ملخص
فوز نايجل فاراج وحزب "ريفورم" في استطلاعات الرأي دفع حزب العمال ووزيرته شبانة محمود إلى طرح حزمة إجراءات هجرة صارمة، في محاولة لاحتواء غضب الناخبين وإثبات الجدية في مواجهة ملف الهجرة. لكن الخطر الأكبر يتمثل في أن تجاهل هذه المخاوف قد يفتح الطريق أمام فاراج ليصبح رئيساً للوزراء، بما يحمله ذلك من تهديد للنظام الديمقراطي ومستقبل البلاد.
إذا بدا حزب العمال - بل الحكومة العمالية نفسها - خائفاً من نايجل فاراج وحزب "ريفورم" Reform UK، فذلك لأنه يجب عليه أن يكون كذلك.
قد لا يكون صعود حزب "ريفورم" في استطلاعات الرأي سوى صرخة غضب، أو تصويتاً احتجاجياً ضد الحزبين القديمين الكبيرين، أو نتيجة تلاعب ساخر من قبل عناصر خبيثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية. وقد يحدث أن يعود الناخبون لرشدهم، ويدركوا أية فوضى عنصرية ودولة فاشلة قد يحول فاراج البلاد إليها.
وزيرة الداخلية الجديدة، شبانة محمود، تدرك أكثر من غيرها ما هو على المحك: "الوطنية، باعتبارها قوة خير، تتحول إلى شيء أضيق، إلى ما يشبه القومية العرقية".
إن حكومة تتمتع بالغالبية البرلمانية يقودها فاراج كرئيس للوزراء - دعوا هذه الكلمات تدور في أذهانكم للحظة - لن تكون كارثة حكومية عادية. سيكون فاراج أسوأ من ليز تراس. أسوأ من هيث، بل أسوأ بكثير، في الواقع، حتى من كير ستارمر، إذا شئتم.
لذا لا بد من إيقافه. فليس هناك، لنستعير عبارة قديمة، أي بديل آخر - وهذا يعني، في ظل غياب المحافظين وضعف موقع الليبراليين الديمقراطيين، أن على هذه الحكومة "العمالية" أن تواجه فاراج في ميدانه المفضل: ملف الهجرة.
إن احتمال وصول فاراج إلى السلطة هو ما دفع محمود إلى إعداد حزمة من الإجراءات الصارمة الجديدة التي كشف عنها خلال مؤتمر حزب العمال، وتشمل إلزام المهاجرين الراغبين في البقاء في المملكة المتحدة إتقان مستوى عالٍ من اللغة الإنجليزية والحفاظ على سجل جنائي نظيف والمشاركة في أعمال تطوعية ضمن مجتمعاتهم [والإقامة في المملكة المتحدة لـ10 أعوام بدلاً من خمسة]. وبحسب التغييرات المقترحة، سيكون عليهم أيضاً العمل ودفع اشتراكات التأمين الوطني، وألا يعتمدوا على إعانات الرعاية الاجتماعية.
تخيلوا، مثلاً، لو أن الحكومة نجحت في إيقاف القوارب. ولو أنها أفرغت فنادق اللجوء بحلول عيد الميلاد. ولو عالجت بسرعة التراكم الضخم من طلبات اللجوء الذي تركه المحافظون. ولو ردت على الفور على تحدي حزب الإصلاح في شأن إساءة استخدام، حقيقية كانت أو متخيلة، لوضعية "الإقامة الدائمة". فهل سيختفي حزب الإصلاح ببساطة؟ هل سيهدأ رافعو الأعلام؟ هل سيعود حزب العمال فجأة لذروة شعبيته؟ بالتأكيد لا، لكن سيكون هناك في الأقل ما يثبت أن وزراء حزب العمال مستعدون للتعامل مع المخاوف المؤلمة لبعضهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والذين يمضون في حياتهم اليومية بصورة عادية، ويعتقدون بأن "نايجل يتحدث باسم أمثالنا"، سيشعرون بأنهم يؤخذون على محمل الجد. فهم ليسوا عنصريين، ولا يرون أنفسهم جزءاً من "اليمين المتطرف"، ويضيقون ذرعاً بنظرة الاستعلاء تجاههم، بل سيقدرون أن يُصغى إليهم. فإذا رأوا القوارب توقف والفنادق المحلية تعود لنشاطها المعتاد واستعادوا الثقة بأن أنظمة اللجوء والتأشيرات والهجرة تعمل بصورة منظمة وعادلة، فلن يعودوا بحاجة إلى فاراج، وسيدفع حينها إلى الانكفاء على قاعدته.
وعند تلك النقطة يأتي دور الوزيرة محمود. فكل الدلائل تشير إلى أن وزيرة الداخلية الجديدة تدرك تماماً حجم المهمة الملحة الملقاة على عاتقها، والعواقب الوخيمة التي ستواجه البلاد إذا فشل حزب العمال في ضبط ملف الهجرة.
وإذا اعتقد الناس بأن السياسيين لا ينصتون إليهم في هذه القضية، وأنهم لم يفعلوا ذلك منذ أعوام - أو، والأسوأ، إذا شعروا بأنهم خدعوا عن قصد - فإنهم عاجلاً أم آجلاً سيفرغون إحباطهم في صناديق الاقتراع، وينتخبون أشخاصاً أسوأ بما لا يقاس مما قد يكون عليه ستارمر ومحمود بالنسبة إلى المملكة المتحدة. هكذا تعمل الديمقراطية. وستارمر محق حين يقول إن متطرفي حزب "ريفورم" سيمزقونها تمزيقاً، كما أن إد ديفي [زعيم حزب الليبراليين الديقراطيين] محق حين يحذر من أن البلاد قد تصبح باردة وقبيحة مثل أميركا في عهد دونالد ترمب.
إذا قالت الوزيرة محمود إنها ستفعل كل ما يلزم لإصلاح الفوضى ومنع تلك الكارثة من الوقوع، فإن ذلك يشكل بداية رائعة. وإذا نجحت في مساعيها تكون قد فعلت أكثر من أي شخص آخر لإنقاذ هذه الحكومة.
بالنسبة إلى أولئك الذين يرون أن سياساتها لا تقل "عنصرية" عن سياسات فاراج - وأن لا جدوى من دعم ستارمر، فيقررون التصويت لليبراليين الديمقراطيين أو لحزب الخضر أو حتى لجيريمي كوربين في دوائر حزب العمال - فعليهم أن يتخيلوا نايجل فاراج رئيساً للوزراء واقفاً على عتبة مقر الحكومة في "10 داونينغ ستريت"، بغالبية ساحقة، وهو يتحرق شوقاً لترحيل جيرانهم. إن فاراج، ذلك الدجال المبتسم، يريد أن يسرق منا بلدنا المتسامح والمسالم والوطني بحق، وعلينا ألا نسمح له بتدميره.
© The Independent