Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تحول التلفزيون الأميركي إلى جبهة جديدة للصراع السياسي؟

إيقاف برنامج مقدم البرامج الشهير من شبكة "إيه بي سي" يكشف بوضوح عن أن الشاشة الأميركية قد باتت بالفعل الجبهة الأحدث في الصراعات الثقافية

احتفل ترمب بإيقاف برنامج كيميل (يوتيوب/غيتي)

ملخص

إيقاف برنامج جيمي كيميل كشف أن التلفزيون الأميركي لم يعد مجرد ترفيه، بل ساحة رئيسية لحروب الثقافة التي يوظفها دونالد ترمب لتعزيز نفوذه السياسي. ومع تراجع التعددية وصعود شركات كبرى مثل ديزني، تحوّلت الشاشات إلى ميدان استقطاب حاد بين اليمين والمحافظين من جهة، والليبراليين من جهة أخرى.

لولا كلمتين بسيطتين: "أنت مطرود"، ربما لما كان دونالد ترمب يصل إلى البيت الأبيض، فقد علّم برنامج "المتدرب" The Apprentice ذلك الشاب الأشقر الآتي من نيويورك قوة التلفزيون وأهمية تلك العبارة الرنانة، وهذا الأسبوع اصطدم هوس ترمب بالشاشة وبفن الطرد مع حدث آخر: إيقاف الناقد الدائم للرئيس جيمي كيميل عن برنامجه الحواري الذي يحمل اسمه، على خلفية تصريحات أدلى بها حول اغتيال المنظّر اليميني المتشدد تشارلي كيرك، وقد كشف ذلك عن واقع جديد: التلفزيون أصبح جبهة في حروب الثقافة.

قال كيميل لجمهوره بعد توقيف المشتبه به تايلر روبنسون "لقد بلغنا مستوى جديداً من الحضيض في عطلة نهاية الأسبوع، مع محاولة جماعة 'اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً' تصوير روبنسون على أنه أي شيء عدا كونه واحداً منهم، وسعيهم المحموم إلى حصد مكاسب سياسية من القضية".

هذه العبارات، وهي من التعليقات السياسية الخفيفة التي لطالما كانت مألوفة في برامج الـ "توك شو" الليلية، أثارت غضب أنصار كيرك ومن بينهم شاغل البيت الأبيض الحالي، وعندما أعلنت "إيه بي سي"، القناة المنتجة لبرنامج "جيمي كيميل لايف" تعليق العرض، سارع ترمب إلى منصة "تروث سوشال" ليكتب "أهنئ 'إيه بي سي' على تحليها بالشجاعة أخيراً في فعل ما كان يجب فعله، كيميل عديم الموهبة تماماً"، ولم يكتف بذلك بل طالب شبكة "إن بي سي" بطرد مقدمي البرامج الليلية لديها، جيمي فالون وسيث مايرز.

حتى هنا في بريطانيا حين باءت محاولات استنساخ برامج الـ "توك شو" الأميركية الليلية بالفشل، ندرك أهمية هذه النوعية من البرامج، فهي منصات تصنع فيها نجاحات الأفلام أو تتحطم، حيث تنطلق مسيرة نجوم الغناء، وحيث يحاول المشاهير الساقطون ترميم صورتهم العامة، لكن ما قد لا يكون واضحاً بالقدر نفسه هو أن هذه البرامج نفسها تحولت في أميركا إلى ساحات مواجهة في لحظة سياسية شديدة الاحتقان.

برنامج "جيمي كيميل لايف" تنتجه شبكة "إيه بي سي"، وهي إحدى القنوات الكبرى التي استحوذت عليها "ديزني" عام 1996، ويُبث عبر محطات محلية موزعة في أنحاء البلاد، وهؤلاء الوسطاء النافذون هم من بدأوا بالضغط على كيميل، ومع تزايد ضغوط لجنة الاتصالات الفيدرالية، الهيئة المنظمة للقطاع والتي أصبحت فعلياً تحت سيطرة إدارة ترمب، شرعت تلك المحطات في سحب البرنامج من شاشاتها، وفي النهاية لم تجد "إيه بي سي" خياراً سوى وقف الإنتاج، لتتعالى على الأثر احتفالات أنصار اليمين ممن يصفون أنفسهم بـ " أنصار حرية التعبير المطلقة" في حرية التعبير، في مقابل موجة استنكار ممن بقي من التيار الليبرالي في الولايات المتحدة.

ليس مستغرباً أن تدور المعركة الإعلامية على شاشات التلفزيون الأميركي، أما في بريطانيا فاختيار القناة لا يقول كثيراً عن هوية المشاهد: متابعة "آي تي في" أمر عادي، والولع بـ "القناة الخامسة" قد يكون غريباً بعض الشيء لكنه مقبول، وعلى رغم محاولات إطلاق قنوات أكثر انحيازاً أيديولوجياً، وغالباً من اليمين، فإنها لم تحقق نجاحاً يُذكر، فمثلاً بلغ متوسط جمهور "جي بي نيوز" هذا العام نحو 80 ألف مشاهد فقط، مقارنة بـ3.1 مليون أميركي يتابعون "فوكس نيوز"، أي أن ما يقارب 0.12 في المئة من سكان بريطانيا يتابعون "جي بي نيوز" في أي وقت، في مقابل نحو 0.98 في المئة من الأميركيين الذين يشاهدون "فوكس"، ومن شبه المؤكد أن مشاهدي "فوكس" يصوتون للجمهوريين، بينما من يفضل متابعة "إم إس إن بي سي" يميلون عادة إلى الديمقراطيين، والأمر لا يقتصر على برامج الشؤون الجارية، فالقنوات الترفيهية مثل "إتش بي أو" ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالجمهور الليبرالي (وتعزز ذلك برامج حوارية مثل 'ريل تايم مع بيل ماهر')، في حين استحوذت شبكة "باراماونت" على سوق ما يُعرف بـ "التلفزيون المحافظ الراقي"، فأميركا في نهاية المطاف بلد ضخم يقدم أكبر مائدة ترفيهية في تاريخ البشرية، وفي هذا السوق هناك مساحة لمنتجات موجهة لليبراليين وأخرى للمحافظين.

لكن خلال الأعوام الأخيرة تراجعت هذه التعددية، فقد قادت "نتفليكس" موجة التوسع في منصات البث العملاقة التي لا بد لها من استقطاب جمهور يضم مختلف التوجهات السياسية، ومن أجل ذلك سعت إلى الجمع بين تقديم قصص متنوعة وبين إنتاج عروض كوميدية خاصة لفنانين مثل ديف شابيل وريكي جيرفيس وبيل بور، وهو توازن دقيق تحاول منصات مثل "أمازون برايم" و"آبل تي في+" أن تحافظ عليه أيضاً (وهما منصتان مدعومتان بمصالح تجارية كبرى لا يُستهان بها)، وفوق هذا العالم الجديد يظل يخيّم كيان ثقافي أميركي هائل وهو "ديزني"، والذي أشبه ما يكون بـ "نجم الموت" [في حرب النجوم].

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تمتلك "ديزني" شبكة "إيه بي سي" التي كانت تعرض برنامج كيميل، كما تملك منصة "فوكس إنترتينمنت" (باستثناء أن 'فوكس نيوز' لا تزال تحت إدارة إمبراطورية روبرت مردوخ الإعلامية)، وتملك "إي إس بي إن" و"ناشونال جيوغرافيك" و"إف إكس" و"هولو"، كما تستحوذ على "مارفل" و"حرب النجوم" و"بيكسار" و"مابيتس"، إنها كيان عملاق لم يشهد له المشهد الثقافي الأميركي مثيلاً من قبل.

لكن الشركة يبدو أنها تخشى الرئيس أيضاً، وقد رأينا ذلك خلال الضجة التي أثيرت حول قانون "حظر ذكر المثلية" في فلوريدا الذي انتهى إلى صراع طويل بينها وبين حاكم الولاية رون ديسانتيس، ومنذ ذلك الحين بدت "ديزني" حريصة على عدم إثارة أي جدل، وهو وضع لم يكن يوماً ملائماً للإبداع الفني، وبعض هذا التحول قد يكون مفهوماً، إذ من الواضح أن البرامج الليلية مالت لوقت طويل إلى الخط الليبرالي بطريقة لا تعكس التركيبة السياسية الأميركية، لكن توقيت موجة الجُبن الأخيرة مثير للقلق، فقد جاءت بعد إلغاء برنامج ستيفن كولبير على شبكة "سي بي إس"، وسحب حلقة من "ساوث بارك" عن تشارلي كيرك بعنوان "Got a Nut" من البث، على رغم أن كيرك نفسه وصفها بأنها "مضحكة للغاية"، وهكذا يبدو أن التلفزيون الأميركي يقف اليوم في قلب حروب الثقافة.

وربما كان السبب الأكبر وراء كل ذلك هو الرئيس نفسه، فعلى رغم موت كيرك، الصديق المفترض لترمب، لم يركز الأخير على حساسية الموقف أو التعاطف مع الحادثة، بل شن هجوماً مباشراً على كيميل حين قال في مؤتمر صحافي إن "جيمي كيميل ليس شخصاً موهوباً، كانت نسب مشاهدة برنامجه سيئة، وكان يجب طرده منذ زمن طويل". 

ترمب، بصفته نتاج عالم التلفزيون، مفتون بهذه الوسيلة ويعامل البيت الأبيض وكأنه منصة برامج ليلية، ويقرأ أرقام الاستطلاعات كما لو كانت نسب المشاهدة التي تنشرها شركة "نيلسن" المتخصصة في قياس وتقدير نسب المشاهدة التلفزيونية والإذاعية وسلوك المستهلكين، ويعتبر كل ولاية من ولاياته كحلقة من مسلسل يمكن مشاهدته دفعة واحدة، ومع رئيس يولي التلفزيون اهتماماً مفرطاً، وناخبين لا يكترثون كثيراً بالسياسة، وجدت برامج مثل "جيمي كيميل لايف" نفسها عالقة في حرب بالوكالة تُخاض على شاشات التلفزيون الأميركي.

© The Independent

المزيد من تحلیل