ملخص
تكشف دراسة هي الأولى من نوعها أن "تشات جي بي تي" غير أنماط السلوك الرقمي عالمياً، إذ بات بديلاً متدرجاً لمحركات البحث وأداة شخصية للمعرفة والكتابة والتأمل، مع تراجع استخدامه في العمل المباشر. التغيرات الديموغرافية أظهرت صعود الشباب والنساء كمستخدمين أساسيين، فيما تحول اعتياد الأميركيين عليه إلى قيمة اقتصادية هائلة ترى فيها "أوبن أي آي" أساساً لنمو بمليارات الدولارات.
تصدر "تشات جي بي تي" قائمة التطبيقات الأكثر تحميلاً على الإنترنت في العالم الشهر الماضي، إذ يعتمد عليه اليوم واحد من كل 10 بالغين حول العالم. وفيما يؤكد عدد متزايد من هؤلاء المستخدمين أنهم لا يستطيعون العيش من دونه، إلا أن أحداً لم يكن يعرف حقاً حتى الآن ما الذي يفعله الناس بهذا التطبيق.
فمعظم ما كان متاحاً عن "تشات جي بي تي" لم يتجاوز روايات متفرقة: أشخاص يستعينون به للرد على رسائل البريد الإلكتروني، أو لإنجاز واجبات مدرسية، أو في بعض الحالات، الانغماس في حال من الاضطراب والهواجس التي يثيرها الذكاء الاصطناعي. أما الاستخدامات الأخرى فجاءت في معظمها من الشركة المطورة "أوبن أي آي" نفسها التي قامت بتطويره. ففي وقت سابق من هذا العام، أوضح رئيسها التنفيذي سام ألتمان أن المستخدمين يلجأون إلى التطبيق للحصول على مساعدة قانونية وتلقي مشورة طبية، أو حتى نصائح تتعلق بقرارات حياتية - من دون أن يقدم أي إيضاح عن حجم انتشار هذه الاستخدامات.
وهذا الأسبوع، نشرت أول دراسة شاملة من نوعها حول الكيفية التي يستخدم بها الناس "تشات جي بي تي"، أعدها فريق البحوث الاقتصادية في "أوبن أي آي" بالتعاون مع الخبير الاقتصادي في جامعة هارفارد ديفيد ديمينغ، إذ جرى تحليل مليون ونصف المليون محادثة بين المستخدمين وروبوت الدردشة الذكي.
ووجد البحث أن أكثر من ثلاثة أرباع هذه المحادثات تركز على الإرشادات العملية والبحث عن معلومات ومهمات الكتابة. وفي تدوينة نشرت لتفصيل النتائج، قالت "أوبن أي آي" إن هذه النتائج تظهر أن "الوصول إلى الذكاء الاصطناعي ينبغي اعتباره حقاً من الحقوق الأساسية للأفراد".
ووجدت الدراسة أن من بين 700 مليون شخص يستخدمون "تشات جي بي تي" أسبوعياً، فإن الطلب الأكثر شيوعاً هو الحصول على معلومات محددة. ويعكس ذلك كيف أن الذكاء الاصطناعي التوليدي بات يحل تدريجاً محل محركات البحث التقليدية مثل "غوغل"، فيما يؤدي أيضاً دوراً أوسع بكثير كمساعد شخصي قادر على إنجاز المهمات وتقديم النصائح.
وقالت شركة "أوبن أي آي" إن نتائج دراستها "تبرز الدور المزدوج لـ’تشات جي بي تي’ كأداة لزيادة الإنتاجية من جهة، ومصدر قيّم للمستهلكين يساعدهم في حياتهم اليومية من جهة أخرى".
وأضافت الشركة أن "’تشات جي بي تي" يساعد في تحسين القدرة على اتخاذ القرارات والإنتاجية، ولا سيما في الأدوار التي تتطلب معرفة واسعة. ومع اكتشاف الناس لهذه الفوائد وغيرها، يزداد عمق الاستخدام، إذ ترفع شرائح المستخدمين من مستوى نشاطها بمرور الوقت بفضل النماذج المحسنة واكتشاف مجالات استخدام جديدة".
ولم تسلط نتائج الدراسة الضوء فقط على الطريقة التي يستخدم من خلالها الناس "تشات جي بي تي"، بل أيضاً على الطريقة المتطورة التي يجري من خلالها دمجه في حياة الأفراد.
وكانت أبرز المفاجآت أن غالبية المستخدمين يلجأون إلى "تشات جي بي تي" لأغراض غير متصلة بالعمل، إذ لا يستخدمه في إطار مهني سوى نحو 30 في المئة فقط. لكن التعمق في البيانات أظهر أنماطاً محددة لثلاث طرق مميزة يتعامل بها الناس مع "تشات جي بي تي"، صنفت على أنها: "السؤال والتنفيذ والتعبير".
فقد تبين أن ما يزيد على نصف مجمل الرسائل تقريباً كان في خانة "السؤال"، في حين شكل "التنفيذ" نحو 35 في المئة من الطلبات - بانخفاض يزيد على 10 في المئة مقارنة بالعام السابق. ويأتي ذلك على رغم ادعاءات "أوبن أي آي" السابقة بأن زيادة الإنتاجية في العمل كانت محوراً أساساً في وظيفة "تشات جي بي تي". ولا تزال الشركة تدفع بهذا الخطاب، إذ تكررت عبارة "القيمة الاقتصادية" خمس مرات في التدوينة المكونة من 10 فقرات.
أما "التعبير"، مثل أنشطة التأمل الذاتي، فلم يشكل سوى نحو 14 في المئة من التفاعلات، غير أن هذا الاستخدام شهد نمواً ملحوظاً خلال العام الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشفت الدراسة أيضاً عن اختلافات واضحة في طريقة استخدام الرجال والنساء لتطبيق "تشات جي بي تي".
فمن خلال تحليل المستخدمين الذين يحملون أسماء ذكورية نموذجية، ومقارنة عاداتهم بعادات أولئك الذين يحملون أسماء أنثوية نموذجية، تبين للباحثين أن النساء هن أكثر ميلاً إلى استخدام أداة الذكاء الاصطناعي للحصول على نصائح عملية والمساعدة في الكتابة، في حين أن الرجال هم في الغالب أكثر ميلاً إلى الحصول على المساعدة لأغراض تقنية، أو معالجة المحتوى المرئي والسمعي.
كما بات الرجال أقلية الآن بين مستخدمي التطبيق، على رغم أنهم كانوا يشكلون ما يقارب ثلثي عدد المستخدمين الأوائل. كذلك أبرزت الدراسة التي جاءت في 64 صفحة اتجاهاً ديموغرافياً آخر يتعلق بعمر المستخدمين، إذ يشكل من هم دون الـ26 من عمرهم نحو نصف مجمل مستخدمي "تشات جي بي تي". لكن مرة أخرى هذه الفجوة العمرية تتقلص تدريجاً مع مرور الوقت.
وجاء في تدوينة "أوبن أي آي": "إن فجوات الاستخدام تضيق كلما عملنا على تعميم الوصول إلى الذكاء الاصطناعي. فبحلول منتصف عام 2025، تقلصت الفجوات المبكرة بين الجنسين بصورة كبيرة، وأصبح الإقبال يعكس التركيبة العامة للبالغين".
وفي حين أن هذه البيانات الصادرة حديثاً تقدم نظرة هي الأولى من نوعها على "الذكاء الاصطناعي التوليدي"، إلا أن هذه التكنولوجيا لا تزال غير مكتملة بعد، وما زلنا لا نعرف كثيراً من الطرق التي قد تنعكس آثارها المحتملة على أسلوب عيشنا وعملنا وتجربتنا للعالم من حولنا.
ومن بين أكثر الاكتشافات دلالة على طريقة تعاملنا مع "تشات جي بي تي" ما ورد في أحد الهوامش، إذ أشار إلى دراسة منفصلة أجراها باحثون في جامعة "كارنيغي ميلون" مطلع هذا العام، خلصت إلى أن المستخدم الأميركي العادي يقدر قيمة استخدامه للذكاء الاصطناعي التوليدي بنحو 98 دولاراً شهرياً، وهو المبلغ الذي يحتاج إليه ليوافق على التوقف عن استخدامه.
ويعد هذا ثمناً لافتاً لتكنولوجيا لم يكن لها وجود قبل ثلاثة أعوام فقط. لكن بدلاً من إبداء القلق من الاعتماد المفرط أو حتى الإدمان على روبوت المحادثة، وصفت "أوبن أي آي" ذلك بأنه فرصة تجارية بقيمة 97 مليار دولار. وبالنسبة إلى شركة ما زالت بعيدة من تحقيق الأرباح، سيشكل هذا على الأرجح محوراً رئيساً في تطوير التطبيق مستقبلاً، بالتالي في كيفية استخدام الناس له.
© The Independent