Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تستمر إيران في شراء الوقت لحين هجوم جديد؟

اعتماد سياسة الغموض في شأن ملفها النووي بعد الضربات لن يخدمها طويلاً

العلم الإيراني أمام مبنى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا (أ ب)

ملخص

اعتاد المفاوض الإيراني نمط الاعتماد على شراء الوقت، فخلال المناقشات بين الوكالة وإيران منذ انتهاء حرب الـ 12 يوماً في يونيو (حزيران) الماضي حول استئناف عمليات التفتيش، أرسلت طهران رسالة تتضمن مسودة مفصلة لترتيب جديد يلزم الوكالة تقديم طلباتها لتفتيش المراكز النووية غير المتضررة على أساس كل حال على حدة.

خلال الأسابيع الماضية عاد الملف النووي الإيراني لأجندة المجتمع الدولي، ففعّلت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا منذ أيام "آلية الزناد" في رسالة إلى مجلس الأمن، وحينما يثار تساؤل لماذا الآن تحريك "آلية الزناد"، فالأمر راجع لأسباب عدة أبرزها قرب انتهاء صلاحية الاتفاق النووي الإيراني الموقع عام 2015 بموجب قرار مجلس الأمن رقم (2231)، وفي حال انتهى الاتفاق فلن يمكن الضغط على ايران لأن "آلية الزناد" ستكون قد انتهت معه.

والسبب الأخر يرتبط بواشنطن، فهذه المرة يبرز الطرف الأوروبي ويتوارى الجانب الأميركي وكأن الولايات المتحدة غير معنية بالتفاوض مع إيران في شأن الملف النووي، عكس سلوك الرئيس الأميركي دونالد ترمب في بداية ولايته حين عُرفت عنه رغبته الملحة في الوصول إلى أي اتفاق معها، ومع ذلك يمكن القول إن واشنطن لم تفقد رغبتها في حل المسألة النووية، ولا يمكن أن يسمى ذلك توظيف أدوار، بل إن الإدارة الأميركية تستخدم الضغط على ايران عبر دفع الأوروبيين لتحريك "آلية الزناد" لدفع إيران نحو التعاون، وبالتأكيد فللأوروبيين خلافاتهم مع إيران التي تفوق خلافاتهم مع واشنطن، فطهران تلاحق المعارضين الإيرانيين ومصالح إسرائيل على الأراضي الأوروبية، كما تمد روسيا بالمسيرات خلال حرب أوكرانيا، وهو ما يمثل تهديداً مباشراً للأمن الأوروبي، فضلاً عن الرغبة الأوروبية في لعب دور على المستوى الدولي حتى ولو كان رمزياً.

وأعلنت أوروبا ثلاثة شروط لعدم تفعيل آلية "كبح الزناد"، أولها بدء محادثات مباشرة بين إيران والولايات المتحدة، وثانيها تقديم تقدير لكمية اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة ومصيرها، وثالثها تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومع ذلك لم تتجاوب إيران واعتبرت أن اليورانيوم عالي التخصيب ورقة ضغط في يدها لن تتنازل عنها، ومع ذلك أعلنت وكالة الطاقة الذرية أخيراً أنها ستستأنف المحادثات مع إيران في فيينا خلال الأيام المقبلة لبحث عودة عمليات تفتيش المواقع النووية فيها.

شراء الوقت

اعتاد المفاوض الإيراني نمط الاعتماد على شراء الوقت، فخلال المناقشات بين الوكالة وإيران منذ انتهاء حرب الـ 12 يوماً في يونيو (حزيران) الماضي حول استئناف عمليات التفتيش، أرسلت طهران رسالة تتضمن مسودة مفصلة لترتيب جديد يلزم الوكالة تقديم طلباتها لتفتيش المراكز النووية غير المتضررة على أساس كل حال على حدة، وفي ما يتعلق بالمواقع المتضررة فقد تعهدت إيران بتقديم تقرير إلى الوكالة خلال شهر واحد بعد الانتهاء من هذا الترتيب، ووفقاً للاقتراح الإيراني فلن تتفاوض طهران مع وكالة الطاقة الذرية على ترتيب جديد للتعاون إلا بعد تقديم هذا التقرير، وفي المقابل أوضح مدير الوكالة رفاييل غروسي أن أي ترتيب تعاون يجب أن يكون متوافقاً مع اتفاق الضمانات النووية المبرمة بين طهران والوكالة.

مواصلة الضغط على إيران

وفي الوقت ذاته تحاول الوكالة الاستمرار في الضغط على إيران، فقد صدر تقرير سري لمجلس محافظيها وقدّم تفاصيل حول مخزون طهران من اليورانيوم، وأكد أنه حتى الـ 13 من يونيو الماضي، اليوم الذي بدأت فيه إسرائيل الحرب على إيران، كان لدى الأخيرة 440.9 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60 في المئة، بزيادة مقدارها 32.3 كيلوغرام منذ مايو (أيار) الماضي، ووفقاً للمناقشات بين إيران ووكالة الطاقة منذ انتهاء الحرب فإن الموقع الوحيد الذي جرى تفتيشه هو محطة بوشهر للطاقة النووية التي تعمل بمساعدة تقنية روسية.

من جهتها تحاول إيران التلويح بأوراق الضغط لديها في مواجهة تفعيل آلية "كبح الزناد"، فأعلن "مجلس الشورى" الإيراني خطة للانسحاب من "معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية" وبروتوكولها الإضافي، وهو سيناريو غير مجد لطهران الآن، فمن شأن ذلك منح شرعية لأي هجوم على منشآتها، إذ سيجري تصويرها كتهديد أمام المجتمع الدولي، ولذلك فهو حتى الآن مجرد تلويح، بينما تعتمد إيران، كما أكد المرشد الايراني علي خامنئي خلال خطابه الأخير، على اتباع مسارين لمواجهة العقوبات، الأول رفع العقوبات، والذي يعتمد على قرار الطرف الآخر، أي الجهة التي تفرض العقوبات، وأكد أن على المسؤولين بذل جهدهم لرفع العقوبات مع الحفاظ على المصالح الوطنية وصون منجزات النظام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما المسار الثاني فهو تحييد العقوبات، والمقصود هنا، وهو بالفعل مبدأ اعتادته إيران، اقتصاد المقاومة، فطهران تتحسب بالفعل لكل السيناريوهات وأقلها عودة العقوبات الأممية التي ترى أنه لن يكون لها تأثير حاسم في الوضع الاقتصادي والاجتماعي، فالبلاد تعانى بشدة منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي عام 2018، فضلاً عن أنه منذ نشأة النظام الإيراني اعتادت البلاد العيش في ظل ما يسمى "اقتصاد المقاومة" القائم على ترشيد استخدام الموارد، والاعتماد على التصنيع المحلي بصورة أساس.
كما تعتمد إيران على تسارع وتيرة الدبلوماسية بينها وبين الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكذلك الدعم الروسي والصيني لتأجيل تفعيل آلية "كبح الزناد"، كما تعي أنها في حال استأنفت المفاوضات مع واشنطن فستتوقف آلية "كبح الزناد"، وهنا ستكون أمامها معضلة ترتبط بشروطها لاستناف المفاوضات، فهي تريد الاحتفاظ بالتخصيب المحلي لليورانيوم ولا تريد الإفصاح عن مصير اليورانيوم عالي التخصيب.

تجنب الضربات العسكرية

وما تريد إيران تجنبه بالفعل هو الضربات العسكرية الأميركية والإسرائيلية والتي يتزامن معها الحديث عن تغيير النظام ذاته، ومن ثم فإن الهدف الأساس للتفاهم مع الغرب هو بقاء النظام، ولا سيما أن إيران تعي أن الموقف الأميركي منها حالياً لا ينفصل عن مخططات إسرائيل لشرق أوسط جديد تصيغ فيه المعادلات الأمنية والسياسية وفق أهدافها، ولذلك دأبت إيران على استغلال الأزمات لإيجاد الفرص، فبعد هجوم إسرائيل عليها في خضم المفاوضات مع واشنطن، ثم انجرار ترمب إلى نشوة النصر الإسرائيلي باستهدافه منشآت نطنز وفوردو وأصفهان، اعتمدت طهران ما سمي بـ "الغموض النووي"، ومفاده أنه على رغم ضرب تلك المنشآت فلم يجري تدميرها بالكامل، بل سيلف الغموض ملفها النووي ولن يُعرف مصير اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة، وهو ما حدث بالفعل.

والأمر الآخر أن ايران اعتادت إدارة أزماتها عبر شراء الوقت، وهو ما دفع إسرائيل إلى إنهاء المماطلة الإيرانية مع واشنطن بحرب الـ 12 يوماً، وذلك يدفع إلى التساؤل إن كانت إيران ستستمر في المماطلة وشراء الوقت إلى حين تفاجأ بهجوم أميركي - إسرائيلي جديد؟ ولذلك فربما على إيران استغلال سبتمبر (أيلول) الجاري لإحداث اختراق دبلوماسي جاد ومباشر مع الولايات المتحدة لمنع وقوع هجوم جديد عليها.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء