ملخص
عندما توقفت الحرب باشرت "حماس" في استعادة النظام والأمن والقانون، وأول ما فعلته وجهت بنادقها القليلة الناجية من التدمير الإسرائيلي صوب التشكيلات المسلحة، وجهزت عناصرها وسلحتهم ودفعتهم نحو مناطق انتشار هذه التشكيلات.
بعد وقف إطلاق النار في غزة نشرت حركة "حماس" عناصرها الأمنية في القطاع، ثم اتجهت بقوة السلاح إلى حسم معركة أخرى مع الميليشيات المسلحة المناهضة لها، وعلى ضوء ذلك اندلعت اشتباكات عنيفة في وقت تسود القطاع مخاوف من أن تؤسس الاشتباكات بين أمن "حماس" والميليشيات إلى حرب أهلية داخلية.
مجموعات مسلحة تصارعها "حماس"
في خضم الحرب على غزة برزت مجموعات مسلحة ينتمي بعضها لعشائر كبيرة وممتدة نفذت تلك التشكيلات أفعال ترقى لجرائم وفق القانون الفلسطينية، مثل سرقة معونات الجوعى وإطلاق النار المباشر على المواطنين، والتعاون مع الجيش الإسرائيلي، من خلال تفتيش المنازل والبحث عن الأنفاق وجمع المعلومات حول "حماس" واختطاف مسلحين مقاومين وبث الإشاعات وتنفيذ عمليات تهدف إلى زعزعة المجتمع وتغذية الخلافات المجتمعية، واتهمت حركة "حماس" هذه الميليشيات بالتمرد.
عندما توقفت الحرب باشرت "حماس" في استعادة النظام والأمن والقانون، وأول ما فعلته وجهت بنادقها القليلة الناجية من التدمير الإسرائيلي صوب التشكيلات المسلحة، وجهزت عناصرها وسلحتهم ودفعتهم نحو مناطق انتشار هذه التشكيلات.
تنتشر المجموعات المسلحة التي تقاتلها "حماس" في مدينة غزة خان يونس جنوباً ورفح أقصى الجنوب، وعلى رغم قرب تلك التشكيلات من مناطق لا يزال الجيش الإسرائيلي يوجد فيها، فإن "حماس" تمكنت من الوصول إليهم وقتالهم بعنف لا يوصف.
اشتباكات وقتلى
بدأت "حماس" مواجهة المجموعات المسلحة التي تنتمي إلى عشائر كبيرة في مدينة غزة اشتبكت معهم بالسلاح واستمر تبادل إطلاق النار بين الطرفين لأيام، ولكن في النهاية تمكن عناصر أجهزة وزارة الداخلية من حسم المعركة لصالحهم.
سقط قتلى من طرفي القتال الداخلي وارتقى مواطنون أبرياء كانوا يحاولون العودة لمنازلهم من نزوح قاسٍ ومُر، وكما جرى مواجهة تلك التشكيلات في مدينة غزة، نقل أمن "حماس" الاشتباكات إلى خان يونس لمواجهة الخارجين عن القانون هناك.
في فترة الحرب كانت ترعى إسرائيل تلك المجموعات المسلحة، وتدعمها لإطاحة "حماس" وراهنت على نجاح خطتها بعد انتهاء الحرب، لكن أمن الحركة أحبط خطة تل أبيب، ولم تنجح محاولات العشائر القصيرة في السيطرة على القطاع وانتهت بفشل كارثي، إذ أعلنت العائلة التي يشن عليها عناصر الأمن دعمهم الكامل لـ"حماس".
رصدت الفصائل الفلسطينية خلال الحرب توجهاً إسرائيلياً لتشكيل أكبر عدد ممكن من الميليشيات، وعملت تل أبيب على تزويد هذه التشكيلات بأسلحة وعربات دفع رباعي وكاميرات، ولكن بمجرد انتهاء الحرب بدأ أمن "حماس" ضدهم حملة أمنية.
التشكيلات المسلحة ارتكبت فظائع
على رغم الظروف الأمنية الصعبة وعدم استقرار وقف إطلاق النار في غزة، فإن وزارة الداخلية التابعة لحركة "حماس" بدأت حملة أمنية واسعة تستهدف ملاحقة عناصر الميليشيات المسلحة والمتهمين بالتعاون مع إسرائيل على امتداد القطاع وليس في منطقة واحدة فقط.
يقول مصدر أمني في وزارة الداخلية "العصابات ارتكبت سلسلة من الانتهاكات شملت سرقة المساعدات الإنسانية المخصصة للجوعى والنازحين زادت عن 15 مليون دولار، والمتاجرة بها لشراء السلاح ونشر الفوضى الأمنية، والانخراط في ميليشيات، كما أنهم استولوا بالقوة على أراض تضم ما يزيد على 20 ألف نازح طردوهم منها وحولوها إلى ثكنة عسكرية هذه الأفعال تعرض أمن المجتمع لخطر جسيم".
ويضيف المصدر "طلبنا مراراً من العائلات بتسليم مرتكبي الجرائم، إلا أنهم رفضوا الاستجابة، ما استدعى تدخل الأجهزة الأمنية لاتخاذ قرار حاسم بحماية شعبنا وملاحقة الجناة، الآن عناصرنا يحاصرون ميليشيات داخل مدينة غزة ويشتبكون معهم، نحن مصممون على فرض النظام ومحاسبة المتورطين في القتل".
أمن "حماس" حسم المعركة
حركت حركة "حماس" قوة أمنية من 300 مقاتل لاقتحام كتلة سكنية يتحصن فيها مسلحون تابعون للعصابات، وهناك تبادلوا إطلاق النار، بحسب شاهد العيان منذر الحلو، فإن مشاهد ذعر وهلع كانت في الحي السكني مع فرار عشرات العائلات من منازلها تحت وابل من النيران.
ويقول شاهد آخر يسمي نفسه "الأصفر"، "هذه المرة لم يكن الناس يفرون من هجمات إسرائيلية، إنهم يركضون من أبناء جلدتهم، الأطفال يصرخون ويموتون إنهم يحرقون منازلهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في النهاية تمكنت الأجهزة الأمنية من السيطرة الكاملة على الميليشيات المسلحة في مدينة غزة، وتجري عمليات تمشيط شاملة في مناطق وجودها، يقول المصدر الأمني "نعالج الانفلات الأمني ونعمل على ضبط مجموعة من الخارجين عن القانون، التعليمات متركزة على ثلاثة ملفات هي العملاء واللصوص ومثيري المشكلات من العائلات وقطاع الطرق، أي نشاط مسلح خارج القانون سيقابل بحزم".
بحسب المعلومات الميدانية فإن أمن "حماس" اعتقل 60 عنصراً من الميليشيات ونقلهم لمواقع لاستكمال التحقيق معهم، يؤكد المصدر الأمني ذلك قائلاً "فككنا الميليشيات، واعتقلنا أعداداً كبيرة وحققنا معهم ووصلنا لأشخاص آخرين كانوا على تواصل وعلى صلة داخل مناطق وسط القطاع بهذه العصابات، نعاملهم كما الاحتلال، هذه ظاهرة خطرة لا مستقبل لها في غزة".
باب التوبة
بحسب بيان صحافي نشرته وزارة الداخلية فإنها تعمل على معالجة الأوضاع الأمنية والمجتمعية في القطاع، وأعلنت عن فتح باب التوبة والعفو العام أمام كل من التحق بالعصابات المسلحة ولم يتورط في ارتكاب جرائم قتل.
طلبت "حماس" من أفراد العصابات تسليم أنفسهم إلى الأجهزة الأمنية خلال فترة أسبوع، وذلك لتسوية أوضاعهم القانونية والأمنية وإغلاق ملفاتهم بصورة نهائية، وذلك انطلاقاً من قيم العدالة والمسؤولية الوطنية، وحرصاً على وحدة الصف الداخلي.
هل غزة أمام حرب أهلية؟
ما تفعله "حماس" في غزة من مواجهات مسلحة مع العائلات قد ينشب عنه فتنة داخلية وحرب أهلية وقتال مجتمعي طاحن، تقول الباحثة الاجتماعية رانية الريس "تزرع ’حماس‘ الفتنة داخل الغزيين، صحيح أن العائلات تبرأت من أبنائها مرتكبي الجرائم، لكن أقاربهم قد يثورون ضدها ويقاتلونها بالسلاح".
وتضيف الريس "تفتت المجتمع الغزي، ربما قوة السلاح تعيده إلى وحدته، ولكن ربما ينعكس ذلك سلباً ويتحول الأمر إلى حرب أهلية، الأيام المقبلة تتضح الصورة إما استتباب للوضع أو قتال داخلي وحرب مجتمعية وفتنة لن يتحملها السكان".
العشائر تدعم ما تفعله "حماس"
في العادة يتبع المجتمع الغزاوي للعشائر ويؤمن بقوانينهم وأفكارهم، ودعمت الهيئة العليا لشؤون العشائر في غزة ما تفعله الأجهزة الأمنية، ولكنها طالبت بتخفيض العنف، يقول رئيس الهيئة العليا لشؤون العشائر في غزة حسني المغني "بعد انسحاب الجيش اعتدى هؤلاء على البيوت ومنحنا قوة أمن ’حماس‘ إذناً لفرض الأمن في البلد، وهذا هو القانون".
ويضيف المغني "نرفض الاقتتال الداخلي وعلى العائلات الالتزام بالقانون وعلى أمن ’حماس‘ عدم التعامل بهذه الطريقة العنيفة حتى نحافظ على السلم المجتمعي، لكن في الوقت نفسه يجب القصاص منهم لأنهم عاثوا في الأرض فساداً على الشعب جميعاً أن يعذبهم".
لكن الناطق باسم قوى الأمن الفلسطيني أنور رجب والمقيم في رام الله يقول "حركة ’حماس‘ تؤسس لحرب أهلية في غزة الآن، في القريب سينتهي دورها، وبعد تسلم القوات الفلسطينية والقوة الدولية زمام الأمور قد يثور هؤلاء ضد عناصر ’حماس‘ وتنشب حرب مجتمعية تهدد الأمن والسلم".
موافقة ترمب
قبل أن يقلع الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى إسرائيل ومصر فاجأ العالم عندما كشف عن أنه منح "حماس" إذناً لقتال العائلات في غزة، وقال "الولايات المتحدة تدرك أن حركة ’حماس‘ تعيد تسليح نفسها لاستعادة النظام في غزة، واشنطن منحتهم الموافقة لفترة من الوقت".
وأضاف الرئيس الأميركي "إنها تلاحق الخصوم، نحن متفهمون، لأنهم يريدون فعلاً وقف المشكلات، وكانوا صريحين في شأن ذلك وقد منحناهم الموافقة لفترة من الوقت، الولايات المتحدة توكل إلى ’حماس‘ مراقبة ألا تكون هناك جرائم كبرى أو بعض المشكلات التي تحدث عندما تكون لديك مناطق مثل هذه التي دمرت حرفياً".
لكن هذا الإذن الأميركي قد تنقلب عليه "حماس"، وتستغل قوتها الجديدة لإعادة السيطرة على غزة من جديد وعدم تطبيق خطة ترمب، إلا أن الباحثة المجتمعية رانية الريس لا تتوقع ذلك، وتعتقد أن كل شيء تم بالاتفاق، ولن تكون هناك نتائج عكسية.
وفي ظل وجود "حماس" وإعادة تسليح نفسها وقتالها مع العشائر، هل تتمكن الحركة من القضاء على العصابات المسلحة؟ وهل يساعدها ذلك للتمرد على خطة السلام الأميركية من أجل البقاء في الحكم؟ وماذا ستفعل إسرائيل والولايات المتحدة إن حدث ذلك فعلاً؟