوافق مع رؤية الحزب. والحقيقة أن خطة ترمب لوقف الحرب واستثمار قطاع غزة كما ذكرت سابقاً، تحقق الرؤية الترمبية في الشرق الأوسط، وتحبط آمال حزب اليمين المتطرف في "الليكود" في الداخل، إذاً هناك تناقض ملموس يمارسه ترمب مع كل من الطرفين نتنياهو وحركة "حماس"، بل ثقة مبالغ فيها بنجاح خطته في حل صراع دام 3 آلاف عام، كما ذكر في آخر منشوراته على منصة "إكس". من جهة أخرى تكشف خطة ترمب عن صعوبة تنفيذها مستقبلاً وتأزم موقف نتنياهو بصورة أعمق، لأننا نجد أن حزب "الليكود" يهدف في نهاية الأمر إلى استسلام "حماس" الكامل من دون أي شروط ونزع السلاح، ويرفض حل الدولتين تحت أي ظرف، وهذا ما ورد في شروطه. في المقابل فإن رد "حماس" في بنودها المقدمة بالموافقة على خطة ترمب يشيد في أول بند بجهود الرئيس ترمب لإنهاء الحرب، ويؤكد في البند التالي الرفض التام لاحتلال القطاع ومنع التهجير، والتذكير بأن استمرار حمل السلاح من الحركة مكفول دولياً وأقرته القوانين الدولية التي نصت على أحقية حركات المقاومة في العالم بحمل السلاح ضد المستعمر. إذاً هناك كثيراً من الإشكالات التي جرى تمريرها في هذه البنود، يقابلها قرار تجميد العمليات العسكرية في مدينة غزة، فإن كل ذلك يخالف تقديرات إسرائيل ويحولها لوضع الدفاعي، مما يخالف أجندة أحزاب اليمين في "الليكود"، وأولها اقتلاع حركة "حماس" من جذورها ونزع سلاح القطاع بالكامل.
تغير تركيبة "الليكود"
شهد حزب "الليكود" انقسامات متعددة في تنظيمه، منذ تأسيسه، كما ذكرت بزعامة شارون، إذ كانت انقساماته، في السابق، تبعاً لمواقف الحكومة الإسرائيلية ضد الأحداث السياسية القائمة، فشهد انقساماً بين أعضائه اعتراضاً على اتفاق "كامب ديفيد" في عام 1978، وأيضاً انقساماً عند الانسحاب من غزة عام 2005، على إثره تم إقصاء شارون من رئاسة الحزب، واليوم يواجه نتنياهو الموقف نفسه، إذ يواجه تهديدات بالانسحاب من حكومته وإسقاطها من أقوى داعمين لائتلافه، وهما بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، إذا خضع لإملاءات واشنطن، وفتح باب التفاوض لـ"حماس"، وهذا يعني تراجع مكانة "الليكود" في الانتخابات المقبلة، وربما تغييراً في تركيبة الحزب نفسه وتراجعاً في أهدافه التي تؤيد في الأساس توسيع الاستيطان وعدم إجراء محادثات مع الفلسطينيين بأي شكل كان، مما يؤثر في أهم سبب في صعود "الليكود" منذ التسعينيات وهو قوة الجهاز العسكري، إذ إن الجيش الإسرائيلي بات يعاني اليوم خسائر بشرية تستدعي تمرير قانون تجنيد "الحريديم" (جماعة من اليهود المتدينين) المعفين من الخدمة العسكرية، إضافة إلى أزمة الثقة بينه وبين الإسرائيليين أنفسهم، جراء الإنفاق المهول على العمليات العسكرية في عهد حكومته التي باتت أقرب إلى الفاشية بامتياز.